كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة بعد انتهاء المؤتمر الرسمي الخامس عشر للدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة 6-3-2014
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة بعد انتهاء المؤتمر الرسمي الخامس عشر للدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة 6-3-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر الله على توفيقه بأن أحيانا لنشهد لقاءً آخر مع هذا الجمع الجليل فنستمع إلى مسائل عدّة ونعرض مسائل أخرى. أشكر رئيس مجلس الخبراء المحترم على التزامه بعقد هذا اللقاء في الوقت المحدّد، على الرغم من صعوبة الأمر، وما يتطلّبه من بذل جهد وصرف وقت؛ والشكر لجميع السادة المحترَمين أيضًا.
أهميّة ودور مجلس الخبراء
لقد ذُكر الكثير حول أهميّة هذا المجلس، نحن تحدّثنا سابقًا، وكذلك أنتم أيّها السادة فقد بيّنتم هذا الأمر مرارًا؛ إنّ لهذا المجلس مكانةً خاصّة بين مجموع أركان النظام الإسلامي ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة. لكن، في بعض الأحيان، بسبب الأوضاع والأحداث التي تقع- سواءً في الداخل أو في مجمل المسائل العالميّة- تتضاعف أهميّة دور هذا المجلس واجتماع كلّ هؤلاء العلماء والشخصيّات العظيمة وعلماء الدين البارزين والمجتهدين ويكون له أهميّة استثنائيّة؛ وباعتقادنا فإنّ زماننا الحالي هو من جملة هذه الأزمنة التي تزداد أهميّة المجلس فيها، حيث إنّ هناك مسائل مهمّة تدور حولنا؛ سواء المسائل المتعلّقة بنا بشكلٍ مباشر، أو المسائل التي- وإن لم تتعلّق مباشرةً بنا - لا يمكن لنا أن نمرّ عليها مرور الكرام؛ كثيرة هي المسائل من هذا النوع حاليًّا في العالم وفي المنطقة. الأوضاع العامة- سواء في آسيا أو في إفريقيا وأوروبا- أوضاع شديدة التعقيد، أوضاع حسّاسة؛ وبالتأكيد فإنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة لديه مواقف وأفكار في مواجهة هذه الأوضاع، إنّ النظرَ الدقيق وإعادة البحث والتحليل جزء من مسؤوليّاتنا جميعًا في هذا الزمان.
نظرة إبداعيّة مبتكرة
لقد قلنا، يوجد في العالم حاليًّا معضلات كثيرة، وكذلك فإنّ مستوى تأثير الجمهوريّة الإسلاميّة في المعادلات الإقليميّة، وحتى في المعادلات العالميّة أحيانًا، أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ بناءً على هذا، فإنّ على جميع أركان النظام ومن جملتها هذا المجلس، التحلّي بنظرة إبداعيّة مبتكرة وأساسيّة للمسائل؛ الأمر الذي يفرضه الواجب الشخصي والذاتي للعلماء - حيث إنّ العلماء هم هداة الأمّة ولديهم مسؤوليّات وعليهم أن ينوّروا [أذهان] الناس؛ في النظام الإسلامي لا ينحصر عمل العلماء وواجبهم في طرح مسائل الصلاة والصوم، بل إنّهم يوقظون الناس وينبّهونهم ويوضّحون لهم الحقائق ويزيدون من بصيرتهم- وكذلك بالنظر إلى أنّ هذا المجلس هو مؤسّسة رسميّة وتقع على عاتقها واجبات ومسؤوليّات.
سأطرح مسألتين، تشمل الأولى نقاطًا حول القضايا الحاليّة في العالم. تلك القضايا التي تتعلّق بنا، وبالطبع فإنّ هناك قضايا لا تتعلّق بنا؛ أطرح نقاطًا حول ما يتعلّق بنا في مجال المسائل العالميّة.
مراقبة التحوّلات العالميّة
النقطة الأولى هي أنّ العالم يشهد تحوّلات مفصليّة، لا أحد يمكنه إنكار هذا الأمر؛ انظروا إلى منطقة شمال إفريقيا ومناطق إفريقيّة أخرى وإلى منطقة آسيا حيث برزت قوى في آسيا تستعرض قدراتها في العالم وتقف في مقابل القوى التقليديّة في العالم، كذلك لاحظوا الوضع الموجود في أوروبا؛ العالم في معرض التغيّر. بالتأكيد فإنّ التحوّلات العالميّة والتاريخيّة لا تتحقّق في زمنٍ قصير؛ فلا يمكن مثلًا أن نفترض أنّ تحوّلًا ما قد حصل وسيظهر بوضوح خلال ستّة أشهر أو سنة أو سنتين؛ كلّا، يجب الانتباه ورؤية علامات التحوّل، حتى إن احتاج هذا التحوّل إلى عشرين سنة كي يتحقّق ويتمّ بشكلٍ كامل، لكن علينا أن نفهم ماذا يجري في العالم. بناءً على هذا، فإنّ النقطة الأولى هي أنّ العالم يتعرّض لتحوّلاتٍ أساسيّة؛ علينا أن ندرك هذا الأمر جيدًا.
اضطراب جبهة التسلّط
النقطة الثانية هي أنّ الهدوء الظاهري للجبهة العالميّة المتسلّطة- أي هذه القوى التقليديّة التي كانت حاكمة في العالم، سواء القدرة الأمريكيّة أو القوى الأوروبيّة؛ والتي كانت تتمتّع بهدوء وسكون ظاهري من الناحية الاقتصاديّة والإعلاميّة ومن ناحية الاستقرار الاجتماعي داخل بلدانها فكان يخيّم الاستقرار بالظاهر على حياتهم- قد تعكّر اليوم واضطرب، والإنسان يلاحظ علامات هذا الاضطراب والتوتّر.
