في أسلوب جديد لإيصال صوت غالبية الشباب في مملكة الصمت والقهر، قررت مجموعة من الشباب من قبائل مختلفة ومن أرجاء متفرقة من المملكة السعودية،
فؤاد إبراهيم
في أسلوب جديد لإيصال صوت غالبية الشباب في مملكة الصمت والقهر، قررت مجموعة من الشباب من قبائل مختلفة ومن أرجاء متفرقة من المملكة السعودية، وفي عملية تفاعلية تتّسم بالشجاعة والشفافية، أن تعبّر عن مطالب الناس عبر مقاطع مصوّرة مختصرة ترفع على اليوتيوب.
فكرة المقطع تقوم، باختصار، على أن يتولى شاب (يعرّف في أوساط التواصل الاجتماعي باسم قبيلته) كامل العملية، بأن يفتح كاميرا الكومبيوتر فيسجّل مقطعاً مكبوساً تتراوح مدّته بين نصف دقيقة وثلاث دقائق، ويتحدث خلالها في خطاب مباشر الى الملك عبد الله وبكلمات مختصرة ومضغوطة يشرح فيها معاناة المواطنين في موضوعات باتت اليوم مورد إجماع الشباب مثل: البطالة، الفقر، السكن والخدمات العامة، وكذلك موضوعات سياسية واجتماعية مثل: حرية التعبير والتجمّع.
وكما حصل في حملة «الراتب لا يكفي الحاجة» الذي أصبح من بين أبرز عشرة موضوعات تفاعلية عالمياً على تويتر، فإن وسماً جديداً «هاشتاغ» انطلق بعنوان «الشعب يقول كلمته»، يشارك فيها الشباب، مع غياب واضح لنخبة المثقفين والإعلاميين الذين آثروا المشاهدة والانتظار، حيث توضع روابط لمقاطع الكلمات المصوّرة، ويتم الترويج لها والتعليق عليها.
وننقل هنا حرفياً أهم المقاطع التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي بحسب التسلسل الزمني على النحو الآتي:
ـ في 22 آذار (مارس) الماضي، ظهر الشاب عبد العزيز بن فهد الدوسري في مقطع مدّته 33 ثانية، وقال ما لم يقل منذ عقود. وجّه الدوسري رسالة مباشرة الى الملك عبد الله بما نصّها:
«أنا مواطن سعودي لا أستلم سوى 1900 ريال (506 دولارات)... بالله عليك يا عبد الله بن عبد العزيز، هل هذه تكفي المهر ولا (أو) سيارة ولا (أو) البيت... يا أخي ملّينا، وتلومون اللي يفجرون... يا أخي اعطونا الى متى نشحدكم من البترول يا أخي. أعطونا ما تلعبون به أنتم وعيالكم... اعطونا من حلالنا. لسنا عاجزين بالمواتر (أي السيارات) نفجّر بها لسنا عاجزين».
وفي غضون مدة قياسية، حظي المقطع على نسبة مشاهدات قياسية بلغت 1.600.000 مشاهدة، حتى الأول من نيسان.
ـ في 23 آذار (مارس) بثّ مواطن آخر يدعى عبد الله مبروك بن عثمان الغامدي من مدينة بيشه جنوب غرب السعودية، وقال إنه شاهد مقطع الدوسري وهو يشكو من قلة الرواتب وعدم كفايتها، ووجّه خطابه للملك ثم علّق قائلاً:
«وبحكم مشاهدتي وملامستي للحال، أؤيد ما ذكره الشاب في كلامه وخطابه الموجّه للملك وأطلب من الجميع المشاركة بنفس الأسلوب حتى يصل الصوت الى خادم الحرمين الشريفين ويعلم بما وصلت إليه الحال من قلة الرواتب وانتشار الفساد والظلم وليس من المعقول والمقبول أن تنعم فئة قليلة، سواء كانت حاكمة، أو فئة أخرى فاسدة، بأموال الدولة، وبقية الشعب يتضوّر الجوع والفقر والظلم، ولذلك أؤيد ما ذكره الشاب».
ثم عرض بطاقته المدنية وعليها اسمه وصورته، وطالب مجدداً بأن يشارك الجميع بنفس الأسلوب.
وحظي المقطع على نسبة مشاهدة وصلت الى 737.167 مشاهدة حتى الأول من نيسان
ـ في 27 آذار (مارس) بثّ شاب آخر يدعى سعود مرضي عبد الله البيضاني الحربي، مواليد الرياض، مقطع فيديو يتضامن فيه مع مطالب من سبقه. وعلّق على مطالب من سبقه وقال:
«طبعاً هذه مطالبنا، مطالب الشعب بالكامل، بحّت أصواتنا من الكلام فيها، مطالبنا سهلة... ليس هناك حاجة لفتح باب تويتر أو ما شابه. كلها موجودة في سلة مهملات التويجري (أي خالد التويجري مستشار الملك عبد الله)، لا تلزمون الشعب بالتحرك السلمي، لا تلزمونا بالنزول للشارع، ببساطة لأن عدد سيارات اليوكن الأسود (في إشارة الى سيارات المباحث والأمن) أقل بكثير من عدد الأحرار فنحن من السهل أن نذهب ونطالب بحقوقنا بطريقة سلمية طبعاً، فأرجوكم أرجوكم اسمعوا صوتنا... أنتم لديكم مركز الحوار الوطني وحاورتم اليهودي والنصراني، وغداً ستحاورون أوباما... أرجوكم، اسمعوا صوتنا. حققوا مطالبنا، نريد سكناً، نريد أن نعيش حياة كريمة».
ثم عرض بطاقته المدنية وعليها اسمه وصورته.
ـ وفي 30 آذار، ظهر الطبيب عبد الرحمن علي أحمد غريدي العسيري، وقدّم مطالعة مختصرة وشجاعة في دقيقتين و32 ثانية، وقال ما نصّه:
«أنا المواطن عبد الرحمن علي أحمد غريدي العسيري، من تهامة عسير، (محافظة أبها جنوب غرب السعودية)، شاهدت مقطعاً لبعض الشباب الطيبين المحترمين لأبناء بلدنا الدوسري والغامدي والحربي يطالبون بحقوقهم، أبسط حقوقهم، وسجنوهم في اليوم الثاني... المشكلة فيكم أنتم يا آل سعود تتعمدون تُذِلّون الشعب وتفقرون الشعب... الدوسري المسكين يقول راتبي 1900 وهذه لا تعشي (لا تكفي لوجبة عشاء) واحد من أولادكم. اليوم الثاني شفنا واحد من الأمراء من أولادكم شاري (اشترى) له سيارة مرصعة بالذهب...
المشكلة فيكم أنتم يا آل سعود، سرقتم كل شيء، سرقتم اسمنا وبلدنا وأضفتموه لكم بأي حق، سرقتم الإسلام، صار الإسلام السعودي تبع الفوزان وتبع آل الشيخ وتبعكم حتى شوهتوه، سرقتم الرسول صار سعودي... البترول بدل ما توزعونه علينا وتعطون الشعب تفقرونهم وتذلونهم وإذا توزعونه توزعونه على أعداء الأمة السيسي ونصارى لبنان اللي ما يشوفوا العرب إلا حثالة.
المشكلة فيكم سرقتم كل حاجة، حرام كذا هذا ما هو (ليس) عدل، أنا طبيب وعملت ودرّبت في الحرس والمستشفيات العسكرية وفي مستشفيات وزارة الصحة، وفي مرة حطيت ثلاثة مرضى على سرير.
وين هذا عبد الله بن عبد العزيز، أنتو شايفين أيش، أنا أطالب بالحقوق، أول حق أطالب فيه ليش تسجنونهم. هذولي (هؤلاء) طالبوا بحقهم ليش تسجنونهم، الرجال اللي شرى (اشترى) له سيارة مرصعة بالذهب هذا اللي نبغى (الذي نريد) ناخذ الحق منه.
وأنا أسجل المقطع هذا قاعدين يتبايعون (يبايعون) مقرن بيعة شرية (بيع وشراء)، الشعب قطعة أثاث، بيعة شرية، لا كذا ما يصلح (لا يجوز) كذا حرام، وإذا تكلمنا تسجنوننا، تسجنون ولا تقولون إذا مو عاجبك إطلع بره البلد، هذه ما هي (ليست) بلدكم أنتم بس، لا يا أخي الشعب يطالب بحقوقه، إحنا نبغى الحرية وأنا أحذركم نبغى الشيء الصح لبلدنا. اليمن وتونس وغيرهما في الجمهورية الثانية، والسعودية بتدخل (سوف تدخل) الجمهورية الأولى إذا لم تتحركوا وأحكمتم العقل... وعشان المباحث لأني أعرف حركاتهم...». ثم قام بعرض بطاقته المدنية وفيها اسمه وصورته.
وحظي هذا المقطع بنسبة مشاهدة مرتفعة وفي فترة قياسية بلغ عدد المشاهدين للمقطع 1,508,539 مشاهدة.
ـ وفي 31 آذار ظهر وافي مرضي عبد الله البيضاني الحربي، ذو الثمانية عشر ربيعاً، في كلمة مصوّرة في 31 مارس بعد اعتقال شقيقه سعود الحربي وتحدّث عن اعتقال من طالب بالحقوق مثل سعود الحربي وعبد العزيز الدوسري وغيرهما وتساءل:
«أين هي حرية التعبير المزعومة؟ ومنذ متى أصبحت المطالبة بالحقوق جريمة تستوجب السجن في بلاد الحرمين، مع أنها مطالبات شرعية وسلميّة؟ ... إنما الخطأ وتجاوز القانون هو الاعتقال نفسه. وقال: إن أسلوب القمع لا يجدي نفعاً. ووجّه رسالتين:
الأولى: إلى محمد بن نايف، وزير الداخلية، وقال: ارتوينا بالكلام وبالفعل متنا عطشاً... ولا نريد سوى العيش في حياة كريمة بعيداً عن الظلم والاضطهاد... قد بلغ السيل الزبى... فمطالبنا هي حقوقنا... مع العلم أن حاجز الخوف الآن قد انكسر والكثير من الشعب ليسوا بجبناء.
