يحقّ للجنرال ميشال عون أن يتساءل بشيء من المرارة: «لماذا لا أكون الرئيس؟». يحقّ له، أكثر، أن يمضي بثقة صوب الرئاسة. يبدو كمن قرّر انتزاع المنصب هذه المرة مهما كانت النتائج
سامي كليب
يحقّ للجنرال ميشال عون أن يتساءل بشيء من المرارة: «لماذا لا أكون الرئيس؟». يحقّ له، أكثر، أن يمضي بثقة صوب الرئاسة. يبدو كمن قرّر انتزاع المنصب هذه المرة مهما كانت النتائج. بين المرارة والثقة أسرار تحالفات ووعود والتزامات مع الحلفاء الثابتين، والتزامات أخرى مع خصوم الأمس الذين يوحون له باحتمال التحالف الأقوى. بينهما، أيضاً، عزيمة أصلب من أي وقت مضى، تضع خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون عون رئيساً أو لا يكون في لبنان رئيس.
بين ميشال عون العسكري الذي أحبّه جيشه، وميشال عون المرشح للرئاسة تاريخ من التحوّلات. «قاتل سوريا بشرف وصالحها بشرف»، كما تقول القيادة السورية الحالية. خاصم حزب الله دفاعاً عن المؤسسات، ثم وقَّع معه أهم وثيقة تحالف، فمنح المقاومة شرعية أوسع وجنّب لبنان ويلات حروب.
خبِر ميشال عون أسرار المدفعية في الجيش. لكن قذائفه السياسية كانت أكثر إيلاماً لخصومه حين رفض الانجرار وراء إغراءات التحوّلات التي أتقنها غيره في السنوات الثلاث الماضية. بين سلاح المدفعية والنفي الى فرنسا، ثم العودة كـ«تسونامي» الى الانتخابات، قرأ عون، المتقن للعربية والفرنسية والإنكليزية، من الكتب الأجنبية والعربية في منفاه ما فتح له آفاق معرفة بالسياسات الدولية وأسرارها، ولكن أيضاً بشؤون الحكم ومفاصله، والإنسان ومكانته في المجتمع. ربما لم ينافسه في القراءة هناك سوى زوجته.
يسوِّي ميشال عون شعره بلمسة سريعة من اليسار الى اليمين. يستوي في مقعده المتواضع. ما عاد الشعر قادراً على إخفاء العمر. وللعمر دوره في الطموح إلى الرئاسة. يشارف الرجل على الثمانين حولاً. يشعر بأن هذه هي الفرصة الأخيرة كي يردّ له الحلفاء جميلاً. يستطيع أن يقول: حاكموني على تاريخي إذا كان عندكم ذرّة شك بالمستقبل. بقي صلباً كالشجرة الواقفة أمام بيته حين انحنت هامات كثيرة مع عصف الرياح صوب سوريا وضد حزب الله.
في بعض ما قرأ عون، في فرنسا، أن من يملك أكبر كتلة مسيحية في البرلمان هو الممثل للمسيحيين. وفي بعض ما قرأ، عن مسرحية التعايش في لبنان، أن الوطن لا يعيش سوى بجناحيه المسلم والمسيحي. يحق له أن يرى نفسه الأجدر في تمثيل الجانب المسيحي، وخصوصاً أنه يلقى دعم القطب الشمالي سليمان فرنجية المجاهر، رغم عواصف الشمال وشمال الشمال، بالأخوّة مع الرئيس بشار الأسد والتحالف العضوي مع حزب الله.
لو خذل الحلفاء عون هذه المرة لن يكون وحده الخاسر. لماذا؟ سيقال إن الذي وقف معكم تركتموه. سينبري خصومه وخصوم حلفائه للتشفّي. ربما سيكون رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أول المبتسمين. سيشعر الرئيس سعد الحريري بأن خطته نجحت. ربما بعض المقربين جداً من الجنرال، لا بل قل بعض اللصيقين به، قد يذكِّرونه بنصحهم له بالابتعاد عن سوريا وحزب الله.
يسأل ميشال عون. يناقش. يحتدّ. ينتفض في مقعده. يتحرك شعره من مكانه. يميل في حديثه صوب الكرامة. إنها مسألة كرامة بالنسبة إليه. يرى أن كل شيء معه. الجيش لا يزال يحبه. كتلته النيابية كبيرة بما يكفي. شعبيته جيدة. حلفاؤه وعدوه. الخصوم السابقون قالوا له إنهم يسيرون معه. يريد أن يصدّق أن السعودية، أيضاً، وأميركا قد تميلان صوب تسوية تأتي به رئيساً. موقف فرنسا يثير بعض القلق عنده. يجول على كل المعطيات. يفصّل التطورات في المنطقة. يقرأ، باستراتيجية، التفاهم الإيراني ــــ الغربي. يبدو كمن وضع لعبة الشطرنج أمامه ليراقب تحرك الأحجار. نعم، كل شيء يبدو أمامه سائراً في إطار وصوله الى الرئاسة. لكن، ماذا يفعل بهذا القلق اللعين؟ القلق ينبثق من شك في مكان ما.
هل يشك بأن حزب الله قد يتراجع لحسابات أخرى؟ «لا، أنا أصدّق السيد نصر الله، وهو يعرف حرصي على المقاومة وسلاحها. لست في حاجة إلى التزام منه. وعده يكفيني».
حين زارته السفيرة الاميركية السابقة في لبنان مورا كونيللي، سألته علامَ يتفق مع حزب الله؟ فأجابها: «أتفق معه على 20 في المئة وأختلف على 80». سألته عما هي العشرون في المئة، فقال: «المقاومة والعلاقة مع سوريا». أجابته ضاحكةً: «أعطني هذه النسبة وحافظ على الباقي». أدركت واشنطن ان الموقف ثابت.
هل يشك بموقف إيران؟ لا. السفير غضنفر ركن أبادي كان جازماً لجهة الدعم. هل يشك في سعد الحريري؟ الحريري نفسه قال له إنه واثق منه لأنه احترم التزاماته كلها مع حزب الله. هل هو قلق من الرئيس نبيه بري ورئيس جبهة النضال وليد جنبلاط؟ يبتسم. يبدو متردّداً في الإجابة. يستوي في جلسته. يتذكّر كيف أن تياره بدأ مع الحزب التقدمي الاشتراكي سلسلة لقاءات. يعرف أن سيد المجلس النيابي يقيس المرحلة بميزان الذهب. قد يكون عون في لحظة معينة بيضة هذا القبان. هذه المرة الرئاسة قد لا تكون منّة من أحد. كرامة عون هذه المرة في ذروتها.
يأتيه السفراء. يقول بعضهم إن هذه مرحلة إدارة أزمة. يجيبهم: «أنا الحل». يأتيه من يقول إن المرحلة في حاجة الى رجل قوي. يجيبهم: «أنا الأقوى». في أدراجه، أيضاً، حديث في الفاتيكان مفاده ان القيادة الفاتيكانية، تماماً كما روسيا وبعض الغرب، تؤيّد وصوله الى الرئاسة لحماية مسيحيي الشرق.
في جعبة الجنرال مؤلّفات عن اللاطائفية وعن التربية والمؤسسات ومشروع الوطن. في محيطه القريب رياح تعصف بكل الاتجاهات. في محيطه الأوسع رياح تغيِّر الثوابت، وفي المنطقة تقلّبات ومفاجآت. لكنّ في ذهنه قراراً واحداً: أنا الرئيس أو لا رئاسة. يقول له بعض الزوار الغربيين: كن يا جنرال decision maker (صانع الرئيس). لعله يجيبهم: «سأكون killer decision». لا داعي للترجمة، هنا، لأنها خطيرة.
الرؤية عنده واضحة. أما عند حلفائه فهناك احتمالان، أيضاً، لا ثالث لهما. إذا ما استمرت الأمور على نحوها الراهن. إما هو الرئيس، أو أن اللارئاسة أقل إحراجاً للجميع... يقول بعضهم. فليكن رئيساً لفترة طالما أن العمر يتقدّم، يقول آخر كان أكثر إخلاصاً من الحلفاء. يقول ثالث: لنتريّث. يبدو، إذاً، أن الفراغ هو المحتمل إلا إذا جاءت المفاجأة من تفاهمات كبيرة في المنطقة، أو من تغيير المعادلة عسكرياً وجذرياً في سوريا...
الجنرال متمسك بالرئاسة كالكرامة. لسان حاله يقول: رئاستي حق وليست منّة من أحد. ليسمع الحلفاء قبل الخصوم.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه