27-11-2024 06:48 AM بتوقيت القدس المحتلة

الدورة الثانية تنتظر من يشطف الدرج من فوق

الدورة الثانية تنتظر من يشطف الدرج من فوق

من غد، كما سواه، لا جلسة لمجلس النواب يكتمل نصابها لانتخاب الرئيس. يقتضي امرار الشهر الثاني من المهلة الدستورية بموعد تلو آخر.

من غد، كما سواه، لا جلسة لمجلس النواب يكتمل نصابها لانتخاب الرئيس. يقتضي امرار الشهر الثاني من المهلة الدستورية بموعد تلو آخر. قد تكون هذه الطريقة المثلى للرئيس نبيه بري لانهاك المرشحين للاستحقاق بغية ان يختاروا اخيرا، بإرادتهم، الخروج منه لانتخاب الرئيس.

نقولا ناصيف

ليست جلسة مجلس النواب غدا لانتخاب الرئيس الجديد، بنتائجها المتوقعة، سوى مكمّلة لجلسة الاربعاء المنصرم. ستكون هذه حال الجلسات التالية ايضا الى ان يحدث امر ما، او يصل الاستحقاق الى ما يتوقعه له رئيس المجلس نبيه بري، وهو ان ينهك المرشحون المعلنون وغير المعلنين بعضهم بعضا، ويتعبون من الاستحقاق ومن انفسهم فيتهاوون.

من المبكر ـــ وان مع دخول الشهر الثاني من المهلة الدستورية ـــ التحدث عن انهاك كهذا او توقعه. الارجح ان ملامحه تتكشف في مرحلة ما بعد شغور رئاسة الدولة. بيد ان المسار الرائج عن الانتخابات بات على صلة ببضعة معطيات مرتبطة بدورها بالمواقف الثابتة، كما المتقلبة، للافرقاء المعنيين بها:

1 ـ لا التئام لنصاب الثلثين للبرلمان ما لم يطرأ تطور غير محسوب يضعه فعلا على طريق انتخاب الرئيس الجديد. في ظل مرشح معلن واحد هو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وغياب مرشح الفريق الآخر، تراوح المشكلة مكانها: لا موجب للكلام عن دورة اقتراع ثانية ما لم يتوافر نصاب اجتماع المجلس برمته اولا. للمرة الاولى على نحو لم تخبره استحقاقات رئاسية سابقة، يصبح انعقاد المجلس اكثر اهمية من الاقتراع في الدورة الثانية او الدورات التي تليها. بل بات نصاب الانعقاد هو الذي يصنع الرئيس لا الاصوات التي يحوزها في دورات الاقتراع واحدة تلو اخرى. اضحت قوة السيطرة على الاستحقاق في هذا الجانب دون سواه، رغم ان القاعدة التقليدية، الدستورية والديموقراطية اولا واخيرا، تقول العكس: التئام المجلس حتمي من باب لزوم ما لا يلزم، اما الرئيس فيصنعه الاقتراع. منذ عام 2008 تمشي الانتخابات الرئاسية بالمقلوب.

2 ـ لن يتردد رئيس المجلس، بدءا من جلسة غد، في تحديد مواعيد متلاحقة لانتخاب الرئيس بغية استعجال اشعار الطرفين المتنافسين بالتعب والانهاك الحقيقي اللذين يعنيان ان الانتخابات اضحت في مأزق، يقتضي اخراجها منه في نهاية المطاف. حتى توجيهه الدعوة الى الجلسة الاولى، لم يكن بري متحمسا للاكثار من تحديد مواعيد الجلسات التالية تفاديا لتكرار ما جربه في استحقاق 2007 ـ 2008 بتحديده 20 موعدا على امتداد ستة اشهر. الا ان خلاصة جلسة 23 نيسان، وتوزّع الاصوات بما يحول دون تمكن اي من الافرقاء الثلاثة، قوى 8 و14 آذار والنائب وليد جنبلاط، من ترجيح كفة مرشحه بالنصف +1، تحمله على التفكير بسبل انهاكهم واشعارهم بالعجز، قبل بلوغ مهلة الشهرين اللذين يسبقان نهاية ولاية مجلس النواب في 20 تشرين الثاني المقبل.

3 ـــ من غير المحتمل توقع اعلان حزب الله، بصوت عال ورسميا الآن وفي ما بعد، تأييده الرئيس ميشال عون مرشحا للرئاسة. ابلغت قيادة الحزب الى نوابه ومسؤوليه تأكيد موقفها ان عون هو مرشحها الوحيد وفقط، مبعث ثقتها به والتحالف معه. لن تبحث في اي حال في مرشح آخر ما لم يسمه عون بالذات، يوم يقرر انه استنفد فرص وصوله الى الرئاسة، وبات المطلوب البحث عن مرشح آخر.

لم يشأ الحزب التدخل في الاتصالات والمفاوضات التي يجريها حليفه مع الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل. الا انه متيقن من ان عون لن يتخلى عن تحالفهما، ولا عن «ورقة التفاهم» بعد انقضاء ثماني سنوات على استمرارها في ظل تأكيد عون مرة تلو اخرى انها مفتوحة للجميع. يأمل حزب الله في ان ينجح حليفه في جذب محاوره الى اقرب مكان من الحزب فيما هو يثابر على القتال في سوريا.

الواقع ان حزب الله، وهو يعتقد بأنه يربح في سوريا، لا يسعه التفكير في اي حال ان تفاوض عون ـــ الحريري يجعله يخسر في لبنان.

4 ـــ لن يشارك تكتل التغيير والاصلاح وحلفاؤه نواب حزب الله في جلسة غد، ما سيفضي الى عدم اكتمال نصاب الثلثين لاجتماع المجلس. كان قد طرح على عون اقتراح قضى بأن يحضر والتكتل وحلفاؤه الى المجلس، ويدخلون القاعة من اجل اكمال النصاب ارضاء لبكركي، على ان ينسحبوا منها قبل مباشرة الدورة الثانية من الاقتراع. الا انه لم يشأ تأييد هذا الاقتراح، ولا المجازفة بالبقاء في القاعة وامرار الدورة الثانية رغم اقتناعه بأن جعجع لن يحصل على النصف +1 من اصوات النواب. خيار كهذا، في هذا التوقيت بالذات، محفوف بالخطر من احتمال انتخاب رئيس بالنصف +1 سوى جعجع والمرشح الوسطي النائب هنري حلو.

5 ـــ تبعا لما يقوله امام المحيطين به، يلاحظ عون انها الفرصة المؤاتية لبناء الدولة حقا بانتخابه رئيسا للجمهورية. قال امامهم ان «الدرج يُشطف من فوق»، في اشارة الى اول مدماك لبناء الدولة من رأس هرمها. ليس في وارد الترشح، ولا الظهور بمظهر منافس لجعجع في الدورة الثانية على نحو ما يريده خصومه، واعتقادهم بأن ترشح عون يعني انه يفجر نفسه بجعجع. بذلك يخرج الاثنان معا من السباق. نجح رئيس حزب القوات اللبنانية في اقصاء المرشحين الآخرين في قوى 14 آذار نهائيا، وتمكن من فرض نفسه مرشحا وحيدا لهذا التجمع في دورات الاقتراع التالية، موصدا ابواب انسحابه حتى اشعار آخر. وما لم يُخرج احدهما الآخر، ويخرج نفسه معه، لن يبصر الاستحقاق رئيسا جديدا.

6 ـــ في تقدير عون ان عدم ترشحه في الوقت الحاضر، بين خطين متوازيين هما عدم اكتمال النصاب القانوني لجلسة الانتخاب وابقاء قنوات الحوار مع الحريري، يجعله يسلك طريق الورود ايا يكن الوقت الذي يستغرقه، وان طال الى ما بعد 25 ايار. لم ينقطع الحوار مع الحريري الذي استقبل امس الوزير جبران باسيل، بيد انه لم ينتزع منه بعد موقفا ايجابيا يشجع الاعتقاد بانه يؤيد انتخابه رئيسا. وبحسب المطلعين على الحوارات الثنائية المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين، فان نواب تكتل التغيير والاصلاح يغالون في معظم الاحيان في تقدير نتائج الحوار الدائر بتقطع وتقلب. اوجب هذا الامر الطلب منهم ومن مسؤولي التيار الوطني الحر الحد من احاديثهم المفرطة عن تقدم الحوار بين عون والحريري، كأن الرجلان اتفقا نهائيا.

تسبب هذا الافراط كذلك في اغضاب السفير الاميركي في بيروت دافيد هيل الذي نقل الى مسؤولي التكتل احتجاجا صارما، من وفرة ما نسبوه اليه من انه يحضّر لانتخاب عون رئيسا، وان ادارته اتخذت قرارا نهائيا بدعمه. لم يتردد هيل في التلويح لهؤلاء باصدار السفارة الاميركية بيانا ينفي كل ما يُروج من اوساط التكتل والتيار الوطني عن تحركه في الداخل والخارج، تارة انه حمل اسم عون الى الرياض، وطورا انه يسوّق له، ومرة ثالثة انه ناقش الموضوع مع السفراء الاميركيين في المنطقة في اجتماعهم الاخير قبل اسابيع. قال هيل ايضا: لم يحصل شيء من ذلك كله ابدا.

لم يكتم استياءه من تأويل دوافع تحركه وانفتاحه على الافرقاء اللبنانيين جميعا.

http://www.al-akhbar.com/node/205487

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه