حمزة الحاج حسن، واحد من أولئك الذين لهم دَين في ذاكرة البحرينيين.
علي الديري*
يحفظ البحرينيون الكلمة التي تنصفهم، ويحفظون لصاحبها الجميل، قليلون الذين أنصفوهم في الإعلام العربي، وكثيرون الذين ظلموهم. حمزة الحاج حسن، واحد من أولئك الذين لهم دَين في ذاكرة البحرينيين.
يقول رفيق كلمته البحريني الذي بكاه بحرقة من خلف شاشة التلفاز "حمزة كان جسد لبناني بدم بحريني، تقاريره في عام محنة البحرينين 2011 كتبها بحرارة قلبه الموجوع لما كان يحدث لنا، كان معجبا بحراك البحرينين وحراك المرأة المتميز وسط خليج محافظ".
على الرغم من أن مساحة البحرين هي أقل من طموح حمزة المهني، لكنها بقيت في قلبه دوماً، وكان يحمل رسالتها معه.
الأكيد أنهم تمنوه حاضراً على أرضهم يغطي حراكهم السلمي حيث ساحاتهم التي فتحوها في 14 فبراير 2011 على الأقصى من المستحيل، والأكيد أنه كان سيحبهم أكثر، فهم مفطورون على الاحتفاء بمراسلي الكلمة الصادقة.ويعرفون أن في الجنوب الوعد الصادق حيث الكلمة تساوي الفعل، وكل ما يأتي من هناك مقترن دوماً بالصدق في القول والفعل.
كان حمزة في معلولا، حيث المسيحيون أقلية وسط موجة تكفير عالية، تماماً كما البحرينيون أقلية وسط موجة قبائلية قاسية، نالت منهم ومازالت تمعن في النيل منهم. كان حمزة ممسكاً برسالته الصادقة في الكلمة وفي الفعل في البحرين وفي معلولا.
في تقريره عن مسرحية تعرض 9 من رجال الشرطة لدهس في النويدرات، يفتتحه ب"ليل القرى البحرينية لا يختلف كثيرا عن نهاراتها" إنها الجملة الأكثر تعبيراً عن حال القرى البحرينية، ليلها يشبه نهارها، ظلم وصراخ في الظلام، ليس هناك من إعلام ينقل هذا الصراخ، كان حمزة حاج حسن، واحداً من الذين نذروا أنفسهم لنقل هذا الصراخ لنهار الإعلام.
ظل البحرينيون أوفياء للمقاومة ورسالتها وفهمهم لها على أنها (مقاومة أمة) كما قالها شيخ علي سلمان في أحد تقارير حمزة، وسيظلون أوفياء لك يا حمزة، ولرسالتك التي هي رسالة أمة أيضاً. في تقرير حمزة عن وقوف البحرينيين مع المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي في 2006 في اللحظة الحرجة التي شعر فيها المقاومون بالخذلان، كان الشعب البحريني يتظاهر تأييدا ومناصرة للمقاومة. لقد حول الإعلام الكاذب، هذه الوقفات التضامنية إلى فبركات، متهماً فيها المعارضة برفع أعلام حزب الله في حراكها السياسي 2011. ونشرت صور كثيرة من مسيرة 2006 على أنها من حراك البحرين في 2011.
حين شاهدت تقرير حمزة، شعرت للوهلة الأولى أنها ربما تفهم في سياق تدخل حزب الله في الثورة البحرينية، لكني أدركت أن الحقيقة التي يقدم تقرير حمزة سياقها، أقوى من أن توظف في سياق الفبركة الإعلامية، فالتقرير يقدم وفاء الشعب البحريني لكل من يقف في وجه إسرائيل، وهي البوصلة التي أريد للعرب أن ينسوها ويغرقوا في وحل التكفيريين والطائفية.
13مايو2011 كان حمزة ينقل اقتحام جامع الإمام الصادق، من قبل قوات الأمن البحرينية المشكلة من المرتزقة والقوات الخليجية المشتركة (درع الجزيرة).كما نقل حمزة أصوات التكبيرات في ليالي القرى المحاصرة، وأصوات الرصاص التي مزقت أجسادهن، ومشاهد المساجد المهدمة، والمضيفات الحسينية المكسرة، وأجساد الشهداء المنتهكة بالتعذيب، ومسيرات الشموع الليلية على أرواحهم. كما نقل مشاهد حية لمنشآت حيوية بحرينية في فترة السلامة الوطنية (الطوارئ) من دون أن تكون حولها حراسات أمنية من قبل قوات درع الجزيرة التي زعمت أنها دخلت لحمايتها.
في 29 مايو2011 في الأيام الأخيرة لقانون السلامة الوطنية ينقل حمزة عبر تقريره أصوات احتجاجات البحرينيين وهي تهيئ نفسها لما بعد قانون السلامة الوطنية، كأنه كان يجمع الأصوات الخجولة في ذلك الوقت في تقريره لتشجع بعضها من أجل الخروج لساحات البحرين العامة في 1 يونيو2011.كان البحرينيون متعطشين في تلك اللحظات لصورتهم في الإعلام وهم يملأون شوارعهم العامة على امتداد البصر.
وفي عز قانون السلامة الوطنية (الطوارئ) في 23 إبريل 2011 كان تقرير حمزة ينقل للعالم أنقاض مسجد (الكويكبات) التي هدمته السلطة. وسط هذا الدمار، كان رجل كبير في السن يقيم الصلاة وحيدا، كانت صورة الكهل في تقرير حمزة بليغة في إيصال رسالتها.لن تهدموا إرداتنا ولن تزيلوا مساجدنا التي هي آثارنا ولن تتوقف الصورة عن قول ذلك.
في تقريره عن دخول قوات درع الجزيرة في 14 مارس 2011، نقل تصريح إبراهيم شريف الشهير "نقول لأشقائنا في الخليج جيوشكم مرحب بها عندما تتعرض بلداننا لاعتداء خارجي، وسنعتبرها جيوش غزو عندما تتعرض للمواطنين".
لم يكتف حمزة بنقل مجريات الأحداث، بل قدم خلفية للحراك من زاوية الاقتصاد والفساد، كما في تقريره عن تحويل الأملاك العامة في البحرين إلى أملاك خاصة بقدرة فاسد.
تقارير حمزة الحاج حسن، أصبحت جزءا عزيزا من أرشيف الثورة البحرينية، ستظل شاهداً على ما عاناه البحرينيون من انتهاكات في 2011، وسيقدمون لأجيالهم صوت حمزة وهو يحكي عن آبائهم الذين صنعوا 14 فبراير.
* كاتب بحريني.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه