كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مجموعة من النساء النخبة، على أعتاب ذكرى ولادة السيدة الزهراء (ع)_19/4/2014
بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً، أرحّب بالسيّدات، وأبارك الولادة السعيدة للسيّدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وأسبوع المرأة ويوم تكريم الأم. وكما تفضّلت السيدة1 بالقول، فإنّ اقتران هذه المناسبة الاجتماعيّة المهمّة للبلاد مع ولادة السيدة الزهراء (سلام الله عليها) –وخاصّةً هذه السنة2- يُعدّ فرصةً للفهم ولأخذ الإرشاد من حياة تلك العظيمة.
الزهراء (ع)؛ مقامٌ معنويّ وتجلّي الخصال السامية
أوّلًا؛ إنّ المقامات المعنويّة لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هي بين المقامات المعنويّة الأسمى لعددٍ محدودٍ من البشر. إنّها معصومة؛ العصمة هي ميزة خاصّة للمختارين الإلهيّين من بين البشر؛ وهذه العظيمة –فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)- هي من جملة أولئك، وبالالتفات إلى هذه الحقيقة وهي أنّ هذه المرأة المسلمة المجاهدة في سبيل الله، كانت تبلغ العشرين من عمرها فقط- على اختلاف الروايات من الثامنة عشرة وحتى الخامسة والعشرين3؛ امرأة شابّة لديها هذه المرتبة المعنويّة العالية التي تضعها في الصف الأوّل بين الأولياء والأنبياء؛ بحيث سمّاها الرسل الإلهيّون "سيّدة نساء العالمين".
إضافةً إلى هذا المقام المعنوي، فإنّ تجلّي خصال بارزة وأعمال مهمّة في الحياة الشخصيّة لهذه السيّدة العظيمة جعل كلّ واحد من هذه الأعمال والخصال درسًا وعبرةً: تقواها وعفّتها وطهارتها وجهادها وتبعّلها وتربية أولادها ووعيها السياسي وحضورها في الساحات الأهمّ لحياة الإنسان في تلك المدّة- سواء في مرحلة طفولتها وصباها أم في مرحلة زواجها- كلّها دروسٌ وعبر؛ ليس فقط لكُنَّ أيّتها السيّدات، بل هي دروسٌ لكلّ البشريّة. بناءً على هذا، فإنّ هذا الاقتران هو فرصة؛ يجب علينا التمحيص في حياة فاطمة الزهراء، وجعل تلك الحياة نموذجًا وقدوةً بكلّ معنى الكلمة، من خلال نظرة جديدة إليها.
المرأة في ظلّ النظام الإسلاميّ
وأمّا في ما يتعلّق بمسألة المرأة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وفي بلدنا ومجتمعنا؛ أذكر أوّلًا أنّني غالبًا عندما ألتقي، في هذه المناسبة، مع سيّدات مسلمات ونساء مؤمنات ومتعلّمات، فإنّني أشكر الله من أعماق قلبي؛ حقًّا إنّها إحدى أكبر افتخارات النظام الإسلامي: إنّه في ظلّ النظام الإسلامي، لدينا كلّ هذه النساء الحكيمات والمتعلّمات وذوات الفكر النيّر والمستوى العالي فكريًّا وعمليًّا في مجتمعنا؛ إنّها نعمةٌ كبرى ومصدر افتخار.
اليوم، تحدّثت فقط هذه السيّدة المحترمة، ولكن كان لدينا لقاءات وجلسات متعدّدة، تحدّثت فيها سيّدات كُثُر؛ حين ألقت كلٌّ منهنّ كلمات، كانت تفتح من خلالها كوّةً بنظرة متجدّدة، بفكر متجدّد للفكر الإنسانيّ.
إنّ تربية كلّ هؤلاء النّاس ذوي المستويات العالية والشخصيّات البارزة ذات الفكر الراقي هي إحدى أكبر افتخارات النظام الإسلاميّ. واليوم حين ننظر فنرى أنّ أسماء نسائنا تزيّن أغلفة الكتب المتنوّعة: الكتب العلميّة والبحثيّة والتاريخيّة والأدبيّة والسياسيّة والفنيّة؛ نلاحظ أنّ أفضل الكتابات والآثار المكتوبة للنظام الإسلاميّ اليوم- سواء المقالات أو الكتب- هي من تأليف سيّداتنا، وهذا مصدر افتخار حقًّا. الأمر الذي لا نظير له في كلّ تاريخنا؛ لقد شهدنا عهودًا ومراحل مختلفة، وكنّا على اطّلاعٍ على الجوّ الثقافيّ للبلاد؛ لم يسبق أن كان لدينا كلّ هذه الشخصيّات من النساء البارزات في المجالات المتنوّعة- سواء في المسائل الحوزويّة أم في المسائل الجامعيّة- وإضافةً إلى هذا، كان البروز والظهور الناصع للهويّة والشخصيّة المستقلّة للمرأة الإيرانيّة، في ميادين الجهاد، ومنها ما ظهر في الدفاع المقدّس وما تلاه حتّى أيّامنا هذه؛ كلّ زوجات الشهداء، زوجات الجرحى، أمّهات الشهداء، البقيّة الرائدة للذّين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله، ممّن تحلّوا بالإرادة المتينة والعزم الراسخ والصبر فجعلوا كلّ إنسانٍ يخشع فيخضع أمام تضحياتهم. في الحقيقة، إنّي–العبد لله- كلّما ألتقي هؤلاء النساء أشعر بالخضوع في محضرهنّ. إنّني أتواصل كثيرًا مع أمّهات الشهداء وزوجاتهم ومع زوجات الجرحى. هذه السيدّة المضحيّة التي تقضي سنوات عمرها لتدبير وتحسين حياة جريح قربةً إلى الله؛ هذا ليس بالأمر البسيط، إنّ ذكر هذه المسائل سهلٌ على اللّسان ولكن الواقع شيءٌ أرقى، تلك الأمّ التي قدَّمت اثنين أو ثلاثة أو أربعة من أبنائها في سبيل الله وبقيت بعدهم صلبة ثابتة، وتدعونا نحن إلى الصمود والثبات! إنّ الإنسان ليشعر أمام كلّ هذه العظمة بالخشوع حقًّا. إنّ هذه حقائق واقع النساء في مجتمعنا وهي مهمّة وتبعث على الافتخار. حسنٌ، بحمد الله، إنّ هذا هو الجانب المنير والمتألّق لمسألة المرأة في البلاد.
قضيّة المرأة؛ حضورًا وهُويّةً وسلوكًا
ولكنّ قضيّة المرأة في العالم اليوم، ومنها بلادنا، هي من القضايا التي لا تزال، ومن جهاتٍ متعدّدة، تستحقّ المتابعة والتأمّل والعمل والفكر.
أوّلًا؛ إنّ نصف عدد سكّان البلدان المختلفة هو من النساء؛ كيف يمكن الاستفادة بشكلٍ سليم من هذه الإمكانات والموارد العظيمة لما فيه مصلحة أيّ بلد، ومنها بلادنا؟
ثانيًا؛ إنّ مسألة الهويّة الجنسيّة هي إحدى أكثر مسائل الخلق حساسيّة ودقّة، فكيف يمكن جعلها في خدمة سموّ الإنسان وتعاليه، بدل أن تصبح في خدمة انحطاط البشر والتسافل الأخلاقيّ؟
ثالثًا؛ بسبب الفروقات الطبيعيّة بين جنس المرأة وجنس الرجل، كيف يمكن- سواء في المحيط الاجتماعي أم في داخل الأسرة- أن يؤسّس لسلوكٍ ويُصبح ملزِمًا بأن لا تتعرّض المرأة لأيّ ظلم؟ هذه مسائل بالغة الأهميّة. إنّنا إن وضعنا هذه المسائل الثلاثة نصب أعيننا وجعلناها محورًا للتفكير والتأمّل والبحث والعمل، فسينتج عن ذلك مجموعة من الجهود والأعمال البحثيّة والمطالعات النظريّة والعمليّة. لا يتخيّلنّ أحد بأنّ ظلم النساء مسألة خاصّة بالمجتمعات المتخلّفة أو المجتمعات المتوحّشة مثلًا؛ كلّا، ففي المجتمعات التي يصطلح على تسميتها بالمتحضّرة، إن لم يكن ظلم النساء فيها أكثر، فإنّه بالتأكيد ليس أقلّ من المجتمعات الأخرى. حسنٌ، إنّها مسائل هامّة؛ ينبغي متابعتها والتصدّي لها وطرحها.
المرأة والأسرة؛ قضيّتان متداخلتان
لقد حوت كلمة السيّدة نقاطًا جيّدة؛ حيث إنّها ذكرت المسائل الأساسيّة التي تخطر في ذهن الإنسان حول هذه القضيّة. أشارت أنّنا سابقًا قلنا إنّ البلد يحتاج إلى مركز أو مجلس أعلى وما فوق السلطات الثلاث، يبحث في هذه المسألة الهامّة ويعمل على حلِّ هذه القضايا؛ فهي من قضايانا الأساسيّة؛ مسألة المرأة ومسألة الأسرة، وبالطبع، فإنّ مسألة المرأة لا يمكن فصلها ولا تفكيكها عن مسألة الأسرة. وهذا ما سنشير إليه؛ إن أراد أحد أن يبحث في قضيّة المرأة منفصلة عن قضيّة الأسرة فإنّه سيتعرّض لاختلالٍ في فهمها وكذلك في تشخيص العلاج والحلول المناسبة لها؛ يجب النظر في هاتَين المسألتين جنبًا إلى جنب على أنّهما مسألتان. حسنٌ، هناك حاجة إلى هكذا مركز والذي لم يتمّ تشكيله حتّى الآن؛ لقد قلنا وطرحنا الموضوع سابقًا؛ وذكرنا بأنّنا لا نمتلك هكذا مركز مطالعات وعمل يتصدّى لإعداد استراتيجيّة صحيحة ومتعدّدة الأبعاد في مسألة المرأة- بحيث يلتفت إلى المواضيع التي طُرحت الآن وبعض المواضيع الأخرى- ويقوم بالبحث والمتابعة والتنفيذ، يجب أن يتمّ إيجاد هذا المركز؛ وبالطبع، فإنّ له مقتضيات ومتطلّبات كذلك.
فلنخلّ أذهاننا من شعارات الغربيّين الفارغة!
ما أقوله اليوم لكم عبارة عن نقطتَين أو ثلاثة: أوّلًا؛ إذا أردنا- سواء في هذا المركز الذي ذُكِر أم في أيّ مكانٍ أم جهازٍ آخر- أن نفكّر بشكلٍ صحيح حول مسألة المرأة وأن نتحرّك ولا نقع في الأخطاء، يجب علينا أوّلًا أن نخلّي أذهاننا بشكلٍ كامل من الكلام والشعارات الفارغة التي أنتجها الغربيّون، حيث إنّ الغربيّين في قضيّة المرأة أساؤوا الفهم وأساؤوا العمل ثمّ طرحوا هذا الفهم الخاطئ والعمل الخاطئ المضلّ والمهلِك الخاصّ بهم كعملة رائجة في العالم. وكلّ من ينطق بكلمة تخالف رأيهم، صاروا يهاجمونه بواسطة أجهزتهم الإعلاميّة الواسعة الانتشار ويعرّضونه لأشنع الحملات والتهويل، لا يُفسح الغربيّون المجال لأحد كي يتكلّم ويُظهر رأيه. إن كنتنّ تردن إيجاد استراتيجيّة صحيحة حول مسألة المرأة ومتابعة هذه الاستراتيجيّة وإعداد برامجها التنفيذيّة ومستلزماتها والتقدّم بها على المدى الطويل والوصول إلى النتيجة المطلوبة، فإنّ عليكنّ أن تخلّين أذهانكنّ من الأفكار الغربيّة حول المرأة. لا أقول أن نبقى دون اطّلاع ومعرفة، كلّا؛ نحن لسنا أنصار عدم الاطّلاع، إنّني مناصر للوعي والمعرفة ولكن نرفض مرجعيّة تلك الأفكار بشكلٍ كامل. إنّ أفكار الغربيّين وآراءهم في مجال قضيّة المرأة لا يمكنها مطلَقًا أن تكون مصدرًا للسعادة ولهداية المجتمع الإنسانيّ.
- اعتقادٌ ماديّ خاطئ
أوّلًا؛ إنّ أفكارهم قائمة على نظريّة معرفة ماديّة وغير إلهيّة وهذا أمرٌ خاطئ وباطل. إنّ أيّ جهاز علميّ وفكريّ يُبنى على أساس معرفة ماديّة واعتقاد ماديّ، فإنّ نتيجته خطأ وغلط بالتأكيد. ينبغي أن يتمّ النظر إلى حقائق الخلق وفهمها ومتابعتها من خلال النظرة المعرفيّة الإلهيّة والاعتقاد بوجود الله وقدرته والحضور الإلهيّ والربوبيّة الإلهيّة. وعليه، فإنّ أساس وأصل وجذور الأفكار الغربيّة خاطئة كونها ماديّة.
