26-11-2024 02:46 PM بتوقيت القدس المحتلة

حمزة.. الهواء لك

حمزة.. الهواء لك

لم تأخذ صورة رغم أنك الشغوف بالصورة ولو كانت مع نفسك، أو خلال لحظة إلهام شعري، تغطية حدث، انفعال، ما كان يدفعني إلى مكايدتك ووصفك بالنرجسي. مجدداً تصدني بضحكتك الواسعة المسبوقة بلفظة: "سمالله عليك يا زاهد

اعذرني، لقد تأخرت لأمارس هوايتك المفضلة، رثاء الأحبة، فقد كنت مشغولاً بك عنك.

صباحووووو يا حمزة. كما كنت تقولها وأنت تصعد آخر الدرجات باتجاه قاعة التحرير، حاملاً فنجان قهوتك متورم العينين من السهر، سامحنا، كنا نظنك عاشقاً ومغرماً. ما خيبت ظنوننا فقد كنت عاشقاً لوالدة أنهكها المرض العضال، فأجلسك بقربها حتى وأنت بعيد عنها خارج حدود الوطن.

عباس فنيش/ جريدة السفير

الشهيد حمزة الشغوف بالصورصباحووووو مجدداً يا حمزة. كما كنت تقولها وأنت متجه إلى الاجتماع الصباحي وبين يديك فكرة تعبث بها، تحاول صوغها، تتفنن في ليّ مستحيلها، تناقش وتعاند وتدافع عن وجهة نظرك فيها، تقذفها خلف ظهرك إن لم تكن مقتنعاً بها، وتنتقل إلى فكرة أخرى، تلوي فيها بضحكتك الواسعة قناعات رئيس تحرير أقصى ضحكاته ابتسامة خجولة.

ومن ثم تعلق على تصريح سياسي بمثل شعبي أو بيت شعر. نعم بيت شعر، بعضها مللت من تكراره أمامنا حتى صرنا نردّده في لاوعينا أو أمام أي خربشة سياسية، أو ما تعبر عنه "إشربوا من مازوت رأسي". ماذا تقول يا حمزة نسألك، فتجيب: إنها كلمات ذات معنىً أكثر من هذه التصريحات.

ومن ثم تمضي وأنت تقدم صدرك وبطنك إلى الأمام. سألتك عن سبب مشيتك وهل هي سليمة؟ فأجبتني: "أريح شي هيك"، لم أكن أدرك أنك ترتقي في سلم يصعب علينا نحن التعساء رؤيته وسلوكه.

صباحووووو يا حمزة. لم أسمعها منك يوم اتجهت إلى معلولا، ولكنك استعضت عنها بطقوسك الخاصة. رفضت تشذيب لحيتك، ارتديت لوناً داكناً، دوّنت كلمات مبعثرة تدل على وجهتك المقبلة، شرعت خزانة ملابسك، ولم تقفلها على غير عادتك، كما أنك تركت راتب الشهر المنصرم لدى أمين الصندوق. ألم أقل لك إنك ترتقي في سلم يحتم عليك ترك الفانيات؟.

لم تأخذ صورة رغم أنك الشغوف بالصورة ولو كانت مع نفسك، أو خلال لحظة إلهام شعري، تغطية حدث، انفعال، ما كان يدفعني إلى مكايدتك ووصفك بالنرجسي. مجدداً تصدني بضحكتك الواسعة المسبوقة بلفظة: "سمالله عليك يا زاهد". ولكنني أعترف الآن، كل صورك كانت تترك في قلبي غبطة، كانت جميلة، كنت تجيد انتقاء اللحظة. ومع ذلك اكتفيت بصورة قديمة تنظر فيها للأعلى ودوّنت في أسفلها، "وكان سعيهم مشكوراً".

يسعدووووو يا حمزة. كلمتك التي دونتها في أسفل صورة زفافي المعلقة على جدار عالمي الافتراضي "فايسبوك". حينها، قلت لك: "يا حاج حسن وين تعليقك؟" فقلت: "أنت عريس؟ هيدا العريس". وأرسلت لي صورة التقطناها للذكرى عشية ما كان من المفترض أن يكون عدواناً أميركياً على سوريا.

"بربّك" يا حمزة. أقولها كما كنت ترددها بلهجتك البقاعية عند سماع خبر رمادي الدقّة. أول كلمة رددتها في خاطري عندما ورد ذلك الاتصال المشؤوم. اعذرني لم أبكك، لم أذرف دمعي، كتبت ذلك التقرير وأنا أسخر من أحرفه من كلماته ، فأنت صاحب الرثاء الأول والأخير.

يسعدوووو يا حمزة. كلمة تردّدت في خاطري منذ وصلت الى مستشفى دار الحكمة، مروراً بمقنة وشعث، مشى موكبك على بحر من ورود وأرز، مجدداً لم تلتقط صورة.

يسعدووو كم كانت صورتك في لحدك أجمل صورك التي أبصرها ناظري. أدركت لماذا لم تلتقط صورة يوم توجهك إلى معلولا. صدقتك كنت أجمل من صورة عرسي، أجمل من صورة أي عرس.
أدركت أيضاً أنك استغرقت طويلاً في التحضير لآخر رسائلك المباشرة.

تفضل يا حمزة، الهواء لك.