لم يكن الوصول الى عمق القرى والبلدات في الغوطة الشرقية الواقعة على خط الحرب مع الجماعات المسلحة بالأمر السهل لولا تعاون رجال الدفاع الوطني السوري واستقبالهم الحار لنا في جولتنا هذه.
لم يكن الوصول الى عمق القرى والبلدات في الغوطة الشرقية الواقعة على خط الحرب مع الجماعات المسلحة بالأمر السهل لولا تعاون رجال الدفاع الوطني السوري واستقبالهم الحار لنا في جولتنا هذه.
كان التوجه عبر طريق مطار دمشق الدولي آمنا هذه المرة بعكس المرات السابق التي كان فيها طريق المطار عرضة للقنص من شبعا وعقربا على وجه الخصوص، هذه المرة كان طريق المطار تحت سيطرة الدولة السورية بشكل كامل والمرور عبره آمن، فالمسلحين ابتعدوا الى قلب الغوطة ولم يعد لهم أي تواجد يذكر على جانبي الطريق الذي كان يشهد حركة سير لا بأس بها، ولفتني وجود أعمال إعادة تعبيد للطريق وإعادة تأهيل له تشير بوضوح الى أن الذي جرى خلال الاعوام الثلاثة الماضية في هذه المنطقة ذهب الى غير رجعة.
من طريق مطار دمشق الدولي عند الجسر الأخير، اتجهت بنا السيارة يسارا باتجاه الجنوب الشرقي، على طريق البلالية - الغسولة حيث دخلنا الى القرى الواقعة على خط تماس المسلحين والمتصلة بدوما مركز القيادة والتجمع الكبير للجماعات التكفيرية المحاربة والمفتوحة على الصحراء وعلى الأردن، من هذه الصحراء الشاسعة وعبرها يأتي الامداد للمسلحين من سلاح ومال وعتاد ورجال، ومن هذه المنطقة الصحراوية حصل الهجوم الكبير على الغوطة الشرقية الذي فك الحصار عن مسلحي دوما لأيام قليلة في شهر كانون أول/ديسمبر الماضي قبل ان يستعيد الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني السيطرة على كل المناطق التي احتلها المسلحون، وبالتالي أعادوا محاصرة المسلحين التكفيريين في جزر معزولة داخل الغوطة الشرقية بانتظار الحسم وإن كان غير سهل لكنه آت في الوقت المناسب بفعل الحصار وانهيار جبهات المسلحين في القلمون على مقربة من دمشق.
في مركز قيادة عمليات تابع لمجموعة من رجال الدفاع الوطني التقيت مع المقاتلين في جلسة حوار دامت اكثر من ساعة بعضهم اعرفه من زياراتي الماضية التقيت به في مناطق أخرى من الريف الدمشقي، "أثناء زيارتك السابقة كانت هذه البقعة تقع تحت سيطرتهم، قال لي احد الحاضرين، اليوم نحن نحاصرهم ونقترب اكثر فأكثر من الجنوب بينما أبعدناهم كثيرا عن دمشق، عن طريق المطار، عن السيدة زينب، ويمكن القول انهم يتنقلون في جزر محاصرة فقدوا خلال الفترة السابقة مبادرة الاستمرار في البقاء على أية بقعة يدخلونها بعد أي هجوم يقومون به مهما بلغت قوته.
يقول قائد في قوات الدفاع الوطني "في هذا الارخبيل من الجزر التكفيرية المحاربة المحاصرة في الغوطة الشرقية لدمشق تعتبر مدينة دوما المعقل الاساس للتيارات التكفيرية المحاربة التي تسيطر على المدينة منذ سنتين تقريبا، وفيها أقامت الجماعات السلفية المحاربة غرفة العمليات الأكبر للسيطرة على قرى الغوطة الشرقية ومنها السيطرة على طريق مطار دمشق الدولي ومحاصرة العاصمة دمشق. من دوما بدأت العمليات العسكرية التكفيرية في هذه المنطقة وركزت منذ بداية الازمة على الوصول الى سور المطار عند بلدة حران العواميد، ومن ثم التواصل مع عقربا وفتح ممر مع القرى في الغوطة الغربية وصولا الى الحجر الاسود وداريا، بحيث تصبح دمشق محاصرة من جهات عديدة قبل الانقضاض على العاصمة وإسقاط الدولة السورية".
عدد مسلحي التكفيرية المحاربة في منطقة الغوطة الشرقية يصل الى 16 الف مسلح غالبيتهم تتمركز في مدينة دوما، حيث توجد قيادة العمليات المركزية للمسلحين، وتشكل جبهة النصرة العصب الاساس للمجاميع المسلحة، فيما بدأ مؤخرا توافد مجموعات تابعة لداعش الى المنطقة ولكن بأعداد محدودة، وتتواجد أيضا الجبهة الاسلامية أيضا وعدة فصائل وكتائب محاربة تختلف مسمياتها ولكنها تخضع لغرفة عمليات النصرة في الغوطة الشرقية .
بعض رجال الدفاع الوطني قال لي هذا المكان الذي تتواجد فيه حاليا كان بيد المسلحين قل شهرين، هم ركزوا على هذه المنطقة كثيرا خلال هجومهم الاخير في كانون اول الماضي كونها تصلهم مباشرة بطريق مطار دمشق الدولي، كما أنهم ركزوا على العتيبة نظرا لموقعها الاستراتيجي بالنسبة للمطار.
في دوما عشرات الآلاف من المدنيين الذين تمنعهم المجاميع المسلحة من مغادرة المدينة وهذا الوجود المدني الكثيف يمنعنا من التحرك بحرية اكبر في نوعية القتال ونوعية الاسلحة التي يمكن لنا استعمالها، لو كان الوضع مثل يبرود حيث لا وجود مدني يذكر لما كانت دوما حصنا قويا بيد المسلحين حاليا، مضيفا نحن نتواصل مع الكثيرين من الناس داخل دوما، هم يريدون شيئا وحيدا، الخروج من المدينة بسلام يقول مقاتل آخر.
القائد الميداني للمجموعة التي التقينا بها "أحمد" وهو إسم حركي، قال إن مسلحي دوما وبعض القرى المتصلة بها والواقعة تحت سيطرة المسلحين يمتلكون دبابات عديدة ومدافع هاون وصواريخ كونكورس وذخائر متنوعة، كما انهم يصنعون قذائف الهاون ومن عندهم تأتي السيارات المفخخة لتزرع الموت في قلب العاصمة وفي القرى والبلدات الدمشقية، وكانت دوما مركز الانطلاق الاول للسيارات المفخخة قبل ان تنافسها سبينة في تواجد مرسلي سيارات الموت لكن تحرير سبينة من قبل الجيش السوري ولجان الدفاع الوطني أخرجها من قلب المعادلة لتصبح دوما مركز القيادة العسكرية وصنع السيارات المفخخة باتجاه العاصمة السورية.
في الجلسة جرى أيضا الحديث عن دور دوما في معركة يبرود "الجميع يؤكد هنا بدون استثناء أن كل خبرات وتقنيات السيارات المفخخة التي كانت ترسل من يبرود الى لبنان مصدرها دوما، كانت دوما مركز تدريب على كيفية تفخيخ وتجهيز السيارات بالمتفجرات ومن هنا انطلق خبراء تفخيخ السيارات الى يبرود ليعملوا على الجبهة اللبنانية"، كما يقولون.
منذ بداية الازمة كان السلاح يأتي الى دوما ويخزن في اقبيتها وبيوتها، يقول احد رجال الدفاع الوطني، هذه مدينة مكتظة عمرانيا، شوارعها ضيقة، وكانت أيام الهدوء والسلام مركزا للمهربين، وفيها الكثير من المطلوبين للعدالة، لذلك شكلت البنية التحتية لكل الحرب التي نشهدها في ريف دمشق، يقول احد المقاتلين، مضيفا كل قيادات الجماعات المسلحة مرت على دوما ومكثت فيها فترة زمنية "ابو محمد الجولاني، زهران علوش، الشيخ عيسى، الضابط المنشق فراس بيطار"، كل القيادات مرت ومكثت بدوما لذلك هي اليوم المنطقة الاكثر اهمية والحصن الاقوى للمعارضة الذي إذا سقط سقطت معه كل القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرة التكفيريين في الغوطة الشرقية، ويمكن القول أيضا ان سقوط دوما سوف تصل تأثيراته الى مخيم اليرموك والحجر الاسود ويلدا وداريا في الطرف الغربي للغوطة الدمشقية.
احد المقاتلين قال إن دوما بوضعها الحالي تؤثر على عمليات المصالحة التي تتم في بعض قرى وبلدات الغوطة الغربية خصوصا في "ببيلا، يلدا، مخيم اليرموك"، وختم كلامه بالقول لن تنجح المصالحات في اي منطقة من الريف الدمشقي مع بقاء الوضع في دوما على ما هو عليه حاليا لذلك يجب العمل على دوما قبل اية منطقة اخرى.