تعرض إسرائيل عضلاتها العسكرية بصورة دورية، وبأنماط ومستويات يمكن التهكن بها مسبقاً ضد الساحة اللبنانية. أي اعتداء تنوي تنفيذه شمالاً، بما يشمل سوريا ولبنان
يحيى دبوق
تعرض إسرائيل عضلاتها العسكرية بصورة دورية، وبأنماط ومستويات يمكن التهكن بها مسبقاً ضد الساحة اللبنانية. أي اعتداء تنوي تنفيذه شمالاً، بما يشمل سوريا ولبنان، وعند أي تقدير لتردّي الأوضاع الأمنية على الحدود، مهما كان محدوداً، تسارع إسرائيل ومسؤولوها الى تصعيد كلامي وتهديدات موجهة الى لبنان، وإلى حزب الله تحديداً.
يتسابق الضباط والمصادر الرفيعة، على اختلاف مستوياتها، بما فيها رئيس الأركان ووزير الحرب، وصولاً الى رئيس الحكومة، على التشديد على القدرة والجهوزية لخوض الحرب والانتصار فيها. أما نوع الرسالة وشدتها ومحتواها، فتختلف بحسب التقديرات وإمكانات تحققها. الغاية أيضاً واضحة، وهي إفهام الإسرائيليين أولاً، وكل من في الساحة اللبنانية والسورية ثانياً، بأن إسرائيل جاهزة عسكرياً لخوض حرب جديدة، وأنها باتت قادرة على إلحاق الهزيمة بكل لبنان.
العرض المتكرر يشمل أسلحة نوعية فائقة الدقة، قدرة غير مسبوقة لسلاح الجو، تدريبات ومناورات برية وبحرية وجوية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجيوش والفيالق، وخطط عسكرية محكمة لم يصل إليها أي ناتج إنساني سابق، وعلى أقل تقدير منذ فترة رائد التفكير الاستراتيجي العسكري، كارل فون كلاوزفيتز، من القرن التاسع عشر.
آخر استعراضات القوة، كلامياً، صدر عن ضابط رفيع المستوى قبل أيام. بحسب الضابط، فإن سلاح البر سيغيّر قريباً نوعية المدفعية الموجودة في حوزته، وستصبح أكثر دقّة بـ 40 في المئة وأطول مدى بـ 15 في المئة. وأشار الى أن الاجتياح البري وحده هو القادر على إلحاق الهزيمة بحزب الله، إذ إن خطة المناورة البرية ستكون فتاكة مع قوة نارية متطورة وقادرة على التأقلم مع متغيرات المعركة، وتشمل قتالاً في مساحات مغلقة وتدمير الأنفاق والسيطرة على الأهداف المحصنة، بل الدخول الى المنازل وضرب منصّات الصواريخ الموجودة فيها.
تعرض هذه الخطة على الجمهور الإسرائيلي بوصفها الخطة المثلى لإنهاء حزب الله: احتلال القرى والبلدات وقتل عناصر الحزب وضرب منصات الصواريخ، ومن ثم إعلان الانتصار. لكن ما يتغافل المنظّرون الإسرائيليون عنه أن هذه ليست خطة. بل وصف لنتيجة. أما خطة الوصول الى هذه النتيجة فشيء آخر تماماً.
من دون الاستهانة بقدرات الجيش الإسرائيلي، إلا أنه ما لم يكن لدى إسرائيل جنود خارقون للطبيعة وقادرون على تجميد مقاتلي حزب الله، أقله على شاكلة أفلام الخيال العلمي (x-men)، فإن أسئلة الاجتياح البري تطول: كيف تعبر الدبابات والآليات الحدود، وفي حال عبر منها ما عبر، كيف يصل الى القرى والبلدات لاحتلالها؟ كيف يدخل سلاح المشاة الى «محمية طبيعية» معدة في الأساس لـ«استقبالهم»؟ كيف يتجاوز الجنود والغزو البري العبوات والقناصة وصواريخ الكورنيت المنتشرة كانتشار الحصى في الجنوب؟ كيف ينجح إنزال لمئات الجنود في مناطق تنتظر الإنزالات؟ وقبل كل ذلك، كيف تقاتل مقاوماً لا يعرف معنى الفرار؟ الاجتياح البري هو وصفة لانتصار المقاومة. وعدوان عام 2006 كان مليئاً بالدروس والعبر، ليس لإسرائيل فقط، بل أيضاً للمقاومة.
في أكثر من مواجهة شهدها الجنوب عام 2006، تحولت القوة المهاجمة والموكل إليها احتلال بقعة أو قرية، الى «وحدة إنقاذ بطولية» لمصابين سقطوا في أول ضربة تلقتها الوحدة المهاجمة. المهمة الأساس سقطت مع أول ضربة، وتغيّرت المهمة: منع حزب الله من أسر جنود وجثث. في العديسة ومركبا وبنت جبيل وعيتا الشعب ووادي الحجير وصور ومستشفى الحكمة في بعلبك... كل الجيش الإسرائيلي بعديده وطائراته وآلياته وأركانه، تحوّل فجأة عن المهمة الأساس الى وحدة إنقاذ متكاملة. فهل تغيّر ذلك الآن؟
رغم كل ما ورد، توجد ثلاثة أسئلة، مقابل خطط ومشاريع إسرائيل للحرب، وهي أسئلة قد تختصر كل شيء:
من هو هذا العدو (حزب الله) الذي يفرض على أحد أهم الجيوش في الشرق الأوسط وأقواها استعداداً وجهوزية وخططاً ألمعية وسلاحاً نوعياً وتفكيراً استراتيجياً مغايراً للمألوف؟ ما هي قوة هذا العدو ومستواه العسكري وقدرته القتالية كي يتحضر الجيش الإسرائيلي لمواجهته بهذه الصورة وهذه الكيفية غير المسبوقة؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً، وعلى ضوء التأكيدات الإسرائيلية المتكررة بالنصر: إن كانت إسرائيل قادرة وجاهزة لإزالة تهديد حزب الله من خلال الحرب، وهي التي تصفه بالتهديد الاستراتيجي، فما الذي يمنعها أو يردعها عن ذلك؟
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه