ربّما هي المشيئة الإلهية التي أرادت أن ترتوي أرض لبنان بدماء قادة المقاومة الإسلامية في شهر شباط، لتتفتح في آذار وروداً عطرة على امتداد مساحات الوطن. فمن الدماء الطاهرة لشيخ شهداء المقاومة الإسلامية ا
ربّما هي المشيئة الإلهية التي أرادت أن ترتوي أرض لبنان بدماء قادة المقاومة الإسلامية في شهر شباط، لتتفتح في آذار وروداً عطرة على امتداد مساحات الوطن. فمن الدماء الطاهرة لشيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب، مروراً بسيدها الشهيد السيد عباس الموسوي، وصولاً إلى قائد الإنتصارين الشهيد الحاج عماد مغنية وما بينهم من شهداء، نبتت ورود الحرية في لبنان، فكانت المشعل الذي أنار درب المقاومين، وكانت الملهمة لهم في ليالي الوحشة المظلمة، فاستراحوا بين أوراقها وليستنشقوا رائحة النصر من عطرها.
لم يكن تاريخ استشهادهم ولا الحيز الكبير الذي احتلته المقاومة في قلوب قادتنا الشهداء وعقولهم وحدها السمات التي جمعتهم، فبحسب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله فإن الصفات التي جمعت بينهم أكثر من أن تحصى أو تعد، فالتواضع والمحبة واللهفة والعاطفة الجياشة، هي من المشتركات أيضاً. إلا أن ما يلفت النظر هو عنصر الشباب الجامع بين هؤلاء القادة، فمنذ الصبى كان لديهم وعي مبكر لقضية الصراع مع العدو ولمسألة القدس وفلسطين. هذا الوعي كبر مع الإمام المغيب موسى الصدر أعاده الله، ومنذ الصبى كان الإندفاع ليكونوا جزءاً من العمل والعطاء والتضحية، ومنذ الصبى كان هؤلاء رجالاً، لم يعرفوا حياة اللهو واللعب والترف ولا الحياة المشروعة لمن هم في سنهم، واختار الله لكل واحد طريقه ودوره.
السيد نصرالله يرى أن القادة الشهداء أنجزوا ومعهم كل الشهداء تحرير الأرض والأسرى، وفرضوا احترام لبنان وموقعه وأسسوا لمدرسة هذا الخيار، ووصيتهم هي أن نحفظ إنجازهم الذي يشكّل ثمرة حياتهم وفي نهاية المطاف ثمرة دمائهم، ثم إن الإنجاز الذي تركوه هو المقاومة، تاريخها، وخيارها، ووجودها، وقوتها، وقدرتها على تحمل المسؤوليات.
"إن التجربة التي خاضتها المقاومة الإسلامية في لبنان أتثبت بوضوح أن إستشهاد قادة المقاومة يجذّر فكرة وثقافة الإستشهاد والإيمان بالقضية لدى المجاهدين وأنصار هذه المقاومة، ففي كل مرحلة عندما كان يغتال العدو أحد القادة ويراهن على أن تضعف المقاومة وأن يوهن هذا الحدث من قوتها ويقلل من عزيمتها، كان يتفاجئ بأنها استمدت قوة أكبر من دماء هؤلاء الشهداء"، يقول عضو المجلس الوطني للإعلام غالب قنديل في حديث لموقع قناة المنار .
"باستشهاد قادتها تكتسب المقاومة مصداقية أكبر، فوجودهم في قلب المخاطر يثبت أنها صادقة بأهدافها، مؤمنة بما تفعل، ولا تقوم بعملية تسخير لأبناء الشعب لصالح الزعامات كما تفعل الكثير من الحركات السياسية الأخرى بهدف تحقيق المكاسب الخاصة. فاستشهاد أبناء قادة المقاومة وإخوانهم يؤكد أننا نقف أمام قادة يعملون من أجل قضية ويؤمنون بها ويضحون بأنفسهم وذواتهم من أجلها، لذا من الطبيعي أن إستشهادهم يؤدي إلى استقطاب المناضلين والمجاهدين بشكل أكبر. لقد أرّخ إستشهاد كل قائد لمرحلة جديدة من مراحل المقاومة. فاستشهاد الشيخ راغب حرب فجّر سلسلة من الإنتفاضات وكسر حواجز الخوف من الصهاينة، أما استشهاد السيد عباس الموسوي شكّل رصيداً كبيراً للثوار وثبتهم ليحققوا إنجازي تفاهم نيسان عام 1996 والتحرير عام 2000 بلمسات الشهيد القائد عماد مغنية الذي صنع انتصار تموز 2006، والذي شكّل استشهاده تعاظم كبير في قوّة المقاومة فأصبح مجرّد التهديد بالثأر لإغتياله يحدث زلزالاً مرعباً في الأراضي المحتلة، كما لاحظنا إندفاع الشباب للإنضمام إلى صفوف المقاومة بعد إغتيال قائدها الجهادي الذي عمل طوال حياته بصمت وإيثار وتضحية، وبالتالي فإن مجموعة القيم المتسمة بالمصداقية جعلت من هذه المقاومة أقوى وزادتها زخماً شعبياً"، يضيف قنديل.
راغب راغب حرب نجل شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب تحدث لموقع قناة المنار عن الفترة التي اغتيل فيها والده فقال: "قبل اغتياله كان الشيخ راغب حرب يعمل على تعبئة الناس ضد العدو الإسرائيلي، ففي ذلك الوقت لم يكن الناس يعرفون الكيان الصهيوني عن كثب، فلم تتصوّر فئة منهم بأنه كيان محتل أو عدو، كما أنه لم تكن لديهم فكرة كبيرة عن مواجهة المحتل، فبدأ الوالد من جبشيت والقرى المجاورة بتعبئة الرأى العام في تلك المنطقة ضد هذا العدو، فقام بتوعية الآلاف وتوسعت هذه الحركة إلى القرى المحيطة وخلقت جواً من العداء للصهاينة، ومما كان يردده الشيخ الشهيد أن التعامل مع إسرائيل حرام، حتى البسمة أو شراء البضائع حرام، وساهم هذا بكشف الصورة الحقيقية للإسرائيلي".
"عندها شعر العدو بخطر إسمه الشيخ راغب حرب، فإعتقلته بهدف إسكات صوته أو استمالته، وكانت آخر العروض التي طرحوها عليه هي أن ينتقل إلى بيروت ويعيش فيها إلا أنه رفض ذلك. وبعد 17 يوماً من الصمود في الإعتقال أفرج العدو عن الوالد على اثر ثورة الناس واعتصامهم، فاتسعت مروحة المؤيدين له والمتجاوبين معه، مما أشعر الإسرائيلي بأن الخطر أصبح كبير جداً فقام بإغتياله.وبذلك قدّمت إسرائيل دون أن تدري خدمة للمقاومة حيث أعطت دليلاً على عدوانيتها فشعر الناس بعدم الأمان وبعد أن كانت ثورتهم مدنية، تحوّلت إلى العمل العسكري، وهكذا أعطى استشهاد القائد دفعاً متقدماً لهذه المسيرة وثبّت أفكارها في ذهون الناس واتضح ذلك منذ الساعات الأولى لإغتياله، حيث تجمّع في تشييعه حشد كبير من الناس اعتبر الأضخم في حينه رغم الحصار الإسرائيلي الذي منع أنصاره من الوصول والمشاركة بالتشييع، فعادت حوالي 400 سيارة أدراجها ومن بينها سيارة الشهيد السيد عباس الموسوي"، يضيف راغب راغب حرب.
بدوره تحدث السيد ياسر عباس الموسوي عن استشهاد والده، فقال: "نحن نعتز ونفتخر بهذه المناسبة الأليمة التي فقدنا بها أحبة وأعزة لنا من شيخنا وأميننا العام وقائدنا الجهادي. فهؤلاء الشهداء القادة صنعوا الإنتصارات المتتالية لهذه الأمة وعزتها وكرامتها، ونحن نعيش اليوم مرفوعي الرأس ببركة دمائهم ودماء الشهداء. فالعدو الإسرائيلي اعتقد أنه يستطيع من خلال قتلهم أن يقضي على المقاومة ومشروعها، فاغتال السيد عباس الموسوي معتقداً أنه بقطعه الرأس يستطيع القضاء على الأطراف ولكن العدو كان مخطئاً، لأن هذه المقاومة كل ما ارتفع لها شهيد كانت تقوى أكثر ويشتد عودها لتصبح أكثر صلابة، فغدت ذات شعبية أوسع وأكبر وأصبحت أقوى من أي وقت مضى وزادت إصرار المجاهدين وعزمهم على الإستمرار لنيل إحدى الحسنيين، مما يذكرنا بمقولة الإمام الخميني (قدس) التي رددها سيد شهداء المقاومة على أنقاض السفارة الأمريكية عام 1991 في مسيرة ضد مؤتمر مدريد: أقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر".
أما فاطمة عماد مغنية فأكدت من جهتها أن "استشهاد أي قائد من قادة المقاومة سيؤدي إلى استمرار المسيرة وبزخم أكبر".
"كان والدي يؤكد على عدم وجوب تمثيل الأشخاص للخط المقاوم، فلم نلمس لديه أي حرص على تبريز نفسه، وكان يقول باستمرار إن المسيرة لا يجب أن تتعلّق بشخص معيّن، بل يجب أن تكمل طريقها على خط الإمام الخميني وبروح الجهاد نفسها وألا تتأثر بفقدان الأشخاص ولو كانوا من أهم قادتها. والدي الشهيد عماد لم يتكلم عن نفسه كثيراً وتفاجأنا لاحقاً بأشياء فعلها ولم نكن على علم بها أبداً. كان يركّز في تربيتنا على خط المقاومة وعندما كنا نسأله عن الذي يمكن أن يحصل إن أصابه مكروه كان يجيب: المهم هو الحفاظ على نهج المقاومة وأي شخص آخر يمكنه الحلول مكاني"، تقول فاطمة.
وعلى الرغم من ذلك، لا تخفي كريمة الشهيد عماد المخاوف التي انتابتها إثر الإعلان عن شهادة والدها، فهي كما جماهير المقاومة، شعرت بالضربة الموجعة وشعرت بالقلق من حدوث أي خضة على إثر الإغتيال خاصة وأن جميع التحليلات آنذاك كانت تؤكد وجود انكسار معنوي ومادي في صفوف حزب الله وشباب المقاومة. إلا أن المفاجأة كانت أقوى من أن يحملها الإسرائيلي، فأطل سيد المقاومة ليرمي كرة من نار في ملعب العدو الصهيوني مؤكداً أن ثمن إغتيال القائد عماد مغنية ليس زهيداً لا بل إن دماءه ستزيل إسرائيل من الوجود. فارتعدت فرائص إسرائيل ولا تزال، وبات اسم عماد مغنية يطاردها في مشارق الأرض ومغاربها، فغدا صانع الإنتصارين وشيخ المقاومة وسيّد شهدائها كابوساً يلاحق العدو وانقلب السحر على الساحر وأسست مسيرة الإنتصارات المجبولة بدم القادة والمجاهدين جيلاً جديداً من أجيال المقاومة التي لن تتوقف أبداً. هكذا أعلن السيد نصر الله أفول نجم الهزائم وهكذا أصبح الشهداء قادة ...