أشفقت السماء أخيرًا على اللبنانيين عمومًا والمزارعين تحديدًا، فأتى شهر آذار محمّلاً ببعض الأمطار والثلوج. وإن كانت الكميّة المتساقطة غير كافية، إلاّ انها قد تساهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المحاصيل..
أشفقت السماء أخيرًا على اللبنانيين عمومًا والمزارعين تحديدًا، فأتى شهر آذار محمّلاً ببعض الأمطار والثلوج. وإن كانت الكميّة المتساقطة غير كافية، إلاّ انها قد تساهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المحاصيل الزراعية المهدّدة بالتلف، في ظلّ الجفاف الذي يتّسم به هذا الشتاء.
باسكال صوما / جريدة السفير
أمام هذا الوضع المناخي المتغير، لا سيما ظاهرة تساقط الثلوج بكثافة في منتصف آذار، يتخوّف مزارعون من أن تلحق الأمطار أضرارًا بالمزروعات، لا سيّما الأشجار التي أزهرت، وباتت على مشارف النضوج كاللوزيات وغيرها.
ويوضحون لـ«السفير» أنّ «هذه العواصف والرياح والثلوج ستترافق في المناطق المرتفعة مع بَرَدٍ وجليد، ما يمكن أن يؤذي زهر الشجر بشكلٍ كبير».
إلا ان مزارعين آخرين يشكرون الله على تساقط الأمطار قبل فوات الأوان، مشيرين لـ«السفير» إلى أنّ «خوفهم الكبير كان من أن يمرّ آذار من دون أمطار، فيكون ساعتئذ، وضعهم ووضع مزروعاتهم كارثيين، مع حجم الخسائر المتوقّعة، لا سيما بالنسبة للخضار والزهور».
يرى المزارع البقاعي مروان الحاج أنّ «الأمطار في هذا الشهر، خفّفت حوالي 10 إلى 20 في المئة من الخسائر الزراعيّة لبعض الأصناف، وهذا أمرٌ جيّد»، مؤكّدا في الوقت نفسه أنّه «لا يمكن إغفال الأضرار المادية الكبيرة التي سنتعرّض لها، فكمية الأمطار ما زالت غير كافية، واليوم نرى مزارعين يتريّثون قبل البدء بزرع الخضار مثلًا، علماً بأنّهم تأخّروا عن البدء في ذلك، فمعظم أنواع الخضار تُزرع في شباط».
شراء مياه
«ليس هناك حلول سحريّة، إنما علينا التفكير بطرقٍ ممكنة لتخفيف ما يمكن من الخسائر الزراعية»، يقول رئيس «لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية» النائب محمد قبّاني. ثمّ يستدرك، داعياً عبر «السفير» إلى «البدء بوضع مخطّط توجيهي لاستهلاك الطاقة ولا سيما المياه، لهذا العام وللأعوام المقبلة، فموجة الجفاف يمكن أن تطول».
يبدو الحلّ الوحيد أمام المزارعين هو شراء المياه، لا سيما من لا يملكون آباراً أو أصحاب حيازات الزراعات البعلية التي خذلها المطر، ما سيكبّدهم تكاليف إضافية، إذ ان معظم الزراعات البعلية غير مجهّزة بإمدادات للريّ.
وكان الشحّ هذا العام مفاجأة غير سارّة، فمعظم المتخصّصين في أحوال المناخ والطقس توقّعوا شتاءً قاسياً وأمطارًا سخيّة، إلا انّ الطبيعة خانت التوقّعات، واختارت الجفاف عريسًا لهذا الموسم.
ساعة الضخ
وفق مزارعين التقتهم «السفير»، لا تقلّ كلفة ساعة الضخ من الآبار الارتوازية عن 40 إلى 50 ألف ليرة، وبذلك يمكن توقّع حجم تكلفة الريّ على المزارعين بعد اجراء عملية حسابية بسيطة، مع ملاحظة اختلاف الحاجة إلى المياه وكميتها لكل صنف كالأشجار المثمرة كالتفاح واللوزيات، والخضار والزهور، أو الحمضيات والموز صيفاً.
