27-11-2024 02:48 AM بتوقيت القدس المحتلة

نصيب الفرد أقل من ألف متر مكعب سنوياً: اللبنانيون على خط الفقر المائي

نصيب الفرد أقل من ألف متر مكعب سنوياً: اللبنانيون على خط الفقر المائي

يبدو أن مسألة وقوع اللبنانيين تحت خط الفقر المائي، خرجت من عالم الاحتمال لتدخل جديًّا إلى عالم الواقعية، في ظل تقاطع دراسات واحصاءات ومؤشرات وملاحظات محلية ودولية، بدأت باطلاق سلسلة من التحذيرات ...

يبدو أن مسألة وقوع اللبنانيين تحت خط الفقر المائي، خرجت من عالم الاحتمال لتدخل جديًّا إلى عالم الواقعية، في ظل تقاطع دراسات واحصاءات ومؤشرات وملاحظات محلية ودولية، بدأت باطلاق سلسلة من التحذيرات والتنبيهات من هذا الوضع.

كامل صالح / جريدة السفير

اللبنانيون على خط الفقر المائيأمس، وتحت عنوان: «الترابط بين المياه والطاقة: قضايا وتحديات»، عقدت ندوة نظمتها «جمعية أصدقاء إبراهيم عبد العال»، و«لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا» (الاسكوا)، و«جمعية الصناعيين اللبنانيين»، و«منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية» (اليونيدو) في مقر «نقابة الصحافة»، وذلك لمناسبة اليوم العالمي للمياه الذي يصادف اليوم.

مقبلون على أزمة

على هامش الندوة، يوضح رئيس «جمعية أصدقاء ابراهيم عبد العال» ناصر نصر الله لـ«السفير» أن المعطيات كافة تشير إلى أننا مقبلون على أزمة مياه، مشككا في الوقت نفسه بالكلام المتداول حالياً من قبل جهات معينة، أن لدى لبنان قدرة على سداد حاجته من الطاقة عبر المياه، معتبرا أن «هذه الجهة مسيسة، وما تروج له هو بعيد من الواقع والحقيقة». ويرى أنه «لا يجوز استغلال الاعلام لتعمية اللبنانيين عما ينتظرهم في المستقبل، لأن ما يقال إنه في العام 2020 سيكون لدينا فائض 500 مليون متر مكعب، وفي العام 2030 سيرتفع هذا الفائض إلى مليار متر مكعب، غير صحيح».

فبعدما يخضع الواقع المائي اللبناني إلى المعدلات العالمية، يلحظ أن نصيب الفرد من المياه سنويا هبط إلى أقل من ألف متر مكعب، ما يعني دخول لبنان «تحت خط الفقر المائي»، وهذه الوضعية كما يؤكدها نصر الله، تلحظها مديرة إدارة التمنية المستدامة والانتاجية في «الاسكوا» رلى مجدلاني.

يمكن شرح هذا الواقع وفق الآتي: عدد اللبنانيين من دون احتساب السيّاح والنازحين، حوالي أربعة ملايين نسمة، ما يعني أن الحاجة هي لأربعة مليارات متر مكعب سنويا. يبلغ المعدل الوسطي لكمية المتساقطات سنويا حوالي 8 مليارات متر مكعب، (علما بأن الكمية المنتظرة هذه السنة أقل من ذلك بكثير)، يتبخر منها حوالي 50 في المئة، وهناك نسبة أقل تذهب هدرا فضلا عما تتسبب به تضاريس الطبيعة اللبنانية، وما يتسرب إلى الحوض الجوفي. كل هذا، وفق نصر الله، يشير إلى أن لدينا عجزا في المياه، وأن حاجتنا أعلى من قدراتنا المائية. كذلك ثمة صعوبة في الاعتماد على المياه لانتاج الطاقة.

رفع التلوث

أمام هذا الواقع الذي ينذر بكارثة، يشدد نصر الله على ضرورة العمل سريعا على حماية المياه ومصادرها، ومن ذلك:

- رفع التلوث عن كل الأحواض المائية، التي بلغ فيها التلوث نسبا كارثية بسبب الصرف الصحي والنفايات المنزلية والصناعية.

- التعاطي الجدي من قبل الدولة والقطاع الخاص لمنع تلويث المياه، لأن تفاقم هذا الوضع سيلغي قدرتنا على الاستفادة منها.

- التحفيز على انتاج الطاقة البديلة في جميع مجالاتها؛ المائية والهوائية والشمسية وغيرها.

وإذ يبرز نصر الله أهمية وضع سياسة علمية واضحة تستند إلى الاحصاءات والأرقام، يلحظ أن التقلبات السياسية والمشاكل الوطنية تؤدي إلى حلول مجتزأة، مشيرا إلى أن هناك طروحات متناقضة بين الفنيين، وتحديدا من بين العاملين في الإدارات العامة، حيث يتداولون الأرقام والمعلومات بصورة مناقضة للمصلحة الوطنية العليا.

على صعيد عالمي، فمن أصل سبعة مليارات نسمة، هناك حوالي 2.5 مليار شخص لا يحصلون على الكهرباء «بشكل موثوق، أو لا يحصلون عليها نهائيا»، و2.8 مليار نسمة يعيشون في مناطق تعاني من شح كبير في المياه، وهناك مليار شخص يعانون من الجوع، ويعيش 1.1 مليار شخص من دون مياه شفة، و1.3 مليار شخص من دون كهرباء.

موارد مترابطة

اللبنانيون على خط الفقر المائيبعد هذه الأرقام، توضح المنسقة الوطنية لـ«برنامج بروتوكول مونتريال والشؤون البيئية في الأردن ولبنان وسوريا في اليونيدو» د. ندى صبرا التي ألقت في الندوة كلمة ممثل المنظمة كريستيانو باسيني، أنه «في وضعنا الحالي، نحن نعالج أمن المياه معالجة منفصلة عن أمن الطاقة، فيما المطلوب أن نعالجهما من خلال النظر إلى المياه والطاقة كموارد طبيعية مترابطة».

وتشير إلى أن «انتاج الطاقة يتطلب المياه، لاسيما توليد الطاقة الكهرومائية، وعمليات التبريد، واستخراج الوقود وتكريره وانتاجه، كذلك استخدام المياه يتطلب الطاقة، لاستخراج المياه ومعالجتها ونقلها».

تلحظ التوقعات في هذا الجانب، أنه في حلول العام 2035، وبفعل النمو السكاني والحضري، سيزيد استهلاك الطاقة بنسبة 35 في المئة، ما سيزيد من استهلاك المياه بنسبة 85 في المئة. لذا تحذر منظمة «اليونيدو» من أن الاستمرار في إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة متدنية في انتاج الطاقة واستهلاك المياه والطاقة...، سيؤدي إلى عدم القدرة على تلبية احتياجاتنا من هذه الموارد في المستقبل، خصوصا في ظل الاحتباس الحراري، والنمو السكاني.

في المقابل، إذا تم النظر إلى المياه والطاقة (والغذاء) بشكل مترابط، فثمة امكانية لدفع الأمور نحو التغيير (استخدام الطاقات المتجددة، ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، التخفيف من هدر الغذاء،...).

استهلاك الصناعة

تؤكد صبرا أن «المنظمة الدولية وضعت ترابط المياه والطاقة في قلب نشاطاتها، خصوصا أن الصناعة تعد المستهلك الأكبر للمياه والطاقة، إذ هي تستهلك حوالي 20 في المئة من المياه العذبة المستخرجة في العالم، وتمثل ثلث الاستهلاك العالمي للطاقة». وتلفت الانتباه إلى أن من مهام المنظمة دعم التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة، بهدف تعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتعزيز تقنيات الانتاج الأنظف في الصناعة، وذلك تماشياً مع مبادرة الصناعة الخضراء التي أطلقتها المنظمة.

في الندوة، ركز نائب رئيس «جمعية الصناعيين» زياد بكداش، على أهمية ألا تكون الوزارات الحيوية بيد السياسيين، بل مع وزراء حياديين قادرين على إدارتها، معتبرا أنه من المعيب في العام 2014 ألا يكون لدينا رؤية لمواجهة التحديات الناجمة عن أزمة المياه. وأشار إلى أن التقديرات تلحظ أنه في حال أحسن الاستثمار في المياه ستبلغ العائدات حوالي 1.5 مليار دولار سنويا.

وسلطت مجدلاني عبر دراسة لـ«الاسكوا»، الضوء على «معنى الترابط بين الطاقة والمياه»، مشيرة إلى العالم العربي يشكل حوالي 5 في المئة من سكان العالم، ويحصل على 0.5 في المئة من موارده المائية المتجددة، ما يعني وقوعه على خط الفقر المائي ولبنان من ضمنه (أي أقل من ألف متر مكعب للفرد سنويا).

الهدر % 40

لحظت مجدلاني أن نسبة هدر المياه التي لا نعرف أين تذهب، تبلغ حوالي 40 في المئة، مقابل 10 في المئة في دول أخرى. وبعدما عرضت لمشروع زراعي ناجح نفذته المنظمة في بلدة دبل اللبنانية، حذرت من أن تحلية مياه البحر لن تقتصر على دول الخليج العربي، بل هناك دول عربية أخرى تتجه إلى اعتماد التحلية كمصدر لإيصال المياه.

ودقت مجدلاني الجرس مع اكتشاف كميات وافرة من الغاز والنفط في بحر لبنان، إذ ذلك يحتاج إلى توافر المياه التي لن تكون متوافرة لدينا كما في السباق، مؤكدة أن المنطقة أمام تحد كبير، من ذلك تحدي تواتر الظروف المناخية غير المستقرة، وفي لبنان ثمة مشكلة في تخزين المياه من خلال الثلوج. أما من الحلول المقترحة فهي النظر في تعزيز الكفاءة بين المياه والطاقة عبر بناء مؤسسات فاعلة يمكنها مواجهة تحدي ندرة المياه وتهديد أمن الطاقة.

يشار إلى أن الندوة تخللها جلسة حوارية برئاسة الأمين العام لـ«جمعية أصدقاء عبد العال» رمزي عرب، ومشاركة: المدير العام لمؤسسة مياه البقاع مارون مسلم، الصناعي أسعد سعادة، رئيس الطاقة المائية في مصلحة الليطاني غسان جبران، عضو «جمعية الصناعيين» رنا صليبا، والمزارع محمد علي نحولي.

بان كي مون لتأمين الموارد للأغلبية

وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمناسبة يوم المياه العالمي، كلمة شدد فيها على ان الماء عنصر جوهري من عناصر التنمية المستدامة. وتناول «الصلات بين الماء والطاقة، فلكليهما أهمية بالغة في القضاء على الفقر. هما يتفاعلان بسبل يمكنها أن تساعد أو تعرقل ما نبذله من جهود لبناء مجتمعات مستقرة وتوفير حياة كريمة للجميع». وقال: «سيؤدي تغير المناخ، الذي يسببه في الغالب الاستخدام غير المستدام للطاقة، إلى تفاقم الإجهاد المائي وندرة الماء في كثير من المناطق. وستتقوض جهود إتاحة الماء والطاقة للجميع إذا استمر الاتجاه الحالي للاحترار». واكد كي مون ان «الصلات الكثيرة والمتينة بين الماء والطاقة تستلزم انتهاج سياسات متسقة ومتكاملة واستراتيجيات ابتكارية. ويجب استخدام الماء - وتوليد الكهرباء وتوزيعها - بطريقة منصفة تتسم بالكفاءة كي يحصل جميع مستخدميهما على نصيب عادل».

وانهى كي مون رسالته بالقول: «دعونا نتعهد في يوم المياه العالمي بوضع السياسات الكفيلة بتأمين موارد المياه ومصادر الطاقة المستدامة للأغلبية وليس فقط للأقلية».

الرابط على موقع جريدة السفير