عند كل محطة ومحور ودسكرة وموقع، من الجنوب الى البقاع الى بيروت كما الضاحية، اصطفت قامات الشهداء أعمدة ترفع بنيانها، فكانت كل قامة شهيد، عاموداً، وكل صورة شهيد أو وصية، جداراً، فكانت بسماتهم النوافذ..
منذ أن «عربش» الدحنون على دشم «المحور الأول» وشبك أكاليل احمراره فوق فوهات بنادق المقاومين، كان لكاميرات «الإعلام الحربي» نصيبً من زهو ألوانه، إخضراراً واحمراراً.
لم تكن المنار قد ولدت بعد، «شعاراً، شاشة أو شعلة».. بل كان الرعيل المؤسس، رعيل المجاهدين على خط «الكلمة»، يزرع أولى لبنات مبنى «القناة» عند كل محطة ومحور ودسكرة وموقع، من الجنوب الى البقاع الى بيروت كما الضاحية، اصطفت قامات الشهداء أعمدة ترفع بنيانها، فكانت كل قامة شهيد، عاموداً، وكل صورة شهيد أو وصية، جداراً، فكانت بسماتهم النوافذ وقلوبهم أبواباً للكلمة .. المنارة.
إعلام المقاومة أو الإعلام الحربي أو أي إسم آخر، أو صفة، تم اختيارها إطاراً لجهاد وتضحيات «شهود الكلمة الحرة وشهدائها»، لم تكن يوماً إلا زيتاً يتدفق «حاراً» في فتيل «الشُعلة» حتى يكتمل سطوعها في فضاءاتنا «مناراً»، لتكون قناة العرب والمسلمين.
من ألق شهادة «باقر» و«بهجت» و«عباس»، من جراح علي وتعب «المقاومين المجهولين» خلف كواليس كثيرة، زادت سماكة ستائرها لمجرد ارتباط هذه القناة بكثير من أسرار عمل «المقاومين» وسجلات انتصاراتهم، تحولت «المنار» يوماً بعد يوم من مساهم وشريك في صنع «النصر» إلى مقاوم أساسي على خط «حفظه وصونه»، ليصبح شعار «لولا المنار لضاع الإنتصار» خير تعبير عما قدمه كل فرد في هذه المؤسسة مع شقيقاتها وأشقائها في إعلام المقاومة.
أما «حمزة»، هذا الشاب الذي كان يضج حياة، حباً، فرحاً وزهواً، خلف تواضعه الخجول في رسم تعابيره فوق خدود سُمر، كان، وإن لم نعرفه، قد عرَّفنا بنفسه مع كل اطلالة كان يرسل من خلالها رسائل الحب إلى بريد قلوبنا، ناسجاً فيها مكانة قلما اتسعت لزملاء نترقب أخطاءهم أو نعلق على زلات لسانهم، فكان بعفويته يتجاوز كل حواجز «رقابتنا» عابراً إلى عميق أملنا وتمنياتنا له بما يستحق من نجاح مُنتظر على صغر سنه وتجاربه المتسارعة.
ربما، لهذا السبب كان من الصعب علينا اليوم تقبل خبر «شهادته»، ربما، لأننا تعودنا أن ننتظر اطلالاته ليُطلعنا على آخر التطورات بأسلوب أقرب إلى قلبنا منه إلى عقولنا، رفضنا بالأمس سماع وتأكيد ونشر خبر استشهاده، وزاد ترددنا بانتظار «النعي الرسمي» أملاً بتكذيب الخبر.. لكن خبر «الرحيل» لا يُكذب.
رحل حمزة وحليم ومحمد، وارتفع مبنى قناة «المنار» الجديد، ثلاثاً، وأصبح المبنى الذي صب العدو كل حقده في موقعه السابق، عامراً بفيض جديد من الحب، من عبق الشهادة .. ولمعت شُعلة «المنار» براقة أكثر من أي وقت مضى، فهناك على الطريق إلى أديرة الرهبان والقسيسين، على درب «المسيح» رسم دم جديد، معالم جلجلة جديدة، للكلمة الحُرة المقرونة بالحقيقة الناصعة، جنباً إلى جنب مع العاملين على حماية الحياة من عبث التكفيريين وإرهاب القتلة والمجرمين.
اليوم نودع و«المنار» كوكبة جديدة من الشهداء، ونحن إذ نعزي الزملاء فيها، إدارة وعاملين، نبارك لهم ولعوائل الشهداء، شهادة حمزة وحليم ومحمد، سائلين المولى أن يُسكنهم فسيح ما وعد «المجاهدين» أمثالهم.