خير دليل على بهتان مفهوم «الاقتصاد الأخضر» من الناحية البيئية، ان المجموعات الاقتصادية التقليدية تبنته. صحيح ان هذا ما كان يريده مبتدعوه، الا ان هذا ما حذر منه منتقدوه ايضا.
خير دليل على بهتان مفهوم «الاقتصاد الأخضر» من الناحية البيئية، ان المجموعات الاقتصادية التقليدية تبنته. صحيح ان هذا ما كان يريده مبتدعوه، الا ان هذا ما حذر منه منتقدوه ايضا.
حبيب معلوف / جريدة السفير
منذ ظهور هذا المفهوم الذي ابتدعه برنامج الامم المتحدة للبيئة العام 2008 والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول العام 2009 في قرارها بعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أو ما يعرف بمؤتمر «ريو+20»، عام 2012 في ريو دي جانيرو، تحت رايته... ونحن نقول انه لن ينفع، حسب وجهة نظرنا، في حل أزمات العصر البيئية والاقتصادية والمالية، ولا ازمة الفقر والبطالة، كونه لا يتطرق الى معالجة بنية الاقتصاد العالمي المسيطر والمسؤول عن الأزمات العالمية المتلاحقة، بل يحاول تجميلها عبر تغيير لونها. كبناية كبيرة على وشك الانهيار، نسارع الى تغيير لونها الخارجي بدل ان ندعّمها من أساساتها او نعيد تأسيسها!
واذ يشير الخبراء المؤيدون ان تلوين الاقتصاد باللون الأخضر قد جاء للإشارة إلى استبدال الاقتصاد البني المعتمد على الطاقة الاحفورية بالاقتصاد المعتمد على التكنولوجيا الخضراء كتوليد الطاقة من الرياح والشمس واعتماد السيارات على البطاريات... وانه سيؤمن فرص عمل جديدة، لم يذكروا ان هناك اناس سيفقدون عملهم... كما لم يذكروا شيئا عن الاتربة النادرة التي تحتاجها التكنولوجيا الخضراء والتي يتطلب استخراجها تلويث التربة والمياه بشكل مخيف، وقد تهربت معظم الدول من التنقيب عنها.
كما لم يذكروا شيئاً عن الجهات التي ستمول عملية الانتقال الى الاقتصاد الاخضر ومتطلباته، لا سيما في قضايا الطاقة التي تتطلب الانتقال من الطاقة المعتمدة على الوقود الوسخ كالفحم الحجري الى الطاقات النظيفة كمراوح الهواء او الالواح الشمسية العاكسة، او في قطاع النقل الذي يعتمد على السيارات الهجينة او الكهربائية (بدل سيارات البنزين والديزل) ومن سيتحمل الكلفة والدعم في ظل اقتصاد السوق القائم على المنافسة... من دون المس بقدسية السوق ولا بقواعده التنافسية!
ولعل الذي يفسر تأييد بعض قوى السوق للاقتصاد الأخضر، كونه جزءاً من اقتصاد السوق المتسبب بمعظم الكوارث البيئية وليست ضده. انه نوع من الاستثمار الجديد في السوق نفسه. انه نوع جديد من الاستثمار في الازمة، وليس ومن الاجراءات لوقف الازمة او معالجتها. انه سوق جديد تستفيد منه قلة ولا يغير شيئاً في بنية الاقتصاد ككل. فتغيير مصباح متوهج بمصباح يعمل بالزئبق الموفر اكثر في الطاقة، يعني الاستثمار في نوع جديد منافس في السوق ولا يعني توفيراً في الطاقة. هو يعني استخدام مواد جديدة ناضبة حتماً وملوثة طبعاً وغير بيئية حتماً. وسرعان ما سنكتشف بأننا عالجنا مشكلة لنتسبب بمشكلة اخرى، تماماً كما حصل مع المواد البديلة عن تلك المستنفدة لطبقة الاوزون التي تسببت بتغير المناخ!
ليست العبرة اذاً بالادعاء بإيجاد البدائل بالمطلق. المسألة تتعلق بدراسة دورة حياة المنتج من لحظة الاستخراج من الارض الى طرق التصنيع الى طرق الاستعمال، الى ان يتحول المنتج الى نفايات وانعكاساتها وكلفة معالجتها او إعادة تصنيعها.
فأي شعار او خيار بيئي جديد، هو شعار مخادع طالما جاء من ضمن اقتصاد السوق وليس ضده او في مواجهته او بديلا عنه. هذا الاقتصاد الذي تقوده القوى الرأسمالية الكبرى القائمة على المنافسة والتي لا تبغي إلا الربح كقيمة عليا والذي يخرج عن سيطرة الدول التي كان يفترض ان تبدي قيم الاستدامة وحفظ حقوق الانسان الآني والآتي على مصالح الافراد والشركات.
خرج ممثلو ما يقارب 188 دولة من قمة الريو العام 2012 ببيان ختامي غير ملزم وغير واضح حمل عنوان «المستقبل الذي نريده».
ويدعو النص الختامي الى اعتماد «الاقتصاد الاخضر» كنموذج اقل تدميرا للكوكب الذي سيرتفع عدد سكانه من سبعة مليارات حاليا الى 9,5 مليارات في 2050، تاركاً لكل بلد ان يفسر «سياسات الاقتصاد الاخضر» حسب فهمه ومصالحه، مشدداً فقط على انها يجب ألا تشكل «قيوداً مقنعة على التجارة الدولية»... الخ.
وهذا ما يفسر ان السقف الذي وضع لهذا الاقتصاد الأخضر المزعوم هو ان لا تتأثر حركة ومصالح قوى السوق وارباح الشركات. فأي «مستقبل» اسود يمكن توقعه من خديعة تتلاعب في الألوان من دون أي فن؟