لا يمكن التنبّؤ بثورة تربوية سيصنعها شريط فيديو وثّق ضرباً مبرحاً ارتكبه مدير مدرسة المقاصد في ضيعة العرب ــ قضاء الزهراني موسى ضاهر بحق خمسة تلامذة رسبوا في مادة اللغة الإنكليزية. فحماسة وزير ...
آمال خليل / جريدة الأخبار
لا يمكن التنبّؤ بثورة تربوية سيصنعها شريط فيديو وثّق ضرباً مبرحاً ارتكبه مدير مدرسة المقاصد في ضيعة العرب ــ قضاء الزهراني موسى ضاهر بحق خمسة تلامذة رسبوا في مادة اللغة الإنكليزية. فحماسة وزير التربية الياس بو صعب وجمعية المقاصد والهيئات الحقوقية والتربوية ستبقى هبّة مؤقتة إذا لم تقرن بمقاربة تربوية واجتماعية للقضية.
فالحادثة ليست فريدة من نوعها وتتكرر يومياً في مدارس رسمية وخاصة على حدّ سواء وفي الاتجاه المعاكس، أي إن هناك تلامذة محظيين يضربون أساتذة لا يجدون هم أيضاً من يحميهم. وكانت أمس قد وصلت إلى وزارة التربية عشرات الشكاوى في الاتجاهين.
أما جمعية المقاصد فقد قررت إقفال المدرسة ليوم أمس، وصرف المعلم من الخدمة، واتخاذ صفة الادعاء الشخصي بحقه لكونه أساء إلى كرامة التلامذة. وقد زار رئيس الجمعية على رأس وفد تربوي ونقابي وقانوني المدرسة أمس لمتابعة التحقيق.
استنفار الوزير قابلته تساؤلات أطلقها تربويون: ألم يكن من الأفضل أن نعالج الأسباب حتى لا نفاجأ بالنتائج؟ ماذا فعلت الدولة في هذا الإطار؟ لماذا لم تعمل على إعادة فتح دور المعلمين وكلية التربية لإعداد المعلمين الكفوئين؟». وحدها الاتفاقيات الدولية، كما يقولون، تحرّم الضرب، إذ ليس هناك أي مادة في القانون اللبناني تحرّمه، ما يعني أيضاً الحاجة إلى ورشة قانونية.
لكن على نحو مبدئي، مُنح الكثير من الطلاب أمس هدوءاً في مدارس عدة. في إحدى المدارس الرسمية المجاورة، تحدث هؤلاء عن سلام حلّ على إحدى المعلمات التي اعتادت استخدام الضرب، خوفاً من تعرضها لموقف مماثل.
اكتفى الوزير بالإجراء الذي اتخذته جمعية المقاصد
منذ بدء العام الدراسي، سجلت بحقها شكاوى عدة لم تكن تتعدى مكتب المديرة. لم يقم أيّ من أولياء الأمور بتقديم شكوى في الوزارة «إما لأن علقة تفوت ولا أحد يموت أو لعدم ثقتهم بجدية الإجراءات العقابية».
في مقابل مئات الآلاف الذين شاهدوا الفيديو وتضامنوا مع الأطفال المعنفين، لم تتضامن البلدة مع أبنائها، بل مع من ضربهم. اعتصم الأهالي أمام مبنى المدرسة، رفضاً لاتخاذ إجراءات عقابية بحق ضاهر.
تسابقوا لتعداد فضائله «التي يعرفها معظم أبناء البلدة التي تتلمذت على يديه. هو الحنون والمربي والهادئ والخائف على مصلحة أولادنا»، كما يقولون. من بين الجموع، أقرّ البعض برفضهم التعرض لأبنائهم. في الوقت ذاته، وجدوا ظلماً في مصير ضاهر الذي «يحاسب وحده على كل العنف الحاصل في المدارس»، مؤكدين أن الفرق في هذه الواقعة أنه جرى توثيقها بالفيديو.
في بيروت، دعا بو صعب إلى مؤتمر صحافي طارئ حضره المدير العام لجمعية المقاصد أمين الداعوق. واستبق المؤتمر بلقاء مع وفد من وجهاء الضيعة شكوا إليه الحملة الظالمة في وسائل الإعلام وعلى مواقع الإنترنت ضد الأستاذ، فأوضح الوزير أنّ الضرب غير مبرر وأن المدير استحق العقاب، وإن كان الموضوع غير شخصي ضده.
بو صعب أتاح لتلامذة المدارس الخاصة الذين يتعرضون للتعنيف من أي نوع كان وفي أي مؤسسة تربوية إبلاغ ديوان المديرية العامة للتربية على الخط الساخن 01772101 أو إبلاغ مكتب الوزير على الرقم 01799766
أما في ما يتعلق بالتعليم الرسمي، فأعلن أنه سيكلف التفتيش المركزي بمتابعة قضايا العنف في المدارس والثانويات الرسمية كافة، و«في حال إثبات أي حالة عنف يتم الإبلاغ عنها، فإن قرارنا سيكون إحالة المرتكب على الهيئة العليا للتأديب».
أقرّ الوزير بأنّها ليست المرة الأولى التي تصل وزارة التربية شكاوى من هذا القبيل، بدليل أنّه صدرت تعاميم منذ عام 2008 عن المدير العام للتربية فادي يرق بضرورة الإبلاغ عن أي عنف جسدي أو نفسي، وهناك تعميم في عام 2012 عن الوزير السابق حسان دياب يطلب فيه من المدارس اتخاذ التدابير المناسبة لمنع حصول الاعتداءات على التلامذة، واتخاذ الإجراءات القانونية في حال حصول اعتداء أو تعنيف.
ومع أنّ بو صعب اكتفى بالإجراء الذي اتخذته الجمعية، قال إنّ القانون «يعطينا الحق بالإدعاء أمام النيابة العامة التمييزية والإيعاز إلى المدرسة باتخاذ عقوبات تأديبية وحرمان المعلم المعتدي من التعويضات بعد صرفه من الوظيفة، كما يوجب ضرورة إعلام المدرسة للتنفيذ تحت طائلة سحب الترخيص، ويدعونا القانون للاستماع إلى التلاميذ المعنفين كما نفعل اليوم (أمس)».
في مجال آخر، كشف الوزير أنه تلقى من المدير العام للتربية مذكرتين، الأولى مرسلة من مدير مدرسة طفيل الرسمية في البقاع يقول فيها إن النازحين من سوريا سيطروا على المدرسة وأقاموا فيها وأخرجوا منها التلامذة والأساتذة على اعتبار أن لا مكان لهم ليقيموا فيه. كذلك تلقى عن طريق المدير العام شكوى من مدير مدرسة في طرابلس تفيد بأنه حضر إلى إحدى الثانويات في طرابلس عدد من قادة المحاور مع مسلحين مرافقين وشكوا أحد الأساتذة إلى إدارة المدرسة متذرعين بأنّه لا يحسن شرح مادته للتلامذة وهددوا باتخاذ تدابير في حال عودته للتعليم في المدرسة بعدما منعوا حضوره إلى المدرسة مجدداً!!