لن تحتاج إلى اسم أو هويّة لتشارك أفكارك مع الآخرين على الإنترنت، وذلك بفضل بعض تطبيقات الجوّال المستحدثة. إذ بات بإمكان المستخدمين التخفّي خلف قناع اسم «مجهول»، لمشاركة أسرارهم مع الغرباء، وبشكل...
لن تحتاج إلى اسم أو هويّة لتشارك أفكارك مع الآخرين على الإنترنت، وذلك بفضل بعض تطبيقات الجوّال المستحدثة. إذ بات بإمكان المستخدمين التخفّي خلف قناع اسم «مجهول»، لمشاركة أسرارهم مع الغرباء، وبشكل «أنيق» يسهّل عليهم البوح. ذلك أمر شائع منذ نشأة الإنترنت، والمنتديات، والمدوّنات، ولاحقاً مواقع التواصل الاجتماعي. ولكنّه شاع مؤخراً بشكل واسع، من خلال تطبيقات خاصّة لهذا النوع من التواصل/ التخفّي، منها «سيكريت» (ومعناها «سرّ» بالإنكليزيّة) الذي تمّ إصداره في كانون الثاني/ يناير 2014، و«ويسبر» (ومعناها «همس» بالإنكليزيّة) الذي تمّ إصداره العام 2012، إضافة إلى «كونفايد» (أي الائتمان على السرّ بالإنكليزيّة).
رنا داود / جريدة السفير
يرفض مؤسسا «سيكريت» و«ويسبر» الإفصاح عن العدد الرسمي لمستخدمي تطبيقيهما، لكنّ الإحصاءات غير الرسميّة تشير إلى أنّ بضعة ملايين مستخدم قاموا بتنزيل «ويسبر» على هواتفهم خلال عامين، بينما استطاع «سيكريت» حصد قرابة المليون مستخدم خلال أقلّ من سنة، بحسب «فوربس». تشير التحليلات إلى أنّ العمر التقريبيّ لمستخدمي التطبيقين يتراوح بين 18 و28، وأنّ غالبيّة «الأسرار» تتكلّم عن الحبّ أو الكراهية.
يرى الخبراء أنّ أحد أسباب نجاح أيّ تطبيق هو مدخول الإعلانات. لكنّهم يشكّكون في إقبال المعلنين على الاستثمار في التطبيقات «السريّة»، لأنّها لا توفّر أيّ معلومات عن المستخدمين، مثل العمر والبلد وغيرها. وتلك بيانات أساسيّة لدراسات التسويق التي تجريها الشركات لتحديد الجمهور المستهدف من الدعاية. لكنّ مؤسّس «ويسبر»، مايكل هيرد، يفصح عن نيّة لاجتذاب المعلنين، فيما يرى نظيره في «سيكريت»، دايفد بيتو أنّه «من المبكّر» الحديث عن بعد تجاريّ للتطبيق.
الرواج الذي تلقاه تطبيقات «الأسرار» حالياً، دفع بـ«فايسبوك» للتفكير في إدخال خاصيّة التحديثات السريّة على الموقع. حوت «فايسبوك» الأزرق يريد التهام المزيد من أسرار المستخدمين، وكأنّ توثيقه لكلّ محطّات حياتهم الصغيرة والكبيرة لا يشبع نهمه في استباحة المعلومات الشخصيّة. وبالرغم من استحواذ موقع مارك زوكربرغ على أهمّ التطبيقات اليوم، مثل «واتسآب» و«إنستاغرام»، إلا أنّ بطن الحوت ما زال يتّسع للأسماك الصغيرة كـ«سيكريت» أو «كونفايند».
فكرة المراسلة «المستترة» ليست بجديدة في فضاء التطبيقات، فموقع «آسك أف أم (ask.fm)»، أيّ «اسأل» بالإنكليزيّة، الذي أُطلق في العام 2010، يتيح إرسال أسئلة لمستخدمين من دون الحاجة إلى تسجيل الدخول، أي أنّ الأسئلة تصل للمستخدم من دون أن يعلم هويّة مرسلها. ثمّ يقوم المستخدم بالإجابة عن الأسئلة التي يختارها، وتظهر الإجابات على صفحته الشخصيّة، مع إمكانيّة نشره الإجابات على منصّات أخرى كـ«تويتر» مثلًا. بحسب موقع «آسك إف إم» الرسميّ، فإنّ التطبيق يجمع 1,8 مليون مستخدم، أجابوا على 25 مليار سؤال حتّى اليوم. الفرق هنا هو في علنيّة الإجابات، ما يجعل الكثير من روّاد الإنترنت يرون في «آسك» فرصة لإيصال رسالة لا يستطيعون البوح بها من خلال هويّاتهم الحقيقيّة.
يتخوّف بعض المستخدمين من تسخير التطبيقات التي تتيح تجهيل الهويّة، لأغراض «التنمّر» الإلكترونيّ، وإرسال الشتائم والرسائل المسيئة بهدف تعمّد إيذاء مشاعر الآخرين. وهناك سجال حول حقيقة الخصوصيّة المزعومة للتطبيقات، فتوثيق المحادثات يجعلها عرضة للاختراق من قبل قراصنة الإنترنت، وتالياً فضح الأسرار وأصحابها. لكنّ المبدأ الذي تعتمده التطبيقات لناحية عدم طلب تسجيل المعلومات الشخصيّة يعطيها مصداقيّة، بحسب الباحث في الإعلام الاجتماعي بدر بيّومي. ويضيف بيّومي، «إنّ طبيعة النفس البشريّة تجعل الناس يلجأون إلى متنفّس ليفصحوا فيه عما في داخلهم، لكنّهم يخافون نظرة الآخرين، وتلك التطبيقات توفّر هامشاً من الحريّة «للفضفضة» بعيداً عن ضغط المجتمع»، مشيراً إلى أنّ ذلك هو السبب الرئيسي في الإقبال على تطبيقات «الأسرار».
تتحدّث الإعلاميّة ريتا خوري لـ«السفير»، عن الحريّة التي يمنحها قناع الاسم المستعار. مقدّمة برنامج «ريتويت» على إذاعة «مونت كارلو الدوليّة» قامت بالتدوين باسم مستعار لسنوات، إلى أن كشفت عن هويّتها وجمعت تدويناتها في كتاب «أسرار صغيرة» (2012). تقول خوري إنّ «هناك خوفاً من نظرة الآخر وحكمه، هذا الآخر الذي هو مجتمع بكامله. التدوين باسم مستعار كان أداةً جديدة احتاجت وقتاً لأتحكّم بها، لأنّ تدويناتي كانت شخصيّة بحت، ومفهوم الفضيحة مبالغ به في تربيتنا، ما يجعل حكايات شخصيّة عاديّة، ضخمة في رأسي كأنّها سرّ نوويّ». وتشير خوري إلى أنّ الاسم المستعار يسقط عن كاهل الشخص كلّ أنواع المسؤوليّة. «ولأنّ «سرّ» و«بوح» كلمتان متلازمتان، ولأنّ البوح حتّى مع الأسرار الكبيرة مريح، لكنّه يحتاج إلى ثقة، يشكّل الاسم المستعار نوعا من فقّاعة حماية».
على الرغم من الخصوصيّة المحيطة بالتطبيقات مثل «سيكرت» و«ويسبر»، وتزايد رواجها بين الجمهور، إلا أنّ صحيفة «ذا غارديان» البريطانيّة تنصح بتوخّي الحذر في اختيار المحتوى المنشور، وعدم الوثوق بأيّ كان في العالم الافتراضيّ، وإن كان المستخدم يتمتّع بأقنعة حماية.