24-11-2024 03:42 AM بتوقيت القدس المحتلة

جدل إلكتروني في السعودية حول تغريم معنّفي زوجاتهم

جدل إلكتروني في السعودية حول تغريم معنّفي زوجاتهم

ورأى الكاتب جاسر الجاسر أن «تنظيم الشؤون الاجتماعية مفاجئ وغير واضح الملامح من حيث التحقق من الشكوى أو مستوى الضرب الذي يوجب العقوبة».

جدل إلكتروني في السعودية حول تغريم معنّفي زوجاتهمفي الأيام القليلة الماضية لاقى نبأ تغريم الزوج بـ50 ألف ريال، في حال اعتدائه بالضرب على زوجته، انتشاراً واسعاً في مختلف وسائل الإعلام، وجرى تداوله في شكل كبير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وسادت الأفراح مجتمع الإناث باعتبار أن القرار ينتصر لهن ويخلّصهن من قبضة الرجال، قبل أن يوضح مدير عام الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية الدكتور محمد الحربي، أن التصريحات التي نسبت إليه بهذا الخصوص غير دقيقة ومغلوطة، مؤكداً أن عقوبة معنّفي زوجاتهم يحددها القضاء من خلال المحاكم الشرعية المختصة.

وأوضح الحربي أن وزارة الشؤون الاجتماعية أقرت اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء التي تنص على معاقبة معنّف زوجته بدفع غرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف ريال، وليس تعويضاً للزوجة، إضافة إلى سجنه مدة تصل إلى عام، فيما يعوّض على الزوجة في حال الإصابات البالغة، وعلى ما ليس له قدر معلوم من الدية.

ولأن الموضوع غير اعتيادي لم يمرره المغرّدون بسلام، فأنشأوا «هاشتاق» أطلقوا عليه «# عقوبة - ضرب - الزوجة - 50 - ألف - ريال»، كان لدى إطلاقه الأكثر نشاطاً على «تويتر»، وحفل بتغريدات ظريفة تفاعلاً مع القرار. وكتبت المغردة ميثا: «يا بنات هذا يومكم كل وحدة تحارش زوجها وتحصل على 50 ألف ريال»، قبل أن يتدخّل أحد المحامين ليوضح أن «القانون الذي يعاقب الرجل بتعويض زوجته مبلغاً لا يتجاوز 50 ألف ريال إذا ضربها، لن يكون المبلغ للزوجة وإنما للدولة».

وشارك الشيخ عادل الكلباني في النقاش قائلاً: «فلوس الضرب للدولة وليست لكنّ... يعني موت وخراب ديار»، وأتبعها بتغريدة أخرى: «عزيزي الزوج لا تضرب زوجتك، تزوّج جديدة أحسن لك»، ليردّ عليه الدكتور عائض القرني قائلاً: «ابتسم إلى أخي عادل الكلباني: من عنده خمسون ألف ريال فليكرّم زوجته ولا يتزوّج عليها فيدخل في ورطة...» «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

وقال عبدالرحمن داود: «قال عليه الصلاة والسلام: استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع أعوج». وأضافت إحدى المغردات ساخرة: «بكرة يعملوا لقاء مع سيدة أعمال يسألوها كيف بدأتِ مشروعك؟ فتجيب: بدأت بكم كف من زوجي وبعدها صارت كفوف الحمدلله».

وتابعت فاطمة الشيخي السجال فكتبت: «أخيراااً لقيوا حل!... إذا ما عندو احترام ح يحترم عشان الـ50 ألف، على رغم أنه المفترض اللي تنضرب تنفصل عنه بعد ما تعطيه درس». ولفتت سارة التميمي إلى أن العقوبة منصفة في حال عدم وجود ضرر جسدي أو عاهة دائمة، مضيفة: «لكنها تظل بسيطة في حال ترتبت عليها خطورة أكبر».

على الجانب الآخر، اعترضت مغرّدة على القرار بقولها: «والفقير من وين بيجيب المبلغ؟ السجن أفضل للغني والفقير»، فيما قالت أخرى: «على كيفكم تغيرون بالشرع، والله أمر بالضرب غير المبرح بغرض التأديب»، مستشهدة بالآية 34 من سورة النساء، قال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّا كَبِيراً».

وعلقت الروائية والكاتبة في «الحياة» بدرية البشر قائلة: «معظم الذين شاركوا في الحوار حول «الغرامة» لم يرفع أحدهم يده على امرأة، لكن القرار أزعجه، فهو يحرّك حقوقاً مدفونة في باطن لا وعيه، تحفظ له هذا الحق في ما لو فكّر يوماً أن يستخدمه، لهذا شعر بأن العصا - وإن لم يكن في حاجتها - سحبت من يده».

وأردفت: «الذين ظنوا أن لديهم من الحيل ما يمكّنهم من أن يستعيدوا الغرامة من الزوجة في اليوم الثاني، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بعد أن عرفوا أن الغرامة ستذهب إلى الحكومة وليس إلى الزوجة المضروبة، أي أنها أصبحت حقاً عاماً لا خاصاً، مثلها مثل غرامة قطع الإشارة».

حماية الأسرة

وأوضح قانونيون تحدثوا إلى «الحياة»، أن عقوبة الإيذاء في نظام الحماية من الإيذاء الذي أصدره مجلس الوزراء السعودي أخيراً، لا تقتصر على المعتدي بالضرب على الزوجة فقط، بل تشمل المعتدي على أي فرد من الأسرة، موضحين أن العقوبة تُدفع لبيت المال وفقاً لتقديرات تعزيرية يحددها القاضي. ولفتوا إلى أن «النظام لم يُفرَض لحماية الزوجة فقط، بل لحماية أفراد الأسرة عموماً من الأبناء وكل من يعوله رب الأسرة».

جدل إلكتروني في السعودية حول تغريم معنّفي زوجاتهموذكّر المحامي تركي الرشيد لـ«الحياة» بأن الغرامة المالية في نظام الحماية من الإيذاء تُدفع لبيت المال وليس للزوجة، موضحاً أنه «إذا حصل ضرب مبرح للزوجة أو كسر في العظم أو شج، فإنها تدخل في عقوبة «الشجاج» التي يحددها «مقوّم الشجاج»، ويشارك في تحديدها التقرير الطبي الذي يشخّص الإصابة قبل إحالتها على الجهات المختصة لتحديد العقوبة، إلا إذا كان يمكن الاكتفاء بظاهر الحال».

وأفاد الرشيد بأن اللائحة التنفيذية التي صدرت حديثاً لـ17 مادة من النظام تنص على أنه «في حال وقوع جريمة يُحال الجاني على الشرطة ثم الادعاء العام، ويأخذ مساره في المحكمة، وهو من اختـــصاص هيئة التحقيق والادعاء».

وأشار المحامي بندر البشر إلى أن أنظمة الحماية من الإيذاء تصدر بمراسيم ملكية، وأن أي قضية إيذاء تحدد عقوبتها من القاضي بموجب النظام نفسه، باعتبار أن القضايا ذات الحساسية يُنظر فيها في باب الأحوال الشخصية، وليس من الجانب الجنائي، مؤكداً أن الغرامة تعتبر أحد أشكال العقوبة، «خصوصاً أن النظام لم يُفرَض لحماية الزوجة فقط، بل لحماية أفراد الأسرة من الأبناء وكل من يعوله رب الأسرة، إذ يفترض منه التعامل مع من يعول بالرحمة والإنسانية».

ورأى الكاتب جاسر الجاسر أن «تنظيم الشؤون الاجتماعية مفاجئ وغير واضح الملامح من حيث التحقق من الشكوى أو مستوى الضرب الذي يوجب العقوبة».

وتساءل الجاسر: «هل تكفي شهادة الزوجة وعاملتها، أم لا بدّ من كدمات وتقارير طبية؟ ومن الذي يقرر درجة العقوبة وكيفية تطبيقها؟ وهل تغني شهادة الأبناء عن حضور الزوجة؟ وما الفرق بين المستكينة والمدافعة عن نفسها ترد الضربة بأخرى؟ وهل تعامل الزوجة الواحدة معاملة الضرائر؟ ومن الذي سيرغم الرجل على الدفع والشرطة لا تأتمر بتوجيهات الشؤون الاجتماعية؟ وكيف نبت هذا التنظيم فجأة بينما لم يظهر القضاء في الصورة كلياً؟».

لا إحصاءات

وأشار الجاسر إلى أنه «عملياً لا توجد إحصاءات ترصد العنف الأسري بحكم العادات التي تجعل الضرب حقاً للزوج، وتلقيه باستسلام واجب على الزوجة، حتى أن مدمنين تورطوا في أميركا وأوروبا حين أسرفوا في الضرب هناك فانفضحت حقيقتهم ونالوا عقابهم من دون أن يفهموا السبب، أو يدركوا المنطق في ذلك، ظناً أن الاستقواء على الأنثى يعزز قوتهم ويؤكد سلطتهم».

على كل حال، أعاد قرار «الشؤون» إلى الأذهان مشروع «نظام الحماية من الإيذاء»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في شوال 1434هـ (2013)، وصدرت لائحته التنفيذية بتاريخ 8 - 5 - 1435 هـ. ورحّب السعوديون بصدور النظام الذي أقر بوجود حالات إيذاء تتطلّب المعالجة، لكنهم أبدوا اعتراضات على اللائحة التي صدرت متأخرة عن موعدها، وحملت ملاحظات.