22-11-2024 04:26 PM بتوقيت القدس المحتلة

دراسات عن الزلازل والجفاف.. وقريبا عن الانزلاقات الأرضية: الفيضانات تستنزف لبنان

دراسات عن الزلازل والجفاف.. وقريبا عن الانزلاقات الأرضية: الفيضانات تستنزف لبنان

بين الجفاف والفيضانات، يعيش لبنان تداخل قوانين الطبيعة مع تعديلات يقوم بها سكانه في أنماط حياتهم، وتساهم في حصول الفيضان، وربما في الجفاف.

بين الجفاف والفيضانات، يعيش لبنان تداخل قوانين الطبيعة مع تعديلات يقوم بها سكانه في أنماط حياتهم، وتساهم في حصول الفيضان، وربما في الجفاف.

زينب ياغي / جريدة السفير

الفياضانات تستنزف لبنانيتفق عدد من الباحثين المتخصصين على أن مخاطر الظواهر الطبيعية في لبنان لا تقل عن مخاطر الحروب، لكنها لا تجد مَن يهتم بها.

ولا يزال تشكيل وحدة إدارة الكوارث مستمراً منذ سنوات، فيما قدم «المجلس الوطني للبحوث العلمية» في السرايا الحكومية، أمس، دراسة عن المناطق التي تعيش خطر حصول فيضانات عند مجاري الأنهار، بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الانمائي، بعد إجرائه دراسات عن الزلازل، والجفاف، وقريباً دراسة عن الانزلاقات الأرضية.

وأعلن الأمين العام للمجلس معين حمزة، أنه جرى تحديد العديد من نقاط الضعف والمناطق التي قد تتأثر بفعل الفيضانات، وتتسبب نتيجة السيول بزحل التربة وانزلاقات الأراضي. وقال إن الأدلة المتوافرة تشير إلى ازدياد وتيرة الفيضانات في العقود الماضية، وقد تسببت بخسائر بشرية واقتصادية وتدمير بعض المنحدرات والسهول الشرقية والغربية.

من جهته، أوضح القائم بأعمال برنامج الأمم المتحدة الانمائي شومبي شارب أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث التي وقعت بين العامين 1980 و2010 في لبنان وصلت إلى 5,323,000 دولار سنوي، مضيفاً أن الفيضانات هي من بين أكبر عشر كوارث طبيعية تؤثر على لبنان وشعبه واقتصاده.

وقد استهل المشرف على الدراسة الدكتور شادي عبد الله من المجلس الوطني عرضه بصور مناطق فيضانات لا تزال في ذاكرة اللبنانيين: نهر الغدير، جدرا عندما جرفت المياه أحد الأطفال، انزلاق سيارة في المنصورية ومقتل سائقها، فيضان نهر بيروت عند الجسر، والنهر الكبير الجنوبي في عكار، وجسري الخردلي والقعقعية في الجنوب، بالاضافة إلى فيضانات في البقاعين الأوسط والغربي.

الفياضانات تستنزف لبنانوأوضح أنه يوجد في لبنان ستة عشر نهراً رئيسياً، ثلاثة منها داخلية هي: العاصي والحاصباني والوزاني، بينما يوجد لدى كل من العاصي والنهر الكبير الجنوبي حدود مشتركة مع سوريا. وتتسم غالبية الأنهار بخصائص مشتركة كونها تسير في الأودية، وتتجه من الشرق إلى الغرب لكي تصب في البحر الأبيض المتوسط.

ويبدو أن عبد الله واجه صعوبات في الحصول على معلومات خاصة بالهاطل المطري وقياس ارتفاع المياه على الأنهر وخرائط التربة. وقد استعان بمحطات الرصد الجوي التابعة لمصلحة الأبحاث الزراعية في البقاع و«الجامعة الأميركية» في بيروت، ومحطات الرصد التابعة لمطار بيروت. ولفت إلى أن المحطات وصلت قبل الحرب الأهلية إلى مئة وأربعين محطة تقريباً، لكنها تعطلت خلال الحرب، ولم يبقَ منها سوى ست محطات، ثم أعيد بناء عدد منها، ووصلت حالياً إلى ست وثلاثين محطة. وقال إن اختيار مكان محطة الرصد الجوي له تأثير كبير في معرفة الأحوال الجوية، وكميات هطول الأمطار.

واستعان بالاقمار الاصطناعية التابعة لـ«وكالة الفضاء الأميركية - النازا»، وداتا معلومات مستخلصة من صور الرادار، ولدى مقارنة معلومات «النازا» بمعطيات الأرصاد الجوية، تبين وجود أخطاء كثيرة في معطيات الأقمار الاصطناعية.

وأكد عبد الله أن لدى المجلس الوطني قاعدة معلومات ضخمة تم بناؤها على مدى عشرين عاماً، من بينها خرائط جيولوجية وخرائط لكل من التربة واستخدامات الأراضي، والأخيرة يعمل المجلس الوطني على تحديثها كل أربع سنوات. بينما استخدم النموذج السويسري لقياس ارتفاع المياه، وهو متران ونصف المتر باعتباره الأقرب إلى خصائص أنهار لبنان.

