تقف سوق الغاز الأوروبية حاليا على مفترق حدثين مفاجئين في مجال الطاقة في السنوات العشر الاخيرة: الإزدهار الكبير للغاز الصخري الأمريكي وكارثة مفاعل فوكوشيما.
بات سعي أوروبا إلى تقليص إعتمادها على الغاز الروسي أكثر صعوبة مع تراجع إنتاج الحقول البحرية في القارة العجوز، وإرتفاع شهية الأسواق الآسيوية للغاز، وعدم إمكانية الحصول حتى الآن على الغاز الأمريكي أو من بحر قزوين والمشكلات الأمنية في شمال أفريقيا.
ويبدو ان الجهود الأخيرة للإتحاد الأوروبي من أجل تنويع موارده أثمرت بعض الشىء مع تراجع نسبة الغاز الروسي في واردات الدول الأعضاء الـ28 من 45.1′ عام 2003 الى 31.9′ عام 2012 بحسب مؤسسة الإحصاءات الأوروبية ‘يوروستات’.
ولخص باسكال جين، الخبير في شؤون الغاز لدى مؤسسة ‘برايس واترهاوس كوبرز′ الإستشارية الأمر بالقول ان ‘أوروبا خرجت من إعتمادها الثابت على الغاز الروسي، ولو أن غازبروم ستبقى لاعبا محوريا في أوروبا’.
وتواصل شركة الغاز الروسية العملاقة التشديد على ذلك، حيث إرتفعت حصتها من الواردات الأوروبية في العام الفائت بشكل كبير، علما ان حجم الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا بقي مستقرا بشكل عام في السنوات العشر الأخيرة، بالرغم من تفاوت بسيط من عام إلى التالي.
النقطة الاُخرى هي ان إنتاج الإتحاد الأوروبي للغاز (من دون النروج) الذي يغطي حاليا حوالي ثُلُث الطلب يتوقع ان يتراجع بنسبة 15-20′ تقريبا حتى العام 2020 و 25-30′ حتى العام 2030.
وتوقع تيم بورسنا، الباحث المتخصص في الطاقة في معهد ‘بروكينغز′ الأمريكي، أنه ‘من الممكن ان ترتفع حصة الغاز الروسي في أوروبا مجددا في السنوات المقبلة، سواء أعجبنا ذلك أم لا’.
وبالإضافة إلى بدء تراجع الإنتاج منذ فترة طويلة في بحر الشمال البريطاني، والتراجع المتوقع مقابل سواحل هولندا يجدر ذكر تراجع إنتاج مصدرين مهمين كالجزائر. وافاد الباحث في مذكرة ان ‘السوق ستفرض أكثر فأكثر واقع ان الغاز الروسي هو الذي سيملأ الفراغ’.
تقف سوق الغاز الأوروبية حاليا على مفترق حدثين مفاجئين في مجال الطاقة في السنوات العشر الاخيرة: الإزدهار الكبير للغاز الصخري الأمريكي وكارثة مفاعل فوكوشيما.
فمع توقف جميع المفاعلات النووية اليابانية في أعقاب الكارثة إرتفعت شهية البلدان الآسيوية للغاز (لا سيما المسال) بصورة كبيرة. وبدأت الجهات التي تُشغل سفن شحن الغاز مثل قطر، التي مكنت أوروبا من تقليص إعتمادها على الروس، تمنح الأولوية للصين وكوريا واليابان، حيث تحقق أرباحا أكبر.
كما ألقى الهجوم الإرهابي على ان حقل أميناس في جنوب الجزائر في العام الفائت والتخريب المتكرر لأنابيب الغاز بين ليبيا وإيطاليا، بظله على الثقة في الإمدادات من شمال افريقيا.
وإعتبرت الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الأخير حول الغاز في العالم حتى العام 2018 انه ‘في غياب إحتمال إرتفاع كبير لصادرات الغاز من شمال أفريقيا ومع الإنبثاق المتأخر للصادرات الإضافية الواردة من أذربيجان، فسيتلخص وضع الطاقة الأوروبي بالتنافس بين روسيا ومنتجي الغاز الطبيعي المسال’.
وتابعت ‘لحسن حظ روسيا، فإن التعطش الآسيوي للغاز المسال يعني انها ستستوعب لفترة مطولة حيزا كبيرا من العرض الإضافي، ما يترك نسبة ضئيلة لأوروبا’.
أما مورد بحر قزوين الموعود منذ فترة طويلة فيشهد تأخرا في التجهيز. ومع أنه تم إحراز تقدم بسيط في مشاريع أنابيب الغاز في مشروع ‘ساوث ستريم’ (أي المسار الجنوبي) الذي يتجنب روسيا، لكن هذه المشاريع ستضطر لمواجهة منافسة خط أنابيب ‘نورث ستريم’ (أي المسار الشمالي) المدعوم من ‘غازبروم’ ويفترض تدشينه في 2015.
وقد تستفيد النروج، التي تسعى إلى زيادة بسيطة أو إلى تثبيت إنتاجها من الغاز حتى العام 2020، من موقف تشوبه الريبة من جانب أوروبا تجاه موسكو. وسبق أن باتت النروج لفترة وجيزة عام 2012 أول مزود للإتحاد الأوروبي، سابقة روسيا. وما زال بإمكانها ان تحسن قليلا حصتها في تلك السوق، بحسب محللين.
كما أثارت إكتشافات جديدة للغاز في شرق المتوسط، في قبرص وإسرائيل آمال الأوروبيين. لكن أنظار أوروبا تتجه أكثر فأكثر إلى الضفة الاُخرى للمحيط الأطلسي، أي إلى فائض الغاز الصخري لدى الولايات المتحدة التي باتت أول منتج عالمي.
يجدر الذكر ان إنتاج الغاز الصخري في أوروبا خيب الآمال وأثار الكثير من الجدل حتى الآن.
وتكاثرت مشاريع مصانع تصدير الغاز الأمريكية، يتصدرها واحد بدأ العمل هو ‘سابينت باس′ فيما باتت مصانع اُخرى في مرحلة متقدمة من إنتظار التراخيص.وأشار ويل بيرسون، المحلل في ‘يورإشيا’ للإستشارات، الى ‘توقع ان يصبح الغاز الطبيعي المسال الأمريكي موردا أساسيا للتموين الطارئ في العالم، ما سيكون امرا قيما جدا للزبائن الأوروبيين’.
لكن الشحنات الأمريكية الاُولى لن تصل قبل 2016 ‘والتسيير سيكون تدريجيا’ بحسب الخبير. كما يتوقع ان تجتذب آسيا كبار المصدرين على هذا المستوى أيضا.بإنتظار الغاز المسال الأمريكي تتلقى أوروبا الفحم الذي لم تعد الولايات المتحدة تحتاج إليه بنفس القدر. هذا الفحم الكثير التلويث بات بديلا مهما للغاز منذ عامين في أوروبا.