قد تكون حكاية التأشيرة العائدة للسفير "ليست رُمَّانة بل قلوب مليانة"
أمين أبو راشد
رفضت الولايات المتحدة الأميركية منحَ تأشيرة دخول للسفير الإيراني الجديد لدى الأمم المتحدة حامد أبو طالبي ، على خلفية مشاركته في اقتحام السفارة الأميركية عام 1979 بُعيد إنطلاق الثورة الإيرانية، وعلَّق خبير القانون الدولي الدكتور محمد شريعتمداري على الموضوع، في إطلالة عبر قناة "الميادين" وشاركه الرأي من واشنطن أستاذ القانون الدولي في جامعة جورج تاون الدكتور داود خيرالله بالتالي:
أولاً: إن السفير أبو طالب لم يكن ضمن المشاركين في احتلال السفارة، بل كان وسيطاً بين حكومة الثورة والأميركيين لتحرير الرهائن كونه يُتقن الإنكليزية .
ثانياً: إن التسوية التي قضت بتحرير الرهائن الأميركيين، تُعتبر بمثابة إتفاق أنهى الأمور في ساعتها، ولا يحقُّ لأميركا التنصُّل من هذا الإتفاق.
ثالثاً: السفير أبو طالب المشهود له بكفاءته الديبلوماسية، سَبَق وعَمِل سفيراً لبلاده لدى إيطاليا وبلجيكا وأوستراليا، كما أنه دخل الولايات المتحدة بتأشيرة دون أية عوائق بعد حادثة السفارة، مما يعني أنه لم يكن مُدرجاً ضمن لائحة الحظر من الدخول.
رابعاً: إن الإتفاقية الموقَّعة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة عام 1947، تُلزم الأولى بمنح تأشيرات لسفراء الدول الأعضاء ووفودها السياسية الزائرين لمقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، حتى ولو كانت الولايات المتحدة في حالة عداء أو عدم وجود علاقات ديبلوماسية مع الدولة صاحبة الشأن.
وأجمع كلٌ من شريعتمداري وخيرالله على أن هذا التدبير غير قانوني وفق أحكام القانون الدولي ، وسَبَقَ واتَّخذته واشنطن بحقِّ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأدى الى رفع شكوى من عرفات الى المحكمة الدولية وصدر الحُكم لصالحه، ثم أعادت أميركا هذا النوع من التدابير مع عدَّة شخصيات ومن بينهم الرئيس السوداني عمر البشير.
مشكلة أميركا مزمنة مع أوهام الإستكبار الفارغ، وهي منذ حرب فيتنام حتى وُحُول الشام لا تُجيد السير بدون كبواتٍ قاتلة، وإذا كانت مُربكة داخلياً ومُحرجة في كيفية تعاطيها مع إيران خاصة بما يتعلَّق بالملف النووي، فها هي إيران منذ أيام وقف وزير خارجيتها شامخاً مبتسماً والى جانبه كاثرين آشتون يُعلنان سير الأمور بشكل جيِّد في المفاوضات بين إيران ودول "الخمسة زائد واحد"، وأن الإتفاقيات الرسمية النهائية سيبدأ توقيعها تباعاً إعتباراً من آب/اغسطس المقبل مع احتفاظ إيران بكامل حقوقها في التخصيب للإستخدام السلمي.
مشكلة واشنطن هي مع نفسها أولاً، بسبب صراعات الديموقراطيين والجمهوريين، ومماحكات الصقور والحمائم داخل كل حزب، ومشكلة واشنطن هي مع نفسها ثانياً، لأنها اعتادت أن تواجه الحمائم في هذا الشرق ، وأن تواجه النَعَام الغارق رأسه في رمال الخذلان، ومشكلة واشنطن أيضاً مع نفسها عندما لا تُحسِن التمييز بين بعض راكبي الإبل العربية الخاملة الذليلة وبين فرسان بلاد فارس والحضارة الفارسية، ولا التمييز بين أنظمة وعروش ملكية عائلية ديكتاتورية، وبين ثورة الحق والعدل التي قادتها الثورة الخمينية بإسم المُستضعفين في الأرض في مواجهة الإستكبار والإستعمار والآحادية الظالمة.
اعتادت أميركا على من شرَّعوا الصحراء والسماء والمياه لكافة أدوات ووسائل عدوانها على الشرق منذ اجتياح العراق، واعتادت على من يستقبلون جورج بوش أو سواه برقصة السيوف، واعتادت أن تقول كلمتها لمن يُطأطئون الرؤوس، واعتادت على استعمال ديكتاتورياتٍ ظالمة يحكمها القابعون على آبار النفط لتصنع ربيعاً عربياً "مُزهراً" بالديموقراطية والحرِّية لشعوب التخلُّف العربي، شعوبٌ توهَّمت أن من يحكم شعبه بسيف القمع يُمكن له أن يجعل من سيفه زهرة ربيعية للآخرين، واعتادت أميركا أولاً وأخيراً على العملاء والحكّام الأذلاَّء، تأمر بإزاحة أمير وتنصيب أمير، وبتسليم ملف لبندر بن سلطان، ثم تسحب الملفِّ منه وتسحبه للعلاج في أميركا ثم تعيده مجدداً لإستعمالات أخرى، وتناست أن رتبة سفيرٍ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوازي بنظر بلاده كل الحكّام المأجورين في هذا الشرق.
خمسة وثلاثون عاماً من النهضة الذاتية والتطوُّر العملاق، وخمسة وثلاثون من السير على بوصلة وجهتها فلسطين والقضية الفلسطينية، والسياسة الإيرانية ثابتة على ثوابتها، والشعب الإيراني خلال عقدٍ من الزمن واجه الحصار الظالم من أميركا والغرب على إقتصاده وحياته المعيشية، وإرهاباً غير مسبوق على العقول والأدمغة الإيرانية خاصة تلك التي حقَّقت إنجازات الفيزياء النووية وتخصيب اليورانيوم وتطوير المُفاعلات والتصنيع الحربي، وأذهلت العالم بأن أذلَّت أميركا واستحضرتها الى طاولة المفاوضات النووية.
آن لأميركا أن تطلع من "إرباكها"، ترفع عقوبات عن إيران ثم تفرض عقوبات أخرى، تمنح تأشيرة دخول لشخصية سياسية إيرانية وتمنعها عنها ساعة تريد، وإذا كان الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني مشهودٌ له باعتداله ويأخذ الأمور برويَّة، ولا نستطيع التكهُّن بقراره بشأن إلتحاق السفير بعمله في الأمم المتحدة أو إستبداله، فأن المسألة سياديَّة بامتياز ويعود البتُّ بها لمرشد الثورة السيد علي خامنئي، مع التمنِّي أن يقضي القرار الإيراني بالإبقاء على حامد أبو طالبي سفيراً "غير مقيم" للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأمم المتحدة، وأن يُمارس عمله ويعتلي المِنبر عبر خدمة "سكايب"، ولتسعى الأمم المتحدة الى تحصيل حقوقها وكرامتها كمؤسسة دولية وفق نصوص الإتفاقية الموقَّعة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ختاماً، قد تكون حكاية التأشيرة العائدة للسفير "ليست رُمَّانة بل قلوب مليانة" كما يُقال عندنا في لبنان، وهي جزءٌ من الردود الأميركية البائسة على رفض إيران منح "تأشيرات" لمدمرات الإستعراض الأميركي لتدمير الشرق وإنشاء "الإسرائيليات المذهبية" خدمة للكيان الصهيوني، لأنه ما من أحدٍ رَدَع مغامرة "الكاوبوي الأميركي" الحمقاء، سوى الفارس الفارسيّ العنيد وحلفاؤه، والصواريخ الإيرانية المحلِّية الصنع كانت جاهزة لزلزلة "إسرائيل" لو استمرت أميركا في حماقاتها ...