28-11-2024 12:43 PM بتوقيت القدس المحتلة

"تحالف الإرادات" يشجّع المنطقة المحظورة الطيران

منذ عيد الحبّ تقريباً، وبمساعدة طقس دافئ وجميل في هذا الوقت من السنة، استقبلت عشرات الحدائق الدمشقية اعدادا كبيرةً من الزوار، علماً أنّ جزءا كبيراً منهم من الجنود السوريين الذين كانوا يتمتّعون بإجازات


كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
دمشق

منذ عيد الحبّ تقريباً، وبمساعدة طقس دافئ وجميل في هذا الوقت من السنة، استقبلت عشرات الحدائق الدمشقية اعدادا كبيرةً من الزوار، علماً أنّ جزءا كبيراً منهم من الجنود السوريين الذين كانوا يتمتّعون بإجازاتهم، وينعمون بالمساحات الخضراء مع من يحبّون، فضلاً عن العائلات والأصدقاء. وفي حديقة المنشية العامة، مع عشرات المقاعد والتماثيل فيها، وهي تقع بين فندقي "داما روز" والـ "فور سيزنز" (الفصول الأربعة) ذوي الخمسة نجوم، يبدو بعض الجنود المنهكين وهم غالباً من خارج المدينة مستلقين على العشب ، وسرعان ما ينامون تحت أشعّة الشمس الدافئة.

وهؤلاء الجنود يمزحون ويضحكون ، وتبدو عليهم علامات الرضى عندما يقترب منهم المواطنون لشكرهم على خدمة الجيش الجمهورية العربية السورية ، ولسؤالهم بشكل شخصي عمّا هي الأحوال عليه، وما إذا كان بإمكانهم تقديم أيّ مساعدة لهؤلاء الجنود. هكذا هي طباع الشعب السوري وارتباطه بسورية الأم، وهو ما لاحظته من قبل وهو فعلاً نادر الوجود بحسب تجربتي. فأنا أحبّ بلدي ولكنني بصراحة لا أشعر بهذا الفخر والإرتباط العميق الذي يظهره السوريون عن تاريخ بلدهم الذي يفوق العشرة آلاف عاماً منذ مهد الحضارة. وأنا قد أدافع عن بلدي وأقاتل من أجله إذا ما خاض حرباً شرعيّةً، الأمر الذي لم يحصل، بصراحة، خلال سنوات حياتي.

وعلى مرّ الأشهر الثلاثين الماضية من زياراتي المتكررة إلى دمشق، لم تبدُ المدينة أكثر "طبيعيةً" من الآن. ففي الليلة الماضية ، كنت ساهراً أقرأ طوال الليل، ولم يُسمع صوت قصف أو قذائف أو مدفعية، وهي الليلة الأولى على هذا الحال منذ أكثر من عامين. فلعدّة أشهر، كنت أتجنّب الذهاب إلى سوق الحميدية التاريخي، وهو السوق المركزي الأكبر في سورية، يقع داخل مدينة دمشق القديمة المحاطة بالجدران، وإلى جانب المسجد الأمويّ، ويضمّ مئات المحلّات المثيرة للإهتمام. وسبب ميلي لعدم الذهاب هو أنني سأكون أحد الزبائن المعدودين الذين يتجوّلون بين المحلّات ، وسأشعر بخجل عندما يأتي أصحاب المحلّات ويدعونني لشراء شيء، أو أيّ شيء، يساعدهم في إطعام عائلاتهم التي يعيش معظمها ليس بعيداً عن هذه المتاهة.

وسوق الحميدية اليوم، حتى لو لم يتردّد عليه المتسوّقون والزوار كما كان قبل آذار/مارس من العام 2011، فهو ما زال يكتظ بالناس حتى يكاد الأجنبي يمرّ من دون أن يلحظه أحد، على الأقلّ في أوّل مئة متر من السوق. وفي الأحياء الدمشقية، لم يعد السكّان يختفون سريعاً في منازلهم عند أوّل لحظات الغسق، فالشوارع والكثير من المقاهي تبقى مكتظّة حتى التاسعة مساءً.

"إلى أين تتجه سورية؟" هذا ما سألني عنه أحد طلّاب القانون الدولي في جامعة دمشق عندما جلسنا على درج كليّة الحقوق تحت ما بقي من أشعّة الشمس بعد ظهر احد الايام. وأكمل مستفهماً: "هل شارفت أزمتنا على الإنتهاء بحيث أننا نستطيع إعادة بناء سورية الأمّ؟ أم هل لدى أعدائنا خططاً أخرى لتدميرنا؟ إنني قلق من انجلاء هدوء اليوم بعاصفة قادمة". وربّما كان تعليقه نابعاً من شعورٍ ما سائد هنا وفي نطاقات أوسع حول تشكيل "تحالف إرادات" يضغط من أجل منطقة "إنسانية" محظورة الطيران. وبعض الحلفاء الأميركيين يخططون لوضع فكرة منطقة محظورة الطيران فوق سورية على طول 40 كيلومترا موضع التنفيذ ، ما قد يتمّ باستخدام الطائرات المنطلقة من القواعد الجويّة الأردنية وفقاً لمصادر في الكونغرس.

