26-11-2024 09:44 PM بتوقيت القدس المحتلة

مليار دولار استثمارات قطرية تحكم العالم

مليار دولار استثمارات قطرية تحكم العالم

بلغ ناتج قطر الاجمالي السنوي عام 2012 حوالي 185 مليار دولار وأعلنت موازنتها للعام 2014 – 2015 بقيمة 62 مليار دولار التي تعتبر الاكبر في تاريخ

بلغ ناتج قطر الاجمالي السنوي عام 2012 حوالي 185 مليار دولار وأعلنت موازنتها للعام 2014 – 2015 بقيمة 62 مليار دولار التي تعتبر الاكبر في تاريخها، وذلك على أساس أن سعر برميل النفط 65 دولاراً، لكن سعر برميل النفط أكثر من 100 دولار، فأين يذهب الفارق ومن هي الجهة التي تديره؟ اما الجواب فهو سهل "سلطة قطر للاستثمار".

الدكتور عماد رزق

النفط القطريهي التسمية الرسمية للصندوق القطري السيادي للاستثمار في العالم، واختصاره باللغة الانكليزية QIA، والذي تأسس منذ أقل من عشر سنوات وقدرت أصوله يومها بـ115 مليار دولار وبالرغم من انه غير رسمي فإن هذا الرقم الاحتياطي يشكل موازنة قطر على مدى سنتين.

في الشكل تلعب قطر أدواراً سياسية. أما في المضمون فإن رؤيتها مالية عائلية تحكمها تحالفات آل ثاني مع آل مسند وآل العطية، استراتيجية تتغير كل عشر سنوات. بعد انقلاب الابن على ابيه عام 1995 تأسس الدور وعام 2005 خرجت قطر الى العالم لتلعب أدواراً، خرجت كقوة استثمارية لأنها - وكما صرّح المسؤولون فيها - تريد وقف الاعتماد على مداخيل الغاز والنفط، برغم أنه المدخل الأول والأكبر للإيرادات القطرية، ماذا يجري اذن؟.

ما هو دور "قطر القابضة" التي تعتبر ذراعا أخرى للصندوق القطري السيادي الرسمي. هل وصلت قطر الى المرحلة التي بدأت فيها توظف أموالها في التوازنات الدولية؟ أم أنها جزء من هذه التوازنات وبلغة عربية؟.

الجواب ينقله لنا تقرير صندوق النقد الدولي والذي يتحدث عن الاستثمارات القطرية خلال الحقبة التي امتدت من عام 2008 الى العام 2012. فالتقرير يشير الى وتيرة تصاعدية في الاستثمار الخارجي بلغت 60 مليار دولار سنوياً وبلغت حتى عام 2012 أكثر من 260 مليار دولار والتوقعات ان تصل في العام 2018 (عشر سنوات من بداية تقييم الاستثمار القطري من قبل صندوق النقد الدولي) سوف تصل الى 480 مليار دولار في 34 دولة حول العالم.

وفي تحليل سريع للسلوك الاستثماري القطري ولماذا في الخارج ربما يفهم الجزء الاول من السؤال، ويبقى السؤال الاكبر من يخطط الادوار على المسرح الدولي، ولماذا تركيز الاستثمارات خارج العالم العربي؟ استثمارات قطر في قطاعات أربعة وتركيز على أوروبا... هل الهدف فرنسا من خلال هيمنة قطرية – بريطانية مقنعة؟ أم أن الصراع على الطاقة يدفع قطر للتركيز على أسواق حلفائها لدعمهم استثمارياً وماذا تريد منهم؟.

ففي القطاع المالي لعب الاستثمار القطري دوراً، واذا كان بنك باركليز البريطاني حاول الإيحاء بأنه بنك قوي معافى من الأزمة المالية العالمية التي ضربت وما تزال تهدد الشركات الكبرى في العالم، وكي يتجنب البنك التدخل الحكومي البريطاني في سياسته المالية، استدرج الأموال القطرية والتي بدأت من عملية شراء 35 مليون سهم ومن ثم رفعت قيمة الاستثمار الى أكثر من ثلاثة مليارات دولار وذلك عبر "قطر القابضة". تم فتح تحقيق حكومي وطرحت علامات استفهام، وربما هذه القضية لا تزال وقائعها تهدد الدور القطري في بريطانيا.

كما تم تملك 13% من اسهم "كريدي سويس" الذي يعتبر البنك الثاني في سويسرا، ورغم أن الاستثمارات الخليجية وصلت الى ستة مليارات دولار غير ان أزمة الانقلاب على الأب عام 1995 ربما تكون السبب لأن اموال الأب في البنك وحريتها ممكن أن تسبب المتاعب للإبن. ويذكر أن المقر الرئيسي للبنك في العاصمة البريطانية لندن تملكه قطر.
اما في الصين فقد بلغت قيمة الاستثمار في "البنك الزراعي الصيني" ستة مليارات دولار، وكذلك "بنك سانتاندر" البرازيلي الأقوى في اميركا اللاتينية بحصة وصلت الى ثلاثة مليارات دولار او 5% من اسهم البنك.

لكن السؤال هو: ماذا يخدم الاستثمار في اسهم سوق لندن للاوراق النقدية وبحجم 25%، هل بدأ آل ثاني ينافسون عائلة "روتشيلد" التي تحكم العالم مالياً وربما الأصح سياسياً؟ هل يمكن اعتبار عام 2008 تأسيسي في خطة التوسع والهيمنة؟ وماذا يمثّل ذلك التاريخ للبنان وسوريا ومصر والسودان؟ هل هذه الاستثمارات ضمن الرؤية العربية أو الإسلامية؟ أم أنها تتقاطع مع برنامج عولمة المال؟.

كما في بريطانيا كذلك في فرنسا، دخلت قطر فاتحاً، عاد الدور الفرنسي الى الخليج والشرق الأوسط، فكان الرئيس الفرنسي ساركوزي الراعي لسياسة التوسع القطرية، لكن مقابل ماذا؟.

من يستثمر أكثر من 300 مليون دولار في نادٍ رياضي فرنسي "باريس سان جيرمان" عام 2011، ألا يعتبر غريباً في حياة الأندية الرياضية الفرنسية... لكن المشهد توضح بعد فترة، قطر تفوز بتنظيم كأس العالم لعام 2022.

اذن، هذه استراتيجية قطر، تدخل بقيمة استثمارية صغيرة تلعب الدور السياسي وبعدها تنتقل الى بيع الحصة أو الاستثمار أو تتحول الى الاستثمار الأكبر والأوسع، لكن في قطاعات معيّنة، وقطاع الطاقة هو الأهم. لذلك رأينا قطر تتملك 5% من رأس مال شركة "توتال" الفرنسية. لكن كيف توسعت الاستثمارات القطرية في فرنسا، ففي القطاع الفندقي "كونكورد لافاييت" واللوفر، بالي دوميدترانيي في نيس ومارتينيز في كان، الى الصناعات الجلدية "لوتانور" في وقت كانت شركة "الديار القطرية" تتملك فينسي للمقاولات في فرنسا. لقد وصلت الاستثمارات القطرية في فرنسا الى 12 مليار دولار في فترة قصير ليبقى السؤال هل تحقق الهدف القطري من وراء الاستثمار؟.

وما العلاقة بين تملك 2% من أسهم "فيفندي" للاتصالات وتملك 13% من أسهم مجموعة "لاغادير" الاعلامية وشركة "لويس فيتون".. وهنا جاء الاستثمار والتوسع الى إيطاليا، ومن الصناعات الغذائية الى الأزياء، من الأثاث الى السياحة والترفيه، المهم تحقيق رقم استثماري وصل الى أربعة مليارات دولار، وكان استثمار مليار دولار في الشركة الأوروبية للذهب غير مفهوم الأهداف حتى اليوم. لكن السلوك الاستثماري تؤكده التوجّهات القطرية في إسبانيا ثلاثة مليارات دولار أو حصة 6% من قيمة شركة "ايبردرولا" للطاقة.

أمام ضخامة الاستثمارات القطرية في قطاع الطاقة وأسواق المال بالإضافة الى توجه لتعزيز الاستثمار في قطاع الإعلام عبر دفع مبلغ 500 مليون دولار لشراء قناة "كارنت" الأميركية الواسعة الانتشار لصالح قناة الجزيرة فهل تكون أهداف الإعلام القطري محلية أو عربية أو دولية؟.

والسؤال الأخطر وبالعودة الى الاستثمارات القطرية في بريطانيا، ما العلاقة بين شراء قطر عام 2010 لمجموعة "هارودز" الشهيرة بصفقة بلغت 2500 مليون دولار والتي تعود ملكيتها لرجل الأعمال المصري محمد الفايد. وكلنا يتذكر القصة الغامضة لمقتل الأميرة ديانا وعشيقها ابنه دودي... ولماذا قطر بحاجة الى الاستثمار في شركة "هيثرو القابضة" المسؤولة عن إدارة أكبر خمسة مطارات في بريطانيا والمعلومات تشير إلى إدارة أمنية في المقابل لشركات إسرائيلية؟.

ومن يشتري أسهماً بقيمة ثلاثة مليارات دولار في شركة "سيمنس" للتكنولوجيا يريد فقط الاستثمار؟ ولماذا وصلت استثمارات قطر في ألمانيا الى 12 مليار دولار كما في فرنسا، وهل المستهدف توريد الغاز القطري بدل الغاز الروسي الى المانيا، وهل قطر تنافس روسيا على مستوى الاستثمار؟.

أعتقد أن الجواب في كل الاستثمارات، هو المال وحماية رأس المال والتي لا يمكن حمايته الا عبر شركات الطاقة، فالاستثمار في "توتال" أو في "رويال دوتش شل" البريطانية – الهولندية، والعين على شركة "ايني" الايطالية، يؤكد أن استراتيجية الاستثمار لتعزيز النفوذ على قطاع الطاقة وبالتحديد الغاز الطبيعي والمسال، لذلك يصبح واضحاً التدخل القوي لقطر في ليبيا للمقايضة مع إيطاليا.

وفي الجزائر تستثمر قطر بحوالي خمسة مليارات دولار في قطاع الطاقة خوفاً من خروج نفط وغاز الجزائر الى جهات تنافس قطر، وهذا ما يصبح أوضح عندما نرى الاستثمارات القطرية في المغرب والتي تزعج السعودية، فنرى أن خروج الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من تونس ولجوئه الى السعودية كان لمصلحة دخول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، أو كما جرى في مصر. فقبل الانقلاب على الرئيس حسني مبارك دخلت قطر مستثمراً بخطة وصلت الى 18 مليار دولار، فكيف تم تحضير الساحة للإخوان المسلمين في مصر يمكننا تصور حجم الصراع اليوم...

وفي قطاع الخدمات تستثمر قطر في الجمهور وفي الإعلام تستثمر في الرأي العام، فهل استثمارات قطر خارج إطار المشاريع السياسية أو الادوار الجيو- استراتيجية، تدخلها شريكاً دولياً  أو منافساً؟.

تلعب دولة قطر الدور جيداً، فالربيع العربي يؤكد الصورة، بين الاستثمار لإيصال "الإخوان" الى الحكم والسيطرة على قطاع الغاز في العالم قصة قصيرة، انتهت مع دخول روسيا منافساً قوياً على مسرح الشرق الأوسط وربما شمال افريقيا، فهل تكون الاستثمارات القطرية وصلت الى أوكرانيا والشيشان لضرب الاستقرار الروسي بعد ضرب الاستقرار في سوريا؟ أسئلة تنتظر خارطة قطر الاستثمارية المقبلة.