لقد كان هؤلاء- ولا يزالون- مجهَّزين بكلّ الوسائل؛ المال وكذلك السلاح ووسائل الإعلام وكذلك بالعلم. وعليه فإنّ القوى التي تمتلك كلّ هذه التجهيزات، ينبغي أن تنعم براحة البال وهدوء الخاطر؛ ولقد ساد هذا الهدوء، لسنوات متمادية ولكنّه انكسر اليوم وتعكّر صفوه.
1- أزمات في المجال الاقتصادي
لقد اضطرب هذا السكون في عدّة مجالات: أوّلًا في المجال الاقتصادي- حيث إنّ الميزة الأهمّ لهم كانت التطوّر الاقتصادي والنمو الاقتصادي- وأنتم تشاهدون كيف هو الوضع حاليًّا: أوروبا تعاني من أزمة اقتصاديّة، وكذلك أمريكا تتعرّض لأزمة اقتصاديّة؛ ذلك الاقتصاد الذي كان مستقرًّا، ها هو اليوم يرسل إشارات الإفلاس. حسنٌ، افرضوا بأنّ حكومة بلدٍ ما عليها ديون أكثر من كلّ إجمالي الدخل القومي فيها؛ هذا هو الوضع الموجود حاليًّا في أمريكا. حكومة مَدينة وعلى ما يبدو لا يوجد تصوّر لسبيل خلاصها من هذه الديون والقروض. لذلك تتوقّف العديد من الخطط والبرامج العامّة لديها؛ في أمريكا نفسها الوضع هكذا. وأمّا في البلدان الكبرى والقويّة في أوروبا فإنّ الوضع فيها كذلك، على الرغم من أنّهم قليلًا ما يعلنون ويصرّحون بهذا. فرئيس الجمهوريّة الحالي في أمريكا نفسها- ومنذ أن وصل إلى الرئاسة في الدورة الأولى- وعد الناس بتأمين [خدمات] الضمان الصحي الشامل والعام للجميع، ولكن إلى اليوم، وبعد مرور حوالي ستة أعوام من انتخابه، لم ينجح بالقيام بهذا العمل؛ أي إنّ بلدًا يتمتّع بكلّ تلك الإمكانات والموارد، يُطلِق فيه رئيس الجمهوريّة وعودًا للشعب ولا يتمكّن من تنفيذها؛ هكذا هم وهكذا هو وضعهم. بناءً على هذا، فهم يواجهون في المجال الاقتصادي- والذي كان يمثّل القطاع الأهم لبلدان جبهة الاستكبار والقوى التقليديّة في العالم- أزمات ومشاكل؛ كذلك أوروبا- حيث يرى الجميع ويتابعون الأخبار ويسمعون- تشهد بلدانها المختلفة معضلات اقتصاديّة كثيرة.
2- فشل في المجال الأخلاقي
كذلك فإنّهم قد هُزموا وفشلوا في المجال الأخلاقيّ؛ حسنٌ، إنّ حضارة الغرب الحاليّة قد قامت على أساس الدفاع عن الإنسان؛ لقد بُنيت كلّ هذه الحضارة على أساس "الأومانيسم" [النزعة الإنسانيّة] وأصالة الإنسان؛ ما يعني بأنّ "الإنسانيّة" ستكون العنصر الأصلي والهدف الأصلي والقبلة الأولى لهذه الحضارة؛ هذه الإنسانيّة قد سُحقت اليوم في نظام الغرب الحضاري وجرى دوسها بالأقدام! الحقّ والإنصاف أنّهم قد تجرّعوا طعم الهزيمة. حسنٌ، لقد كانوا وحتى الأمس القريب، يغطّون ضعفهم وانكسارهم بلباس العلم والأدبيّات الجامعيّة، ولكن انكشفت نقاط ضعفهم بشكلٍ تدريجي وها هو باطن هذه الحضارة الماديّة- المعادي للإنسان وللفطرة الإلهيّة- يظهر على حقيقته. وإنّ القتل والنهب والعنف من نماذجه التي تراكمت يومًا بعد يوم، فلم تعد خافية على أحد. في السابق مثلًا، كان الإنجليز يرتكبون الجرائم في الهند وفي بورما ولكنّهم كانوا وفي مناطق أخرى يقدّمون أنفسهم بشكلٍ مبهر ومحترم ومؤدّب؛ أمّا اليوم فقد مضى ذلك الزمن وانقضى! الجميع اليوم على اطّلاع بما يجري من عنفٍ وإجرام. من ينقل كلام الناس، يضع هذه الجرائم أمام أعين جبهة الاستكبار، إنّهم يقتلون ويعتدون وينهبون ويمارسون الشهوات التي تمسخ الإنسان: زواج الشاذّين جنسيًّا! وهو أمر آخر غير الشذوذ الجنسي نفسه وأشدّ منه خطورةً بدرجات! حيث يتجاهرون علنًا بترويج المنكر المعادي للفطرة (وتأتون في ناديكم المنكر) والذي ذُكر قي القرآن. إنّهم يعترفون اليوم علنًا وصراحةً، ويزوّجون الشاذّين، وتقوم الكنائس بتشريع الأمر ويصرّح رئيس جمهوريّة أمريكا بأنّه يؤيّد هذا العمل ولا يخالفه! أي إنّ الستارة قد تمزّقت والغطاء قد انكشف عن ذلك الفساد الباطني والداخلي في مجال الشهوات وأمثالها.
إهانة المقدّسات ودعم الإرهاب
الدعم الصريح للإرهاب، حسنٌ، إنّكم تلاحظون ما يجري من أحداث في المنطقة، يوجد أشخاص يشقّون صدور الناس ويلوكون أكبادهم أمام عدسات التصوير، القوى الأوروبيّة تدعمهم، ولكن باحتياط، فهم لا يقولون مباشرةً: إنّنا ندعم الجهة الفلانية، بل يقولون نحن ندعم جبهة المعارضة؛ وهكذا فهم يساندون الإرهاب، ذلك الإرهاب العنيف والمتوحّش والمفترس.
إنّهم يُهينون المقدَّسات، بكلّ سهولة، وبذريعة الحرية يلوّثون المقدّسات ويشوّهون الوجوه النورانيّة من خلال إهانة الأنبياء والعظماء؛ وليس فقط نبيّنا بل جميع الأنبياء. لقد قلت لبعض المسؤولين الثقافيّين- ومع الأسف فإنّ الكثير من مسؤولينا الثقافيّين لا يتواصلون ميدانيًّا مع المسائل الثقافيّة- بأن يتابعوا ويقرأوا الكتب المتنوّعة؛ غالبًا ما يكونون بعيدين عن الساحة. قلت لهم: إنّهم يهينون النبي موسى والنبي عيسى، وإنّهم يهينون الأنبياء العظام بشكلٍ صريح؛ هذا ما يجري حاليًّا. بناءً على هذا، فإنّ جبهة الاستكبار التي كانت تتحكّم بأوضاع العالم قد هُزمت أيضًا في الميدان الأخلاقي؛ أي إنّ إشكالات عديدة قد نزلت عليها في هذا المجال أيضًا.
تزلزل أسس الحضارة الغربيّة
كذلك فإنّ هذه الحضارة وحماة هذه الحضارة قد تعرّضوا للهزيمة في مجال منطق الهويّة أيضًا؛ لأنّ الأُسس العلميّة للحضارة الغربيّة الماديّة تتهاوى واحدة بعد الأخرى؛ لقد ظهر علماء وأبطلوا أفكارهم- سواء في مجال العلوم الإنسانيّة أو في مجال العلوم الأخرى- وهكذا تتزلزل الآن تلك الأسس العلميّة لهذه الحضارة.
وفي مجال القيمة والاحترام العالمي، الحقّ والإنصاف أنّه لم يبق أي ماء وجه لجبهة الاستكبار، أي إنّ جرائم الدول الغربيّة والحكومات المستبدّة التابعة لها قد صارت واضحةً ظاهرة لكلّ شعوب العالم، هذه القوى مكروهة مبغوضة في العالم أجمع؛ وإن كان بعض رؤساء الدول والحكومات التابعة والحكومات الضعيفة والجبانة يصرّحون بشكلٍ آخر في مجاملاتهم ولكنّ هذه القوى مبغوضة بين الشعوب. أمريكا اليوم مكروهة أكثر من الحكومات الأخرى في العالم؛ في هذه المنطقة وكذلك في المناطق الأخرى؛ في المنطقة الإسلاميّة يتضاعف الكُره لأمريكا، والوضع كذلك في بقيّة أنحاء العالم. بناءً عليه، فإنّ هؤلاء أيضًا قد هُزموا في مجال الاحترام والتقدير في العالم. وهذه مسألة مهمّة أيضًا: إنّه لم يبقَ شيء لتلك الجبهة المهيمنة والتي تمثّل الحكومة الأمريكيّة رأس الحربة لها بحيث تُعتبر الأقوى والأكثر استعدادًا للعمل والتدخّل، لكن ماء وجهها قد أُريق في العالم. هذه هي النقطة الثانية من النقاط التي أردتُ طرحها.
حقائق واقعة
1- صحوة الشعوب الإسلاميّة
المسألة الأخرى حول حقائق وأوضاع العالم، صحوة الشعوب؛ قلنا سابقًا إنّها صحوة إسلاميّة في منطقة شمال إفريقيا والمنطقة العربيّة، وقد اعترض البعض بأنّ ما حصل ليس صحوة إسلاميّة، ولا علاقة للأمر بالإسلام؛ لكن ظهر بوضوح أنّ كلّ ما جرى يرتبط بالإسلام بشكلٍ كامل؛ حسنٌ، لقد أخمدوا هذه الجذوة بحسب الظاهر فقط، إلّا أنّها شعلة لا يمكن إطفاؤها. عندما يتولَد الشعور بالمسؤوليّة والواجب عند شعبٍ ما، وعندما ينطلق الإحساس بالهويّة الإسلاميّة عند شعب ما، فإنّ هذا لا يمكن أن يزول بهذه السهولة؛ فلنفترض الآن بأنّ حكومة ما قد تمّ إسقاطها أو عزلها – بواسطة انقلاب أو بأي شكلٍ آخر- لكنّ تلك الروح التي وجدت بين الجماهير، تلك الثقة بالنفس واستعادة الهويّة الإسلاميّة، لا يمكن أن تزول بهذه البساطة وهي لن تزول الآن. اليوم، وفي تلك المناطق، وفي تلك البلدان التي قامت فيها صحوة إسلاميّة، لا تزال حالة الاشتعال كغليان المرجل ؛ ولا صحّة بأنّ هذه الصحوة قد انتهت. إنّ هذه هي أيضًا من حقائق العالم؛ لقد بلغت الاستقامة الإسلاميّة أوجها.
2- 35 سنة؛ الشعب الإيراني لن يتخلّى عن ثورته
هناك حقيقة أخرى ولعلّها هي الأهمّ بين هذه الحقائق الواقعة. وهي مسألة الشعب الإيراني؛ حيث إنّ الشعب الإيراني وبعد مضي 35 سنة من بزوغ فجر الثورة، لم يكلّ ولم يملّ ولم يتخلّ عن الثورة ولم يسحب يده ويصرف نظره عنها. لم يبتعد قطّ عن الروحيّة الثوريّة؛ لاحظوا ما حدث في يوم الثاني والعشرين من بهمَن [11 شباط] هذه السنة. إنّها ظاهرة، ولقد قلنا هذا مرارًا، أنّنا قد تعوّدنا على هذه الحادثة الشديدة الأهميّة [وهنا لديّ كلمة سأقولها لاحقًّا حول شبابنا بعد عرض الحقائق التي يجب الاهتمام بها]. على كلّ حال، فإنّ هذه مسألة أساسيّة أيضًا. بناءً على هذا، نحن موجودون الآن في هكذا عالم: هناك –حولنا وفي أنحاء العالم- تجري حاليًّا أحداث تدلّ على التحوّلات الأساسيّة التي تقع، كذلك في بلدنا حيث يشهد نمو الفكر الإسلامي والاستقامة الإسلاميّة وسموّ وشموخ شجرة الحكومة الإسلاميّة والنظام الإسلامي. بناءً على هذا، وفق هذا التوجّه، ينبغي القول أنّ نظرتنا إلى قضايانا وقضايا العالم يجب أن تكون نظرة جديّة.
