أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام، ذلك طريق اتبعته مجموعة من الشباب السوريين في مساعدة النازحين، بل في تغيير حياتهم، ولا سيما الأطفال والنساء منهم. بدأت المجموعة جمع التبرعات لتقديم الغذاء لأشخاص ...
أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام، ذلك طريق اتبعته مجموعة من الشباب السوريين في مساعدة النازحين، بل في تغيير حياتهم، ولا سيما الأطفال والنساء منهم. بدأت المجموعة جمع التبرعات لتقديم الغذاء لأشخاص غير قادرين على الحصول عليه. ثم تحولت إلى جمعية تحمل اسم «بسمة وزيتونة»، وطورت مساعداتها من الغذاء.. وصولاً إلى افتتاح مدرسة لتعليم الأطفال في مخيم شاتيلا.
زينب ياغي / جريدة السفير
يروي مدير الجمعية جورج تالامس الحاصل على شهادة ماجستير في الاقتصاد، أنه نزح من سوريا في كانون الأول العام 2012، بعدما كان يدرس في جامعة دمشق، ولدى وصوله إلى بيروت، تعرف إلى الشبان، وكانوا يجمعون تبرعات شخصية من أجل تقديم الغذاء لنازحين في البقاع، فبادر تالامس إلى تقديم المساعدة.
ويقول رئيس مجلس إدارة الجمعية فادي مليسو، وهو من أوائل المتطوعين، إن التبرعات من أجل الغذاء استمرت فترة ستة أشهر، من أيلول حتى آذار العام 2012، ثم قرر الشبان توسيع المساعدات، بسبب تدفّق أعداد النازحين، مقابل بطء المساعدات الدولية.
كان فادي يدرس الفلسفة في «الجامعة اليسوعية» في بيروت، بالإضافة إلى اختصاصه في الهندسة المدنية في دمشق. لكنه قرر عدم العمل في الاختصاصين، والتفرغ للمساعدة. ويوضح أنه تم اختيار مخيم شاتيلا مركزاً للجمعية لأنه يضم عدداً كبيراً من النازحين السوريين والفلسطينيين السوريين، ولأن المنظمات الأجنبية لا تقدم مساعدات مباشرة فيه، بسبب حالة التوتر التي يشهدها. وحدها «منظمة أطباء بلا حدود» افتتحت مستوصفاً في مبنى الجمعية نفسه، وبالتعاون معها، توفر الطبابة والأدوية للنساء والأطفال مجاناً. لذلك، يعج المستوصف بالمرضى طوال فترة الدوام. وتقدم المنظمة فرشات وحرامات وسلة مواد تنظيف وأدوات مطبخ.
من الأفراد إلى المؤسسات
بدأت المساعدات من خلال تبرعات تم جمعها من رجال أعمال سوريين، ثم اكتشف الشبان والشابات وجود رجال غيرهم ينوون التبرع، وشرطهم الوحيد وصول المساعدات إلى عائلات وأشخاص غير متورطين في الأعمال العسكرية، وعبر جهة محايدة لا أهداف سياسية لها، «فنحن لا نسأل أي شخص عن دينه أو ولائه السياسي»، يقول جورج.
حتى الآن لا يزال الجزء الأكبر من التمويل يأتي عبر تبرعات أفراد في بيروت والخارج، وبينهم رجال أعمال لبنانيون. ثم أضيفت إليهم مؤسسات عدة. وقد ساهمت صفحة على «فايسبوك» بالتعرف إلى الجمعية في الخارج. مثلاً، قررت مطربة سويدية لمناسبة عيد الميلاد الماضي إقامة حفلة غنائية وارسال ريعها إلى الجمعية، بعدما عرفها أحد الشبان إلينا.
وفي بيروت أقام صحافيان فرنسيان حفلاً غنائيّاً في أحد نوادي الجميزة، وجها الدعوة إليه عبر «فايسبوك»، وغنى فيه مطربون سوريون. وقد شارك في الحفل مئتان وخمسة واربعون شخصاً، دفعوا ثمن بطاقات عاد ريعها إلى الجمعية.
مدرسة لثلاثمئة طفل
تم افتتاح المدرسة مطلع العام الدراسي الحالي، بعد تجهيز طابق خاص بها في مبنى الجمعية. وتعتمد بشكل خاص على تبرعات رجال الأعمال، ولديها قدرة على تعليم ثلاثمئة طفل، لكن يتعلم فيها مئتان وخمسة واربعون تلميذاً، بسبب انتقال عدد من الأطفال إلى مدارس أخرى حصلت على منح لتعليم التلامذة السوريين. مع ذلك، يوجد عدد كبير من الأطفال خارج المدرسة، بسبب اضطرارهم إلى مساعدة أهاليهم في العمل.
وتراوح أعمار الأطفال بين ستة أعوام وأربعة عشر عاماً، جرى توزيعهم على أربع مراحل تعليمية، من الحضانة حتى الصف السادس، يدرسون المنهاج الرسمي اللبناني، ضمن دوام يمتد من الثامنة صباحاً حتى الواحدة والنصف ظهرا. لكن وزارة التربية لا تعترف بهم حتى الآن، بينما يبدي الناشطون في الجمعية أملهم بالحصول على ترخيص من الوزارة.
ويشرح فادي أنه تمت الاستعانة بأشخاص لديهم خبرة في التعامل مع الأطفال الذين يتعرضون للحروب، لمساعدة التلامذة على تخطي الضغوط التي يتعرضون لها، بينما يبلغ عدد أفراد الكادر التعليمي اثني عشر معلماً ومعلمة، جميعهم سوريون وخريجو جامعات، بالاضافة إلى المديرة ومساعدة اجتماعية وناظرة. وقد بنيت المدرسة حديثاً، وجرى طلاء جدرانها بالألوان الفرحة، مع الحفاظ على مستوى نظافة جيد. ويقول فادي: «سنستمر في تعليم الأطفال حتى عودتهم إلى سوريا».
وضمن البرنامج التعليمي هناك مشروع التربية على السلام، الذي تساهم فيه «جمعية أديان»، ويشمل ثلاثمئة طفل في شاتيلا وبرج البراجنة، يساعدهم على التفريغ النفسي، ويتضمن رحلتين شهرياً إلى أماكن ترفيهية: مغارة جعيتا، حديقة الحيوانات ومدينة الملاهي.
مركز محو الأمية، ويتعلم فيه ثلاثون شخصاً اللغة العربية، بينهم نساء وأطفال لم يذهبوا إلى المدارس في سوريا، ويتعلم عدد منهم اللغة الانكليزية وكيفية استخدام الكومبيوتر. وتمتد مرحلة التعليم ثلاث سنوات، هي الفترة المعتمدة لإتقان اللغة العربية.
أشغال حرفية للنساء
لدى الجمعية مركزان للأشغال اليدوية، واحد في شاتيلا يضم خمسين امرأة، وآخر في البرج ويضم عشرين امرأة. تتعلم فيهما النساء التطريز، وحياكة القبعات، والأغطية، والحقائب، وثياب الأطفال. وستفتتح قريباً مشغلاً ثالثاً في البقاع، يتسع لعشرين امرأة.
والهدف من المراكز، وفق جورج، تعليم النساء مهنة بسيطة يستطعن من خلالها تحصيل بعض النقود وتأمين بيئة آمنة لهن تغنيهن عن طلب المساعدات، والمشاركة في التنفيس عن الهموم التي يعشنها. تداوم النساء في المركز مدة ثلاث ساعات يومياً، ويراوح دخل كل منهن بين مئة ألف ليرة ومئتين وخمسين ألف ليرة، بينما يقدم مكتب المبادرات الانتقالية في لبنان، وهو مكتب لبناني تدعمه وكالة التنمية الأميركية، الأقمشة وماكينات الخياطة وأدوات التطريز للنساء.
مركز ثقافي
برنامج توزيع المساعدات الغذائية، ويشمل مساعدات غذائية شهرية لمئة عائلة في مخيم شاتيلا، وخمسين عائلة في مخيم برج البراجنة، بالإضافة إلى خمسين عائلة في الشمال وشبعا، بمساعدة «جمعية مسلم شاريتيه» التي تقدم الحصص الغذائية وحليب الأطفال. وتتكفل الجمعية بإعالة عشرين عائلة من الأيتام والعجزة، بينها ثلاثة أولاد في مخيم برج البراجنة، من دون أم وأب، بعدما قتلت أمهم في القصف، وجاء أبوهم ووضعهم في المخيم وغادر، وهم فتاة في الخامسة عشرة من العمر وشقيقاها الأصغر سناً. تدفع لتلك العائلات بدل إيجار المنزل، والمصاريف اليومية مع تقديم سلة غذائية شهرياً، وتعليم الأطفال.
مشروع الطبابة، ويتم بموجبه دفع بدل أدوية، وصور شعاعية، وتحاليل مخبرية للمحتاجين، على أن تعطى الأولوية فيه للأطفال والمصابين بأمراض مزمنة ومستعصية، باستثناء مرضى السرطان نظراً إلى عدم قدرة الجمعية على تحمل الأثمان الباهظة للأدوية الخاصة بتلك الأمراض.
مشروع ترميم المنازل التي يستأجرها النازحون، ويشمل ترميم عشرة منازل شهرياً، بهدف تحسين ظروف سكن النازحين، وتشغيل عدد من العمال.وتسعى الجمعية لبناء مركز ثقافي في الطبقة الأخيرة من المبنى من أجل اقامة نشاطات ثقافية وفنية، واحتضان فنانين يرغبون في الغناء، وعزف الموسيقى، والرسم والحفر والنحت، وستقام فيه أمسيات شعرية، على أن تفتتح مستقبلاً صالة للعروض السينمائية. وتقول جوليا المسؤولة عن المركز إنه سيتم تجهيز مركز مطالعة يكون في الوقت نفسه مكاناً لقيام التلامذة الذين لا يستطيعون تأدية وظائفهم في منازلهم بسبب الكثافة السكانية بالوظائف المدرسية.
وتقوم مرة شهريا بحملة نظافة في المخيم، وأحيانا طلاء جدران خارجية، وكتابة عبارات شكر لاستضافة النازحين في المخيم.
ولا يعرف الناشطون كيفية الحديث مع النازحين عن تحديد النسل، لأنه يلقى الرفض الكامل لديهم حتى الآن. ويبدو أن قسماً كبيراً من الشعب السوري لا يعير ثقافة تحديد النسل اهتماماً، ويظهر ذلك من خلال نسب الزيادة السكانية لتي تضع سوريا ثالث دولة في العالم بعد غزة والصومال. وفي مخيم شاتيلا وحده، تدفع «منظمة أطباء بلا حدود» بدل تكاليف ستين ولادة شهرياً.