ينظر المسيحيون في العراق لأنفسهم على أنهم تحت دائرة الاستهداف. فلا مفر لهم من إرهاب لم يرد في قاموسه مفردة التعايش
"لا أظن أنني استطيع البقاء في العراق بعد الآن، اعتقد هذا رأي المسيحيين العراقيين أيضا"
ثناء ناصر (الكرادة-بغداد)
ينظر المسيحيون في العراق لأنفسهم على أنهم تحت دائرة الاستهداف. فلا مفر لهم من إرهاب لم يرد في قاموسه مفردة التعايش، ولا تواجد قوي لهم في الدولة من شأنه أن يعيد الثقة إلى أكثر من مليون مسيحي في المهجر.
والمسيحية هي ثاني ديانة في العراق. يعترف الدستور العراقي بأربعة عشر طائفة مسيحية، إلا أن غالبيتهم يتبعون الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. يتحدث معظم المسيحيين اللغة العربية كلغة أم في حين أن نسبة منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية.
في العام 1947، بلغت نسبة العراقيين 3.1% (149 ألف نسمة)، وبحدود ثمانينات القرن الماضي ترواحت النسبة بين 7-8% (مليونا عراقي). وففي فترة التسعينات، وما تخللها من أحداث أمنية وحروب خاضها النظام العراقي المنحل والأزمات الاقتصادية انخفضت نسبة المسيحيين فسجلت نسبة 5% من الشعب العراقي (مليون وثلاثمئة وستون الفاً)، لتصل إلى أدنى مستوياتها بفعل الهجرة التي فرضتها أعمال العنف في فترة الاحتلال الأميركي وما بعده، وتقدر حالياً نسبة المسيحيين 2% (750 ألف نسمة)، وفق النائب عن كتلة الرافدين العراقية يونادم كنّا في مقابلة مع موقع قناة المنار.
إحباط في الشارع المسيحي
"إنني مصدوم جدا من هول ما حدث ولااستطيع أن اصدق ، كل هذا يحدث في الكنيسة؟ هل هذا أسلوب جديد سيتبعونه في العراق؟ ماذا بعد ؟ المستشفيات ؟ المدارس؟"
لبان ناجي (الكرادة-بغداد)
يقول كنّا إن الهجرة هي أكثر المواضيع تأثيراً على الوجود المسيحي في العراق. ويرجع أسبابها إلى الارهاب الذي يضرب كافة مكونات المجتمع العراقي، وإلى إحباط يعاني منه المسيحيون نتيجة بعض السياسات.
"استطاع المسيحيون أن يحصلوا على حقوق كرسها الدستور، ولكنها لم تترجم على أرض الواقع في القوانين والتشريعات".
فيما يُسهب السكرتير العام للمجلس القومي الكلداني ضياء بطرس في الحديث عن أعمال "التشريد والقتل على الهوية والتهجير القسري"، وما تسبب به من خوف لدى المسيحيين ودفعهم للهجرة.
"نهاية العام 2005 شهدت منطقة الدورة في بغداد عمليات قتل على الهوية، ما دفع الناس إلى الهروب وترك المنطقة. وعام 2008، مع بدء انتخابات مجالس المحافظات، تعرض مسيحيو الموصل إلى حملة شرسة من التهجير فنزحوا إلى منطقة سهل نينوى ومحافظة دهوك ومحافظة أربيل في اقليم كردستان"، وفي العام نفسه جرى خطف كبير أساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بولص فرج رحو وقتل مرافقيه، قبل أن يُعثر على جثته بعد حوالي شهر.
وأتت مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد في العام 2010، لتزيد الأزمة تعقيداً. 53 مسيحي سرياني جرى قتلهم في الكنيسة على يد مسلحين أجانب بينهم عراقي واحد، وفق ما تفيد شهادات ناجين من المجزرة.
يكشف النائب يونادم كنا عن تهديدات تعرض لها مسيحيون في مناطق كركوك والموصل وبغداد. ويضيف أنه بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة حصلت عمليات هجرة باتجاه سورية والأردن، وكذلك توجه آخرون إلى مصر وتركيا، فيما صدّت بلدان غربية عدة أبواب سفارتها لعدم منحهم تأشيرات سفر.
القلق على الوجود المسيحي في هذا البلد دفع بالبابا بندكت السادس عشر لدعوة مسيحيي العراق إلى البقاء في العراق.
"إبادة منظمة"
يتحدث مسيحيو العراق بصراحة عن تعرضهم لما يصفونه بأنه "إبادة منظمة"، من شأنها أن تُحدث تغييراً ديمغرافياً يهدد الوجود المسيحي في العراق، تنفذها جماعات مجهولة مستخدمة القتل أو الترهيب دفعاً لتهجيرهم. ويفسّر السكرتير العام للمجلس القومي الكلداني ذلك، معتبراً ان أجندات سياسية واقليمية تنفذها جهات متطرفة " لا تؤمن بالتعايش ولا تقبل الآخر".
"المسيحيون في العراق عُزل ومسالمون، وهم أقلية لا تشكل خطراً على أي مشروع سياسي، كما أنهم متأصلون في هذا البلد ووجودهم يمتد إلى زمن آشور وبابل"، يقول البرلماني العراقي في حديثه لموقع المنار.
ويتفهم كنّا أن الاستهداف الأمني يعاني منه المسيحيون كما باقي مكونات المجتمع العراقي، "فالقوى المتطرفة التي تحمل أيديولوجيا الفكر الالغائي، الذي يكفر من هم من نفس الديانة والطائفة، لن يسلم منها المسيحي الذي يختلف معهم في الدين والقومية".
اليوم، يمنح الدستور العراقي 8 مقاعد في البرلمان لتمثيل الأقليات، 5 مقاعد منها خُصصت للمسيحيين. لكن المسيحيين يقولون إن هناك حقوقاً مهدورة لهم بفعل المحاصصة التي تأتي على حساب الأقليات في البلد الذي يعيش حرباً مفتوحة مع الإرهاب. ومع ذلك، ينتخب المسيحيون اليوم ممثليهم في البرلمان معولين على مستقبل أفضل للعراق.