27-11-2024 03:37 PM بتوقيت القدس المحتلة

«القصير 2» و«الغوطة 2» و«جنيف 2» ماذا تعني هزيمة المسلحين في يبرود؟

«القصير 2» و«الغوطة 2» و«جنيف 2»
ماذا تعني هزيمة المسلحين في يبرود؟

اذا جرى في يبرود؟ ولماذا تقهقر مسلحو المعارضة بأسرع مما توقع كثيرون؟ وما معنى دخول الجيش السوري المدينة التي ظلت توصف بأنها من قلاع المسلحين الحصينة

خليل حرب

ماذا جرى في يبرود؟ ولماذا تقهقر مسلحو المعارضة بأسرع مما توقع كثيرون؟ وما معنى دخول الجيش السوري المدينة التي ظلت توصف بأنها من قلاع المسلحين الحصينة، فإذا بها تتساقط بين ليلة وضحاها في لحظة مفارقة زمنية في ما يسمى «الذكرى الثالثة للثورة السورية»؟

وكيف يمكن قراءة معركة يبرود ربطاً بما جرى في القصير في حزيران الماضي، وبالتطورات العسكرية المحتملة في الغوطة الشرقية، وتداعيات هذا التقدم العسكري للجيش على مسيرة «جنيف 2» المتعثرة، وعلى الخيوط السياسية للمشهد في دمشق؟
وإذا كان من الصعب رسم صورة واضحة الملامح لما جرى خلال الساعات الـ48 الماضية في يبرود، واستخلاص معانيها الكاملة، إلا أن بالإمكان رصد مجموعة أحداث ونتائج لهذه اللحظة التي يراها كثيرون «إستراتيجية».
أول ما يمكن أن يقال إن ما جرى في يبرود يستكمل تقريباً انهاء «معركة قطع الشريان اللبناني». لكن الرسائل التي تخرج من دخان الاشتباكات في القلمون، يصل صداها الى ابعد من الخاصرة اللبنانية الرخوة... ربما نحو دمشق وواشنطن الى جانب الرياض والدوحة.

لكن ما هي هذه القيمة «الإستراتيجية» لما جرى في يبرود في هذه اللحظة؟. إذا كان مراقبون اعتبروا أن النظام السوري مر بثلاث مراحل اساسية في عمر الأزمة المفتوحة منذ ثلاثة أعوام، هي «الدفاع» ثم «الصمود» ثم «الهجوم»، فإن معركة القصير في الخامس من حزيران العام 2013، شكلت بداية انتهاء «مرحلة الصمود» من جانب النظام، والانتقال الى «مرحلة الهجوم». وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود، تشكل نقطة الذروة في هذا الهجوم حتى الآن، لأنها الأكثر تعقيداً جغرافياً وعسكرياً حيث يصل ارتفاع بعض جبال القلمون الى ما بين 1400 متر و1650 متراً، فيما تجعلها تضاريسها شبيهة بالجبال الأفغانية التي أنهكت عبر التاريخ جيوشاً جرارة.
لكن الفصائل المعارضة، هُزمت بسهولة نسبية، ونزلت أو انسحبت من الجبال لسبب أو لآخر، من بينها، كما تشي الاتهامات المتبادلة عبر «تويتر»، التخاذل والتقاعس والخيانات... الى جانب القوة النارية للمهاجمين.

وبالإضافة الى ذلك، فإن من معاني يبرود، الاقتراب بشكل حاسم نحو إنهاء المفاعيل اللبنانية للأزمة السورية بالمعنى الأوسع للكلمة، وبمعنى آخر «قطع الشريان اللبناني» الذي يغذي نار الصراع السوري عبر الحدود، على خطين متوازيين: الحصن - الزارة وصولاً الى وادي خالد، ويبرود فليطة وصولاً الى عرسال، ما يعني أيضاً أن «ثنائية يبرود عرسال» قد انكسرت في أحد جزئيها، وهو ما يجعل التساؤل الكبير مشروعاً: كيف سيتم التعامل الآن مع عرسال في بُعدها اللبناني بعد سقوط «ظهيرها التكاملي التبادلي» في يبرود؟
ماذا أيضاً بشأن يبرود؟. هذه المدينة الحدودية هي صلة الوصل بين ما تبقى من المنطقة الوسطى ودمشق العاصمة. ويبرود أيضاً هي «عاصمة التذخير» والتسليح من القلمون باتجاه دمشق... وخيوطها تمتد بعيداً وصولاً الى مسلحي الغوطة وفصائلها في جوبر وحرستا ودوما، ما قد يشكل ضربة مؤذية لاحتمالات «معركة الغوطة 2» التي راجت التكهنات بشأنها في الأسابيع الأخيرة، بعد معارك الغوطة الكبرى في تشرين الثاني الماضي.
وإذا كان الجيش السوري و«حزب الله» قد تمكنا من دخول يبرود، فإن هناك بعض النقاط المتفرقة التي ما زالت تحت سيطرة المسلحين حول المدينة مثل فليطة، رأس المعرة، رنكوس، عسال الورد، وادي بردى، حوش العرب، تلفيتا، الرحيبة والناصرية بالإضافة الى الزبداني. لكن مصدراً مطلعاً على المشهد الميداني قال لـ«السفير» إن «مسألة صمود مسلحي المعارضة في هذه القرى، باتت مسألة وجهة نظر لا أكثر، وإن المعنى الواقعي الذي تنتجه هزيمة يبرود، يجعل خوض معارك كبرى في بلدات متناثرة، شبه مستحيل، خاصة اذا استفاد الجيش السوري وحزب الله، من 5 عوامل متوفرة حتى الآن».