فالخضار عمومًا تحتاج إلى 4 ساعات ريّ كل 4 أيام على مدى أربعة أشهر تقريبا، وبذلك تبلغ تكلفة ريّها 6 ملايين و100 ألف ليرة لكلّ دونم. أما الشجر المثمر فيحتاج إلى ريّه كل 15 يوما على مدى 7 أو 8 أشهر، وبذلك تبلغ كلفة الري حوالي 3 ملايين و320 ألف ليرة لكلّ دونم.
وبرغم الثلج الذي كلّل الجبال أخيرًا وفجّر بعض الينابيع بعد انتظارٍ طويل، تقدّر خسائر كل مزارع بما لا يقلّ عن 20 ألف دولار، وقد تصل إلى 50 ألف دولار عند أصحاب الأراضي الكبيرة ومزارعي الخضار.
لم تتعد كمية المتساقطات حتّى آخر شباط الماضي 318 ملم، بينما المعدل العام للفترة نفسها 693 ملم. ووفق التوقعات ستبلغ المتساقطات هذا العام 395 ملم، مقابل المعدّل العام البالغ 863 ملم أي بنقص 55 في المئة.
التفكير بالمستقبل
بعدما يسأل قباني: «ماذا لو استمرّ الجفاف على مدى السنوات الآتية وهذا أمرٌ ممكن؟»، يشدد على ضرورة «التفكير بالمستقبل عبر توعية المزارعين ومساعدتهم للحدّ من وسائل الري التقليديّة التي تستنزف المياه بشكلٍ كبير»، موضحا أن «الزراعة تستهلك بين 65 و70 في المئة من المياه مما يوجب معالجة سريعة، وبدء الري بالتنقيط الذي يمكن أن يخفّض الاستهلاك الزراعي للمياه 50 في المئة».
ويشير إلى أن «اللجنة النيابية طلبت من مؤسسة كفالات تسهيل موضوع إعطاء قروض صغيرة للمزارعين، حتى يستطيعوا تأمين الريّ بالتنقيط لأراضيهم».
ويلفت الانتباه إلى أنه «تبيّن أن هناك حاجة ملحة إلى تعميق الآبار الموجودة، وحفر آبار جديدة ما يسد نقصا بسيطا في الحاجات. وفي هذا المجال أبلغ المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان رئيس اللجنة بمشاريع حفر 7 آبار في منطقة جبل لبنان، وهذا أمرٌ جيّد، لمساعدة المزارعين وتأمين حاجتهم من المياه، وسيباشر الحفر في هذه الآبار ابتداء من أواخر شهر آذار الحالي».
معاناة الأسر
تنسحب معاناة شحّ المياه إلى الأسر، لا سيما في المناطق التي تئنّ في السنوات العاديّة من نقص المياه؛ فأهل بيروت وجبل لبنان والمتن بدأوا يشعرون بأنهم أمام أزمة مياه عابرة للفصول، إذ تقول ليلى جبور (سكان الدكوانة) لـ«السفير»: «هذه أسوأ سنة، لم نشهد مثل هذا الشح منذ سنواتٍ طويلة». أما نجلاء الحلو (سكان بيروت) فتقول بلهجة عامية: «إذا هلأ هيك شو تركنا للصيفية؟».
لا تقتصر معاناة المواطنين من الشحّ، عند هذا الحد، بل تتعدى المسألة إلى أن يقتطع شهريا حوالي 500 ألف ليرة لشراء الماء، علما بأن المبلغ قابل للارتفاع مع اقتراب موسم الصيف. ويوضح أحمد (موظف في سوبر ماركت) لـ«السفير» أنه يضطرّ حالياً إلى الاستعانة بصهاريج تعبئة المياه (10 براميل)، التي لا يقلّ سعر الواحد منها 30 ألف ليرة، يكفي لتلبية حاجات العائلة ليومين أو ثلاثة كحدٍّ أقصى (سعر كل برميل بين 3 و5 آلاف).
وبذلك تبلغ تكلفة المياه الشهرية لكلّ منزل حوالي 450 ألف ليرة (إذا احتسبنا 30 ألف ليرة كل ثلاثة أيام). يضرب أحمد كفاً بكف، ويسأل: كيف يمكنني أن أصمد حتى آخر الشهر، إذا كان راتبي مليون ليرة شهرياً؟