الثانية: إلى الشعب، ونقل رواية عن علي بن أبي طالب بأنه إذا رأيت الظالم مستمراً في ظلمه فاعلم أن نهايته محتومة... وإذا رأيت المظلوم مستمراً في مقاومة ظالمه فاعلم أن انتصاره محتوم...
وقال: أتمنى ألا أعتقل، كمن اعتقلوا من قبلي. وإذا اعتقلت أتمنى ألا تذهب هذه المبادرات وهذه المناشدات عبثاً».
ثم ختم ببيت من الشعر: قالوا حبست فقلت ليس بضائري... وفوق الرأس تاج مفاخري
ثم عرض بطاقته المدنية وعليها اسمه الكامل.
وفي غضون يوم واحد حصل المقطع على 240.077 مشاهدة حتى الأول من نيسان.
ـ وفي 31 آذار (مارس) تحدّث الشاب العشريني معاذ محمد سليمان الجهني، من الحجاز الشريف وقال:
«أوجه رسالة الى آل سعود...
إذا الملك الجبّار صعّر خدّه ... مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
تسرقون أموال الناس وتطالبون الناس بأموالهم وتسجنونهم من أجل الدين وين الإنسانية... نطالب الحكومة بتقسيم ثروات البلاد على الشعب تقسيماً عادلاً وليس احتكارها وسرقتها من قبلكم أنتم وأبنائكم، وبناء مدن سكنية وتوظيف العاطلين وزيادة رواتب الموظفين وإلا سينتهي الأمر الى ما لا تحمد عقباه وهذه هويتي».
ـ وفي 2 نيسان (إبريل) ظهر شاب آخر في شريط مصوّر ووجّه رسالة للملك وقال فيها:
«تحية للأبطال الخمسة الدوسري والحربي والغامدي والعسيري والجهني...
يا عبد الله بن عبد العزيز اسمي غانم حمود فرج المصارير الدوسري، أقول لك هؤلاء الخمسة تاج على رأسك والسجن ليس بمكانهم... السجن مكان للظالمين والفاسقين والمستبدين...
يا عبد الله بن عبد العزيز: أنت شخص غير مهذب وكذاب، وعدت الفقراء بصندوق ومنذ ثماني سنوات لم يروه...
يا عبد الله بن عبد العزيز: نهبت ثروات البلد تحت مسميات مدن اقتصادية ومشاريع وهمية وكلها حبر على ورق...
يا عبد الله بن عبد العزيز: بعثرت ثروات البلد على عصابات السيسي والانقلابات في كل مكان وتقول بأنك خادم للحرمين...
يا عبد الله بن عبد العزيز: بين كل حين وآخر ترمي على الشعب ما بقي من الفتات وتقول مكرمة ملكية. الله لا يكرمك إذا كانت من راتبك وتعبك فقل عنها ما تقول، وأما حقوق الشعب فليست بمكارم لا عندك ولا عند غيرك...
يا عبد الله بن عبد العزيز: تقول بأنك ملك للإنسانية، والإنسانية منك براء، فحتى بناتك لم يسلمن من شرّك ومسجونات منذ ثلاث عشرة سنة...
فيا شعب الحرمين، كل شعوب الأرض تأتي بحكامها وتطردهم عندما يتحوّلون الى لصوص، فمتى نقول للصوص لا مكان لكم بيننا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
هذه باقة من المقاطع التي نالت شهرة غير مسبوقة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسط الشباب، لأسباب عديدة؛ من بينها مستوى الجرأة العالي، وملامستها للهموم المباشرة لغالبية الشباب، قصر مدّة الرسالة، والأهم أنها تصدر عن الشباب أنفسهم.
رد فعل الحكومة السعودية كان سلبياً كما هو متوقّع، فقد قامت باعتقال الشباب الواحد تلو الآخر، فيما كان رد فعل الشباب يتّسم بالتحدي والجهوزية الكاملة لدفع الثمن، أي الاعتقال ومتوالياته.
في الخلاصة الأولية، نحن أمام ظاهرة جديدة في الاحتجاج السياسي والمقاومة المدنية التي تستحق المراقبة، في ظل إصرار النظام السعودي على الخيار الأمني في التعاطي مع مطالب الشباب، بوصفهم الأغلبية السكانية المحرومة في مملكة النفط.
http://www.al-akhbar.com/node/204050
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه