والسيد حسن نصر الله قد زرع اليوم الشعور بالمسؤولية في نفوسنا، وأعاد إلينا حالة الثقة بذاتنا، وحالة الرفض لمن يستغل ألمنا وتضحياتنا في تحقيق مآرب ضيقة، تخرج عن سياق تاريخ أمة تقرر فتكون في عالم يتغير بسرعة.
عند تصوير «المسؤول السياسي» في العقل العربي ومن ضمنه اللبناني، يذهب التفكير إلى النماذج المألوفة التي غالباً ما تنقصها الكفاءة.. واحدهم يستمد نفوذه من حاجة «رعاياه» إليه وزعامته، فيُفرط في استخدامه من دون محاسبة، وبانتهازية لا تخلو من العنف أحياناً، ساعياً إلى تحقيق مصالحه الذاتية بالدرجة الأولى.
وقد تعودنا، في ماضينا القريب، على هذا النمط المحبط من «المسؤولين» وقد سلمنا بهم مجبرين وهم يخضعوننا لانتهازيتهم وضيق الخيار، ولم يعد باستطاعتنا أن نتخيل كيف يكون ثمة «مسؤول» من خارج هذا التوصيف ـ النادي، من دون أن تلحق به صفة «الضعيف» أو «المسكين».
لننظر إلى من يتصدى لتحمل مسؤولية موقع يخدم من خلاله مجتمعه، من دون أن يستغل أهله أو يتزعمهم وفق المفهوم الإقطاعي للكلمة. فيثبت لهم من خلال الممارسة أنه جدير بتحمل المسؤولية لأنه يدرك همومهم ويسعى جاداً إلى معالجتها، وهو ينجز من دون أن يتوقع أي مقابل، وثقة هؤلاء الناس تضعه أمام المزيد من المسؤولية، فيجتهد ساعياً إلى تحملها وتحقيق ما يليق بهم وبه، لأنه يحاسب نفسه إذا ما أساء استخدامها... ويحاسبونه كذلك.
القائد هو من يتحمل نتائج قراراته، فإذا أخفق يدفع ثمن أخطائه ويعمل على تصحيحها، وإذا أفلح ففي ذلك خير للجميع. و«المسؤول» هو من يتخذ القرارات الواعية في أشد الأوقات وأصعبها وأعقدها.
والقائد منفتح على الجميع، يؤمن بأن الناس قد يختلفون في الرأي والفكر والمنهجية، وأن الخصومة في السياسة مهما اشتدت، يجب أن تنتبه إلى خطورتها على المجتمع، خصوصاً وأنه من المتعذر أن يلغي أحد أحداً.
يرى أنه على الناس «الحديث مع بعضهم البعض والنقاش وإجراء مراجعات، حتى لو اختلفوا، لأن إعادة تنظيم الخلاف، على أساس وجود أولويات متفق عليها ومساحات مختلف عليها، يجنبنا الذهاب إلى العداء المطلق وإلى البغضاء وإلى التباعد».
العدو واحد وواضح: إسرائيل.والتجربة في مواجهة العدو تتميز بالإنجاز والتصميم، والتواضع فيها مبني على الواقعية في تقدير الحجم والإمكانات، وليس في التقليل من شأن التجربة:
«ما فعلناه في العالم العربي والعالم الإسلامي هو اننا حظينا بالاحترام وقدّمنا فكرة فتقبلوها بالتقدير. هذا هو حجم الموضوع، وجودنا في العالم العربي والإسلامي قد وفر لنا الاحترام، ونحن نوظف الاحترام الذي حصلنا عليه لمصلحة تعزيز ثقافة المقاومة في العالم العربي والإسلامي».
«أما الحديث عن إدارة أو إمكانية إدارة حزبنا للتحولات في العالم العربي وفي الدول العربية ولدى الشعوب العربية، وبأن نتدخل هنا ونتدخل هناك من أجل تغيير المعادلات فهذا لا إمكانية لحصوله. أنت تتحدث عن حزب هو جزء من الشعب وهو ليس دولة، ولا هو في دولة كبيرة أو دولة إقليمية عظيمة، أو لديه إمكانات بشرية ومادية مهمة».
لا ترتبط مسيرة «مسؤوليته السياسية»، بوجهيها الإنساني والنضالي، بشخصه أو بذاته، برغم كل «الكاريزما» التي يمتلكها. فهو القائد ولكنه جزء من كل يسعى إلى تحقيق أهداف وضعها ضمن خطط واستراتيجيات واضحة، تؤمن لهم فرصة أن يصنعوا يوماً أفضل ما يستطيعون ليعتمد عليه أبناؤهم فيصنعوا غدهم الأفضل من بعدهم.
بهاء الصورة ليس في صورته وحده، بل في صورة المجموعة والإنجاز، وهو نتيجة مسيرة وطنية ساهم فيها «كل مخلص».المعادلة بسيطة ومباشرة: نحن من يصنع قدرنا ونحن من يكتب تاريخنا، الذي علينا أن ننظر إلى حيثياته بتجرد لنبقى في سياقه.
يرى بحسه القيادي و«المسؤول» أن «هناك غضباً عارماً عند الشعوب العربية تجاه موقف الأنظمة العربية من العدو الإسرائيلي، من قضية فلسطين! هناك إحساس لدى الشعوب العربية بالذل وبالانكسار وبالهوان». و«كما تفرض سنن التاريخ وتجارب المجتمعات البشرية فإنه من قلب هذه المعاناة يتعاظم الوعي وسيحصل تراكم وستتوالد قناعات».
«هناك أنظمة «مسوّسة» فاسدة ضعيفة واهنة حتى على المستوى المعنوي والنفسي، وحان وقت رحيلها بحسب القوانين الحاكمة في التاريخ والمجتمع».
هكذا تكون «المسؤولية» قدوة، يمتثل بها الناس ويجدون فيها أملاً وطريقاً للخلاص واستعادة كرامة مفقودة. يرفعون سقف توقعاتهم إلى مستوى عالٍ بقدر الطموح، فتكون المحاسبة شديدة أحياناً والانتقاد قاسياً نتيجة الخوف على التجربة من الفشل ومن تحمل عواقب الخسارة.
والسيد حسن نصر الله قد زرع اليوم الشعور بالمسؤولية في نفوسنا، وأعاد إلينا حالة الثقة بذاتنا، وحالة الرفض لمن يستغل ألمنا وتضحياتنا في تحقيق مآرب ضيقة، تخرج عن سياق تاريخ أمة تقرر فتكون في عالم يتغير بسرعة.
حاضر هو المنطق الذي اختتم به «السيد» إحدى كلماته يوماً بالقول: «نحن في هذا البلد أباً عن جد من مئات السنين وربما آلاف السنين... نحن هنا خلقنا وهنا كبرنا وهنا عشنا وهنا بيوتنا وهنا قبور شهدائنا وهنا مقابر آبائنا وأجدادنا وهنا نموت وهنا نبقى ومن هنا لا نذهب».
وتحية إلى هذا القائد ـ السيد الذي سطّرت معه المقاومة صفحة مجد في تاريخ الجهاد، وقدم النموذج لحارس الأرض وكرامة إنسانها، في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي احتل فلسطين وقهر شعبها وحاول مد احتلاله إلى لبنان فكان الجهاد الحق الذي حرّر الأرض وأعاد الكرامة إلى إنسانها.