23-11-2024 07:19 AM بتوقيت القدس المحتلة

ضحكتُك منارتنا

ضحكتُك منارتنا

أمّك يا حمزة، تلك التي تزيّن شجرة عيد الميلاد بكرات الزينة، والآيات القرآنية، وسيوف ذي الفقار، حضنتنا جميعاً. قبّلتنا فخورة بشهادتك، نحن الذين قدمنا بالآلاف من كل المناطق والطوائف لنشارك في وداعك الأخير

"أنا صرت أحبّ الإعلاميين كرمالك يمّي"، تقول والدة الشهيد حمزة الحاج حسن، وهي تسلّم علينا، زملاء له من مختلف وسائل الإعلام أمام الجبّانة قبيل دفن جثمانه. تقول للزميلة منار صباغ "اعرضوا لي صورته كلّ يوم في نشرة الأخبار، بدي شوفه"، تبكي الأم بصمت، مختصرة ألمها بعبارة "يمّي".

كارمن جوخدار/جريدة السفير

تشييع الزميل الشهيد حمزة الحاج حسنأمّك يا حمزة، تلك التي تزيّن شجرة عيد الميلاد بكرات الزينة، والآيات القرآنية، وسيوف ذي الفقار، حضنتنا جميعاً. قبّلتنا فخورة بشهادتك، نحن الذين قدمنا بالآلاف من كل المناطق والطوائف لنشارك في وداعك الأخير ورحلتك الأخيرة إلى شعث. وداعٌ خالٍ من جملتك المعهودة "بأمان الله". وداعٌ فارغٌ من ابتسامتك. وداعٌ قارصٌ لمن كان شعلة حياة.

وسميّة، يا حمزة، سميّة أختك الوحيدة، تلك التي تتلألأ عيناك لدى الحديث عنها، تلك التي يزغرد صوتك لدى ذكرها، انهارت بصمت، أثناء التشييع. تقف سيدة من البلدة وتقول "كان مغنجها كتير".

ونحن يا حمزة.. نحن سرنا معاً إلا أن كل واحد منّا كان يحدّثك بصمت.. يستذكر معك لحظات ضحك ونكات وتعليقات كنت تطلقها في كل مناسبة.. فمن كان يتوقّع أن من أضحكنا سيُبكينا بهذا القدر يا صديقي؟.

وأنا.. أنا التي تعرّفت عليك في أسبوع الآلام واستخدمت ترنيمة أرسلتها لك في هذا الأسبوع المقدس.. تركتني في أول يوم من هذا الأسبوع بعد سنوات. أنا التي شجّعتني لأرافقك في القصير، مطمئناً "بتضلي معي. ما تخافي. في كتير شغل يا كارمن"، ولكني انشغلت حينها واكتفيت بأن أشاهدك أول من نقل لنا الصورة من "القصير المحرّرة".

كنت المقاوم الأول الذي أعرفه، وكنت أخبرك عن تأثري ودموعي في الضاحية أمام صور الشهداء، أما أنت فتحدثني أمام حضرة الشهداء بسلام وهدوء عنهم ضاحكاً أمام انتصارات المقاومة وهزيمة الإسرائيليين. أكان عليك أن تغادر يا حمزة حتى أعترف لك بفضلك في كل ما أنا عليه؟ لأحصي ساعات حدثتني فيها عن المقاومة وضحكت فيها من فرط غبائي العسكري؟ أكان عليك أن ترحل من دون أن تخبرني قصة انتصار جديدة؟ مزّقت قلبي يا أستاذي في المقاومة. واليوم، بعد رحيلك، مع من سأناقش خطابات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله؟ من سيجيب بـ "نعم، نعم" (يشدّ على الميم) حين يوافق على موقف أو كلام؟.

يوم الشعنينة، قبل يوم من استشهادك، كتبت على حسابك الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، "في ناس قالوا قتل/ في ناس قالوا مات/ في ناس قالوا فتح عتمة خياله وفات" (الشاعر طلال حيدر). ولدى تغطيتك مؤتمر "جنيف 3" الخاص ببحث الحل في سوريا اقتبست من غاندي "الحياة هي رسالتي". أما نحن فشهادتك رسالتنا وضحكتك "يا عضامي"، كما كنت تقول لي وأنا في المستشفى مكسّرة العظام، منارتنا.