- نظرة كسب وربح ماديّ
وثانيًا: إنّ في التوجّه الغربيّ إلى مسألة المرأة- كما يلاحظ الإنسان بوضوح في تاريخ الثورة الصناعيّة- تدخل نظرة التكسّب والربح الماديّ والاقتصاديّ؛ أي إنّه في أوروبا التي لم يكن للمرأة فيها حقّ التملّك وكلّ أملاكها كانت تصبح ملكًا للرجل وزوجها، ولم تكن تملك حتّى حقّ التصرّف في أملاكها الخاصّة، أو أنّه إلى الوقت الذي جرى فيه إقرار الديمقراطيّة في الغرب، لم يكن للمرأة حقّ المشاركة في الانتخابات، في هكذا عالم، فجأة يتمّ طرح مسألة الثورة الصناعيّة والمصانع والحضور المؤثّر للمرأة العاملة في المصانع للعمل بأجرٍ أقلّ ولمصلحة الرأسماليّين! حينها فقط أقرّوا حقّ التملّك للمرأة، كي يتمكّنوا من جرّها إلى المصنع، فيعطونها أجرًا وحقوقًا أقلّ، وبالطبع، فإنّ نزولها إلى ميدان العمل والشغل كان له مستلزمات وتبعات ونتائج لا تزال تظهر تباعًا. بناءً عليه، إضافةً إلى أنّ النظرة للمرأة هي نظرة غير إلهيّة ونظرة ماديّة، في الأساس، إنّ السياسات التي أوصلت أوروبا إلى الوضع الحالي وسادت في الغرب، ترافقت دومًا مع نظرة الكسب والربح الماديّ والاقتصاديّ.
- وسيلةٌ لإخماد الشهوة
هناك بُعدٌ آخر يدفعنا إلى اجتناب النظرة الغربيّة هذه، هو أنّ المرأة في النظرة الغربيّة هي وسيلة لإخماد الشهوة؛ وهو أمرٌ لا يمكن إخفاؤه وإنكاره. إذا ادّعى أحدٌ هذا فمن الممكن أن يقوم أشخاصٌ بالاعتراض والتهويل عليه بأنّه كلّا، الأمر ليس كذلك أيّها السيّد!
ولكن عندما يشاهد الإنسان حياتهم، يدرك بوضوح أنّ هذه النظرة هي الحاكمة والسائدة.
في المحيط الاجتماعيّ كلّما كان لباس المرأة أقلّ كانت مرغوبة أكثر. إنّهم لا يتحدّثون هكذا عن الرجل؛ في الحفلات الرسميّة، ينبغي عندهم أن يحضر الرجل باللّباس الكامل، بربطة عنق وبنطال ولباس رسميّ أحيانًا؛ ولكنّ النساء عليهنّ أن يظهرن بشكلٍ آخر في هذه اللّقاءات الرسميّة؛ وهذا الأمر لا يوجد له أيّ فلسفة وحكمة أخرى غير تمتّع العيون المهووسة والخليعة للرجال؛ الوضع اليوم هكذا في عالم الغرب؛ وعمليًّا فإنّ أكبر ظلم تتعرّض له المرأة اليوم في العالم الغربي هو من هذا القبيل.
"كارتر" طلب التحرّك
أنا لستُ من هواة اقتطاع المطالب من الصحف؛ ولكن بالأمس أو أمس الأوّل، رأيتُ مطلبًا في صحيفة، وكان بالغ الأهميّة، فأحضرته كي أقرأه لكُنَّ هنا. فقد صدر كتاب للرئيس الأميركي السابق "جيمي كارتر" بعنوان "طلبٌ بالتحرّك" تعرّض فيه لموضوع انتهاك حقوق البشر والاعتداءات الوحشيّة ضدّ النساء. يقول جيمي كارتر في هذا الكتاب: في كلّ عام، يتمّ شراء مئة ألف فتاة تمامًا كالإماء والرقيق! في أميركا يستطيع صاحب "بيتٍ للدعارة" أن يشتري فتاة- تكون عادةً من أمريكا اللّاتينيّة وإفريقيا- بمبلغ ألف دولار! كذلك يشير الكاتب إلى الاعتداءات الجنسيّة التي تحصل في أجواء الجامعات والكليّات؛ حيث يتمّ إثبات حالة واحدة فقط من كلّ خمسة وعشرين حالة اعتداء. كذلك يذكر "كارتر" بأنّه في الجيش الأميركي يتمّ محاكمة واحد في المئة فقط من المعتدين جنسيًّا. تدمع عين الإنسان عند قراءة هذه الوقائع! أنتنّ تشاهدن في الصحف الكثير من هذه المعلومات، وأنا كذلك ولكنّي لا أستند إليها، ولكن حسنٌ، إنّها وقائع وحقائق و"جيمي كارتر" بالنهاية هو شخصيّة معروفة وهذا كتابه. ما هذا الوضع الرائج في العالم؟ ما هذا التكريم للمرأة؟ يَكتبُ روائيّ غربيّ مشهور رواية كي يدلّ على أنّ "الدعارة" هي عملٌ شريف! وقد تمّ ترجمة روايته هذه إلى اللّغة الفارسيّة. ويشير فيها بالطبع، كيف أنّ سماسرة الجنس يأتون من أمريكا اللّاتينيّة ويغرون الفتيات بالوعد والوعيد ويأخذوهنّ ويبيعوهنّ إلى هذه النوادي؛ هذه الرواية عن أوروبا وليست عن أمريكا. ويتمّ في هذا الكتاب إظهار الدعارة بأنّها مهنة شريفة؛ هذه هي ثقافة الغرب بالنسبة إلى المرأة. وهذا هو الاحترام الذي يكنّونه للمرأة هناك.
التخلّص من الأفكار الغربيّة، لنظرةٍ سليمة دقيقة
إذا أردنا أن تكون نظرتنا إلى قضيّة المرأة، نظرة سليمة ومنطقيّة ودقيقة، فإنّ الشرط الأوّل أن نخلّي أذهاننا بالكامل من تلك الأفكار التي يطلقها الغرب حول المرأة- حول عمل المرأة والإدارة والمساواة الجنسيّة. من أكبر أخطاء التفكير الغربيّ في مسألة المرأة هو عنوان "المساواة الجنسيّة" هذا. العدالة هي الحقّ؛ المساواة تكون أحيانًا حقًّا وأحيانًا باطلًا؛ لماذا ينبغي أن نسحب الإنسان الذي خُلق وأٌعِدَّ من ناحيةٍ طبيعية- سواء في البُعد الجسديّ أو العاطفيّ- من منطقةٍ خاصّة من حياة البشر ونفصله عنها ونقوم بجرّه إلى منطقةٍ أخرى خلقها الله تعالى بميّزاتٍ خاصّة وتركيبٍ آخر؟! لماذا؟ أيُّ منطقٍ عقلائيّ في هذا الأمر؟ أيُّ شفقة وتعاطفٍ هذا؟ لماذا ينبغي أن يوكَل عمل الرجل إلى المرأة؟ أيّ افتخارٍ للمرأة أن تقوم بعمل الرجال؟ إنّني آسف لأنّ السيّدات والنساء أنفسهنّ، يُظهرن أحيانًا حساسيّة تجاه هذه المسـألة ويقلن ما الفرق بيننا وبين الرجال؟
حسنٌ، نعم، في كثيرٍ من المسائل لا يوجد أيّ فرقٍ. نظرة الإسلام إلى المرأة والرجل هي نظرة إلى الإنسان؛ في مسألة الإنسانيّة وسير وسلوك المقامات المعنويّة والإمكانات والاستعدادات الوافرة فكريًّا ومعنويًّا وعلميًّا لا يوجد أيّ فرق، ولكن القوالب جُعلت في قالبَين: قالبٌ لعملٍ خاصّ ونوعٍ من العمل وقالبٌ آخر لعملٍ آخر مختلف؛ وبالطبع فإنّ هناك أعمالًا مشتركة أيضًا. هل نحن نقدّم خدمة حين نُخرج أحد القالبَين من منطقته الخاصّة4 ونأخذه إلى منطقة القالب الآخر؟ هذا هو العمل الذي يقوم به الغربيّون. إنّ الكثير من المعاهدات الدوليّة والعالميّة تهدف إلى هذه المسائل. ولقد خرَّبوا الحياة البشريّة بناءً على هذا الفكر الخاطئ، خرَّبوا أنفسهم ومن ثمّ يريدون أن يخرّبوا حياة الآخرين.
