22-11-2024 12:35 AM بتوقيت القدس المحتلة

مفهوم "الاستكبار" وآلياته وتشكلاته وأهدافه في فكر الإمام الخامنئي

مفهوم

"القوى الاستكبارية هي تلك التي تمسك إدارة جزء كبير من العالم في قبضة اقتدارها وعسفها وقدراتها المالية.

"القوى الاستكبارية هي تلك التي تمسك إدارة جزء كبير من العالم في قبضة اقتدارها وعسفها وقدراتها المالية. شبكة الصهيونية العالمية، والقوى الأمريكية التعسفية، والأجهزة المالية التي تدعم نظام الهيمنة العالمية هذا، كلها تعد من القوى الاستكبارية".

الإمام الخامنئي (حفظه الله) - 22/08/2009

الفصل الأول: مفهوم الاستكبار

الإمام الخامئني حفظه الله برعاية اللهمفهوم الاستكبار في القرآن الكريم
مفهوم الاستكبار في ثقافة الثورة الإسلامية
القوى الاستكبارية
مظهر الاستكبار
أساس الاستكبار
منطق الاستكبار
خطط الاستكبار

أدوات عمل الاستكبار

وسائل الإعلام
مشروع المفاوضات
بث اليأس
بث الشكوك
خلق الخلافات
مشروع الشرق الأوسط الکبير
المؤامرات الخبروية
استخدام رجال دين البلاط (وعاظ السلاطين)
الأدوات الثقافية

نقاط ضعف الاستكبار

الفصل الثاني: ضرورة مقارعة الاستكبار

ضرورة مقارعة الاستكبار

أسباب مقارعة الاستكبار

  السبب الوطني
  السبب الديني

أتباعُ أهل البيت (ع) روادُ مقارعة الاستكبار
أعظم مقارعة للاستكبار
ما معنى شعار: الموت للاستكبار؟
ضرورة الحفاظ على شعار مقارعة الاستكبار

طرق مقارعة الاستكبار

العودة للإسلام
التربية و التعليم
الوحدة الوطنية
الانسجام الإسلامي
دعم الحكومات لشعوبها

أسباب عداء الاستكبار

سبب عداء الاستكبار للإسلام
سبب عداء الاستكبار لشعب إيران
سبب عداء الاستكبار للثورة الإسلامية في إيران
سبب عداء الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية

الهدف النهائي للاستكبار

الاستكبار

الفصل الأول: مفهوم الاستكبار

مفهوم الاستكبار في القرآن الكريم

مفهوم الاستكبار مفهوم قرآني وليس شيئاً ظهر في ثقافة الثورة الإسلامية في إيران دون سبب. مفهوم الاستكبار يقتضي مواجهة الاستكبار من قبل المسلمين والمؤمنين والنظام والثورة الإسلامية؛ وهذه المواجهة ليست مصلحية أو موسمية أو تكتيكية، إنما هي مواجهة قائمة بشكل دائم. هذه هي ذات الثورة، و طالما كانت هناك ثورة فسيكون هذا الشيء.

مفهوم الاستكبار في القرآن هو أن يعتبر عنصر أو شخص أو جماعة أو تيار نفسه فوق الحق ولا يخضع للحق ويجعل نفسه وسلطته ملاكاً للحق! أول مستكبر في التاريخ الذي يرسمه القرآن للبشر هو إبليس: »أبى واستكبر«. إنه أول المستكبرين.

طبعاً للاستكبار معنى واسع. يلوح أن الاستكبار يختلف عن التكبر. ربما أمكن القول إن التكبر يشير في الغالب إلى صفة قلبية و روحية. بمعنى أن يعتبر الإنسان نفسه فوق الآخرين. الاستكبار يركز غالباً على الجانب العملي للتكبر. بمعنى أن الذي يتكبر و يرى نفسه أعلى من الآخرين يتعامل مع الآخرين بنحو يظهر فيه هذا التكبر بوضوح. يهين الآخرين و يذلهم و يتدخل في شؤونهم و يظهر بمظهر من يتخذ القرار للآخرين.

مفهوم الاستكبار في ثقافة الثورة الإسلامية

يطلق الاستكبار في ثقافة الثورة الإسلامية على مجموعة القوى التي تستند إلى قدراتها السياسية و العسكرية و العلمية و الاقتصادية و تعتمد على نظرة تمييزية للإنسان لتستغل المنظومات الإنسانية الكبرى – أي الشعوب و الحكومات و البلدان – و تضغط عليها و تسيطر عليها بشكل تعسفي مذل. تتدخل في شؤونها و تتطاول على ثرواتها، و تتعامل مع حكوماتها بمنطق القوة، و تظلم الشعوب و تهين ثقافاتهم و أعرافهم و تقاليدهم.

القوى الاستكبارية

القوى الاستكبارية هي تلك التي تمسك إدارة جزء كبير من العالم في قبضة اقتدارها و عسفها و قدراتها المالية. شبكة الصهيونية العالمية، و القوى الأمريكية التعسفية، و الأجهزة المالية التي تدعم نظام الهيمنة العالمية هذا، كلها تعد من القوى الاستكبارية.

مظهر الاستكبار

مظهر الاستكبار – بمعناه القبيح المقزّز – في العالم اليوم هو أمريكا، و إلا ليست القضية قضية معاداة عرق معين أو شعب أو بلد بحد ذاته. القضية هي أن لكل شعب عزته و شخصيته و لا يرغب للقوى الخارجية أن تتلاعب بهذه العزة بما لها من قوة و خداع. و لكل شعب ثروته و لا يرغب أن تنهب ثروته.

العدو هو قطب الاستكبار و الهيمنة العالمية، و أمريكا اليوم من مظاهره الكبرى و الأساسية. طبعاً حين يقال أمريكا فليس القصد الشعب الأمريكي. الشعب الأمريكي مثل باقي شعوب العالم له خصوصيات معينة و نقاط إيجابية و سلبية. ليس لشعب إيران عداء معهم. إنما تتوجه الثورة الإسلامية الإيرانية بخطابها للنظام الحاكم في أمريكا و الذي ينوي الهيمنة على العالم و يرسم سياساته على هذا الأساس. حين نقول »الهيمنة الأمريكية« نقصد النظام الحاكم في أمريكا.

أساس الاستكبار

أقام الاستكبار أسسه على الظلم و الجور و العدوان، و الحكومة الأمريكية و هي قمة الاستكبار هي اليوم أسوء حكومة في العالم من حيث الاستكبار. أقامت هذه الحكومة وضعها على أساس مجابهة أي بلد أو حكومة لا تكون على استعداد لتأمين مصالحها. فهل ثمة كفر و استكبار أسوء من هذا؟! أحياناً يقول المرء: »لدي مصالحي في بيتي و أنا أحمي هذه المصالح، إذن، لا تحاربوني و لا تواجهوني«. حسناً، هذا كلام. و لكن لا معنى لأن يدخل أحد إلى بيت شخص آخر أو يقف عند باب بيته و يضايقه و يسلب أمنه، ثم حين يسأل صاحب البيت لماذا سلبت أمني، يقول له: »لقد هددت مصالحي، و لدي مصلحة مما أفعله و لأنك لم تأبه لمصالحي و منفعتي إذن أواجهك و أحاربك«. هل ثمة فوق هذا ظلم؟! هذا ما يلاحظ على الولايات المتحدة الأمريكية اليوم.

منطق الاستكبار

منطق الاستكبار منطق القوة و الإرهاب و الاستخدام غير العادل للقوة التي تمتلكها. لذا فهي تروّج للإرهاب و تشيعه. الأمريكان اليوم يدخلون البلدان باسم مكافحة الإرهاب، و يعرضون الشعوب لكل هذه الضغوط و يقصفونهم و يسحقون أطفالهم و نساءهم و شيوخهم و الناس العزّل هناك. و منطقهم في كل هذا إننا نريد محاربة الإرهاب! ما معنى الإرهاب؟ هل معناه سوى أن يستخدم الشخص القوة و العسف غير القانونيين لتمرير مقاصده؟ و هل الشيء الذي تفعله أمريكا اليوم في العراق و أفغانستان و باكستان غير هذا؟!

خطط الاستكبار

تتلخص مخططات الاستكبار العالمي ضد الشعب الإيراني في ثلاثة جمل: الأولى: الحرب النفسية، و الثانية: الحرب الاقتصادية، و الثالثة: مواجهة التقدم و الاقتدار العلميين. عداوات الاستكبار لشعب إيران تتلخص في هذه الأمور الأساسية الثلاثة.

ما معنى الحرب النفسية؟ الهدف من الحرب النفسية هو الإرعاب و الإفزاع. من الذي يريدون إفزاعه؟ الشعب لا يفزع و لا يخاف، و كتل الشعب الهائلة لا ترتعب، فمن الذي يريدون إرعابه؟ يريدون إرعاب المسؤولين و الشخصيات السياسية، أو النخبة كما يصطلح عليهم. يريدون إرعاب هؤلاء. الذين يمكن تطميعهم و إغراؤهم يريدون تطميعهم.. يريدون حلحلة الإرادة العامة. يرومون تغيير إدراك الشعب لواقعه و واقع مجتمعه. هذه هي أهداف الحرب النفسية.

و الحرب الاقتصادية نمط آخر يتوخون من خلاله التضييق على شعب إيران في الشؤون الاقتصادية. يهددون بفرض الحظر الاقتصادي. الحظر لا يمكن أن يوجه ضربة لإيران. أولم يفرضوا الحظر الاقتصادي لحد الآن؟ بلغ الشعب الإيراني الطاقة النووية و التقدم العلمي و هذا البناء الواسع للبلد و هو تحت الحظر الاقتصادي. بل إن الحظر الاقتصادي قد ينتهي لصالح الشعب الإيراني في ظروف معينة و ذلك حينما يضاعف من همم الإيرانيين باتجاه العمل و النشاط.

و مواجهة التقدم العلمي لها نموذج بارز هو قضية الطاقة النووية. يقولون في التصريحات و الحوارات السياسية و غيرها إن الدول الغربية تعارض امتلاك إيران للقدرات النووية. فليعارضوا. و هل طلبت الجمهورية الإسلامية ترخيص أحد لحيازة القدرات النووية؟ و هل دخل الشعب الإيراني هذه الساحة بترخيص الآخرين حتى يقولوا إننا نعارض ذلك. فليعارضوا. الشعب الإيراني لا يعارض و يرغب أن تكون له طاقة ذرية.

من الحساسيات التي يبديها الاستعمار و الاستكبار و أمريكا و الصهاينة المخططون للفساد في العالم اليوم هو أن لا يسمحوا للبلدان ذات الأنظمة الثورية بأن تتقدم علمياً. و هذه الحساسية مضاعفة بالنسبة لإيران. لأن حساسيتهم إزاء الإسلام و الثورة الإسلامية لم تكن لها سابقة – و لن تكون – إزاء أية ثورة أخرى.

أدوات عمل الاستكبار

وسائل الإعلام

وسائل الإعلام هي أداة عمل الاستكبار العالمي. وسائل الإعلام لديها في العالم قدرات هائلة و تقوم بأعمال كبيرة جداً لصالح أصحابها. أهم وسائل الإعلام في العالم – سواء وكالات الأنباء أو الإذاعات أو التلفزة أو الصحف الكبرى – هي ملك الرأسماليين و هم الأركان الرئيسية للاستكبار العالمي. في الأخبار التي يبثونها في العالم يتم تنظيم و ترتيب كل شيء لصالح مصالحهم و إرادتهم.

إنني أنبّه كل الإخوة المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يفسروا و يقيموا إعلام الاستكبار العالمي ضد الجمهورية الإسلامية و الذي يُنشر عن طريق وكالات الأنباء و الصحافة و الإذاعات و التصريحات الرسمية لرجال السياسة وفق هذا المنطق و القاعدة العامة و هي أن جميع أجهزة الاستكبار الإعلامية و على رأسها الأجهزة الإمريكية تعبأت اليوم لعرض صورة الجمهورية الإسلامية و إيران و الأمة الإسلامية على أنظار العالم خلافاً للواقع. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية.

مشروع المفاوضات

يقولون: »نريد أن تكون لنا علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية«. لكن هذا الكلام كاذب، بمعنى أنهم لا يريدون علاقات سليمة، يرومون علاقات يشوبها الضغط و فرض الأجندة.. يريدون علاقات يحكمها الاستكبار. يريدون علاقات بمعنى علاقات أمريكا مع الأنظمة المنحطة الفاسدة. ليس أمام النظام الأمريكي اليوم من حلٍّ سوى أن يقول هذا الشيء.

الذين يتصورون أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تتفاوض مع رأس الاستكبار – أي أمريكا – إما إنهم سذّج أو مرعوبون. الاستكبار يستند إلى هيبته و تهديداته أكثر من اعتماده على قدراته الحقيقية. بل إن الاستكبار يعيش على التهديدات و الأبهة و تقطيب الحاجبين و إفزاع هذا و ذاك.

بث اليأس والشكوك

يحاول الأعداء تشويه المستقبل و تعتيمه في أعين الجماهير. حين ترون البعض أحياناً يتحدثون بكلام يائس حول الوضع الاقتصادي و مستقبل البلاد فاعلموا أن أساس هذا الكلام و أصله يعود للاستكبار.

من الأحابيل الإعلامية للأعداء هي أن يبثوا الشكوك و الريب في الأذهان حيال المستقبل. و للأسف فإن بعض البسطاء – و قد يكون هناك أشخاص مغرضون وراء الأمور – حين يرون البلاد تسير نحو البناء و العمران، بدل أن يساعدوا و يتعاونوا و يسهلوا الأمور وينوروا الآفاق للشعب، يضربون هالات من الغموض و الشك و الريب على كل شيء، ظناً منهم أنهم سينقلون حالة التشكيك هذه إلى الناس. يجب على جهود الإدارة القوية أن تواكب التطور و التقدم. لماذا يجب التشكيك في تقدم شعب ما؟ على الذين يتحدثون و يصرخون أن يدققوا لئلا يصدر عنهم ما يطابق إرادة الأعداء و الاستكبار. هذا ما يريده العدو و يرغب في أن تصاب الجماهير بالشك و الريبة في جهودهم للبناء و التقدم.

خلق الخلافات

حيثما كانت هناك وحدة بين المؤمنين و عباد الله الصالحين كان هناك التوحيد و الله. و أينما نشب الخلاف بين المؤمنين و عباد الله الصالحين كان هناك الشيطان و عدو الله دون مراء. أينما وجدتم خلافاً ابحثوا و ستجدون الشيطان دون عناء، أو تجدون الشيطان الذي هو في داخل نفوسنا و يسمى النفس الأمارة بالسوء و هو أخطر الشياطين. إذن، ثمة وراء جميع الخلافات إما الأنانيات و حالات حب الجاه لدى الإنسان، أو الشياطين الخارجيين أي أيادي العدو و الاستكبار و القوى الظالمة الجائرة.

ينبغي اليوم عدم إشعال النيران. لتكن لكل إنسان عقيدته التي يسوق الأدلة لإثباتها. لا نقول إن علي خطباء المذاهب الإسلامية المختلفة إذا ارتقوا منابرهم أن لا يسوقوا الأدلة و البراهين و الإثباتات لصالح عقيدتهم، كلا، فليسوقوا الأدلة و البراهين و ليثبتوا عقائدهم. بيد أن إثبات العقيدة شيء و معاداة الطرف المقابل و معاضدة الاستكبار العالمي و إهدار الطاقات في الحروب الداخلية بين المسلمين شيء آخر. إلا أن الشيء الجديد بشأن الخلافات بين الفرق الإسلامية هو أنه بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران و انتشار فكرها في كل الآفاق الإسلامية، كان من حيل الاستكبار لمواجهة هذه الموجة الإسلامية الشاملة أن يطرحوا الثورة الإسلامية الإيرانية على أنها حركة شيعية بالمعنى الطائفي للكلمة – و ليست إسلامية بالمعنى العام – هذا من ناحية و من ناحية أخرى أن يبذلوا جهوداً حثيثة لإفشاء السجال و النقار و النفاق بين الشيعة و السنة. تنبّهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ البداية لهذا المكر الشيطاني، و أصرت دوماً على وحدة الفرق الإسلامية و سعت لاحتواء هذه الفتنة و إحباطها.

مشروع الشرق الأوسط الکبير

المشروع الأمريكي الموسوم بالشرق الأوسط الكبير هو تجميع كل المصالح الموجودة في المنطقة و إلقائها في جحيم لا يقبل الامتلاء هو معدة الاستكبار الأمريكي النازع للهيمنة، إنهم غير قانعين بالنفوذ و الهيمنة التي لهم الآن و ينشدون الهيمنة المطلقة و التسلط المطلق على العالم بأسره، بما في ذلك هذه المنطقة الزاخرة بالثروات الطبيعية و البشرية و التي تعد قطباً على جانب كبير من الحساسية و الأهمية.

خلق الاستكبار العالمي و الدول الاستعمارية – منذ البداية و إلى اليوم – الكيان الإسرائيلي الغاصب ليكون أداة ضغط على الدول العربية و الإسلامية في المنطقة، و ادخروه و يعتزمون إبقاء هذا الخنجر المسموم في خاصرة العالم الإسلامي دوماً. و الشيطان الأكبر يمسك بيده زمام هذا الكلب المدرب. لذلك لا غرابة في أن تكون ممارسات من قبيل الخروق المكررة للقوانين الدولية، و الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان و بأفجع ما يمكن، و الاعتداء المتكرر على البلدان الجارة، و العمليات الإرهابية و اختطاف الأفراد بنحو واضح، و الإنتاج المتزايد للأسلحة الذرية و غيرها و ما إلى ذلك من الممارسات التي تعد كل واحدة منها أمراً عظيماً جداً إذا ما وقعت في أي من بلدان العالم التي لا تخضع في علاقاتها مع أمريكا و سائر الدول الكبرى لنظام الراعي و الرعية، أقول لا غرابة أن تكون هذه الممارسات مقبولة من الصهاينة و لا تثير أي اعتراض جاد من قبل الشبكة الاستكبارية في العالم و خصوصاً الشيطان الأكبر.

المؤامرات الخبروية

للاستكبار العالمي خبراؤه و مفكروه المتخصصون في شؤون العالم الإسلامي و هؤلاء يدرسون و يبحثون و يعدون الملفات حول الشعوب و الأفكار و النـزعات و الأديان و المذاهب المختلفة، و يعيدون طرح كل تلك الملفات المؤرشفة في المراكز البحثية و الثقافية و التجسسية و السياسية، ليجروا أعمالاً بحثية جديدة. و هذا معنى و اتجاه أن يقام في إسرائيل مؤتمر تحت عنوان »معرفة الإسلام و التشيع في إيران«. تقام في العديد من أنحاء العالم مؤتمرات و اجتماعات بحثية من قبل العالم الغربي و الرأسمالي و الاستكباري، و تطرح نظريات متنوعة لإعادة النظر في الإسلام.

يوظف الاستكبار كل وجوده في ضوء أفكاره باتجاه الإدارة التي يريدها، و يتحرك وفق أفكار معينة و مدروسة فيوجِّه التيارات العالمية لكي يحافظ على نفسه، لأنه يعلم بأنه إذا لم يفكر و لم يقدِّر و لم يخمِّن المستقبل و لم تكن له إحصاءاته فسوف يخسر و تُلحق به الهزيمة. أرقى و أفضل المؤسسات الفكرية هي ما يمتلكه الاستكبار.

استخدام رجال دين البلاط (وعاظ السلاطين)

في المجتمعات التي لا يمكن فيها القضاء على رجال الدين، حاولوا ربط هذه الشريحة بالسلطات و البلاطات الفاسدة و الحكومات الجائرة العملية. رجال الدين العملاء المرتبطون بالبلاط الذين ذكروا بكل سوء في كلام الإمام الراحل العزيز، مارسوا الكثير من الخيانة ضد الإسلام و المسلمين. قال الإمام السجاد لأحد الشخصيات المعروفة في زمانه: أراك جعلت عنقك قطب الرحي للظالمين ليديروا ظلمهم حول عنقك و يستعينوا بك في ظلمهم للناس.

العالم الذي يبرر ظلم الأجهزة الفاسدة أخطر من نفس تلك الأجهزة. رجال الدين الذين يعملون لصالح أهداف الاستكبار يعدون أقبح و أقذر أذرعه، لأنهم يروجون لباطل مخفي بظاهر قوامه الحق.

الأدوات الثقافية

ثمة الآن معركة فكرية و ثقافية و سياسية. كل من يستطيع السيطرة على ساحة هذه المعركة و الاطلاع على الأخبار و الإحاطة بالأمور و النظر للساحة سيستنتج بكل يقين أن العدو يمارس جل ضغوطه اليوم بالأساليب الثقافية. و ليسوا قليلين أولئك الكتاب المأجورون و المثقفون الذين باعوا دينهم و أرواحهم و ضمائرهم و جلسوا إلى مائدة الفساد الاستكباري – سواء منهم الذين يسكنون خارج البلاد و هم الأكثرية أو الأقلية المتواجدة داخل البلاد – و راحوا يكتبون و ينظمون الشعر و يعملون لصالح الأهداف الاستكبارية.

نقاط ضعف الاستكبار

ثمة في العالم اليوم تناقض. الشعب الإيراني في نظر الشعوب المسلمة و شعوب المنطقة – الشعوب الآسيوية و الأفريقية و شعوب أمريكا اللاتينية و شعوب منطقة الشرق الأوسط – شعب شجاع يدافع عن الحق و العدالة و يقف بوجه العسف و منطق القوة. هكذا عرفوا الشعب الإيراني. إنهم معجبون بالشعب الإيراني و يطرونه. لكن هذا الشعب الإيراني نفسه و نظام الجمهورية الإسلامية نفسه الذي تمتدحه الشعوب كل هذا المديح، يُتهم من قبل القوى المتجبرة بانتهاك حقوق الإنسان و بزعزعة الأمن العالمي و بدعم الإرهاب! هذا تناقض.. تناقض بين نظرة الشعوب و إرادة السلطات. هذا التناقض يهدد نظام الهيمنة العالمية. إنهم يبتعدون عن الشعوب يوماً بعد يوم. هذا شيء أوجد ثغرة استنـزافية في بناء الليبرالية الديمقراطية الغربية، و هي ثغرة تتسع يوماً بعد يوم.