نظرة واقعيّة للحقائق
الأمر الثاني الذي أطرحه، هو الأعمال التي تقع على عاتقنا حاليًّا؛ لقد دوّنت أنا العبد هنا عدّة مطالب وهي بالطبع ليست كلّ المطلوب. وكذلك فإنّ ما أقوله ليس كلامًا جديدًا بل تعرفونه جميعًا أيّها السادة، ولكن تكرار هذه الأمور وقولها مفيد؛ تقع على عاتقنا أعمال كثيرة؛ منها ما أطرحه:
1- صمود النظام القائم على الإسلام!
أحدها النظرة الواقعيّة؛ إنّ علينا أن نرى الحقائق الموجودة في مجتمعنا بشكلٍ واقعي. في العادة يتّجه النظر إلى الوقائع، بحسب طبيعة الإنسان، نحو نقاط الضعف. افرضوا بين كلّ الأشياء التي نراها، أنّنا نرى غلاء الأسعار أو عدم تحقّق بعض الأهداف الإسلاميّة، حسنٌ إنّ هذه حقائق واقعيّة وغالبًا ما نراها- وبالطبع فإنّ البعض يبالغ في حجم هذه المسائل- ولكن هناك حقائق أخرى موجودة أيضًا في هذا البلد؛ ويجب أن نراها أيضًا؛ مثل الحقيقة التي ذكرتها سابقًا، أي، واقع "صمود النظام القائم على الإسلام"؛ هذه حقيقة وواقع.
لقد كان أعداء الإسلام وأعداء إيران يتوقّعون أن يتعب الشعب بعد سنة أو سنتين أو خمسة سنوات، وأن ينسى الناس ويتخلّوا عن الثورة؛ كما حدث في الكثير من ثورات العالم؛ حين أقول "الكثير"، فالحقيقة أنّه ينبغي أن أقول الجميع!
ففي جميع الثورات التي وقعت في المئتي أو المئتين وخمسين سنة الماضية في العالم، وعلى حدّ اطلاعي أنا العبد لله، ففي تلك الثورات كلّها قد حصل هذا الأمر؛ بعد مضي فترة على الثورة؛ كان الاندفاع الثوري يخفّ والوهج الحماسي يخبو، إلى أن تنطفئ شعلتها تمامًا وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها قبل الانتصار.
لقد سافرت في زمان رئاسة الجمهوريّة إلى أحد البلدان الثوريّة بعد مرور حوالى سبعة أو ثمانية أعوام من انتصار الثورة هناك. ولقد كان رئيس ذلك البلد من الكوادر الثوريّة أيضًا، عندما وصلنا إلى محلّ إقامتنا كضيوف، لاحظت أنّ الوضع السابق نفسه قد تكرّر وأنّه يشبه ما كان عليه زمان الحاكم المستعمر السابق والذي كان برتغاليًّا؛ كان ذلك البلد مستعمرة برتغاليّة وعاد الوضع ليتكرّر: التشريفات الظاهريّة والآداب والمجاملات نفسها، لم يختلف أيّ شيء! حين انتصرت الثورة لم يكونوا كذلك ولكنّهم بشكلٍ تدريجي سقطوا وتماهوا مع عادات المستكبرين والمستبدّين السابقين وساروا على الأسلوب والمنهج نفسه؛ لم تسقط الثورة الإسلاميّة، الجمهوريّة الإسلاميّة لم تسقط؛ ولقد فشل أولئك الذين كانوا يريدون أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء وزمن عادات وأعراف وأساليب ما قبل الثورة إلى البلد وإلى الثورة. ولا تزال هذه الثورة تنطق بكلام الإسلام وفكره، فكر الاستقلال والصمود الوطني، فكر التنمية الذاتيّة الداخليّة، فكر العدل، لا تزال الثورة تجاهد وتعمل في سبيل هذه الأهداف الكبرى؛ كلّ هذه مسائل الثورة؛ إنّها أمور هامّة. هذه حقيقة واقعيّة.
2- شباب اليوم، مؤمنٌ متديّنٌ وثوري
هناك حقيقة أخرى ينبغي عدم الغفلة عنها، وهي الدوافع الدينيّة لجيل الثورة اليوم. أحيانًا نقول مثلًا أنّنا نحن كبار السنّ والشيوخ الذين شهدنا مرحلة الثورة وها نحن لا زلنا ثوريّين ولكنّنا قد خسرنا أولادنا وشبابنا حيث إنّهم تخلّوا عن الروحيّة الثوريّة؛ ولكنّ الوضع ليس كذلك. نحن اليوم لدينا شباب ثوري، في جميع أنحاء البلاد، ومن مختلف الفئات والطبقات، لدينا الكثير الكثير من هؤلاء الشباب في الجامعات، شبابٌ مؤمن متديّن وثوريّ أيضًا؛ وأنا أعتقد أنّ مستوى شأن هؤلاء الشباب هو أعلى من الشباب الثوري في بداية الثورة. لماذا؟ أوّلًا: لأنّ تلك الأيّام شهدت تلك الثورة العظيمة بحماسها وجاذبيّتها؛ ثانيًا: تلك الأيام لم يكن فيها إنترنت وكلّ وسائل الإعلام والإعلانات المتنوّعة هذه، شباب تلك الأيام لم يكن في معرض هذه الآفات والأخطار، أمّا شباب اليوم فهو في مواجهة كلّ هذه المشكلات؛ الإنترنت أمامه، وكلّ هذه الجهود التي تُبذَل لانحرافه وإفساده، لكنّ هؤلاء الشباب يثبتون على تديّنهم؛ يقيمون الصلاة ويهتمّون بها، يصلّون صلاة الليل والمستحبّات، يشاركون في إحياء المناسبات الدينيّة المهمّة يقفون بثبات مع الثورة، يطلقون الشعارات الثوريّة النابعة من صميم القلب؛ إنّ هذه أمور مهمّة. إنّنا نعتقد بأنّ جيل الثورة اليوم هو من الافتخارات الكبرى. إنّ هذه حقيقة موجودة في الواقع ويجب أن تُلاحظ وتُرى بوضوح.
3- طاقات وطنيّة هائلة
كذلك يوجد حقيقة أخرى يجب الالتفات إليها، وهي الاستعدادات والطاقات الوطنيّة التي لا تُعدّ ولا تُحصى؛ ولحسن الحظّ فإنّ مسؤولي البلاد والمسؤولين الحكوميّين- الذين التقيتُ بهم وخاصّةً في هذه الأيّام- بعد تشكيل الحكومة الجديدة، جميعهم يُقرّون ويؤمنون ويعرفون حجم هذه الطاقات الداخليّة الهائلة؛ حسنٌ، إنّ وجود هذه الاستعدادات والطاقات بحمد الله قد أدّى بهذا العبد الحقير ومن يشاركنا في الرأي إلى الوصول معًا إلى مسألة "اقتصاد المقاومة" هذا؛ وإلّا فإنّ بلدًا محرومًا من هذه الطاقات [الإمكانات] الداخليّة لا يمكنه أن يُوجد اقتصادًا مقاومًا. يتحقّق الاقتصاد المقاوم حين نمتلك نحن في داخل البلد استعدادات وموارد مناسبة. عندما يلتقي الإنسان بكلّ واحدٍ من هؤلاء المسؤولين الاقتصاديّين والمسؤولين المتابعين لهذه القضايا، يلاحظ كم يعدّدون هذه الطاقات الداخليّة الوفيرة؛ إنّ هذه المسألة أيضًا هي حقيقة شديدة الأهميّة.
4- بغض الأعداء وحقدهم
حقيقة أخرى يجب عدم الغفلة عنها، ألا وهي عداوة أعدائنا لنا. يجب الانتباه وعدم الغفلة عن عداوة الأعداء. فكما يقول الشاعر سعدي الشيرازي [ترجمة شعر]:
"عندما يعدم العدو كلّ حيلة *** يلوّح بسلسلة الصداقة وسيلة"
وحينها، فإنّه يضرب بصداقته ضربةً أقوى من كلّ العداوات وأشدّها خطرًا وضررًا ؛ ينبغي الانتباه لهذا الأمر وعدم نسيانه؛ هذه حقيقة واقعة؛ عدوّنا موجود وهو عدوّ الإسلام وعدوّ استقلالنا الوطني وعدوّ شعبنا لأنّ شعبنا يتميّز بهذه السمات؛ نعم، لو تخلّى شعبنا عن الثورة ونفض يده منها وترك الثورة والإسلام واستسلم للمعتدي، لصار العدوّ راضيًا عن شعبنا ومادحًا له مثنيًا عليه، ولكنّه الآن معادٍ لهذا الشعب لهذا السبب ﴿قد بدت البغضاء من أفواههم﴾ حيث تدلّ تصريحاتهم على حجم بُغضهم وعداواتهم العميقة. ﴿وما تخفي صدورهم أكبر﴾ فما يقولونه ما هو سوى جزء من حقدهم الدفين يظهر في أقوالهم، وإلّا فإنّ قلوبهم تخفي أكثر من هذا بكثير؛ هذه حقيقة أيضًا وينبغي تذكّرها دومًا وعدم نسيانها.
5- عجز العدو عن المواجهة المباشرة
حقيقةٌ أخرى وهي أنّ هذا العدو عاجزٌ عن مواجهة الشعب الإيراني والنظام الإسلامي. إن أردتم دليلًا على هذا العجز، فهو أنّ هذا العدو عندما لم يستطع المواجهة والصدام المباشر، لجأ إلى الحظر والعقوبات؛ وإلّا فإنّه لو تمكّن من المواجهة، فلماذا الحظر؟ وكذلك فإنّ الدليل على أنّ الحظر والعقوبات أيضًا لم تكن ذات جدوى ولن تكون في المستقبل أيضًا، هو أنّه يكرّر تهديداته بالاعتداء العسكري! حسنٌ، لو أنّهم استطاعوا بالوسائل والأساليب الرائجة والمستخدَمة عادةً في العالم لقضوا على هذه الثورة وأذلّوا هذا الشعب، ولم يكونوا بحاجة إلى كلّ هذه التهديدات والضغوط وما شابه. على كلٍّ، فإنّ هذه العقوبات ليست أمرًا جديدًا ولقد ثبُتَ عدم جدواها. ولحسن الحظّ، اليوم، فإنّ هناك وحدة رأيٍ واجتماع وإجماع حول مسألة الاقتصاد المقاوم بين مسؤولي الحكومة المحترَمين، ورئيس الجمهوريّة المحترَم وكذلك الوزراء المعنيّين ورؤساء السلطتين الأخريين واللازم توجيه الشكر والتقدير لهم على هذا؛ حيث إنّهم تبنّوا ورحّبوا بهذه الفكرة في الواقع، وبطبيعة الحال فإنّهم كانوا شركاء ومساهمين في هذه المسألة سواء في مجمَع تشخيص مصلحة النظام وفي المشاورات الخاصّة، وقد درسوا وطالعوا هذه القضيّة، وإنّ اتّفاقهم دليلٌ على فشل ما فرضوه على الشعب الإيراني من العقوبات الظالمة والناشئة من البُغض والحقد والكراهية؛ وإن شاء الله فإنّ هذا الاقتصاد المقاوم سينتصر على هذه الألاعيب والخدع. هذه حقيقة أيضًا.
