منذ نهار الإثنين في 7 مارس 2011 حاول نحو 3000 فلسطيني العبور إلى مصر إلا أن الجيش المصري كان قد تلقى تعليمات بعدم السماح لأحد من اللاجئين الفلسطينيين بالدخول إلى مصر.
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
طرابلس/ ليبيا
عندما استيقظ اللاجئون الفلسطينيون في طرابلس صباح 17 تموز/ يوليو 2011، رأوا -كما رأينا جميعا هنا- مساحة واسعة من سحب الدخان الكثيفة في السماء الغربية فوق البحر الأبيض المتوسط، وقد تجمعت هذه السحب بسبب القصف الذي شنّته قوات (الناتو) الليلة الماضية.
وأدى هذا الهجوم الأخير الذي استهدف محافظتا "عين زارة" و"تاجوراء" في الضواحي الشرقية للعاصمة طرابلس، أدى إلى مقتل ثلاثة من المدنيين يضاف عددهم إلى أكثر من 1100 قتيل مدني بغارات (الناتو) وذلك بحسب إحصاءات وزارة الصحة الليبية. ويفترض أن يكون قد تم استخدام أربع طائرات أميركية من طراز (أم.كي)، وألف رطل من القنابل الموجهة، فضلا عن أربعة صواريخ نارية أميركية.
ومنذ أسبوعين، في 23 حزيران/ يونيو 2011 كانت عائلة اللاجئ الفلسطيني عبدالله محمد الشهاب المؤلفة من أربعة أفراد هم عبدالله، وزوجته كريمة، وتوأمهما خالد وجوانا البالغ عمرهما ستة أشهر، كانت من بين القتلى المدنيين جراء الهجوم الذي شنّته قوات (الناتو). وكانت العائلة تعيش في مخيم اليرموك في دمشق في سوريا إلا أنها أتت إلى هنا بحثا عن الأمن والحياة الهادئة اللذان تشتهر بهما ليبيا.
ولا تزال نداوة الصباح في ليبيا عابقة برائحة الكورديت، أما الكثيرون من الفلسطينيين، كما الحشود المتحدية التي يزداد عددها في ليبيا الغربية، فيرون في القصف والقتل المتواصلان ضد المدنيين ردا لحلف (الناتو) على البيان الذي أذاعته مقاومة "بابا القذافي" مساء الجمعة عبر التلفزيون الليبي الذي تديره الدولة.
وقد جاء البيان بعد ثلاث ساعات على إعلان القرارات التي صنعتها مجموعة الاتصال في إسطنبول والمؤلفة من ثلاثين عضوا. وقد قدمت هذه الجمعية الإسطنبولية، عقب ادعائها بالحصول على السلطة من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والصادرة في 1973 و 1979 "لحماية الشعوب المدنية"، قدمت اعترافات وأموال دبلوماسية إضافية للمجلس الوطني الانتقالي المناهض للقذافي (أن.تي.سي).
وقبل خمسة أشهر، عندما بدأت أحداث 17 شباط/ فبراير 2011 في بنغازي بجانب الساحل الشرقي لخليج "سرت"، أصيب اللاجئون الفلسطينيون في هذه المنطقة الذين يبلغ عددهم حوالي 75000 لاجئ موزعين في مختلف أنحاء ليبيا، أصيبوا بصدمة كغيرهم من الليبيين فضلا عن الأجانب المتواجدين هنا. وفي الحقيقة فإن كل الفلسطينيين الذين تمت مقابلتهم خلال الإعداد لهذا التقرير قد ذكروا أنهم لم يروا أي علامات تشير إلى أن الهدوء الطبيعي هنا في ليبيا يمكن أن يختفي فجأة.
وقد طلب بعض الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين أتوا من لبنان هربا من الحرب الأهلية التي أعقبت عهد الإرهاب لمجزرة صبرا وشاتيلا والذي كانوا من خلاله هدفا لحكومة أمين الجميل المدعومة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو المكتب الثاني أي (قوات الاستخبارات في الجيش اللبناني)، طلب هؤلاء من لجنة التنسيق اللبنانية الفلسطينية الجديدة في بيروت التوسط السريع لدى الحكومة اللبنانية للسماح لهؤلاء اللاجئين بمغادرة ليبيا على متن سفن للعودة إلى لبنان، إلا أنهم لم يتلقوا أي مساعدة ولا حتى حصلوا على رد.
وعندما تواصلت أعمال العنف وبدأت بالانتشار سريعا، ناشد الفلسطينيون من المخيمات اللبنانية رئيس الجمهورية ميشال سليمان والسفارة الفلسطينية في طرابلس في ليبيا لمساعدتهم على الخروج من ليبيا (فليس هناك سفارة لبنانية في ليبيا بسبب "اختفاء" القائد الشيعي اللبناني الإمام موسى الصدر في 31 آب/ أغسطس 1978). ولقد غادر حوالي مليون شخص آخرون بشكل سريع، ومنهم الآلاف من العمال الأجانب، ومن بينهم 20000 من أصل 30000 من العمال المرتكزين على الصين والذين كانوا منهمكين في جميع مجالات المشاريع التجارية في ليبيا. وفضلا عن ذلك، يتزايد الذعر لدى بعض الدول الأعضاء في حلف (الناتو) وأولهم فرنسا التي انسحبت من حلف (الناتو) عام 1966 بموجب مبادرة الرئيس شارل ديغول آنذاك، ولم يعد فرنسا إلى العضوية الكاملة في التحالف العسكري لدى (الناتو) إلا الرئيس نيكولا ساركوزي. والفرنسيون غاضبون إذ يلومون القذافي أولا والصين ثانيا لخسارتهم معظم علاقاتهم التجارية في أفريقيا وحتى في الدول التي كان لديهم مستعمرات فيها. وقد أوضح الرئيس ساركوزي أن فرنسا تسعى للاستفادة من عقود النفط بعد نجاح قوات (الناتو) وتنصيب حكومة جديدة أكثر ودا.
ومن جهة أخرى فقد ورد في نداء الاستغاثة الذي أعلنه اللاجئون الفلسطينيون ما يلي: "نحن الفلسطينيون المقيمون في ليبيا، ومنا من أتى من لبنان منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما هربا من الحرب الأهلية، قد أقمنا بين إخواننا في ليبيا حيث تزوجنا وأصبح لدينا أعمال. ولكننا عقب انتفاضة 17 شباط/ فبراير وتدهور الوضع الأمني، نحاول مغادرة البلد عبر موانئه، إلا أن ذلك كان ممنوعا علينا لأننا لا نمتلك وثائق سفر تؤهلنا للقيام بذلك. إننا محاصرون الآن وبتنا نبيع أمتعتنا لكي نأكل، ليس لدينا عمل ولا مكان يأوينا، ولا نعرف ماذا نفعل ولا أين نذهب".
وعقب خمسة أشهر من رفع نداء الاستغاثة هذا، لم يحصل القائمون به على أي إجابة. إلا أن هذا الصمت لم يكن مفاجئا إذا أخذنا بعين الاعتبار ضيافة لبنان المتأصلة تجاه 270000 فلسطيني لا يزالون على أرضه، ومنهم ما يقارب نصف هذا العدد لا يزالون عالقين في إثنا عشر مخيما بائسا، إضافة إلى أن أحدا منهم لم يحصل على الحقوق الأساسية المكفولة دوليا والمتعلقة بالعمل وملكية المنزل.
وفي الإطار نفسه، أمضت أم محمد، السيدة البالغة من العمر سبعين عاما، والتي يعود أصلها إلى منطقة المغازي وسط قطاع غزة، أمضت أياما وهي تجلس أمام خيمتها بالقرب من الحد الفاصل في منطقة السلوم على الحدود الليبية المصرية آملة بأن تعود إلى غزة بعد أن هربت من المواجهات بين الكتائب الأمنية الموالية لمعمّر القذافي وبين الثوار الليبيين في منطقة البيضاء. وتعلّق السيدة أم محمد قائلة: "أكاد لا أستطيع أن أعبر عن التشرد والكارثة التي حلّت علي وعلى عائلتي منذ ستين عاما".
