27-11-2024 10:38 AM بتوقيت القدس المحتلة

التحرير الاقتصادي

التحرير الاقتصادي

بتحويلاتهم الى لبنان يساعدون الميزان التجاري وزيادة الودائع، ولكنّ حرمان لبنان من الطاقات الإنتاجية لمهاجريه والاكتفاء بتحويلات يرسلها شبابنا لا يبني اقتصاداً قوياً ولا بلداً سيادياً

شعارات مرفوعة في مظاهرة في وسط بيروتمرَّ لبنان بمحطات تاريخية عدّة، حروبات داخلية وخارجية، مقاومة احتلال، استعادة أراضٍ محتلّة، صراعات سياسيّة وحزبية، كلّها تُنادي بسيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه، واستعادة كيانه وكرامته المفقودة، وتسلحت كلّ أشكال المقاومة بفكرة تحصين لبنان في مواجهة الاخطار الخارجية، لبيقى سيد القرار.

الوزير السابق فادي عبود/ جريدة الجمهورية

إلّا أنه وفي عزّ الصراعات والمعارك والمزايدات المستمرة بالنسبة لمَن هو متمسّك أكثر بسيادة لبنان، تناسى الجميع العنصر الاساسي الذي يُحقّق السيادة لأيّ بلد، ويضمن الحقوق وكرامة المواطن، العنصر الاساسي الذي ما زال رهين الصراعات ولم تطله حسنات التحرير والانتصارات، وهو الاقتصاد اللبناني.

هذا الاقتصاد الذي لا يزال اليوم رهيناً ومحتلاً، رهين الاحتكارات والفساد وغياب الرؤية الشاملة، والاسوأ أنّ هذا الاقتصاد الرهين لم يجد مَن يتبنّى قضيته بعد، من مختلف التيارات والعقائد. لم نرَ بعد مَن التزم حزب الاقتصاد وقاتل من أجله ومن أجل تحريره من تبعات السنين والممارسات.

لقد بقيَ اقتصادنا الرهين متروكاً في كل محطة، في أسفل سلّم الاولويات، حيث تحوَّل الوفاق الوطني والمصلحة الوطنية، والأمن الى اعلى قائمة أولوياتنا أقله نظرياً، فلا إصلاح اقتصادياً اذا كان ذلك يُهدّد عيشنا المشترك، ولا إصلاح اقتصادياً كرمى لعيون توافق الطوائف، ولا إصلاح اقتصادياً ما دام الوضع الامني لا يصلح لذلك. في الواقع، إنّهم اخوة ونعم تقاسموا قسمة الحق!

ولعلّنا نسينا او تناسينا، أنّ إبقاء الاقتصاد رهينة يحمل نتائج كارثية تطاول كل مواطن مهما كانت طائفته او انتماؤه السياسي، أوّلها الهجرة المستفحلة لشباب لبنان الذين باتوا يفتقدون أيّ فرصة حقيقية في وطنهم. يقول البعض إنّ هجرة شبابنا نعمة اقتصادية.

نعم إنهم بتحويلاتهم الى لبنان يساعدون الميزان التجاري وزيادة الودائع، ولكنّ حرمان لبنان من الطاقات الإنتاجية لمهاجريه والاكتفاء بتحويلات يرسلها شبابنا لا يبني اقتصاداً قوياً ولا بلداً سيادياً، وعلينا أن نذكر أنّ إرسالهم تحويلات إلى ذويهم لا يوازي بأيّ شكل من الأشكال عشر الخسارة من القيمة المضافة التي كان من الممكن أن ينتجوها في لبنان ويزيدوا من دخله أضعاف أضعاف التحويلات التي يرسلونها.

اليوم اقتصادنا ما زال محتلاً من المحتكرين، فالاحتكارات في لبنان تطاول مختلف القطاعات العامة والخاصة والدولة اللبنانية اصبحت أكبر محتكر في لبنان، وأثرها المباشر في الاقتصاد انعكس على تنافسية الاقتصاد الوطني وعلى أسعار الخدمات في لبنان، وهذا أثر بشكل كبير في البيئة الاستثمارية.

وبسبب توافق المصالح الطائفية تم توزيع الاحتكارات على الطوائف، فهي تشجع الاحتكارات وتُحفّزها، كل ذلك منع الاقتصاد من النموّ وتطوير فرص الانتاج بالطرق الطبيعية.

الحاجة اليوم ماسّة الى اعلان «معركة تحرير الاقتصاد» من محتلّيه أيّاً كانوا. إنّ هذه المعركة يجب أن تُوحّد كلّ أطياف المجتمع اللبناني على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، لأنّ الضيقة الاقتصادية تطاول الشاب الشيعي، والسنّي والمسيحي كما الدرزي وتُبعدهم عن مجتمعاتهم وأوطانهم، وغياب الفرص المنتجة تُكبّل ابداع شبابنا وطموحهم وتجعلهم يكتفون بفرص معلّبة ووظائف وهمية لا تشبع جوعاً ولا تغني.

لن نتقدم قيد انملة اذا لم نبدأ جدياً بمعركة تحرير الاقتصاد، ولن تنفع أيّ بيانات وزارية وخطط طارئة ما دام المحتكرون انفسهم يتمسكون بمكتسباتهم ويتباهون بها.

وهذه المعركة تتطلب استنفار كلّ القوى، وكلّ الأفكار، وخصوصاً أفكار الشباب الذين تم تهميشهم ولم يعد يرى فيهم المجتمع إلّا بضاعة جاهزة للتصدير، لأنّ مساحات الوطن ضاقت بها.

أكتبُ اليوم لأفتح نقاشاً مباشراً مع كل من يرى أنّ لا أمل لنا في وطنٍ حرّ ومستقلّ ما دام اقتصادنا قيد الاحتلال. أفتح نقاشاً مع العقول الشابة والتواقة للتغيير ولبناء مستقبل في وطنها من دون حاجة الى الوقوف على أبواب السفارات طمعاً ببعض الكرامة.

أناشد اليوم طلاب كليات الاقتصاد ليكونوا شرارة معركة التحرير المطلوبة عبر أقلامهم وأفكارهم ورؤياهم. لأفكاركم قيمة في حدّ ذاتها، وهي تستطيع إنجاز الكثير بعكس ما حاولوا إقناعكم به، أنّ لا أمل بأيّ تغيير. وتستطيع ابتكار حلول وطرق مغايرة لما يتم اليوم، وهناك كثير كثير لما يجب أن نبتكر له طرقاً جديدة فاعلة، هذا هو الحلم، هذا الذي يعتبره البعض «ولا بأربعين سنة». أنا اقول نستطيع تحقيقه في أربعين شهراً إذا أسَّسنا حزب التحرير والمقاومة الاقتصادية.

فهل طريقة إدارة مرفأ بيروت، أو التسجيل العقاري، أو احتكار المطار، إنتاج الكهرباء، الاتصالات... هي الطرق الاجدى اقتصادياً؟ ام اجراءات التصدير والاستيراد، وتسجيل السيارات، أو استيفاء النقابات لضرائب مباشرة من المواطن هي الطرق الانجع والاسلم لخلق مناخ استثماري ناجح؟

هل إذا قارنّا الحماية الصحية عن طريق الضمان الاجتماعي او نهاية الخدمة مع ما تؤمّنه النقابات بكلفة أقل، ولو كانت من الضرائب التي يستفيد منها مباشرة، تبقى حتماً افضل وافعل بكثير من الضمان.

هل يوجد طرق اكثر شفافية لاستيفاء الضرائب او الحصول على الرخص على اشكالها وانواعها؟ هل الشفافية والفعالية مؤمّنة في كل ما له علاقة بالقطاع الخاص في لبنان من الكازينو، الى المعاملات المصرفية، وإدارة المطار والطيران؟ هل حقوق المستهلك محترمة؟

إنّ وطنكم يحتاجكم اليوم لتقودوا معركة التحرير الاقتصادي، التي تضاهي بأهمّيتها أيّ معارك اخرى، لسبب بسيط هو بقاؤنا على هذه الأرض. والأهم يحتاجكم لوضع افكاركم حيز التنفيذ، فافتحوا باب النقاش والافكار اليوم، لننقل اقتصادنا من اقتصاد محتلّ الى اقتصاد سيّد وحرّ ومستقل، والى حزب التحرير الاقتصادي.