وأيّ منطقة محظورة الطيران ستكون مختلفةً تماماً عمّا يتمّ الترويج له من قبل دعاة الحرب في واشنطن وتل أبيب والكثير من العواصم الأوروبية فضلاً عن أعضاء مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. وبعد الجولة الثانية من محادثات جنيف 2، يُحكى أنّ البيت الأبيض وشلّة "إقصفوا الأوباش" في الكونغرس التابعة للوبي الصهيوني، يعيدون التفكير بشأن المنطقة المحظورة الطيران في سورية. ويتمّ التخطيط لها وتنفيذها مع الولايات المتحدة ، ولم يتمّ تخصيصها حتى الآن، علماً أنّ "تحالف الإرادات" جاهز لبدء استخدام الطائرات الآن في الأردن وتركيا.

وبوضعها إلى جانب مفهوم "المساعدة غير القاتلة" الزائف، على صعيد الخداع الساخر (فافتراضيّاً، "الدعم غير المميت" كلّه قاتل بالفعل ذلك أنّه يسهّل لبعض القوى قتل القوى الأخرى إذ يتضمّن المناظير الليلية ووسائل الإتصالات وأنظمة تحديد المواقع والرواتب وبطاقات الهوية المزيّفة وغيرها الكثير)، فإنّ المنطقة "الإنسانية" المحظورة الطيران والمحدودة قد تقصف أيّ شيء/شخص قد يتحرّك . كما كانت الحال في ليبيا في العام 2011 ،بحسب دراستي وشهادة الكثير من المراقبين غيري. فما رأيناه في ما كان يسمّى "الجماهيرية" هو أنّ "المسؤولية الإنسانية المحدودة للحماية" المسمّاة خطأً والمروّج لها من قبل إدارة أوباما والسفيرة الأممية إلى ليبيا "سوزان رايس" وخليفتها الآن في سورية "ساماثا باور" هي أنّ المنطقة المحظورة الطيران تعني بشكل أساسي حرباً شاملةً لتغيير النظام مهما كلّفت من أرواح وأموال.

والتجربة الليبية يتخلّلها الكثير من الفوارق بين البلدين وحكومتيهما فضلاً عن نوعية المؤسسة العسكرية في كلا البلدين، ما قد يشكّل مقدّمةً لذلك في سورية. وبتفويض من مجلس الأمن في الأمم المتحدة، دخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى ليبيا بذريعة "المسؤولية العاجلة لحماية" المدنيين المهدّدين بأعمال الشغب الدموية الحاصلة في أرجاء البلاد. وخلال أيّام، شاهدنا الأهداف "المحدودة المفحوصة بعناية" تتحوّل من "عشرات الأهداف العسكرية" المروّج لها إلى أكثر من 10 آلاف قنبلة واستخدام أكثر من 7700 "قنبلة موّجهة بدقّة" ومن الأرض. ومما علمناه خلال أسابيع في ليبيا من الضحايا والشهود العيان، بدا وكأن الأهداف كانت تتمثّل بشكل أساسي بكلّ ما يتحرّك أو كل ما كان يبدو أنّه يمكن استخدامه لأغراض العسكرية.

وقد وثّقت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" حوالى 100 حالة من قصف المدنيين وقتلهم كجزء من حملة "مسؤولية الحماية". أما التقديرات الأخرى فقد نشرتها المنظمة مرّات عدّة. وحتى يومنا هذا، ما زال المواطنون الليبيون يطالبون بالإستفهام من (الناتو) "لماذا دمّر منازلهم وقتل عوائلهم؟" وحتى الساعة لم تتمّ إجابة عوائل الضحايا الليبيين بالرغم من التحقيقات التي أظهرت طيّاري (الناتو) في معظم الأحيان لا يأبهون بالتعليمات. وبحسب طيّار بريطانيّ تائب، قال في مرحلة ما بعد الصراع: "قمنا بالقصف وكأننا نلعب بألعاب الفيديو".

أمّا "سوزان رايس"، مستشارة أوباما للأمن القومي حاليّاً، فقد التقت مسؤولين سعوديين الأسبوع الماضي لمناقشة مسألة المنطقة المحظورة الطيران والإستراتيجية المرتبطة بها بالرغم من مزاعم البيت الأبيض بأنها ما زالت غير مؤكّدة. وقد أخبرت "رايس" لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي الشهر الماضي بأن الولايات المتحدة والسعودية تعملان معاً مجدّداً حول سياسة سورية بعد عامٍ من الخلاف الحاد بين الحين والآخر.

وبين أولئك الذين يقدّمون الأعذار لإدارة أوباما حول المنطقة المحظورة الطيران، ما قد يتحوّل بسرعة إلى آلاف القنابل التي ستمتدّ عبر سورية ومن المرجّح أن تُهلٍك قوات البلاد البحريّة والدبابات، هم من يسمَّون بـ "المتمرّدين". وهم يسعون للموافقة مع فرنسا على أنّ المشاكل تنتظرهم بناءً على موعد الإنتخابات الرئاسية المزمع في نيسان/أبريل المقبل، بحيث أنّ الرئيس الحالي بشّار الأسد، يسعى على الأرجح وسيفوز بولاية جديدة.

وإلى ذلك، بحسب مصدر في الكونغرس، فإنّ إسرائيل قد عرضت المساعدة "وراء الكواليس" بقاعدات جوّية إذا كانت مطلوبة وبعض النشاطات على طول الحدود السورية الجنوبية مع فلسطين المحتلّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ غالبية دول الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى تركيا وفرنسا والمملكة المتحدة وبعض دول الإتحاد الأوروبي، كلّها تؤيّد فكرة المنطقة المحظورة الطيران. وقد وافقت السعودية بالفعل على كميّات كبيرة من أنظمة الدفاع الجوّي الصينية المحمولة، بالإضافة إلى الصواريخ الموجّهة المضادّة للدبابات من روسيا، والمزيد من الأموال لمساعدة الثوار في الإطاحة بنظام الأسد، بحسب دبلوماسيّ عربي. وفي هذا الوقت، رفعت الولايات المتحدة مساهماتها لدفع أجور مقاتلي الثوار المفضّلين.

والأدهى من ذلك هو أنّ الولايات المتّحدة قد وضعت بالفعل بطاريات صواريخ باتريوت للدفاع الجوي ومقاتلات من نوع "أف-16" في الأردن، ما قد يشكّل جزءً لا يتجزّأ من أي منطقة محظورة الطيران. ولدى الطائرات الأميركية صواريخ جوّ-جوّ باستطاعتها تدمير الطائرات السورية من مسافات بعيدة. إلّا أنّ مسؤولين قد نصحوا الكونغرس بأنّ السلاح الجويّ قد يكون ضروريّاً لدخول في عمق الفضاء الجوي السوري إذا تمّ التهديد بتطوير الطائرات السورية. وهذا سيؤدّي بسهولة إلى شنّ حرب شاملة على سورية، وإذا ما أرادت روسيا تزويد سورية بأسلحة دفاع جويّ مطوّرة وطويلة المدى من نوع "أس-300"، فإنها ستصنع منطقة محدودة محظورة الطيران أكثر خطورة للطيارين الأميركيين، وباستطاعة الجميع احتمال ما سيحصل لاحقاً.

والرئيس أوباما يحافظ مؤخّراً على محاميه الخاصّين كوزير الدفاع ووزير الخارجية الحاليين والسابقين، ويقدّم الكثير من المسؤولين والسياسيين نصائحهم للبيت الأبيض بشأن إصدار أمر المنطقة المحظورة الطيران. أما "هيلاري كلينتون"و الجنرال "ديفيد بترايوس" فيفضّلون هذه المسألة من أجل "إنهاء الفوضى" بحسب مدير وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) المتقاعد.

ومن حظّ أوباما أنّه يبدو للكثيرين في "الكابيتول هيل" متردّداً بشأن الموافقة بشكل رسميّ على منطقة أخرى محظورة الطيران كما كان الصيف الماضي عندما قاوم الدعوات لشنّ حرب على سورية، فضلاً عن مطالب دعاة الحرب في الكونغرس للذهاب إلى حرب مع إيران بالنيابة عن حكومة نتنياهو. وقد صرّح السيد أوباما هذا الأسبوع أنّ الجهود الدبلوماسية أبعد من أن تصل إلى هدفها بحلّ الصراع السوري، "إلّا أنّ الحال مستمرّة ونحن نواصل البحث عن أيّ وسيلة محتملة بما فيها الطرق الدبلوماسية".

وإذا ما وسّع الرئيس أوباما سجلّاته في وضع المصالح الأميركية أوّل قراراته الثلاث الأساسية خلال الأشهر الستة الماضية، وإذا ما استمرّ بالدبلوماسية بدلاً من شنّ الحرب على سورية وربّما على حلفاء دمشق من خلال منطقة محظورة الطيران، سيكون متّجهاً نحو الفوز بجائزة نوبل التي لم يحن أوانها بعد.

فرنكلين لامب أستاذ زائر في القانون الدولي في كلّية الحقوق بجامعة دمشق. وهو متطوّع في برنامج صبرا وشاتيلا للمنح التعليمية (sssp-lb.com).