ومن المشاكل التي واجهته عدم وجود معلومات مستمرة عن كميات الهاطل المطري على مدى مئة عام، وتغير المقاطع النهرية عند محطات القياس مع كل هاطل مطري، وبالتالي عدم معرفة المرحلة الأعلى التي تصل إليها المياه عند الفيضان. وقد استعان عبد الله بالسكان لتسجيل مدى ارتفاع المياه في أماكن عدة مثل نهر القاسمية.

وعرض صوراً مخجلة للتعديات على الأنهار لا يقوم بها الفقراء فحسب، من بينها صورة لفيلا عند نهر ابراهيم تكاد تدخل مياه النهر. ثم اقترح مجموعة من التوصيات، من بينها: ضرورة بناء محطات قياسات للهاطل المطري بشكل أتوماتيكي كل خمس عشرة دقيقة، وإقامة مقاطع عرضية للأنهار بشكل صحيح، وزيادة محطات القياس على الأنهار وعدد العاملين فيها، لأن عددهم حالياً قليل جداً. وأشار إلى أن القياسات لم تؤخذ في عكار والعاصي منذ عامين بسب الوضع الأمني. يضاف إلى ذلك توزيع المحطات بشكل جيد، ومعاينة الناتج يومياً وتحسين نموذج الارتفاع الرقمي للمياه، والبدء بالتفكير باستخدام أجهزة حديثة، والحصول على الصور الرادارية، لتحديد مناطق الفيضانات، وتحديث خرائط استخدامات الأراضي. واقترح استخدام برامج تأمين ضد الكوارث الطبيعية لأن لدى شركات التأمين شروطاً تقضي بتأمين السلامة العامة، ومساعدة المجتمعات الأهلية والبلديات من أجل جمع المعطيات وإعداد خرائط لها علاقة بالكوارث. وأشار إلى أن اتحاد بلديات صور يقوم بإعداد خرائط، وسيشتري محطة رصد بالتعاون مع مصلحة الأرصاد الجوية.

أوضح المشرف على هيئة إدارة الكوارث الدكتور فادي حمدان، خلال المناقشة، أن الكوارث لا تحصل بسبب عوامل طبيعية فقط، وإنما أيضاً بسبب عوامل مؤسساتية واجتماعية، مشيراً إلى تناول الدراسة وتيرة ارتفاع المياه، من دون انعكاساتها على الناس وقابلية التضرر منها. ولفت إلى تأثير الكوارث الممتدة على المناطق الفقيرة حيث تترك البنى وسبل المعيشة هشة، موضحاً أن الجيش يقوم حتى الآن بالمسوحات الخاصة بالأضرار من أجل التعويضات، وليس من أجل المعالجة. وسأل عن الجهة المسؤولة عن مواجهة الأخطار والحوافز التي تقدمها الدولة من الناحية الاقتصادية من أجل الالتزام بتطبيق معايير المواجهة؟ وقال إن تلك الأسئلة تم لحظها في الخطة الاستراتيجة الوطنية لادارة الكوارث التي جرى تقديمها إلى الحكومة السابقة قبل استقالتها مباشرة.

واعتبر الدكتور هادي جعفر من «الجامعة الأميركية» أن الدراسة تضع حجر الأساس لمستوى قياس السيول والفيضانات في لبنان، لكنه سأل: ماذا بعد الخرائط؟ مضيفاً: «نحن نتحدث عن أخطار تطال مباني ومدارس ومؤسسات ومزارع». وسأل عن سبب الحصول على معلومات من «النازا»، في الوقت الذي تملك فيه مؤسسات كثيرة تلك المعلومات؟

ورد عبد الله بأن الحصول على داتا المعلومات مشكلة كبرى، لأن كل مؤسسة تحتفظ بها، مع العلم أنها تصبح غير صالحة بعد مرور خمس أو عشر سنوات، بينما في الولايات المتحدة يقولون للباحث: كل المعلومات أمامك وعليك أن ترينا مهاراتك.

وطرح المشرف على هيئة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات صور مرتضى مهنا مسألة ارتباط البحر بالنهر في المنطقة، بينما يقيم أكثر من ثلثي سكان صور عند البحر، وتحصل مشاكل كل عام عند نهر القاسمية. ويفيض البحر ويصل إلى المناطق التجارية في البص، وفي البرج الشمالي يعاني أصحاب المحال من خسائر سنوية. وقد ارسل اتحاد البلديات ثلاثة كتب إلى وزارة الطاقة من أجل تنظيف المجاري، لكنه لم يحصل على جواب.

وانتهت الندوة، بحصة تدريبية للكوادر في هيئة إدارة الكوارث، مع تأكيد عبدالله أن كلاً من تأثير التوسع العمراني على مخاطر السيول وفيضانات البحار ومجاري المياه والصرف الصحي تستدعي دراسات مستقلة.

الرابط على موقع جريدة السفير