أما رامي دياب، اللاجئ الفلسطيني ذو الأعوام السبعة والستين والذي ولد في مدينة "أشكيلون" المحتلة من قبل الصهاينة، يأمل أيضا بالعودة إلى غزة لحماية عائلته من الحرب المشتعلة في ليبيا. ويقول رامي: "لقد تركت منزل عائلتي في بنغازي وتوجهت إلى منطقة السلوم الحدودية محاولا الحصول على لجوء في قطاع غزة، إلا أنه لم يسمح لنا بالدخول إلى مصر".
منع الدخول إلى مصر
منذ نهار الإثنين في 7 آذار/ مارس 2011 حاول نحو 3000 فلسطيني العبور إلى مصر إلا أن الجيش المصري كان قد تلقى تعليمات بعدم السماح لأحد من اللاجئين الفلسطينيين بالدخول إلى مصر. ولذلك، فإن الكثير من الفلسطينيين الذين سافروا باتجاه الحدود قد عادوا إلى منازلهم في المدن الليبية ومنها بنغازي وطبرق وبعض المناطق المجاورة. ونهار الثلاثاء الموافق 8 آذار/ مارس 2011، بقي 15 فلسطيني في منطقة السلوم الحدودية مطالبين بالعبور، في حين رفض المئات من الفلسطينيين العودة إلى منازلهم واختاروا البقاء في منازل العائلات الليبية التي استضافتهم في قريتها المجاورة للحدود. ونقل أن الفلسطينيين الذين لا يحملون يطاقات هوية وطنية أو إقامة سارية المفعول في مصر لم يسمح لهم بالعبور في حين تمكن العمال الآسيويون الذين لا يمتلكون أوراقا من الدخول إلى مصر.
ولقد حاولت السلطة الفلسطينية التنسيق لإجلاء الفلسطينيين من ليبيا، وفي الحقيقة قدمت إسرائيل "مبادرة إنسانية" وهي عرض سمحت فيه بدخول 300 لاجئ إلى المنطقة المحتلة. وعقب إجلاء الدفعة الأولى من اللاجئين الفلسطينيين تتالت تقارير غير مؤكدة صدرت عن المجلس الوطني الانتقالي ورد فيها أن القوات المؤيدة للقذافي تعتقل مجموعة مؤلفة من ثلاثة وأربعين طالبا فلسطينيا في مصراتة، ويقال أنهم فعلوا ذلك لأن الطلاب قد رفضوا الانضمام إلى القوات المؤيدة للنظام. وبنهاية شهر شباط/ فبراير 2011 غادر ليبيا مئة وأربعة من الطلاب الفلسطينيين.
وفي أوائل شهر آذار/ مارس وصل محمد حماد، مدير الشؤون الثقافية في القنصلية الفلسطينية في الإسكندرية، وصل إلى منطقة السلوم على الحدود المصرية الليبية لتأمين الدعم للفلسطينيين الهاربين. وحاليا، يعيش أكثر من 100000 لاجئ فلسطيني في مصر، معظمهم من الذين طردوا من قطاع غزة عقب الغزو الإسرائيلي للقطاع واحتلاله عام 1967.
ويشير السيد حمّاد إلى أن السلطات المصرية قد أعادت معظم الفلسطينيين الذين وصلوا إلى مصر إلى ليبيا. وبحسب مسؤولين مصريين، فإن القانون المصري يحتم على الفلسطينيين الداخلين إلى مصر حيازة تأشيرة دخول من سفارة الدولة المضيفة لهم أولا. ولهذا السبب حاول سفير السلطة الفلسطينية في القاهرة الحصول على الإذن لدخولهم من قبل الحكومة المصرية بهدف السماح لهم بالوصول إلى قطاع غزة عبورا بالأراضي المصرية. وقد ذكر حمّاد أن القنصلية الفلسطينية في القاهرة كانت تزود اللاجئين بالحاجات الأساسية. وكما قال فإن الوضع حرج بالنسبة للعائلات المقيمة في الخلاء ومن دون أي شيء. فمعظم هذه العائلات لا يمتلك حتى المال ولذلك فقد لجأوا للجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة طلبا بالحصول على مساعدة طارئة.
وغالبا فإن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة لا تتدخل في منطقة عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة أيضا للأمم المتحدة (الأونروا) والتي تشمل بشكل أساسي الضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، والأردن. ولكن في الفترة التي تلت ثورة 17 شباط/ فبراير قدمت هذه المفوضية بعض المساعدات للفلسطينيين ما بين شهري شباط/ فبراير ونيسان/ أبريل. وهذا الإستثناء في عمل المفوضية مرحب به إذ يعترف بأن جميع الفلسطينيين في ليبيا هم لاجئون وبالتالي فإن المفوضية العليا ملزمة إنسانيا بتأمين الحماية لهم خصوصا أن مصر وليبيا ليستا من ضمن منطقة عمليات وكالة (الأونروا).
إن سلسلة المحن التي نشهدها حاليا قد بدأت على اللاجئين بعد محاصرة الأمم المتحدة لليبيا عام 1992. وأتت بعد ذلك المساعي الليبية في توسيع مجال فرص العمل لمواطنيها. وقد جاء ذلك بموازاة الفجوة العميقة لانعدام الثقة بين الحكومة الليبية ومنظمة التحرير الفلسطينية خصوصا بعد توقيع إتفاقيات أوسلو. وفي أيلول/ سبتمبر 1995، أعلن الرئيس الليبي معمر القذافي أن جميع الفلسطينيين الموجودين في ليبيا والمقدر عددهم آنذاك ب 30000 فلسطيني سيتم طردهم. وكانت تلك خدعة جزئية قصد من خلالها توجيه ضربة إلى السلطة الفلسطينية التي كانت مشكلة حديثا. فتضمنت رسالته إلى ياسر عرفات التالي: "إذا لم تمتلك السيادة فلا تدعي بأنك تمسك زمام الحكم، وإن لم تستطع إيواء مواطنيك فلا تتظاهر بأنك حاكمهم".
وإذ بدأ طرد الفلسطينيين، كانوا يصعدون سفنا لم يحدد مكان اتجاهها. ولقد وافق كل من لبنان وسوريا على عدد الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون على أراضيهما من قبل، ومن جهة سمحت مصر للفلسطينيين المطرودين الذين يحملون وثائق سفر مشروعة بالمرور عبر أراضيها، إلا أن أحدا منهم لم يسمح له البقاء على الأراضي المصرية لفترة تزيد على أربع وعشرين ساعة. وقد علق ثلاثة وستون فلسطينيا على معبر رفح بين مصر وغزة بانتظار الحصول على إذن من السلطات الإسرائيلية بالدخول إلى غزة. ومن جهة أخرى لم تجد أغلبية الفلسطينيين المطرودين مكانا تلجأ إليه. وفي الشهر التالي، أي في تشرين الأول/ أوكتوبر من العام نفسه، أعاد القذافي توضيح الأمر سامحا بذلك للفلسطينيين الأقل حظا بالعودة إلى ليبيا إلى حين تجد فيه "حكومتهم" مكانا أفضل لهم ليعيشوا فيه.
وكان هناك بعض المخاوف التي عبرت عنها حركة حماس وغيرها من أن يأخذ نظام القذافي بالثأر من الجالية الفلسطينية في ليبيا بسبب الشائعات حول انخراط الفلسطينيين بالأخوية المسلمة في بنغازي وحتى مع بعض المجموعات السلفية التي تضم المجلس الوطني الإنتقالي. وفضلا عن ذلك، فإن المظاهرات المناهضة للقذافي والكتابة على الجدران وحرق صور القذافي في غزة، كل ذلك من شأنه زيادة المخاوف في صفوف حماس ومجتمع اللاجئين في ليبيا.
وبالخلاصة، إن الكثير من المسؤولين الليبيين في طرابلس قد أكدوا لي أن الفلسطينيين في ليبيا مرحب بهم وسيحصلون على جميع حقوقهم المدنية (من فضلكم تابعوا الجزء الثاني من هذا التحقيق)، ولن تتم ممارسة التمييز ضدهم أو الضغط عليهم بسبب بعض الفلسطينيين الذين يفترض أنهم يعملون لصالح المجلس الوطني الإنتقالي. (وحول الموضوع نفسه إضافة إلى الوضع القانوني والاجتماعي الحالي للاجئين الفلسطينيين في ليبيا تابعوا الجزء الثاني من هذا التحقيق).
لقراءة المقال باللغة الإنكليزية إضغط هنا
يمكنكم التواصل مع فركلين لامب على بريده الالكتروني
fplamb@gmail.com