وسيدرك اللبنانيون أنّ من حرّر الأرض وحمى الحدود ورد هجوم التتار وصان السلم الأهلي وقدم الشهداء الأبرياء في الرويس والسفارة والحارة تماماً كما قدم الشهداء في نيسان 1996 من قانا الوطن، وجنوب الوطن ...
حسن غندور / سلاب نيوز
إنّه ربيع عام 1996. الجو الدولي والإقليمي مستقر وهادئ والحراك الاقتصادي في المنطقة ينحو "جزئياً" باتجاه الفورة التي يراد لها أن تشكل المدخل الأنجع لسلام الأمر الواقع عبر مشروعها الضخم الذي كان مخططاً له، ويراد منه ربط المنطقة الاقتصادية الخالصة ببعض الدول العربية فتكون نواتها الكيان الصهيوني.
ولكي يتم تنفيذ المخطط، كان لا بد من التخلص من البؤر الأمنية التي كانت تسبّب بحسب المفهوم الإسرائيلي، "توتراً مستمراً ورادعاً لهذا المشروع"، فكان القرار بضرب المقاومة و"اجتثاثها بالكامل" كما صرّح مسؤوليها في ذلك الحين، واشتعل الجنوب "بعناقيد الغضب" التي لم توفّر حجراً أو بشراً، والتي جعلت من أطفال الجنوب وقوداً لعدوانها البربريّ.
في مثل هذا اليوم قبل ثمانية عشر عاماً، حدث أن قاومت عين الجنوب مخرز العدو حين قررت نور العابد وعائلتها في النبطية الفوقا وأطفال الجنوب في قانا الجليل أن يرسموا بلحمهم الطري ودمائهم الذكية استراتجية الدفاع التي غيّرت قواعد الاشتباك في لبنان وكسرت جبروت التنين الذي انهزم.
كانت المقاومة حينها تسعى جاهدة إلى خلق توازن الرعب مع عدوها، وكان التلاحم الشعبي معها مطلوباً ويشكل اللبنة الأساس لكسر الإرادة الإسرائيلية، والإمساك بزمام المبادرة، وكان الظرف صعباً وحساساً ومصيرياً لأنّ الإسرائيلي حينها كان يعتمد في لعبة عض الأصابع على الضغط الإجرامي المتمثل بقتل الأبرياء، وارتكاب المجازر المؤلمة، وهي نقطة ضعف كبرى بالنسبة للمقاومة.
انتهت الحرب بتفاهم نيسان المعروف والذي شرع المقاومة من جهة، وأفشل المشروع الصهيوني مرة أخرى، وكانت صور مجزرة قانا هزت العالم، وحاكت الضمير البشري وأيقظته ليعي حجم الإرهاب الصهيوني وحقيقة هذا الكيان الذي زرعه الغرب في قلب المشرق.
إلا أنّ أهم نتائج حرب نيسان أنّ المقاومة خرجت منها وقد راكمت الخبرات على كافة الأصعدة العسكرية والميدانية والجغرافية والاهم السياسية والتي صلّبت عودها وعززت حضورها كمشروع مقاوم يقوي الجبهة اللبنانية. وأيقنت أنّ توازن الرعب الردعي مع إسرائيل هو الأساس في استكمال مشروع لبناني مقاوم يجعل قوة لبنان في قوته، وينفض عنه زمن الضعف، ويؤسس لمرحلة الحماية الذاتية المرتكزة على إسقاط الاستهدافات التي تدمر لبنان وكيانه "الغير ناجز".
إنّ المقاومة التي أصبحت جزءاً خالصاً نهائياً أساسياً من لبنان الشعب والنظام، تستطيع أن تشكل مع الجيش اللبناني ثنائياً يكمل بعضه، ويتمم احدهم الآخر في ظل تعقيدات التسليح وإشكالية المواجهات الكلاسيكية والحرب التماثلية.
نعم، إنّ المقاومة ليست خياراً فئوياً بقدر ما هي اليوم حاجة وطنية ملحة أثبتت في العديد من الاستحقاقات الوطنية نجاعتها في صون وحدة لبنان وفي إفشال مشاريع إضعافه وجعله لقمة في فم الاستهداف السهل كما كان يحدث سابقاً. وكما كنا غير متيقنين مع بداية المقاومة أنّها ستحقق لنا التحرير وردع العدو عن أرضنا، نحن اليوم، لا يعي البعضُ منا للأسف أهمية الدور الذي تلعبه المقاومة من اجل تجنيب لبنان تداعيات الحريق "العالمي" المشتعل في سوريا، وان المقاومة اليوم تقدم خيرة شبابها ومقاتليها لتسير درب الجلجلة بتضحيةِ وعطاءِ منقطع النظير من اجل منع وصول هذا الحريق وهذا الشر المستطير.
لذلك، فإنّ المقاومة اليوم وبهدف منع استفحال الفتنة وحرصا على كل لبنان، تقوم بأكبر حرب صامتة في تاريخ البشرية، وسيأتي اليوم الذي سيكشف فيه النقاب عن بعض أدائها حينما تضع الحرب أوزارها، ويستعيد خصمها رشده المغيّب، حينها سيعي قيمتها ودورها وسينصفها حتماً، وسيدرك اللبنانيون أنّ من حرّر الأرض وحمى الحدود ورد هجوم التتار وصان السلم الأهلي وقدم الشهداء الأبرياء في الرويس والسفارة والحارة تماماً كما قدم الشهداء في نيسان 1996 من قانا الوطن، وجنوب الوطن إلى كل الوطن، هو الشريك الحقيقي في استكمال مشروع بنائه وبناء إنسانه، وهو القيامة الحقة للبنان الذي نريد .. السيد العزيز ..القوي القادر.