شبه جزيرة القرملم يعد قرار عودتها للسيادة الروسية قابلاً للمساومة بين الروس والغرب. لتطرح بالتالي تساؤلات حول السيناريوهات التي تشكل تركيبة الدولة الأوكرانية مستقبلاً
أحمد الحاج علي - روسيا
حدد "الخطاب التاريخي" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمام المجلس الفدرالي وأركان الدولة، نقطة اللاعودة بعد الإقرار بضم شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبل البحرية لروسيا الاتحادية.
شبه جزيرة القرم، التي قاتلت روسيا من أجلها على مدى قرنين، لم يعد قرار عودتها للسيادة الروسية قابلاً للمساومة بين الروس والغرب. لتطرح بالتالي تساؤلات حول السيناريوهات التي تشكل تركيبة الدولة الأوكرانية مستقبلاً.
أليكسي فينينكو، باحث في معهد مشاكل الأمن الدولي في الاكاديمية الروسية للعلوم، شرح خلال مقابلة خاصة مع موقع المنار، الوضع الحالي وإحتمالات تطور مستقبل الازمة الاوكرانية معتبرا أن مفتاح حل الأزمة الان بيد أوكارانيا والسلطة في كييف.
ورأى أنه على القيادة الاوكرانية الاعتراف بالمتغيرات الحاصلة، وأن يستوعبوا أن تاريخ 16 آذار/ مارس كان مفصلياً وحمل نقطة اللاعودة، حيث لن تعود القرم جزءاً من أوكرانيا.
فينيكو قال إن النقاش ليس حول مصير القرم، بل حول مصير المناطق الاوكرانية الاخرى. وأشار إلى أن أوكرانيا قد تسير باتجاه الفدرلة والتقسيم إلى ثلاثة أقاليم: منطقة حكم ذاتي في جنوب الشرق وهي منطقة نفوذ روسي، وأوكرانيا التقليدية (كييف وثلاثة أو أربع ةأقاليم زراعية محيطة) إضافة إلى المنطقة المجرية السلوفاكية الهنغارية البولونية ما يسمى بخلف الكاربات (أي المناطق المتصلة بالدول المحاذية لأوكرانيا غربا ومعظمها أضيف لأوكرانيا الإدارية بعد الحرب العالمية الثانية).
اقترحت روسيا تثبيت واقع "أوكرانيا المستحدثة" كدولة حيادية على الساحة الدولية وتكون موسكو ضامنة للمناطق الجنوب شرقية، والولايات المتحدة وبولونيا كضامن لأوكرانيا الاساسية أي كييف والأقاليم الثلاثة المحيطة بها، والمجر وهنغاريا كضامن لمنطقة محاذاتهم معها بمشاركة رومانيا. وهو ما يعتبره فينينكو في الوقت الحالي سيناريو إيجابي وحيد متوفر للحفاظ على وحدة أوكرانيا.
واعتبر الباحث الروسي أنَّ الخيار الآخر السلبي سيكون فيما لو إستمرت الإدارة الاوكرانية بممارسة الضغط على روسيا، وعلى السكان الناطقين باللغة الروسية في مناطق نفوذ تاريخية لموسكو، فمن الطبيعي أن نكون أمام مشهد مختلف من ناحية عدم الإستقرار والتفكك. "كما شاهدنا بالامس الاعلام الروسية ترفع بفرح في القرم، فبعد الغد سنرى الاعلام المجرية في أوتشغوراد وموكاتشف ( الجهة الأوكرانية المحاذية للمجر) ، ويمكن أن نرى اعلاما رومانية في تشيرنوفتسه، ويمكن للوضع أن يتطور لإنهيار كامل لأوكرانيا، أي تقاسم بين الدول المجاورة"، قال الباحث.
واعتبر أن أوكرانيا هي مثال مصغر على ما كان عليه الإتحاد السوفياتي الذي وحد قوميات مختلفة. ورأى أن هذه الدولة ممكن أن تستمر إذا تمكنت السلطة في تحقيق توازن بين الجماعات المختلفة والمحافظة على نفوذ الدول المجاورة والمؤثرة.
"هذه الخارطة قد إنهارت بفعل أزمة عام 2013 المرتبطة بإتفاقية أوكارنيا والإتحاد الأوروبي" يقول اليكسي فينينكو. ووصول "القوى الراديكالية" إلى الحكم في كييف أثَّر سلباً على التركيبة الأوكرانية. فمحاولة فرض الانتماء الاوكراني بالعنف، سيؤدي لردة فعل عكسية تماما.. "هنا يظهر أساس ما تكلم به الجنرال ديمبسي في الثامن من آذار/مارس، سيناريو دخول قوات الناتو إلى الاراضي الاوكرانية" وفق ما يقول فينينكو.
روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي
في حال وقوع هذا السيناريو فإن القوات الروسية أيضا في هذه الحال لن تقف مكتوفة الأيدي، على حد قوله. و يضيف: "نعم قد أخيب أمل من يقول في كييف أن الناتو سيدافع عن أوكرانيا! ويعيد أوكرانيا، الناتو لن يسيطر على كل أوكرانيا ، الناتو سيدخل إلى خط محدد ويقف عنده!" متوقعاً أنه في حال حصول ذلك فإن "الناتو سيحمي أوكرانيا دون القرم ودون خاركوف ودون دامباس!" واستبعد أن ترسل الولايات المتحدة أو إيطاليا -على سبيل المثال- قوات متوقعاً أن توكل هذه المهمة الى الدول المحاذية كبولونيا وهنغاريا ورومانيا التي لديها تحفظات تاريخية ومطالب على أوكرانيا. واعتبر أنه في هذا الحال، فإن مصير أوكرانيا سيحدده تفاهم بين موسكو وبودابيست بوخاريست ووارسو وواشنطن.
ورأى الباحث الروسي في معهد الامن الدولي أنَّ ما يحصل في أوروبا الشرقية سيحرف إهتمام الولايات المتحدة وبريطانيا عن الشرق الاوسط. الحديث عن المنطقة، جر فينينكو للحديث عن دعم يتلقاه "المتشددون العنصريون" من متمولين صهاينة، مبرراً ذلك بالقول إن "اسرائيل" تختلق "الازمات حول إيران وحول مناطق أخرى وحول شبه جزيرة سيناء، لكي يورطوا الاميركيين أكثر، وكي لا ينحرف الاهتمام الاميركي عن الشرق الاوسط ، وهنا يصبح الخيار صعبا بالنسبة للاميركي، كيف له أن يوازي ما بين أوكرانيا والشرق الاوسط".