طاول التجاذب الروسي الأميركي حول أوكرانيا الملفّ السوري، وباتت كييف هي ميدان الصراع الأول وليس دمشق، وهذا ما ينعكس انشغالا روسيّا واضحا بمستقبل العلاقة مع الغرب
«نوعية الاتفاق السياسي حول الانتخاب أهم من توقيته»
مارلين خليفة
طاول التجاذب الروسي الأميركي حول أوكرانيا الملفّ السوري، وباتت كييف هي ميدان الصراع الأول وليس دمشق، وهذا ما ينعكس انشغالا روسيّا واضحا بمستقبل العلاقة مع الغرب الذي «فشل في تحقيق انقلاب في سوريا لكنّه نجح الى حدّ ما في أوكرانيا». صحيح أن السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبكين يقول في حوار مع «السفير» إن «الملفات مختلفة وموسكو تولي كلّ ملفّ اهتمامه»، لكنّ جمود العملية السياسية في سوريا، بإيعاز أميركي وخلافا للرغبة الروسية، يشي بأنّ أوكرانيا ستكون أساس أيّة مصالحة روسية ـ اميركية، وبعدها تأتي الملفات الأخرى ومنها سوريا.
لبنان، الواقع بين فكي الكماشة الأميركية نظرا الى تشعب علاقاته مع الغرب وبين موقعه المجاور لسوريا المتحالفة مع روسيا، يبدو من الملفات الأساسية لموسكو. لذا حرص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على توجيه دعوة رسمية الى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لزيارة موسكو. وكان لافتا للانتباه تركيز لافروف في أحاديثه مع باسيل على مسألة مكافحة الإرهاب التي تبدو أولوية روسية في المرحلة القادمة.
في هذا الإطار يقول السفير زاسبكين: «إنّه التطوّر الطبيعي لمجموعة الدّعم الدّولية التي تشارك فيها روسيا، لذا نعمل بجدية أكبر في مجال مكافحة الإرهاب، ونتوقع خطوات ملموسة. هذا الاهتمام الروسي يشكل اعترافا بأهمية لبنان، وخصوصا في المجال الأمني من حيث توفير الأمن والاستقرار في المنطقة»، علما بأن التعاون الروسي مع لبنان في مجال مكافحة الإرهاب «يشمل ايضا الأجهزة الأمنية الأخرى، ومنها الأمن العام اللبناني» كما يقول زاسبكين. وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قد زار روسيا في الشهر الفائت والتقى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الاتحادي الروسي ميكاييل مارغلوف ورئيس جهاز الأمن الفيديرالي في روسيا الاتحادية ألكسندر بورتنيكوف.
مساعدة الجيش اللبناني هي ملف ثان تم بحثه مع لافروف، وستشارك روسيا في حزيران المقبل في مؤتمر روما، يقول زاسبكين: «إنّ تسليح الجيش موضوع مطروح أمام وزارة الدفاع الروسية والجهات المختصة، وهو قيد الدرس ولم تتم بعد بلورة أية أفكار حول طريقة الدعم الروسية التي تتطلّب اتخاذ قرارات على مستوى الحكومة، ثمة عناصر جدية بالنسبة الى تسليح الجيش في ضوء الهبة السعودية، لذا تدرس روسيا حاجات الجانب اللبناني وإمكان تعاون الجانب الروسي».
بالنسبة الى الملف الثالث الذي تم بحثه، اي النفط، يقول زاسبكين: «تتابع روسيا هذا الموضوع، وثمة اهتمام متواصل من قبل عدة شركات روسية».
وعمّا إذا كان يوجد تنافس بين الشركات الروسية والأميركية يكتفي زاسبكين بالقول: «هذه شركات خاصّة بدرجة كبيرة، وهذا عمل تجاري أكثر ممّا هو سياسي».
الاستحقاق الرئاسي
بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي يقول زاسبكين: «أظنّ أن القاسم المشترك بين الجميع هو ضرورة إتمام الاستحقاق الرئاسي وفقا للدستور وفي الموعد المحدد له. يجب أن تشجّع الأطراف الخارجية هذه العملية بشكل عام من دون التدخّل في التفاصيل، لا يجب علينا أن نشارك في صوغ التفاهمات بين القوى السياسية اللبنانية، بل المساهمة في تنقية أجواء حول الاستحقاق الرئاسي».
بالنسبة الى مواصفات الرئيس المطلوبة روسياً يقول: «لا يوجد تناقض بين الرئيس التوافقي والقوي، أنا شخصيا أرى أن ايجاد رئيس يوفّر الانسجام بين الصفتين هو مهم ليكون رئيسا ناجحا». ويضيف: «نحن نفهم أن يحصل تكامل بين القوي والتوافقي».
لا يتخوّف زاسبكين من فراغ قصير. يقول: «إنّ موضوع الوقت، أي كم سيستغرق استكمال الوصول الى تفاهمات، له أهميته، لكن الأهمّ نوعية الاتفاق. شهدنا في الفترة الماضية أن تشكيل الحكومة تمّ بعد أن نضج الاتفاق حولها بشكل جيد ولو بتأخير أشهر، ونحن اليوم نرى أن عمل الحكومة فعّال وخصوصا في مجال الأمن، ونريد أن يكون الاستحقاق الرئاسي حلقة جديدة في نفس الطريق. أنا لا أريد إستباق الأمور والحديث عن إمكان الفراغ ومدى امتداد الفترة، هذا غير بناء. أقرب ما يمكن أفضل، لكن بنوعية جيدة للاتفاق».
وعن كيفية تأثير البعد الإقليمي، وتحديدا السعودي ـ الإيراني، على الاتفاق الداخلي اللبناني قال زاسبكين: «لا بدّ من البعد الإقليمي والدولي، ولكن ليس باتخاذ قرار مستقلّ عن إرادة اللبنانيين. إن التحسن المحتمل في العلاقات بين السعودية وإيران بالإضافة الى بعض الظواهر الإقليمية والدولية، امر يمكن أن يساعد اللبنانيين لكن ليس فرض الرئيس من قبل الخارج. وبطبيعة الحال لن يعتبر الرئيس المقبل منفّذا لأية إرادة خارجيّة».
ملف النازحين السوريين
عن النازحين السوريين وهل ستعمد روسيا الى تقديم المزيد من المساعدات على ضوء حديث الوزير لافروف عن العبء الذي يحمله لبنان؟ يقول زاسبكين: «يبدو من كلام الوزير لافروف أنّ روسيا ستواصل تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، في الوقت نفسه نصّر على حصول حل جذري لمشكلة النازحين يتجسد بالتسوية السياسية في سوريا فيعود النازحون الى الوطن. في الوقت عينه برأيي انه يمكن، بحسب تطوّر الأوضاع في سوريا، تعزيز التعاون بين لبنان وسوريا في موضوع النازحين، حتى قبل التسوية النهائية في سوريا».
أوكرانيا وسوريا
عن نظرة روسيا الى موقف لبنان الذي تغيب عن اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء بحث مسألة القرم، يقول زاسبكين: «نحن ندرك خصوصيّة موقع لبنان الدولي، وهذا الموقف المتخذ أثناء التصويت لم يكن غريبا علينا، ونحن نتفهمه. بالنسبة إلينا ليس الموقف سلبيا. لدينا الموقف المبدئي من التصويت، فنحن نشكر الدول التي أيدت موقف روسيا، ونحن ندرك اعتبارات الدول التي امتنعت من التصوت أو لم تشارك، آخذين في الاعتبار الضغوط على كل الدول من قبل الولايات المتحدة الأميركية».
وعن تأثير التوتر الأميركي الروسي في الملف الأوكراني في الملف السوري قال زاسبكين: «من حيث المبدأ لا يعرقل التوتّر حول أوكرانيا استئناف مواصلة عملية جنيف بخصوص سوريا، لذا ندعو الى تحديد موعد من أجل عقد مؤتمر جنيف 3».
عن الانتخابات الرئاسية السورية وما إذا كان ترشّح الرئيس بشار الأسد يناقض بيان جنيف1؟ يقول زاسبكين: «الانتخابات الرئاسية شأن داخلي سوري، ومن يترشح أيضا. نحن لا نتدخل في العملية الانتخابية. لكن كل الضغوط الهادفة الى منع ترشح شخص معين لا تتفق مع عملية جنيف لأن هذه العملية قامت على الحوار من دون شروط مسبقة».
وعن قراءته لعودة الحديث عن السلاح الكيميائي وتجدّد التهديدات، يجيب زاسبكين: «لاحظنا أنه منذ بداية تطبيق القرار حول تصفية السلاح الكيميائي أصبحت الولايات المتحدة تنتقد النظام السوري وتتهمه بالمماطلة، ونحن لدينا تقييمنا، إذ نعتبر أّن النظام يبذل كل ما في وسعه لتطبيق هذا القرار، أما العرقلة فتأتي من قبل المجموعات المسلحة غير الشرعية. وقد أشرنا مرارا الى الاستفزازات والهجومات من قبل المقاتلين ومحاولات عرقلة سير المواكب الى مرفأ اللاذقية. لذلك إذا حصل أي تأخير فالمسؤولية تقع على المعارضة المسلحة ومن يؤيّدها. وبطبيعة الحال فإن روسيا لا توجد لديها أية ملاحظات بالنسبة الى تصرفات النظام في موضوع السلاح الكيميائي».
وردّا على سؤال حول تقييمه للتغييرات الجارية في السعودية ومنها ما طال الأمير بندر بن سلطان، قال زاسبكين: «نحن مستعدون دوما للتعامل مع المسؤولين الرسميين السعوديين، وتغيير مسؤول معين هو شأن سعودي. لدينا أجندة واسعة مع السعودية تقليديا خلال عهود من الزمن في المواضيع السياسية والاقتصادية وفي إطار الحوار الاستراتجيي بين روسيا ودول الخليج، وفي نفس الوقت ثمة وجهات نظر مختلفة حول ما يجري في سوريا، ونحن نريد مواصلة الحوار مع الجانب السعودي حول كل المسائل وتوسيع نقاط التقائنا».
http://www.assafir.com/Article/1/348552
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه