دخل لبنان فعليا في عملية التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية التي تتداخل فيها العديد من الظروف والمعطيات الدولية والاقليمية والمحلية في آن واحد.
دخل لبنان فعليا في عملية التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية التي تتداخل فيها العديد من الظروف والمعطيات الدولية والاقليمية والمحلية في آن واحد، ففي لبنان من الصعب ان يأتي رئيس للجمهورية بتوافق اللبنانيين فقط، بل لا بد َّ من قرار دولي-اقليمي يزكي او يدعم او يرشح او يبارك اسما معينا كي ينال هذا الاسم لقب "فخامة الرئيس" في بلاد الارز.
وما سبق ذكره هو الواقع بعينه رغم انه لا يتطابق مع ما نصت عليه المادة 49 من الدستور اللبناني حيث ذكرت فقرتها الاولى ان "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقا لاحكام الدستور، يرأس المجلس الاعلى للدفاع وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء".
ففي التدقيق البسيط للفقرة السابقة من المادة 49 من الدستور، يثار التساؤل كيف ان رئيس الدولة اللبنانية ورمز وحدة الوطن يجب ان يكون متوافقا عليه دوليا واقليما وليس لبنانيا؟؟ وكيف ان من سيسهر على احترام الدستور والمحافظة على سيادة واستقلال لبنان ويرأس القوات المسلحة فيه لن يكون نتيجة إرادة لبنانية بحتة؟ بل سيكون نتيجة إرادة أجنبية تفرضه على ارادة اللبناني الذي عليه الانصياع لقرار الخارج باختيار رئيس للبنان.
وبهذه الطريقة في معظم الاحيان، وصل الى سدة الرئاسة في لبنان منذ استقلاله في 22 تشرين الثاني من العام 1946، اثنا عشر رئيسا للجمهورية، هم تواليا: بشارة الخوري، كميل شمعون، فؤاد شهاب، شارل حلو، سليمان فرنجيّة، إلياس سركيس، بشير الجميّل، أمين الجميّل، رينيه معوض، إلياس الهراوي، إميل لحود وميشال سليمان.
ورغم ان الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور اللبناني تنص انه: "يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه الا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته ولا يجوز انتخاب احد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزا على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لاهلية الترشيح".
فإن الواقع اللبناني دائما على ما جرت العادة لا يتطابق مع النصوص الدستورية، ففي لبنان لا ينتخب الرئيس (خاصة بعد اتفاق الطائف) الا "بتوافق" معظم الاطراف السياسية محليا (بعد التزكية الدولية-الاقليمية لاسم الرئيس)، ما يجعله يحوز أغلبية موصوفة تتجاوز الثلثين، ولكن هذا ليس دائما بالامر الايجابي، لان الرئيس حتى يحوز هكذا أغلبية دونها عوائق تجعله رئيسا تابعا او مكبلا لا برنامج سياسي له ولا خطط واضحة شفافة يعمل على تطبيقها، لانه يأتي لا لبرنامجه السياسي الخاص بل لتوافق الافرقاء عليه خارجيا وداخليا.
فالرئيس في لبنان قد تقوده الصدفة احيانا الى سدة الرئاسة انطلاقا من رسو المفاوضات على شخصه لتسلم منصب الرئيس، ولذلك تراه بعد وصوله يبدأ بالتفكير بمشروع ما لينفذه، ولا غرابة إن لم يسعفه الوقت لتنفيذ مشروعه المستجد، لانه حين البدء بالتنفيذ على الطريقة اللبنانية بما فيها من مماطلة وبيروقراطية، يرى الرئيس نفسه قاب قوسين او ادنى من قرب موعد رحيله من منصبه.
كما ان الواقع اللبناني شهد العديد من حالات تجاوز النصوص الحرفية الواضحة للدستور بتعديله لحالة فردية خاصة وبصورة "استثنائية لمرة واحدة فقط"، إما للتمديد او للتجديد لشخص معين اريد له البقاء في منصبه، وهذا ما أثار ولا زال العديد من علامات التساؤل بين اللبنانيين، لا سيما ان البعض لا زال يطرح فيما يتعلق بالرئيس الحالي ميشال سليمان إمكانية التجديد او التمديد له، رغم ان المصادر المقربة من الرئيس طالما نقلت عنه عدم رغبته في ذلك.
والتعديل الاستنثائي لحالات فردية معينة وبصورة استثنائية طالما تكرر لايصال موظفين في الدولة اللبنانية لا سيما من قادة الجيش اللبناني رغم انهم كانوا يمارسون وظائفهم بعكس ما توجبه الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور التي تنص على انه: "لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى، وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان استقالتهم وانقطاعهم فعليا عن وظيفتهم او تاريخ إحالتهم على التقاعد".
لكن لماذا لا يطبق فعلا الدستور اللبناني، بأن نرى رئيس لبنان القوي الذي يرمز لوحدة الوطن ويسهر فعلا لا قولا على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان وسلامة اراضيه؟ وفي ظل هذا التباين بين النصوص الدستورية والتطبيق العملي بشأن انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان، ومع عدم وضوح الرؤية حول هوية الرئيس المقبل، ما هي المعايير التي يجب على اساسها اختيار الرئيس اللبناني المقبل في هذه المرحلة الحساسة من عمر لبنان والمنطقة؟
انطلاقا من كل ذلك، سيسعى موقع قناة المنار الى استشراف المستقبل واستنباط آراء مختلف الاطراف السياسية اللبنانية من احزاب وحركات وتيارات وقوى وشخصيات سياسية حول مواصفات الرئيس الجديد ومعايير اختياره والظروف التي تتحكم بذلك او تؤثر فيه، وما تفرضه النصوص الدستورية تحقيقا لمصلحة لبنان واللبنانيين، وصولا الى إمكانية تحديد اسم الرئيس.