في ظل الاضطراب الكبير في الشرق الأوسط، وكون الاتفاق النووي مع إيران لا يزال غير نهائي بعد، واشتعال المعارك في سوريا والمرحلة الانتقالية الدقيقة في مصر، والتخبط الداخلي التركي
علي شقير
في ظل الاضطراب الكبير في الشرق الأوسط، وكون الاتفاق النووي مع إيران لا يزال غير نهائي بعد، واشتعال المعارك في سوريا والمرحلة الانتقالية الدقيقة في مصر، والتخبط الداخلي التركي، يترقب المتابعون وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية، في زيارة ضرب موعدها في نهاية شهر آذار الحالي، حيث سيجد منطقة مختلفة بدرجة كبيرة عن الخليج الذي كان قبل شهر واحد فقط، هذا إن زارها!
الهدف الأساسي في الظاهر من زيارة أوباما هو رأب الصدع مع السعوديين، الذين يشعرون بالغضب، مع دول خليجية أخرى، من الدفء في العلاقات بين واشنطن وطهران. ويأمل الرئيس الأميركي أن تهدأ العلاقات مع واحدة من أقدم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن أجل تفسير أفضل لديبلوماسيته مع إيران للرياض وجيرانها.
إلا أن هناك أموراً جديدة ومثيرة للدهشة لأطراف السلطة في الخليج. فـ«العداوات» بين حكام الدول الخليجية طافت على سطح المياه الراكدة لسنوات، في وقت يعاني فيه مجلس التعاون الخليجي، الذي كان تحالفاً إقليميا متماسكاً من قبل.
وهناك من يعتبر زيارة أوباما محاولة أميركية لتقليص الأضرار الناجمة عن سياسة الابتعاد الأميركي في عهده عن الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة.
فالتحرك السعودي الأخير يحمل بعض الرسائل، أولاها تأتي لاستعادة الدور القيادي السعودي في المنطقة، مستفيدة من نفوذها الاقتصادي الإقليمي الكبير في مرحلة إعادة تبلور الشرق الاوسط. كما أنه يوجه رسالة إلى واشنطن، عن الضرر من ما تعتبره «شهر العسل» بين أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني.
بالإضافة إلى أن تحرك الرياض يشكل رسالة دعم سعودية، سياسياً وأمنياً وماليا، للقاهرة في مرحلة ما بعد مرسي، في وجه الدعم القطري لـ«الإخوان المسلمين»، ما يشكل سعياً إلى إعادة تشكيل «محور الرياض ـ القاهرة».
وكانت واشنطن تأمل ألا تؤدي رحلة الرئيس الأميركي إلى الرياض إلى طمأنة الملك عبد الله بن عبد العزيز حول سياسات الولايات المتحدة بشأن القضية النووية الإيرانية وسوريا فقط، بل إلى أن تكون أيضاً فرصة لكسب تأييد أوسع من دول الخليج العربية.
وقد تكون واشنطن على علم بالخلاف الديبلوماسي قبل إعلانه. ففي الرابع من آذار، تحدث أوباما هاتفياً مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، وقال بيان صادر عن البيت الأبيض بأنهما «تبادلا وجهات النظر حول مجموعة من القضايا الإقليمية والتحديات الأمنية المشتركة».
ومهما كانت تفاصيل حديثهما، فإن الخلاف «العلني جداً» بين دول «مجلس التعاون الخليجي» الذي ظهر على الملأ في اليوم التالي يشكل انتكاسة لديبلوماسية الولايات المتحدة مع حلفائها في الخليج، وبندا آخر يضاف إلى جدول أعمال أوباما في لقائه المقبل مع الملك السعودي.
وبالرغم من تصريحات وزارة الخارجية الأميركية بأنها تشجع مسؤولي الدول الخليجية للتواصل مع بعضهم البعض وحل قضاياهم في أسرع وقت ممكن، إلا أن هذه الخطوة ربما تكون صعبة.