أنتنّ أيّتها السيّدات وبحمد الله عالماتٌ فاضلات وشخصيّات بارزة؛ وإنّني أكنّ لكنّ الاحترام وأستفيد كلّما عُقدت جلسات ولقاءات تحدّثت فيها السيّدات. ففي هذا المكان الذي نجلس فيه الآن، أُقيمت جلسة للأفكار الاستراتيجيّة حول المرأة والأسرة؛ عددٌ من السيّدات شاركنَ وألقَين كلمات؛ بدون مجامَلة وفي الحقيقة لقد استفدتُ من كلامهنّ ومن تلك المطالب التي ذكرنها؛ برأيي إن أردتنّ أن تقمن بعملٍ فكريّ بنيويّ لمسألة المرأة ومشاكل المرأة وما يعانيه مجتمع النساء في كلّ مكان- ومن جملته في بلادنا- فإنّ الشرط الأوّل هو أن تخلّصن أنفسكنّ وأذهانكنّ من الأفكار الغربيّة والتي هي أفكارٌ شعاراتيّة خاطئة ومتحجّرة وتدّعي الحداثة؛ ظاهره حديث وباطنه متحجّر، ظاهره عطوفٌ وباطنه السوء والخيانة؛ إنّ عليكنّ التفكير بشكلٍ مستقلّ عن الأفكار الغربيّة.
ارجعن للنصوص الإسلاميّة الأصيلة
والأمر الثاني اللّازم هو أن تراجعن النصوص الإسلاميّة. اتّخذن –في الحقيقة- من القرآن والسُنّة والحديث والدعاء والمتون الإسلاميّة ومن كلمات الأئمة (ع) وسلوكهم، تلك الأصول والأُسس الأصليّة. إنّه وحي! والوحي من الله؛ الله هو خالقي وخالقكنّ. أنا لا أقول بأن يقبل الإنسان بكلّ ما يجري على الألسنة والأفواه باسم الدين؛ كلّا، بل ينبغي الاستفادة من الدين الصحيح نفسه المستنبط بالأسلوب الصحيح ومن قبل أهل هذا العمل واللّائقين لذلك؛ في الواقع يجب الاستفادة من كتاب الله ومن سُنّة الرسول وسيرة الأئمّة المعصومين (ع) وكلماتهم، كي نصل إلى الاستراتيجيّة التي علينا اتّباعها في مجال مسائل النساء ونحدّد الخطوط العامّة والأساسيّة من تلك المصادر.
البحث والإحصاء في قضايا النساء
برأيي أنّ هذين هما العملان الأساسيّان، يوجد عملٌ ثالث أيضًا وهو أن نتصدّى لإحصاء المسائل الأساسيّة للنساء ونتناول المسائل الأصليّة في الحقيقة وليس مسائل الدرجة الثانية. إنّ التصدّي لمسألة الأسرة وخاصّة مسألة سلامة وأمن وهدوء وتكريم المرأة في جوّ الأسرة هو من المسائل الأساسيّة. لدينا عدّة مسائل أساسيّة وهذه واحدة منها.
انظروا وابحثوا لتعرفوا ما هي عوامل وأسباب سلب الهدوء والسكينة الروحيّة للمرأة في الأسرة؟ واسعوا على أساسها من خلال القانون والأساليب التبليغية والإعلاميّة وبالوسائل والأدوات المتنوّعة، كي تزيلوا هذه الأسباب والعوامل. هذا هو أساس القضيّة.
المرأة هي مصدر الهدوء في البيت؛ مصدر هدوءٍ للرجل وللأبناء؛ صبيانًا وبنات؛ إن لم تتمتّع المرأة بهدوءٍ نفسيّ ومعنويّ، لا يمكنها أن توفّر هذا الهدوء للأسرة. وإنّ المرأة التي تتعرّض للإهانة والتحقير وتتعرّض لضغوط العمل لا يمكنها أن تكون ربّة منزل ومدير للأسرة؛ في حين أنّ المرأة [أساسًا] هي مديرة الأسرة؛ هذه مسألة أساسيّة. وهي إحدى أكثر المسائل الأساسيّة [التي أشرتُ إليها]، والتي لم يتمّ الاهتمام بها كما يجب في محيط حياتنا- سواء في الأجواء القديمة أو في أجوائنا الجديدة- ويجب الالتفات والاهتمام بها.
المرأة ريحانة!
إنّ التصوّر بأنّ المرأة في البيت موجود من الدرجة الثانية وهو مكلَّفٌ بخدمة الآخرين؛ هو تصوّر رائج بين الكثير منّا- البعض يقولونه علنًا والبعض يستحي ولا يقوله ولكنّه يضمره في قلبه- هذا التصوّر هو تمامًا في النقطة المقابلة والمخالفة لما بيّنه الإسلام. لطالما كرّرت هذا الحديث المعروف بأنّ "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"5؛ القهرمان في التعابير العربيّة الرائجة هو الموظّف العامل، كما يُقال مثلًا: "أَمَرَ قهرمانه بكذا" أي إنّ فلان صاحب ملك وأملاك كثيرة يأمر عامله المكلّف بمتابعة أمور الأملاك بكذا وكذا. لهذا العامل يُقال "قهرمان" ويشير الحديث إلى أنّه لا تظنّن أنّ المرأة هي عامل لديك في المنزل عليه القيام بأعمال المنزل؛ الأمر ليس كذلك. حسنٌ، أنظرن، هذا بحدّ ذاته فصل يفتح من عدّة فصول: مسألة احترام عمل المرأة داخل المنزل وعدم إجبارها عليه، قابليّة شراء هذا العمل أي دفع المال مقابله؛ هذا هو، وهذه أشياء موجودة في الإسلام وفي الفقه الإسلاميّ؛ كما أشارت السيّدة في كلامها؛ الحقّ أنّ فقهنا فقه راقٍ [متقدّم] وممتاز. هناك أشياء يأخذ البعض بقسمٍ منها، وأشياء يتمّ نسيانها وتناسيها، وأشياء يتمّ قلبها من هذه الجهة إلى تلك، لأجل الانسجام مع الأفكار الغربيّة الفارغة والتهويليّة؛ ونحن شاهدنا أيضًا.
يقوم البعض بتبديل وتغيير بعض حقائق وواضحات الأحكام الإسلاميّة كي لا ينزعج الغربيّون! يقول القرآن: ﴿وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلّا الظنّ وإن هم إلّا يخرصون﴾6. لا ينبغي اتّباع الفكر الرائج في عالم الجهل والخرافة؛ بل يجب الوصول إلى الفكر الإسلاميّ واتّباعه والسير خلفه، حتى لو انزعج البعض وقالوا ما قالوا. هذه مسألة أيضًا.
بناءً على هذا، ينبغي إيجاد المسائل الأساسيّة، هي مسألة المنزل والأسرة: أمن المرأة في جو الأسرة؛ فرصة المرأة لظهور استعداداتها في محيط الأسرة وتدبير المنزل؛ فلا يكون هناك ما يمنعها من الدرس والمطالعة والوعي والفهم والكتابة –لمن هنّ من أهل هذه الأمور- يجب توفير الميدان لهذه الأعمال؛ هذا هو أساس القضيّة.
مسألة عمل النساء ليست من المسائل الأساسيّة، وبالتأكيد نحن لا نخالف عمل المرأة؛ أنا العبد لله لا أعارض عمل النساء ولا إدارتهنّ، طالما لم تتعارض وتتنافَ مع تلك المسائل الأصليّة؛ إذا تعارضت فالمسائل الأساسيّة مقدّمة.
عدم قيام المرأة بجميع المهن ليس عيبًا
من الأعمال التي يجب أن تتمّ في هذا المجال الثالث الذي أشرت له بأن يتمّ النظر لملاحظة أي أعمال ومهن تتناسب مع هذه الخصوصيّات [للمرأة]. بعض المهن لا تتناسب مع تركيب المرأة، حسن، لا ينبغي للنساء أن يسعين خلفها.
من الأعمال اللّازمة في هذا المجال أن لا يُفرض على المرأة تلك الإختصاصات التي تنتهي عمليًّا بتلك المهن [التي لا تتناسب مع المرأة]. بحث الجامعة والإختصاصات وما شابه والتي يثير البعض الضوضاء ويفتعل الأزمات حولها بأنّ هناك تمييزًا [بين الشباب والفتيات]. مثل هذا التمييز ليس سيّئًا دائمًا، فالتمييز عندما يخالف العدالة يكون سيّئًا ومرفوضًا. ولكن افرضوا مثلًا، حين يكون هناك فريق كرة قدم، فيُجعل أحد اللّاعبين مهاجمًا والآخر مدافعًا والثالث حارس مرمى، حسن، إنّ هذا تمييز أيضًا. ولو وُضع المدافع مكان المهاجم فإنّ الفريق سيخسر المباراة. إذا وُضع المهاجم مكان حارس المرمى وهو لا يتقن هذه المهمّة، فالفريق حينها سيخسر. هذا تمييز، ولكن هذا التمييز هو عين العدالة.
يوضع أحدهم هنا والآخر هناك وكلٌّ في مكانه. فلنرَ والحال هذه وبالتوجّه إلى الأهداف العليا؛ ما هي الدروس والتخصّصات المناسبة للسيّدات ولنقدّم لهنّ هذه الدروس والتخصّصات؛ ولا نجبرهنّ هكذا: ولأنّكنّ اشتركتنّ في الامتحانات الرسميّة بهذا الشكل وحصلتنّ على هذه العلامات يجب عليكنّ حتمًا أن تدرسن الاختصاص الفلانيّ؛ بينما هذا الاختصاص لا يتناسب مع طبيعة المرأة الأنثويّة وكذلك لا ينسجم مع أهدافها العليا ولا المهنة التي يفرضها هذا التخصّص تتناسب معها. برأيي، إنّ هذه الأمور يجب أن تراعى في مجال عمل المرأة.
وخلاصة القول، علينا أن لا نعتبر أنّ عدم قيام المرأة بجميع المهن التي يقوم بها الرجل عيبًا أو نقصًا، كلّا، الأمر السيّئ هو الذي لا يتناسب مع الطبيعة الإلهيّة. هذا مجمل الكلام. وكنت قد دوّنت ملاحظات أخرى، ولكن أعتقد أنّ هذا المقدار كافٍ.
حلّ مشكلات المرأة بيد المرأة نفسها
إنّ مسألة المرأة مسألة مهمّة؛ وأفضل من يستطيع أن يتابع هذه المسألة ويحلّها هم السيّدات أنفسهنّ. ونحن لا نعاني نقصًا أبدًا في تعداد السيّدات المتعلّمات والمثّقفات وذوات الفكر النيّر والاستعداد وذوات البيان الحسن والقلم المعبّر والحسّ المبادر؛ بحمد الله، هنّ اليوم كثيرات جدًّا في بلدنا. وكما ذكرت لم يكن لدينا أبدًا وفي أي مرحلة من تاريخ بلدنا كلّ هذه النسبة من النساء المتعلّمات والحكيمات والشخصيّات البارزة والشاعرات والباحثات والمحقّقات في الفروع المختلفة. لحسن الحظّ، هنّ كثيرات اليوم ببركة النظام الإسلاميّ وبركة الإسلام وبركة الجمهوريّة الإسلاميّة وببركة تلك النظرة الواضحة المنيرة التي تحلّى بها الإمام بالنسبة إلى قضيّة المرأة. وقد أشارت السيّدة7 إلى هذا؛ لم نمتلك هكذا وضع أبدًا في السابق في بلدنا.
يجب علينا أن نشكر الله ونحمده على توفيقاته، ونسأله المزيد من هذا التوفيق ونشكره على هذا التوفيق؛ الشكر لله هو ما ذكرته في طيّات كلامي: النظر إلى الإرشادات الإلهيّة وترك النظر إلى التعاليم الماديّة التي يحملها ويروّج لها الغربيّون والأمريكيّون حاليًّا، وبالمناسبة فإنّهم وقحون جدًّا -وكأنّ لهم دَينًا على الآخرين يطلبونه- وفارغون جدًّا أيضًا! وإذا خالف أحدٌ أفكارهم وكلامهم فإنّهم يهاجمونه إعلاميًّا ولكن ينبغي عدم الاعتناء بهم؛ يجب أن تتقدّمن بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرابط على موقع التعبئة التربوية
-------------------------------------------------------------
1- السيدة خانم شهيندخت مولاوردي- مساعدة رئيس الجمهوريّة في أمور المرأة والأسرة.
2- وقال حفظه الله: "حيث احتفل الناس مرّتين في أوّلها وآخرها بذكرى هذه العظيمة".
3- هناك روايات تقول إنّها توفيّت في الثامنة عشرة من عمرها الشريف وأخرى قالت في الخامسة والعشرين.
4- أو: من موقعه الخاص
5- نهج البلاغة، الرسالة 31.
6- سورة الأنعام، الآية 116.
7- السيدة مولاوردي.