الإعلام الاستكباري يستطيع إخفاء الحقائق لفترة معينة لكنه لا يستطيع إخفاء الحقائق حتى النهاية. الشعوب تستيقظ يوماً بعد يوم. يسافر رئيس جمهورية إيران لبلدان آسيا، و البلدان الأفريقية، و بلدان أمريكا الجنوبية فتهتف له الجماهير بشعاراتها و تتظاهر لصالحه و تعلن دعمها له. و يزور رئيس جمهورية أمريكا بلدان أمريكا الجنوبية – و هي الباحة الخلفية لأمريكا – فتحرق الشعوب العلم الأمريكي بمناسبة زيارته. هذا معناه تضعضع أسس الليبرالية الديمقراطية التي يدعي الغرب اليوم و على رأسه أمريكا رفع لواءها. التناقض بين إرادتهم و رغبة الشعوب و مشاهدات الناس يتعاظم بشكل مضطرد. يتشدقون حول الديمقراطية، و حقوق الإنسان، و الأمن العالمي، و محاربة الإرهاب، لكن باطنهم الشرير ينمُّ عن نزعة إشعال الحروب و سحق حقوق الشعوب و الميل الشديد و الشهية الجشعة لنهب مصادر الطاقة في العالم. هذا ما تراه الشعوب. سمعة الليبرالية الديمقراطية و سمعة أمريكا – و هي رائدة الليرالية الديمقراطية – تتضاءل يوماً بعد يوم في العالم. و في المقابل تزداد سمعة إيران الإسلامية رفعة و رقياً باستمرار.

ذات يوم تصور زعماء الاستكبار العالمي أنه لم يبق من الإسلام شيء. توهموا أنهم بسيول و وحول الشهوات التي أطلقوها في العالم لم يتركوا أثراً لتعاليم الإسلام و الروح الإسلامية و الغيرة الإسلامية و الورع الإسلامي و المحفزات الإسلامية بين المسلمين. لكنهم وجدوا لاحقاً أنهم كانوا على خطأ. أولاً، ارتفاع بيرق الاقتدار الإسلامي في إيران الكبرى و بين هذا الشعب الشريف المجيد، و ثانياً الصحوة الإسلامية في كل العالم الإسلامي أخرجتهم من سباتها فأدركوا أن الإسلام حقيقة متألقة و صلبة جداً. لذلك راحوا يحاربونها. العالم الإسلامي و الشعوب المسلمة أدركت اليوم هذه الحقيقة، لذلك تلاحظون أن المعلومات التي لديهم هم أنفسهم تقول لهم إن أمريكا و الصهيونية و الاستكبار و زعماءه مبغوضون في البلدان الإسلامية.

الفصل الثاني: ضرورة مقارعة الاستكبار

ضرورة مقارعة الاستكبار

مقارعة الاستكبار – و مظهر الاستكبار اليوم هو الحكومة و النظام الحاكم في أمريكا – جزء من ذات هذه الثورة و من المهام و المطاليب الأصلية و الأساسية لهذا الشعب. إذا ترك هذا الشعب مقارعة الاستكبار فمعنى ذلك استسلامه لتدخل الأجانب و للذل و للوضع الخطير جداً الذي عاشه قبل الثورة! جميع أبناء الشعب يحملون هذا الشعور و هذا الوعي لقضية مقارعة الاستكبار.

أسباب مقارعة الاستكبار

السبب الوطني

لماذا قارع الشعب الإيراني الاستكبار و لماذا الاستكبار حالة سلبية؟ ينبغي التنبه إلى أن أول شعور ينتاب أي شعب من الشعوب لمواجهة روح الاستكبار و طباعه ليس الشعور الديني و إنما شعور الغيرة و الحمية الوطنية. إنه الشعور بالهوية و الشعور بالوجود. لأن الاستكبار إذا دخل بلداً و تسلط عليه سوف ينكر الهوية الوطنية لذلك الشعب و ينقضها، و ينهب المصادر الطبيعية لذلك البلد، و يتدخل في الشؤون السياسية لذلك البلد، بيد أن كل هذه الأمور فروع لإنكار هوية ذلك الشعب. حينما يأتي الاستكبار لا يقول: جئت لأنقض هويتكم الوطنية أيتها الشعوب.. لا يأتي و لا يتصرف بهذه الطريقة. يدخل بذرائع مختلفة. و حينما يدخل يستهدف الهوية الوطنية، أي الثقافة، و العقائد، و الدين، و الإرادة، و الاستقلال، و نظام الحكم، و الاقتصاد، و يسلب ذلك الشعب كل شيء و يمسك به في قبضته.. الشيء الذي حصل في إيران قبل الثورة. هذا هو الشعور الذي يحضّ الشعوب على الانتفاض بوجه الاستكبار. و بذلك نرى حتى الشعوب التي لا دين لها و ليست مسلمة تقف اليوم – و ليس بالأمس حيث لم يكن أحد يجرأ على الوقوف بوجه أمريكا قبل أن يفتح الشعب الإيراني هذا الطريق – بوجه أمريكا في حدود استطاعتها.

السبب الديني

لمواجهة الشعب الإيراني للاستكبار جذورها الدينية. كلمة الاستكبار و المستكبر، و في مقابلها الاستضعاف و المستضعف موجودة في القرآن. حينما وقف الشعب الإيراني بهذه الروح أمام أمريكا و الجهاز الفاسد العميل لأمريكا استند إلى رصيد هائل من العقيدة و الإيمان الديني، و هذا ما جعله ينجح و ينتصر و يتقدم إلى الإمام.

أتباعُ أهل البيت (ع) روادُ مقارعة الاستكبار

راية مقارعة أعداء الإسلام مرفوعة اليوم بيد أتباع مدرسة أهل البيت (ع)... بيد هذا الشعب العظيم الشجاع الذي لا يخاف أية قوة سوى الله. هكذا هو الشعب الإيراني اليوم. عملاء الاستكبار و القوى التي تخيف الشعوب و الحكومات و الشخصيات و رجال الفكر و الثقافة و كأنها غول مفترس، ليست لها عند الشعب الإيراني أية قيمة أو أهمية.

أعظم مقارعة للاستكبار

أعظم مقارعة للاستكبار و لشياطين الاستكبار هي أن لا يستسلم الإنسان لإرادتهم و ما يفرضونه. يخوض الشعب الإيراني اليوم هذا الكفاح الكبير، و هذا هو الطريق الذي فتحه الإمام الخميني (رض) أمامنا و قد سار الشعب الإيراني في هذا الطريق و وصل موطن العزة و الحمد لله؛ و لا زال يواصل اليوم أيضاً هذا الطريق.

ما معنى شعار: الموت للاستكبار؟

حينما يقول الشعب الإيراني: »الموت للاستكبار« فلا يظنن البعض أن الشعب الإيراني يقف ليسقط عن الحكم و يحارب أية حكومة في أي بلد غير مسلم أو أي بلد لا يقبل إسلامه. ليست القضية بهذا النحو أبداً. المهم بالنسبة للإسلام و الحكومة الإسلامية هو مواجهة الظلم و مجابهة الظالم و العدوان: »إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم«. هذه هي القضية.. الذين يعارضون الحقيقة و العدالة و يؤيدون الظلم و الجور و يخدمون الظواهر الظالمة، و يعارضون ظواهر الحق بمقدار ما تمثل الحق.

ضرورة الحفاظ على شعار مقارعة الاستكبار

على الشعب الإيراني أن يحافظ على شعار مقارعة الاستكبار كراية و مشعل. لماذا؟ لأنه إذا لم يجر الحفاظ على هذه الراية الخفاقة و إذا ضاع هذا الشعار و تراجع فسوف يضيع طريق الشعب. لأن عداء ذلك العدو واضح و ليس خافياً على أهل البصيرة، و العدو العلني مع أن عداءه جلي بيّن، فإنه يستخدم أساليب الخداع. غالبية الشعوب التي خدعت و الحكومات التي أخطأت، إنما أخطأت لأنها لم تعرف أساليب الأعداء بصورة جيدة. إذا لم تعرف أساليب الأعداء، و إذا جرى تناسي مقارعة العدو الذي يروم القضاء على شعب ثوري، فمن البديهي أن يسير ذلك الشعب في الطريق الذي يرتضيه العدو، أي طريق الفناء و الدمار و الفساد.

طرق مقارعة الاستكبار

العودة للإسلام

علاج جميع آلام الشعوب المسلمة و إخفاقاتها هو العودة للإسلام، و العيش في النظام الإسلامي و تحت ظل الأحكام الإسلامية. هذا ما يعيد للمسلمين عزتهم و اقتدارهم و تنعمهم بالأمن و الرفاه، و يغيّر المصير الذليل و المرير الذي رسمه مخططو الاستكبار للأمة المسلمة.

الاستكبار و الشبكة الإعلامية التابعة له ركزوا جهودهم و هممهم على تبديل الأمل و التفاؤل لدى المسلمين المنتفضين إلى يأس و تشاؤم، و من أجل بلوغ هذا الهدف لا شيء أفضل و أكثر تأثيراً من إظهار الثورة الإسلامية للشعب الإيراني هذه الثورة الرائدة و المحطمة للعقبات و الطرق المسدودة على أنها مخفقة و عاجزة، و الترويج لفكرة أن إيران الإسلامية اضطرت في مواجهة المشكلات للإعراض عن سبيل الإسلام المحمدي الأصيل و الخط النيّر للإمام الخميني (قدس سره).

التربية والتعليم

قضية الثقافة و التربية و التعليم هي القضية الأولى في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ما من شيء يمكن أن يضاهي أهمية التربية و التعليم على المدى البعيد. دور المعلم و المربي في المجتمع الإيراني دور من الطراز الأول. الواقع أن خندق مكافحة الكفر و الظلم و الاستكبار العالمي و تجبر الشياطين السياسيين في العالم هو خندق المدرسة و التربية و التعليم و الثقافة. الطلبة اليافعون الذين يُسلَّمون لمؤسسة البلاد الثقافية هم أعز و أغزر رصيد و ذخر لمستقبل هذا البلد. اعرفوا قدر التربية و التعليم و المعلم و الخندق الثقافي. و ليعرف الشباب و الناشئة قدر الدراسة و البحث العلمي و تحصيل العلم و بناء الذات.

الوحدة الوطنية

الذي يروم الوقوف بوجه الاستكبار، و توجيه صفعة لعدو الجمهورية الإسلامية، و إسعاد قلوب عباد الله، و ملء قلوب أعداء الله بالكآبة عليه السعي لتكريس أواصر المحبة و العطف و الثقة بين هذا الشعب و بين مسؤولي النظام باضطراد. و كل من يعمل بالاتجاه المعاكس إنما يعمل بالاتجاه الذي يريده الاستكبار.

الانسجام الإسلامي

أية نقطة في العالم لم يواجه المسلمون فيها الويلات و الضغوط من قبل خبث الاستكبار العالمي و أجهزة الهيمنة العالمية؟! ما هو العلاج سوى صمود المسلمين أنفسهم و تضامنهم و اتحادهم مع بعضهم، و سوى يقظة المجتمعات الإسلامية، و سوى استخدام الطاقات الإسلامية الهائلة في كل العالم؟

دعم الحكومات لشعوبها

القوة الهائلة التي يتمتع بها رؤساء البلدان الإسلامية هي قوة الشعوب المسلمة. بالاعتماد على رصيد هذه القوة التي لا تهزم بوسع الحكومات الإسلامية الوقوف بوجه القوة الأمريكية العظمى التي ترعى اليوم جبهة الاستكبار المعادية للإسلام، و تدافع عن حقوق شعوبها و عن الشعوب المسلمة المظلومة. الإسلام خير ضمانة لإدارة حياة الشعب، و بمقدور الشعوب في ظله أن تذوق طعم الحرية و الاستقلال التام و التمتع به. و الإيمان الإسلامي للشعوب في البلدان المسلمة خير رصيد لمثل هذا الهدف.

المتوقع من الحكومات المسلمة هو أن تنظر للإسلام كمنقذ لشعوبها و كآصرة بين الشعوب المسلمة و هي أجزاء الأمة الإسلامية بدل أن تهاب الإسلام و تخشاه و هذا ما تحاول أمريكا و سائر زعماء الاستكبار بكل جد أن يوحوا به لرؤساء البلدان الإسلامية، و المتوقع من الحكومات الإسلامية أيضاً أن تستمد لنفسها القدرة و العزة من الإسلام. هذه هي أفضل وسيلة لإحراز دعم الشعوب، و الحكومات التي يسير شعبها وراءها بوسعها أن لا تهاب أي تهديد.

سبب عداء الاستكبار للإسلام

ما هو سبب الصراع القائم اليوم بين الاستكبار و الإسلام؟ الاستكبار هو الجبهة المعادية للإسلام راهناً، لأنهم يذكرون ذلك صراحةً.

ذكر رئيس جمهورية أمريكا اسم »الحروب الصليبية«. و الإعلاميون التابعون للاستكبار يمارسون أنشطة إعلامية متواصلة و مكثفة ضد الإسلام بأشكال مؤذية و في كل أنحاء العالم.. ينتجون الأفلام، و ينتجون ألعاباً كومبيوترية، و يروجون إعلامياً عن طريق كتابة المقالات، و كل هذا ضد الإسلام. لماذا يعارضون الإسلام؟! هذا سؤال كبير. هم أنفسهم يقولون إننا نعارض الإسلام لأن الإسلام يشجع الحروب و الإرهاب و الكراهية! يشيعون الأكاذيب و التهم في مناخات الرأي العام العالمي بهذا الوضوح و العلانية. الاستكبار هو الذي ينشر الكراهية في العالم اليوم. الأمريكان هم الذين يختلقون الحروب في العالم. هم الذين يعتدون على حقوق الشعوب و يهجمون عسكرياً على حدود البلدان. يحملون جنودهم على بعد آلاف الكيلومترات و يعتدون على هذا البلد و ذاك، و على هذه الحدود، و ذاك الشعب. و إذا نظرتم للتاريخ في المائة عام الأخيرة ترون أن الغربيين هم من أشعل معظم الحروب. الأوربيون هم من اشعلوا أوار الحربين العالميتين الكبيريين. و الكثير من الحروب في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية أججتها هذه الأنظمة الرأسمالية الحاكمة في أمريكا. هي التي تبث الكراهية بين الشعوب. الإسلام برئ من هذه التهم. ليست المشكلة و الخلاف هنا – إنهم يكذبون – إنما الخلاف حول أن الإسلام يدعو الشعوب المسلمة للاستقلال، و يعيدها إلى عزتها، و يعلمها أن تتعرف على حقوقها و تطالب بها و تقف بوجه المعتدين على هذه الحقوق. الاستكبار يعارض هذا الصمود و هذا الدفاع و هذه المعرفة. هذا هو سبب الخلاف و المعركة بين الإسلام و الاستكبار.

سبب عداء الاستكبار لشعب إيران

إيران الإسلامية، إيران الإمام الخميني، إيران الثورة الإسلامية قطب و محور الحركة العالمية العظيمة للمسلمين، و هي هدف العداء بنفس الدرجة. هذا الشيء يفرح شعب إيران بدل أن يحزنه. و يبث الأمل في نفسه بدل أن يفزعه، لأنه يدل على اقتدار الشعب الإيراني و أنه لا يزال خطراً كبيراً يهدد مصالح الاستكبار و مصالح الناهبين و السارقين. عداء الاستكبار يزيد من ثقة الشعب الإيراني و اطمئنانه بأن الطريق الذي اختاره للحركة الثورية التقدمية و البناءة في البلاد و المجتمع هو الطريق الصحيح و الناجح و الصائب. إذا كان هذا الشعب قد سلك الطريق الخطأ في تحركه ضد مصالح أعداء الإنسانية و باتجاه مصالح الثورة و البلاد، لما أبدى الأعداء ضده كل هذا العداء.

سبب عداء الاستكبار للثورة الإسلامية في إيران

لماذا يتخذ الاستكبار موقفاً أينما وجد أثراً لنداء الإمام الخميني (رض) و وجد القلوب مجذوبة لذلك النداء و الأقدام تتحرك على سبيل تحقيق أهداف ذلك النداء؟ أسباب هذا العداء هي النقاط التالية: بالدرجة الأولى قضية عدم الفصل بين الدين و السياسة و الدين و ميدان الحياة. لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية عملياً أن الدين له شأنه و دوره في ساحة الحياة البشرية و الدين الإسلامي المقدس لم يأت لينشغل الناس في زوايا المعابد بالعبادة فقط. إنما ساحة الحياة البشرية، و ساحة السياسة، و ميدان الشؤون الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية مدرجةٌ كلها في حيّز الأحكام الإسلامية المقدسة.

القضية الثانية هي عدم التأثر بإرادات القوى الكبرى. إحدى أكبر جرائم الجمهورية الإسلامية الإيرانية من وجهة نظر أمريكا و المستكبرين هي أنها لا تتأثر في القضايا العالمية بالموقف الأمريكي أو مواقف البلدان المماثلة لأمريكا. و من الأمثلة الواضحة لذلك قضية فلسطين. ضغطوا على البلدان العربية و العديد من البلدان الإسلامية كي يتجاهلوا قضية فلسطين، و للأسف فإن العديد من الحكومات خضعت لهذه الضغوط و تقبلتها. أما الجمهورية الإسلامية فأعلنت عن رأيها بكلمة واضحة بليغة يوافقها كل المنصفين في العالم، و هي:« فلسطين للشعب الفلسطيني. »

من الأسباب الأخرى وراء عداء الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران هو أن الحكومة الصهيونية الغاصبة يجب أن تتنحّى. بوسع اليهود أن يبقوا في فلسطين، لكن الحكم في فلسطين للشعب الفلسطيني و للفلسطينيين و هم الذين يختارون – كما في البلدان الأخرى – من شاءوا للحكم.

القضية الأخرى هي دعم إيران المعنوي و السياسي لكل الذين يجاهدون في سبيل الإسلام و السيادة الإسلامية. كل من ينتفض لأجل عزة الإسلام في أي مكان من العالم فإن إيران تدعمه معنوياً و سياسياً.

ومن القضايا الأخرى التي تأجج غضب الاستكبار على الجمهورية الإسلامية هي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارض فرض الثقافة الغربية ضد الشعوب المسلمة. الثقافة الغربية ثقافة لها جوانبها السلبية إلى جوار نواحيها الإيجابية. الجمهورية الإسلامية تؤمن بالتبادل بين الثقافات. شعب مثل الشعب الإيراني أو سائر الشعوب المسلمة يجب أن ينظر في ثقافات العالم و يأخذ ما يراه مفيداً له فيستفيد منه. كما ينبغي أن يُقصي كل ما يجده غير مفيد و غير لازم في هذه الثقافات.

الاستكبار العالمي يحقد على الإسلام و الثورة من أعماق كيانه، و ما لم يتخل الشعب عن مبادئه و دينه و يستسلم فسوف لن يرضى عنه المستكبرون. يقول الله تعالى للمسلمين: »و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم«. إذن، أحقاد الاستكبار سببها العقيدة، و طلب الاستقلال، و شعار «لا شرقية و لا غربية» و الالتزام العميق للشعب الإيراني بالإسلام. أحقاد الاستكبار لا نهاية لها. و لكن على الرغم من حقده العميق على شعب إيران فإن هذا الشعب متفائل و متوثب بلطف من الله و يأمل أن يبلغ إن شاء الله مقاصده الإلهية في جميع الميادين الاقتصادية و السياسية و الثقافية، و يفرض على العدو التراجع.

سبب عداء الاستكبار لنظام الجمهورية الإسلامية

بعد قيام النظام الإسلامي على أساس إيمان الشعب المتين، ظهرت أمامه تحديات عالمية هائلة، لماذا؟ لأنه نظام يشتبك بنحو طبيعي مع أخطبوط النظم الاستكبارية العالمية الخطيرة. ليس معنى هذا الاشتباك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تروم السير لقتال أمريكا أو بريطانيا أو البلد الفلاني. حينما ينـزل بلد إسلامي له موقع جغرافي حساس و ثقافة عميقة إلى الساحة و يطرح فكرة معينة و يبذل قصارى جهده و سعيه لإحيائها، و تظهر على أدائه ملامح النجاح فإنه سيهدد طبيعياً مصالح الاستكبار في المنطقة برمتها. لذلك اصطدمت الأجهزة الاستكبارية يومها – و كان المعسكر الليبرالي الرأسمالي في طرف و المعسكر الاشتراكي الإلحادي الدكتاتوري في الطرف الآخر – بالثورة الإسلامية.

و الغريب أن هذين المعسكرين كانا مختلفين بشأن تسعين بالمائة من الأمور، لكنهما اتحدا على ضرورة إخماد هذا المشعل الوضاء و استئصال هذه الغرسة النامية.

الهدف النهائي للاستكبار

الهدف الرئيسي لأمريكا و الاستكبار اليوم هو أن يفرض على الثورة و على الجمهورية الإسلامية و على شعب إيران التراجع عن كلمته. أن يعلن تراجعه عن كلامه و عن كلام الإمام الخميني (رض). إنه يركز كل همته على هذا الشيء. لماذا؟ لأنه يرى أن رسالة الإمام توقظ الشعوب المسلمة. انظروا لشعوب العالم المختلفة و الشعوب المسلمة عموماً! لاحظوا كيف تأثرت برسالة الإمام الجليل! أدرك الاستكبار أنه إذا أراد إسكات الشعوب و حرفها عن السبيل الصحيح و تقييدها و تكبيلها فالطريق الوحيد لذلك هو أن ترى تلك الشعوب إيران الإسلامية و إيران الإمام تتراجع عن دربها، و بذلك ينتاب الجميعَ اليأسُ و يعودون أدراجهم عن هذا الطريق. أدرك الاستكبار هذا و يبذل كل جهوده من أجله.

الاستكبار يخطط اليوم بكل أدواته و إمكاناته لمحو الجمهورية الإسلامية، و هذه ليست مبالغة؟ هذا هو هدفهم النهائي. هم طبعاً سياسيون و يتقدمون في مشاريعهم خطوة خطوة كما يتصورون. الخطوة الأولى هي أن يفصلوا الجمهورية الإسلامية عن مبادئها. و الخطوة الثانية أن يفصلوها عن طاقاتها و كوادرها الصميمية، و الصديقة، و المتوثبة، و الثورية، و صاحبة الحمية. و الخطوة الثالثة هي الفصل بين الهيئة الحاكمة الموجودة حالياً أي الحكومة و المسؤولين و بين شرائح الشعب المختلفة. الخطوة الرابعة هي أن يثيروا بعض الضجيج و الصراخ و يوزعوا بعض الأموال بين الشقاة ليقوموا بتحرك معين، و إذا كان مسؤولو الجمهورية الإسلامية غافلون و ضعفاء و غير نابهين، فسوف يستطيع الاستكبار إنجاز هذه الخطوات الأربع في غضون مدة قصيرة. أما إذا كانوا يقظين متنبهين غير غافلين فلن يمكن إنجاز الخطوة الأولى حتى في مائة سنة.