6- سرّ القضيّة: الاتكال على الله
وأطرح أيضًا حقيقة أخرى- بحمد الله فإنّ الحقائق الجيدة كثيرة جدًّا- وهي أنّنا في كلّ مكان وفي أي مجالٍ اتّكلنا فيه على الله واعتمدنا على قدرة جماهير الشعب وكنّا مستعدّين للحركة الجهاديّة، كان النصر حليفنا؛ لاحظوا كيف أنّنا منذ بداية الثورة وحتى الآن، كلّما أنزلنا الشعب إلى ساحة العمل وبدأنا باسم الله، وكانت حركتنا حركة جهاديّة، كُنّا ننتصر ونحقّق أهدافنا. لقد حصل هذا في أصل القيام بالثورة، نهض الناس ونزلوا إلى الشوارع والساحات، كانت فئات الشعب المتعدّدة في وسط الميدان، وكانت الحركة حركة جهاديّة، كذلك في دفاع الثمانية أعوام- سنوات الحرب الثماني لم تكن مزحة؛ لقد فرضوا حربًا على هذا البلد مدّة ثمانية أعوام- تصدّى الناس ونزلوا إلى ساح العمل. لقد أدرك الإمام (رضوان الله عليه)- سلامٌ على الروح الطاهرة لهذا الرجل العظيم وحشره الله مع الأنبياء والأولياء- سرّ القضيّة وعرف ماذا يجب أن يفعل؛ لقد ألهمه الله وهداه لهذا؛ لقد أنزل الناس إلى وسط الميدان وتحرّك باسم الله. كذلك انتصرنا في حرب السنوات الثماني؛ وفي جميع الموارد الأخرى التي حضر الشعب فيها وكان اسم الله حاضرًا في قلوب الجماهير وعلى ألسنتها وكان العمل عملًا جهاديًّا، كان النصر حليفنا؛ هذه حقيقة أيضًا.
7- "واذكروا إذ كنتم قليل"
آخر ما أطرحه في مجال هذه الحقائق، هو أنّنا: أين كنّا وإلى أين وصلنا؟ ﴿واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون﴾ لا يغيبَنّ عن بالنا وننسى ذلك اليوم الذي كنا فيه مستضعَفين وقلّة قليلة مغلوبٌة على أمرها. هكذا كان الشعب الإيراني وكذلك كان المجتمع المتديّن المؤمن، كان هذا وضع علماء الدين وكذلك وضع الشباب الملتزم، كانوا مستضعفين وقلّة لا حول لها ولا قوّة؛ اليوم وبحمد الله فإنّ الله تعالى قد شدَّ عضدهم ومنحهم القوّة والقدرة. أعتقد أنّ أحد واجباتنا أن نرى ونلاحظ هذه الحقائق وألّا ننساها ولا نغفل عنها؛ هذا واجب.
واجب آخر: وضع الحدود وترسيمها
هناك واجب آخر قد دوّنته هنا وينبغي أن نلتفت إليه دومًا وخاصّة في أيامنا هذه، وهو واجبنا في ترسيم الحدود بشكلٍ صحيح وصريح مع جبهة الأعداء؛ تعيين الحدود. تقول الآية الشريفة: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاؤا منكم وممّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده) لا يتحدّث القرآن عن التاريخ فقط، بل يصرّح بأنّ عليكم أن تكونوا هكذا أيضًا، عليكم أن تضعوا الحدود. وهذا لا يعني أن نقطع العلاقة مع الآخرين؛ انتبهوا حتى لا يشتبه الأمر فتُطرح عليكم مغالطة بأنّكم تقولون أنّنا معادون لكلّ العالم! كلّا، إنّ عليكم وضع الحدود وترسيمها كي لا تختلط بعضها ببعض. مثل الحدود الجغرافيّة؛ حين ترسمون الحدود الجغرافيّة بين بلدكم والبلدان المجاورة، فهذا لا يعني أنّكم لا تذهبون إلى تلك البلدان وهم لا يأتون إلى بلدكم؛ بل يعني إنّ هناك حدودًا تضبط الذهاب والإياب، حيث يُعلَم متى ذهبنا ومن ذهب وكيف ذهب؛ من دخل إلى البلد ومتى وكيف ولماذا؛ وضع الحدود في المجال الجغرافي هو بهذا الشكل والأمر مماثل له في الحدود العقائديّة. في هذه الآية الشريفة نفسها وبعد أن يبيّن الله تعالى هذه الأسوة الحسنة وأسلوب عمل إبراهيم، يقول ﴿إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرَنَّ لك﴾ أي إنّ وضع الحدود هذا ليس مانعًا من أن يقول إبراهيم لأبيه إنّني أُشفق عليك وأستغفر لك؛ كلّ هذا موجود. بناءً على هذا فإنّ معنى وضع الحدود هو أن نشخّص ونحدّد: من نحن ومن أنتم.
إنّني أظنّ بأنّ السورة المباركة "قل يا أيّها الكافرون" تبيّن هذا الترسيم للحدود: ﴿لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ أي إنّ الحدود واضحة ولا ينبغي أن تختلط وتضيع. إنّ الذين يسعون إلى التخفيف من وضوح هذه الحدود وجعلها باهتة أو محوها أو إزالتها، لا يخدمون بعملهم هذا الشعب أبدًا ولا يخدمون البلد أبدًا؛ سواء في الحدود الدينيّة أو في الحدود السياسيّة. الاستقلال هو حدّ من حدود البلد؛ إنّ هؤلاء الذين يسعون للتخفيف من أهميّة استقلال الشعب وتضعيف هذا الاستقلال والقضاء عليه- بذريعة العولمة والانسجام والتوافق مع المجتمع الدولي- فيكتبون المقالات ويدلون بالتصريحات، إنّهم لا يقدّمون بهذا العمل أي خدمة لهذا البلد. أنتم تقولون فليكن لدينا علاقات مع العالم، حسنٌ، ليكن لديكم علاقات، ولكن غاية الأمر أن يكون معلومًا مع من لديكم علاقات، ولماذا هذه العلاقات وكيف تتمّ، ينبغي أن تُحدَّد هذه الأمور وهذا معنى وضع الحدود وترسيمها. الأمر هو برأينا من الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها ونقوم بها؛ من واجباتنا أن نضع الحدود.
يقوم البعض، وبمجرّد أن تحدث مشكلة ما في البلد، بإلقاء اللوم فورًا على الذين استقاموا وثبتوا على مواقفهم [قائلًا]: أريتم، عندما يُصرّ الإنسان على رأيه بهذا الشكل فإنّ المشاكل ستتوالى عليه! هذا الأمر نفسه كان موجودًا في صدر الإسلام أيضًا: (لو أطاعونا ما قُتِلوا فادرءوا عن [أنفسكم] الموت) الله تعالى وضع أسسًا فإذا لم نتحرّك وفق السنّة الإلهيّة سنبتلى بالمشاكل. وليس الأمر أن يُقال في معركة بدر ﴿يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههن﴾ ؛ القضيّة ليست هكذا، [أي] أنّنا إذا استسلمنا للعدو فإنّ مشكلاتنا سوف تحلّ وتزول؛ كلا! في الواقع إنّ عليّ أن أتوجّه بالشكر إلى مسؤولي البلاد الذين يتكلّمون بشكل صريح واضح في مواجهة العدو؛ حيث يبيّنون بلغة صريحة عدم انفعال الشعب الإيراني وعدم انفعال الثورة ؛ هذا الأمر ضروري جدًّا. ويجب أن نظهره ونخرجه بشكل خطاب ومنطق وبيان- وهذا ما سأقوله لاحقًا- وهذا أيضًا من قضايانا.
لا تهابوا الأعداء، إنّهم الأسوأ سمعةً
من واجباتنا الأساسيّة أيضًا، إنّ علينا أن لا نخاف ولا نرتعب من عداوة الأشرار، العداوة موجودة شئنا أم أبينا. لا يمكن أن يوجد شعب يتمتّع بالفكر والعقيدة والحركة ويكون مصانًا [بمنأى] من عداوة الأعداء. باعتقادي أنّه اليوم، من سعادة الشعب الإيراني أنّ أعداءه هم الأكثر افتضاحًا والأسوأ سمعة في العالم! لاحظوا كيف أنّ الحكومة الأمريكيّة اليوم معروفة ومشهورة على المستوى العالمي بأنّها لاعب عنيف ويداه ملطّختان بالإجرام وهذه هي حقيقة الأمر. أمريكا اليوم هي هكذا على المستوى العالمي: لاعب عنيف متورّط بالإجرام ولا يتورّع عن ارتكاب أي عملٍ قبيح ونقض حقوق الشعوب والبشر؛ وكذلك فإنّ الإدارة الأمريكيّة في داخل أمريكا أيضًا صارت معروفة، كحكومة ونظام، بالكذب والتزوير وعدم الوفاء بالوعود والعهود.
ولذلك فإنّ ثقة الشعب الأمريكي، بهذه الحكومة وبرئيس الجمهوريّة الحالي وكذلك بالرئيس السابق- والتي ظهرت في أدنى مستوياتها وفق استطلاعات الرأي، تشير إلى رفض الناس هناك لهؤلاء ولسياساتهم. حسنٌ، هؤلاء هم أعداؤنا؛ عدوّنا ليس حكومة محترَمة وحكومة ذات ثقة ومصداقيّة، هم هكذا. ولذلك ينبغي على الإنسان أن لا يسمح للخوف [منهم] أن يتسلّل إلى نفسه. والاعتماد على النصرة الإلهيّة هو أمرٌ بالغ الأهميّة؛ لقد قرأ سماحة الشيخ مهدوي الآية الشريفة حول قوم موسى وأنا سأقرأ قسمًا آخر، حيث إنّ بني إسرائيل عندما تحرّكوا رُحّلوا من مصر وقادهم موسى، شاهدوا جيش فرعون وقد لحق بهم ويكاد يصل إليهم؛ ﴿فلمّا تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنّا لمدرَكون﴾ حين رأوا بعضهم بعضًا من بعيد "قال أصحاب موسى إنّا لمدرَكون" أي إنّ أمرنا انتهى ومصيرنا الهزيمة ﴿قال كلّا إنّ معي ربي سيهدين﴾ . انظروا إنّ هذا درسٌ وعبرة لنا: كونوا مع الله، وحينها هل يترك الله عبده إن كان العبد معه؟ ﴿لا تخافا إنّني معكما أسمع وأرى﴾ . في قسمٍ آخر من قصّة النبي موسى، حين نكون مع الله ومن أجل الله فإنّ الله تعالى سيعين وينصر. هذا أيضًا واجبٌ آخر، أن لا نخاف ولا نرتعب.