كما أن دول الخليج غاضبة من قطر بسبب دور شبكة «الجزيرة» التي تتيح للشيخ يوسف القرضاوي، الداعية الإخواني، أن ينتقد بانتظام أنظمة مصر والسعودية والإمارات.
وقد طلب جيران قطر في الخليج منها أن تتوقف عن دعم «الإخوان المسلمين»، وهو ما رفضته بشدة زاعمة أن أحد مبادئ سياستها الخارجية هو دعم مطالب الحرية والعدالة في العالم العربي.
غير أن قطر لا تزال تؤمن بجدوى رهانها على المدى الطويل، فهي تعتقد بشكل واضح أن ما تكسبه أكثر مما تخسره. ولا تزال تنظر إلى السعودية كمنافس إقليمي لها. وعلى مدار العام الماضي، خسرت قطر حلفاء رئيسيين، خصوصاً مع الإطاحة بالرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وقيادات «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يرصدون في ردهات فنادق الدوحة وهم يحتسون الشاي ويلتقون ديبلوماسيين، وأصبحوا في السجون الآن، بحسب ما ينقل مقربون.
ولا يجوز أن نغفل الدور القيادي الذي تولته السعودية في سوريا قبل أشهر عدة، وحلت محل قطر كممول رئيسي وداعم سياسي للمعارضة.
ويذكر أن قطر أعلنت الأسبوع الماضي، على لسان وزير خارجيتها خالد العطية، أنها لن تساوم على آرائها حول ما هو صحيح وسليم أو فعال من أجل إرضاء باقي دول الخليج.
وفي هذا السياق، يربط البعض بين التحرك السعودي الجديد ضد قطر و«الإخوان المسلمين»، وبين الزيارة، باعتبار التحرك السعودي رسالة قوية لأوباما قبل زيارته مفادها نهاية حلم «الإسلام السياسي» في المنطقة بعد انهياره في مصر، ووسط اعتبار أكبر حليفتين تقليديتين لواشنطن جماعة «الإخوان» تنظيماً إرهابياً.
ويقول مصدر مطلع على القنوات الأميركية القطرية، إنه بالنسبة إلى العلاقات بين واشنطن والدوحة، فبالرغم من وجود قاعدتين عسكريتين أميركيتين في قطر (العديد والسيلية)، غير أنه تسودها اليوم حالة من عدم الثقة، ولاسيما من جانب واشنطن التي باتت تعتقد أن سياسات الدوحة لا تخدم المصالح الأميركية في المنطقة، لأنها باتت تتبنى أكثر وأكثر موقف الجهات التي تمس بالمصالح الأميركية.
لذا فإن هذا الانهيار الديبلوماسي المتمثل في سحب السفراء يحول دون أي أمل لتنسيق جهود الخليجيين المتنافسة لدعم المعارضة السورية، ومواجهة إيران طبعاً، التي يرى محللون أنها المستفيد الأكبر.
ولكن هل سيزور أوباما السعودية؟
يشير عارفون في الداخل السعودي إلى أن زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض قد تتأجل إلى أجل غير مسمى. ويعزون هذا التأجيل إلى «تقلبات في صحة الملك»، حيث قام المعنيون بالتنسيق للزيارة بوضع احتمالات أو برامج ثلاثة لزيارة أوباما، كل برنامج يناسب وضعاً صحياً معيناً، وسيتم اختيار الأنسب قبيل وصول أوباما مباشرة. ففي حال كانت صحة الملك «جيدة» فإن الخيار الأول سينطبق على الزيارة وهو استقباله في جدة أو الرياض. أما في حال وجود معوقات، أي أن الوضع الصحي للملك عبدالله «مقبول»، فسيكون مكان اللقاء هو الخيار الثاني، أي روضة خريم.
الوضع الثالث والأخير، أي «سوء الحالة الصحية» لعبد الله بن عبد العزيز، هو ألا يقابل أوباما مطلقاً. وفي هذه الحالة، يذكر القائل إن السيناريو سيكون بإقناع الطرف الأميركي إعلان التأجيل لأجل غير مسمى، من قبله، وأن يتحجج بانشغال الرئيس الاميركي بأحداث أوكرانيا.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه