26-11-2024 04:25 PM بتوقيت القدس المحتلة

مدى نجاح فكرة يهودية إسرائيل

مدى نجاح فكرة يهودية إسرائيل

يمكن الجزم بأن مؤشرات جفاف الهجرة اليهودية ستطفو على السطح خلال السنوات المقبلة. ولذلك طرح قادة إسرائيل فكرة ترسيخ وتعزيز يهوديتها كعامل جذب ليهود العالم. ويعتبر ذلك بمثابة الهدف الاستراتيجي الأهم

تدني مستوى الهجرة إلى اسرائيل في السنوات الأخيرةركزت غالبية البحوث والمقالات التي تصدت لفكرة ومصطلح يهودية اسرائيل على تداعيات المصطلح، فيما لو تم تعميمه وتطبيقه على مستقبل الأقلية العربية في إسرائيل، وعلى اللاجئين الفلسطينيين، ومستقبل القرار 194. ولم يتم إلقاء الضوء لا من قريب ولا من بعيد على البعد الاستراتيجي لتلك الفكرة، والمتمثل أساساً في تهيئة الظروف لجذب مزيد من يهود العالم الى فلسطين المحتلة، إذ تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار إسرائيل ككيان استثنائي في المنطقة. وثمة أسباب كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو على الأقل تراجع أرقامها خلال السنوات القليلة الماضية .

نبيل السهلي/ جريدة الحياة

ويؤكد باحثون بأن تراجع سيل الهجرة اليهودية يكمن في سببين: الأول هو تراجع عوامل طرد اليهود من بلادهم الأصلية، أما السبب الثاني فيتمثل بعدم وجود عوامل جذب محلية قوية. وفي هذا السياق اكد المكتب المركزي للاحصاء الاسرائيلي تراجع اعداد الهجرة اليهودية من 70 الف مهاجر يهودي الى فلسطين المحتلة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي الى 22 ألف مهاجر فقط خلال العام الماضي 2013.

لقد عقد في إسرائيل خلال الفترة بين السنوات 2000 و2014 إثنا عشر مؤتمراً استراتيجياً في هرتزيليا، اضافة الى مؤتمرات وندوات استراتيجية في مراكز البحث الاسرائيلية الجامعية. وأكد المؤتمرون في توصياتهم على ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية الى الأراضي العربية المحتلة أهمية فائقة نظراً لتراجع موجات الهجرة اليهودية بعد عام 2000، في مقابل النمو الطبيعي المرتفع بين العرب سواء داخل المناطق المحتلة في عام 1948 أو في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتبعاً لذلك، ركزت وسائل الاعلام الاسرائيلية على أهمية تهيئة الظروف لجذب المزيد من يهود العالم الى الأراضي العربية المحتلة لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب داخل اسرائيل، وانصب الاهتمام الاسرائيلي على محاولة جذب يهود الهند والارجنتين، بعد أن واجهت إسرائيل أزمة هجرة حقيقية خلال سنوات انتفاضة الأقصى من جهة، وجفاف الهجرة من الدول ذات مؤشرات التنمية البشرية المرتفعة مثل أميركا وكندا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول العالم، من جهة أخرى.

ومن المهم الاشارة الى ان الهجرة اليهودية الى فلسطين المحتلة تعتبر حجر الزاوية لاستمرار إسرائيل كدولة غير طبيعية، حيث للعنصر البشري اليهودي دور محوري في ذلك. وفي هذا السياق تشير الدراسات الى ان الحركة الصهيونية استطاعت جذب نحو 650 ألف مهاجر يهودي حتى أيار (مايو) 1948، وبعد انشاء دولة إسرائيل في العام المذكور، عملت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على اجتذاب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب نحو أربعة ملايين يهودي خلال الفترة 1948-2014، بيد انه هاجر من فلسطين المحتلة نحو 20 في المئة منهم نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم مع ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.

وتعتبر الفترة 1948-1960 وكذلك الفترة 1990-2000 من الفترات الذهبية لجذب مهاجرين يهود، حيث ساهمت الهجرة خلال الفترتين بنحو 65 في المئة من إجمالي الزيادة اليهودية. وبنتيجة محددات النمو السكاني وصل مجموع اليهود الى نحو 6 ملايين يهودي في بداية العام الحالي 2014، يشكلون حوالى 46 في المئة من اجمالي يهود العالم والبالغ عددهم 13 مليون يهودي.

لكن ثمة دراسات أشارت الى أن هناك اربعمئة ألف يهودي إسرائيلي لن يعودوا الى إسرائيل، لا سيما أن غالبيتهم تحمل جنسيات دول أخرى في العالم وبخاصة الأميركية والأوروبية منها. وتبعاً لأزمة الهجرة اليهودية، بفعل تراجع العوامل الجاذبة، ستسعى المؤسسة الإسرائيلية بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية الى تمويل حملة كبيرة ومنظمة لجذب نحو 200 ألف من الارجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في اثيوبيا، فضلاً عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو 80 ألفاً من يهود الهند وجنوب افريقيا، هذا في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأميركا الشمالية في حدودها الدنيا بسبب انعدام عوامل الطرد منها. وتجدر الإشارة إلى أن يهود العالم يتركزون بشكل رئيس في الولايات المتحدة فمن بين 13 مليون يهودي في العالم هناك 5,5 مليون يهودي في الولايات المتحدة. في مقابل ذلك يتركز في فرنسا 560 ألفاً من اليهود غالبيتهم متعاطفون مع حزب الليكود. ولم يبق في روسيا سوى 400 ألف يهودي. أما في كندا فيوجد 360 ألفاً وفي أوكرانيا 280 ألفاً، وبريطانيا 280 ألفاً، والأرجنتين 220 ألفاً. وتشير الإحصاءات إلى أن نسب الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود في العالم وصلت في السنوات الأخيرة من 50-80 في المئة ولا سيما في بعض المدن الأميركية، الأمر الذي سيؤدي الى تراجع مجموع اليهود في نهاية المطاف.

يهود السفارديم في الكيان الصهيونيومن بين مجموع اليهود في اسرائيل والمستوطنات الجاثمة في الضفة الغربية ثمة 40 في المئة من اليهود الاشكناز، أي يهود غربيين من أصول أميركية وأوروبية. في حين يشكل اليهود السفارديم، من أصول شرقية افريقية وآسيوية 36 في المئة. إضافة الى ذلك يمثل اليهود المولودون لأب يهودي في فلسطين المحتلة نحو 24 في المئة من إجمالي اليهود في فلسطين المحتلة.

ونتيجة عدم وجود عوامل طاردة لليهود من بلد المنشأ، وكذلك عدم القدرة في تهيئة ظروف حقيقية جاذبة ليهود العالم باتجاه إسرائيل، فإنه يمكن الجزم بأن مؤشرات جفاف الهجرة اليهودية ستطفو على السطح بوضوح خلال السنوات المقبلة. ولذلك طرح قادة إسرائيل فكرة ترسيخ وتعزيز يهوديتها كعامل جذب ليهود العالم. ويعتبر ذلك بمثابة الهدف الاستراتيجي الأهم من وراء طرح ومحاولة تعميم الفكرة المذكورة وترسيخها.

ويبقى القول أن المؤسسة الاسرائيلية تسعى الى ترسيخ فكرة يهودية الدولة عبر اصدار مزيد من القوانين التي من شأنها انتزاع مساحات جديدة من الارض الفلسطينية وتهويدها من جهة، وتهيئة الظروف للإخلال بالواقع الديموغرافي لصالح اليهود في المستويين الكمي والنوعي من جهة اخرى. وبطبيعة الحال فإن نجاحات المؤسسة الاسرائيلية أو فشلها على الصعيد المذكور مرهونة بارادة الفلسطينيين وقدرتهم على مواجهة التحديات التي تعصف بقضيتهم وفي المقدمة منها محاولة تعميم وترسيخ يهودية إسرائيل على الأرض.