الحفاظ على الوحدة؛ واجبٌ وتكليف
وكذا مسألة الوحدة، الوحدة الوطنيّة، حفظ الاتّحاد؛ هذا من واجباتنا وتكاليفنا. القوى التكفيريّة تنشط حاليًّا ومع الأسف في بعض نقاط المنطقة، إنّ الخطر الأكبر لهذه القوى ليس في قتل الأبرياء وإن كانت هذه جريمة كبرى، ولكنّ الأخطر من ذلك هو أنّهم يلقون بسوء الظنّ بين الشيعة والسنّة؛ إنّ هذا الأمر هو خطرٌ كبير؛ يجب علينا أن نمنع حالة سوء الظنّ هذه بحيث إنّه لا يفكّر الشيعة بأنّ المجموعة الفلانيّة التي تتصرّف مع الشيعة بهذا الشكل تمثّل جبهة أهل السنّة وهم يواجهونهم؛ ومن جهةٍ أخرى أن لا يتأثّر أهل السُنّة بذلك الكلام والتهم والافتراء الذي يُلقى حول الشيعة فتشتعل النيران أكثر، يجب الانتباه والحذر؛ على الشيعة أن ينتبهوا وكذلك على السُنّة أن ينتبهوا. يجب على الجميع وفي كلّ أنحاء البلاد أن يعرفوا؛ على السُنّة وعلى الشيعة أن يعرفوا حقيقة الأمر؛ وأن لا يسمحوا بإضعاف هذه الوحدة الموجودة حاليًا في البلاد؛ حيث إنّ أحد أبعاد الوحدة يتمثّل في وحدة المذاهب سُنّةً وشيعةً ووحدة القوميّات. إنّ إبراز التمايزات القوميّة والنفخ في نار النزعات القوميّة هو عملٌ خطير ولعبٌ بالنار؛ يجب الانتباه إلى هذا الأمر أيضًا.
الثقافة أساس الصمود
هناك مسألة أخرى هي مسألة الثقافة؛ حيث اتّضح الآن أنّ السادة قلقون، أنا العبد لله أيضًا قلق. إنّ مسألة الثقافة هي مسألة مهمّة. أساس هذا الصمود وهذه الحركة وفي النهاية الانتصار إن شاء الله، قائمٌ على حفظ الثقافة الإسلاميّة والثقافة الثوريّة وتقوية التيّار الثقافي المؤمن وتقوية هذه الشتلات التي نمت في الحقل الثقافي؛ وبحمد الله فإنّ لدينا شبابًا مؤمنًا جيّدًا في مجال الثقافة والفنّ؛ من الذين قاموا بالأنشطة وجدّوا واجتهدوا، بعضهم شباب وبعضهم تجاوز مرحلة الشباب؛ نحن لا نعاني من قلّة العناصر الثقافيّة. إنّ علينا أن نلتفت ونهتمّ بالمسألة الثقافيّة، على الحكومة المحترَمة أن تهتمّ وكذلك على الآخرين أن يهتمّوا. إنّني أشارككم هذا القلق وآمل أن ينتبه المسؤولون الثقافيّون ويلتفتوا إلى ما يقومون به من أعمال. لا تتحمّل المسائل الثقافيّة المزاح ولا تقبل المسايرة وعدم الدقّة؛ فإن وقعت ثغرة ثقافيّة ما، فهي ليست كالثغرة الاقتصاديّة يمكن تداركها بالمال، أو تقديم المساعدات والدعم العيني مثلًا؛ الأمر ليس كذلك؛ في الثقافة لا يمكن ترميم الأوضاع بهذه السهولة، فهناك مشكلات كثيرة. ففي الحقيقة يجب على الجميع أن يعرفوا قيمة الشباب المؤمن والثوري، واجب الجميع؛ الشباب المؤمن والثوري الذي يتصدّى ويضحّي بنفسه عند الشدائد، أيام الحرب المفروضة كان هؤلاء حاضرين في الميدان؛ وهم اليوم موجودون. إنّ الذين ينظرون إلى هؤلاء الشباب نظرة سوء الظنّ أو أنّهم يلقون سوء الظنّ بهم بين الناس، لا يقدّمون خدمة إلى البلد ولا إلى استقلال البلد ولا إلى تقدّم البلد ولا إلى الثورة الإسلاميّة. يجب المحافظة على هؤلاء الشباب وتقديرهم ومعرفة قيمتهم وقدرهم، والحمدلله فهم ليسوا قلّة اليوم بل إنّهم كثرة. يجب علينا أن لا ندفغ هؤلاء الشباب المؤمنين وتحت عناوين متعدّدة نحو الانزواء والطرد والابتعاد؛ وبالتأكيد فهم لن ينزووا؛ إنّ هؤلاء الشباب المؤمنين مفعمون بالدافع، ولن يتراجعوا وينزووا تحت تأثير مثل هذه الكلمات والأجواء؛ إنّما يجب علينا أن نعرف قدر هؤلاء.
صناعة الخطاب؛ تقديم هذه الحقائق ببيانٍ منطقي علمي
والمسألة الأخيرة هي مسألة "صناعة الخطاب"؛ كلّ هذه النقاط التي ذكرناها ليست فقط من باب النصيحة أو النجوى وبثّ الشكوى بيننا حيث تتحدّثون فأستمع لكم، وأتحدّث فتستمعون إليّ، كلّا! يجب أن يتمّ إخراج وعرض هذه المسائل بشكل خطاب ومنطق. الخطاب يعني الاعتقاد العمومي؛ أي الشيء الذي يقبله العموم بشكل كلام وحديث، ويهتمّ الناس به فيكوّن توجّهًا لديهم؛ هذا الأمر لا يحصل من خلال الكلام فقط؛ بل يتحقّق عبر التبيين –البيان المنطقي والعلمي وبعيدًا عن المبالغات المتنوّعة- يجب نقل هذه المفاهيم وتقديمها بواسطة اللغة السليمة، اللغة العلميّة والمنطقيّة، اللغة الجميلة والسلسة.
إنّني آمل إن شاء الله أن يتفضّل الله تعالى بتوفيقاته على جميع السادة المحترمين، وأن يعيننا أيضًا ويهدينا ويأخذ بأيدينا لنعرف أوّلًا واجباتنا ومسؤوليّاتنا إن شاء الله، وأن يمنحنا العزم الجدّي لنقوم بهذا الواجب.
"اللهم قوّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.