وعدد المصدر هذه العوامل:
1- عامل الهزيمة النفسية التراجعية للخصم.
2- عدم الثقة والتفكك بين المجموعات المعارضة نفسها.
3- قوة الدفع المعنوي للخصم (الجيش و«حزب الله»)
4- قوة النار.
5- يبرود هي غرفة العمليات المركزية لكل القلمون، وتمثل «عاصمة التحكم» مثلما كانت القصير «عاصمة تحكم».
لكل هذه الأسباب، يقول المصدر، فإن التدحرج من يبرود سوف يستمر،علماً أن هناك قوى أساسية في فصائل المسلحين كانت تجري اتصالات مباشرة بالجيش و«حزب الله» تعبيراً عن الرغبة بالتوصل الى تسوية، وفق منطق المصالحات التي ترعاها الدولة السورية في مناطق اخرى.

وإذا كان الميدان العسكري بنموذجه «اليبرودي» مهم، إلا أن نموذج مصالحات المعضمية وبرزة، لا يقل أهمية، وهو المعيار المتدحرج الذي بات بالإمكان البناء عليه في العديد من مناطق الجغرافيا السورية. وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود قد تعزز منطق الراغبين بالمصالحة في أكثر من منطقة ملتهبة بعدما بدا واضحاً أن المتضررين من «المصالحات» تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» و«الكتيبة الخضراء».
وفي حين تشير المعلومات المتوفرة الى أن «الجبهة الاسلامية»، بامتدادها السعودي، وتحديداً الرعاية التي كان يوليها رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان لها، لم تشارك، في معركة القلمون، كعادتها على ما يبدو في المواجهات الكبرى، حيث تؤثر الانسحاب المبكر، فإن المعلومات المؤكدة تشير الى ان «جبهة النصرة» هي التي خاضت القتال الرئيسي في يبرود، في حين سجل سقوط العديد من كبار قادة التنظيم وغيره من الفصائل خلال الايام الماضية، وهو ما أصابهم بالارتباك وتسبب بإحباط معنويات المقاتلين.
وسيكون من الضروري لرصد تداعيات يبرود، متابعة الوجهة التي ستسير عليها العلاقات المتوترة بين «داعش» و«النصرة» و«جيش الاسلام» خلال الاسابيع المقبلة، حيث من المتوقع في ظل النكسة الكبرى التي جرت الآن، اتجاهها نحو التعقيد، خصوصاً في ظل تبادل الاتهامات بالخيانة والتقاعس. لكن كان من اللافت ان الصراع الدموي بين هذه التنظيمات في اكثر من منطقة سورية والذي اوقع آلاف القتلى في صفوفهم خلال الشهور الثلاثة الماضية، لم تصل نيرانه الى القلمون، كما ظلت مناطق الغوطة بمنأى عنه نسبياً، ما يعني انها ستخضع لاختبار ساخن في الريف الدمشقي في القريب العاجل.

ومن المهم ملاحظة أن الحسم في يبرود جاء بعد اقل من شهر على تعثر مفاوضات «جنيف 2»، ومع وجود المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي في طهران، وتزايد التصريحات الاميركية، سواء على مستوى المسؤولين السياسيين او الأمنيين، او وسائل الاعلام مثل «واشنطن بوست»، برجحان كفة النظام في المواجهات الشرسة التي خاضها مع مختلف الفصائل على امتداد جبهات حمام الدم السوري. كما ترافق اقتحام يبرود مع خروج الخلاف السعودي القطري الى العلن للمرة الاولى بهذا الشكل الحاد، في وقت حدد مجلس الشعب السوري «شروطه» للمرشح المقبل للانتخابات الرئاسية السورية، ما يشكل ربما مفارقة ارتباط هذه الخطوة الرمزية في مغازيها السياسية، مع البصمة العسكرية في يبرود، واقتراب موعد ترشح الرئيس بشار الأسد.
ومن بين محصلة قصة يبرود، التي أصابها وأهلها الكثير من الخراب كغيرها من مدن المعاناة السورية، الخسارة المسجلة باسم كل من السعودية وقطر كلٌ من موقعه. القطريون من خلال ذراعهم الاولى المتمثلة بـ«النصرة»، والتي ربما كان من تجلياتها الانفراج السريع في قضية الراهبات المخطوفات، والسعوديون من خلال الانتكاسة الجديدة في مشروع بندر بن سلطان المتمثل بـ«الجبهة الاسلامية» التي الى جانب «النصرة»، تعتبران المكون الرئيسي للمعارضة المسلحة في القلمون.

وفي الخلاصة، فإن السؤال الملح هو: ماذا بعد القلمون؟ خاصة ان النظام منذ معركة القصير، لم يُمنَ بخسارة منطقة استردها، وهو ما يسمى «التحول النوعي بالتثبيت والحفاظ على المكتسبات» والتي يشارك فيها «جيش الدفاع الوطني».
فهل هي الجبهة الجنوبية في حوران والجولان؟ ام ريف حماه؟ او حلب؟ وبالتأكيد فإن المسألة ليست خاضعة للتكهنات، لكن سيكون من المهم متابعة التطورات في الغوطة على صعيد اسئلة المصالحات او المواجهات الداخلية بين الفصائل نفسها او تحرك الجيش استمراراً لسياسة القضم التدريجي. كما سيكون من المتوقع، ان القيادات السياسية والعسكرية السورية ستعمد بعد «تثبيت» الوضع في يبرود، (وهي من المكونات الاساسية لمعركة درع العاصمة)، الى مراقبة المشهد العام للصراع السوري وارتباطه بالسياسة، ثم قد تتقرر بعدها، الوجهة المقبلة لتدحرج المعركة. 

 

http://www.assafir.com/Article/1/342381

                  موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه