22-11-2024 03:54 AM بتوقيت القدس المحتلة

حمزة...

حمزة...

حمزة الحاج حسن. لمع اسمك في ذهني، حفظته جيدًا قبل أن أعرفك. قالوا لي: في السكن الجامعي شاب يدرس الأحياء في كلية العلوم، والصحافة في كلية الإعلام، ويكتب الشعر أيضًا.

زينب صالح

حمزة الحاج حسن. لمع اسمك في ذهني، حفظته جيدًا قبل أن أعرفك. قالوا لي: في السكن الجامعي شاب يدرس الأحياء في كلية العلوم، والصحافة في كلية الإعلام، ويكتب الشعر أيضًا. فسألتهم، كيف لشاب أن يجمع بين كل هذه الأمور في آن؟! قالوا: حمزة شاب استثنائي.
عندما رأيتك كانت ابتسامتك أول ما ميّزك، تبتسم للجميع، ولا تفارقك أبيات الشعر التي ترتجلها، أو التي تحفظها.

مشيت بسرعة بين البوابة الخارجية للسكن الجامعي، وبين غرفتك التي نادرًا ما حظيتْ بك. فعليك القيام بالكثير: الحضور الإلزامي في الكليتين. تغطية الأحداث وإعداد التحقيقات. حضور المؤتمرات وورشات العمل... حتى اكتسبت الكثير من الخبرات والمهارات. وعندما سألتك عن عمرك، أجبتني بابتسامة: العمر المتوقع لطالب في السنة الثالثة، أي واحد وعشرين عامًا.

كنت مميزًا. عشت في مساحات سبقت عمرك بكثير. كنت أحيانًا تقول بأنّك تشعر بالغربة، صعب أن يُفهم من مثلك، من تخطى السنوات بروحه وطيفه، لكنّ أحدًا ما لم يشعر بالغربة معك، أنت الذي تحاور الجميع وتستمع اليهم، وغالبًا ما تقنعهم بأفكارك.

لمتني عندما أخبرتك أني لم اقرأ للشهيد المطهري في ذلك الوقت، وللشهيد علي شريعتي، قائلًا إن على كل الشباب أن يغوصوا في أفكار هذين الشهيدين. وفعلًا، وجب عليّ الكثير من القراءات في كتبهما حتى أعي ماذا كنت تقول، أنت الذي لم تقل عبارة من دون معنى أومن دون بعد فكري.

وعلى الرغم من بعدك عن قريتك، إلا أنك كنت تخصص وقتًا لها، ووقتًا لأهلك. أمك الحنونة التي كنت دائمًا تذكرها: "الله يساعد أمي عليَي، ما بتشوفني كتير". وحين سافر شقيقك الدكتور عباس ليدرس الطب، لم تقدم لها هديتك المعتادة كي لا تشعر بغياب ولدها في عيد الأم، فأعطيت الهدايا لأختك الوحيدة "سمية" كي تقدمها.

كانت فرحتك عندما دخلت تلفزيون المنار عارمة. قلت لي: "قولي: مبروك، لقد قُبلت في تلفزيون المنار". ورويدًا رويدًا تدرجت حتى أصبحت الإعلامي الذي نراه كل يوم.

في حديثك عن الشهداء، كانت دموعك تسبقك. تقول: "بعد حرب تموز استشهد صديقي عباس، لقد قسى عليّ كثيرًا. أنا بقيت حيًا، حتى اني لم أصب، لم ينظر إليّ الله، لم يحببني بعد". كنت عندها في التاسعة عشر يا حمزة، وكانت الحرب مفاجأة لك ، فكنت بقدر المفاجأة، وبقدر البعد عن العالم كله ومواجهة العدو الغادر.

في حادثة الطائرة الأثيوبية، أذكرك تقول: "تنذكر ما تنعاد، لا أحب استذكار هذه التجربة المرة في تغطية الآلام والأحزان". كنت تتألم لكل أم تبكي، لكل أخت تنتحب، وللضحايا الغرقى. قلبك العطوف سبقك دائمًا في نقل الصورة والحدث، لكنّه لم يثنك يومًا، ولم يقلّل من المهارة العالية التي تميزت بها.

ماذا أتحدث عنك، وماذا أنسى كي أتذكر؟!عهدنا الآن مع ذكرياتك، مع كل ما قلت وما كنت تقول، مع كل ما كتبت وخبّأت بين السطور.
أخاف أن أنسى ما يجب على العالم كله أن يعرفه عنك. لكنّ الألم أكبر من الكلام، كلنا الآن مفجوعون بالقرب من كاميرا حفظت رومانسية أشعارك. نحاول أن نسرق الكثير من زمن بتّ أنت ألوانه.

لكن يا حمزة، بقدر حزننا على فراقك كان فخرنا وسرورنا أنك نلت الشهادة التي كنت تتمنى. لم تثنك أحلامك يومًا عن ساحة الجهاد التي كانت عشقك الأسمى. ولن ننسى عبارة صامتة قلتها في زمن الدماء الزاكية، في الذكرى الأولى لرحيل الشهيد عماد مغنية: " لأنَّ في الشهادة ما يستحق الحياة".

الكلام كثير يا حمزة، وعقيم أيضًا، وأكثر منه ما لم يقل ولن يُقال ربما. ما سوف يبقى سرًّا بين ذكرياتك وطيفك، وبين صورتك وإطلالتك المعتادة مخضّبة بدماء نصرنا.

ليتك تقول آخر كلمات. ليتك تصبّر أرواحنا الهائمة ولو بابتسامة إضافية الى سجل ابتساماتك.
رحلت باكرًا جدًا، أنت الشاب الذي عاش أكثر من سنوات عمره بكثير.
فالى جوار الحسين والعباس يا حمزة، أسياد عشقك، ولنا من بعدك الصبر والسلوان.