منذ إقامة العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في عام 1991 شهد تطورها حالات من المد والجزر على حد سواء. ومع أن هذه العلاقات باتت سلمية في كل حال، إلا أنها عانت دائما من نقص في الثقة المتبادلة.
منذ إقامة العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في عام 1991 شهد تطورها حالات من المد والجزر على حد سواء. ومع أن هذه العلاقات باتت سلمية في كل حال، إلا أنها عانت دائما من نقص في الثقة المتبادلة.
ولعل من مقدمات هذه الظاهرة خيبة آمال موسكو في تعهدات التزمت بها الولايات المتحدة وشركاؤها أمام قادة الاتحاد السوفييتي في عامي 1989-1990 بأن حل حلف وارسو العسكري لن يؤدي إلى انضمام دول شرق أوروبا إلى الناتو.
تعهدات لم تمنع من توسع الناتو إلى الشرق على حساب جميع الدول الأعضاء في حلف وارسو سابقا، بالإضافة إلى ثلاث جمهوريات سوفييتية سابقة على ضفاف نهر البلطيق.
بدايات العلاقات الثنائية شهدت العلاقات الروسية الأطلسية في مطلع تسعينيات القرن الماضي "شهر عسل" مع انضمام روسيا في عام 1992 إلى مجلس تعاون شمال الأطلسي (مجلس شراكة شمال الأطلسي منذ عام 1997)، إضافة إلى التعاون الثنائي في تسوية الوضع في البوسنة والهرسك.
وفي أوائل عام 1994 أعلن الحلف البدء في تنفيذ برنامج "الشراكة من أجل السلام" الذي انضمت إليه 23 دولة أوروبية منها روسيا والذي كان هدفه المعلن هو تعزيز الثقة التعاون بين الناتو من جهة والدول الأوروبية المحايدة.
ومع أن موسكو كانت تشتبه بأن لهذا البرنامج هدفا آخر ألا وهو توسع نطاق الحلف على حساب الدول المنضمة، إلا أن القادة الروس كانوا يدركون أن التوسع سيتطور كعملية مستقلة عن إرادة موسكو.
بعد توقيع "وثيقة العلاقات المتبادلة والتعاون والأمن" بين روسيا والحلف في باريس عام 1997 شهدت العلاقات الثنائية صعودا واضحا مع تأسيس المجلس المشترك الدائم "روسيا - الناتو" كهيئة استشارية بين الطرفين.
لكن بدء غارات الناتو على يوغوسلافيا في مارس عام 1999 أدى إلى تدهور العلاقات المتبادلة. ولم يسفر توصل الطرفين إلى توقيع الاتفاقية المعدلة حول تقليص القوات التقليدية في أوروبا في خريف العام ذاته عن تحسن ملحوظ في العلاقات بينهما.
الصفحة الجديدة
فتحت الولاية الرئاسية الأولى لفلاديمير بوتين في روسيا صحفة جديدة في العلاقات الروسية الأطلسية. ففي عام 2002 تم تأسيس "مجلس روسيا - الناتو" كهيئة من نوع جديد تتخذ قراراتها على أساس وطني وليس على أساس إجماع دول الناتو (كما كان هو أمر "المجلس المشترك الدائم").
شهدت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين تطوير التعاون بين الجانبين في مجالات عدة، ومن أبرزها التعاون على صعيد مكافحة تهريب المخدرات ومكافحة الإرهاب بما في ذلك عبر تقديم روسيا مجالها الجوي لنقل الجنود والشحنات العسكرية إلى قوات الناتو العاملة في أفغانستان ضد حركة طالبان.
أزمة عام 2008
في أغسطس /آب عام 2008 أعلن كلا الطرفين عن وقف التعاون فيما بينها على خلفية رد روسيا على العدوان الجورجي ضد أوسيتيا الجنوبية وما تلاه من اعتراف موسكو باستقلال كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا.
لكن هذه الأزمة لم تدم طويلا إذ عاد "مجلس روسيا – الناتو" إلى جلساته أواخر عام 2009.
مما عكر صفو الأجواء في العلاقات بين روسيا والناتو في الأعوام الأخيرة عدم توصل الطرفين إلى تفاهم بشأن خطط الولايات المتحدة لنشر عناصر درعها الصاروخية في أوروبا، إذ كانت روسيا ولا تزال ترى في هذا الخطط تهديدا لأمنها.
لقد جاء قرار وزراء خارجية دول الناتو بتعليق تعاون الحلف مع روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية امتحانا جديدا للعلاقات الثنائية. لكن سابقة استئناف هذه العلاقات بعد أزمة عام 2008 تظهر أن المصالح المتبادلة تغلب في نهاية المطاف على تناقضات سياسية، نظرا لبقاء روسيا أكبر وأهم شريك للحلف في العالم.