يسأل «المفكر» البحريني محمد الأنصاري، المستشار الثقافي لملك البحرين، ما الفرق بين «ناصرية» السيسي و«ناصرية» صباحي؟
علي الديري
يسأل «المفكر» البحريني محمد الأنصاري، المستشار الثقافي لملك البحرين، ما الفرق بين «ناصرية» السيسي و«ناصرية» صباحي؟
الجواب يعطيك ما في ذهن الملك، لا ما في ذهن المفكر، ولا ما في الواقع السياسي من حقيقة، وتلك هي أحد إشكالات المثقف الخليجي، والعربي حين يشتغل في المؤسسات الثقافية والسياسية الخليجية، أجوبتهم تسبق أسئلتهم وتسبق بحوثهم.
جواب «المفكر» المصوغ على قياس ما يفكر فيه الملك، هو أنه لا يختلف صباحي عن السيسي في شيء، فكلاهما يؤيد ناصرية الداخل. وإنما هي ناصرية الخارج التي أوجدت هذا الفرق. ويختلف المرشحان - والكلام للأنصاري - الناصريان بشأن إيران وخطرها على الخليج العربي ودوله. فصباحي غير مستوعب لسياسة «الوجهين» التي تتبعها إيران، وهو يدعو إلى مصادقة طهران.
السيسي يعرف إيران - كما يقول المفكر - على حقيقتها وحقيقة سياستها في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، معرفة لم تتيسّر لصباحي. فصباحي درس الأمر نظرياً، أما السيسي فقد استفاد من التجربة العملية. يعرف السيسي أن إيران تحتل جزر الإمارات الثلاث، وهي وراء الاضطرابات في البحرين، وتسعى إلى «فركشة» مجلس التعاون.
وملك البحرين يعرف أن السيسي يعرف إيران على حقيقتها، لذلك - وما زال الكلام للمستشار - حرص الملك حمد بن عيسى آل خليفة على زيارة مصر شخصياً ليكون أول الزعماء الخليجيين الذين التقوا بالمشير السيسي. لكن المفكر يتناسى أن ملك البحرين هو من وقّع تقرير القاضي الدولي شريف بسيوني الذي ينصّ على أنه لم يثبت أن لإيران أي دور في أحداث البحرين في 2011.
وبشأن الاحتلال والاستعمار، فملك البحرين هو العربي الوحيد الذي زار مستعمره القديم (بريطانيا) في مايو/ أيار 2013، وذكّره بسؤال والده حاكم البحرين في 1971 غداة الاستقلال من البحرين: «هل طلب منكم أحد الذهاب؟».
الناصرية في نسخة المفكر الخليجي، تتحول إلى معرفة «الخطر الإيراني» بدل معرفة «الخطر الإسرائيلي». من يعرف هذا الخطر معرفة واقعية، فهو يمثل النهج الناصري الحق، وهو الذي يمكن أن يدعمه الخليج.
هكذا تكون الناصرية، هي رسم السياسية المصرية من خلال زعماء الخليج، ما يفكرون فيه هو الناصرية الحقيقية، وما يختلف مع هذا التفكير هو الفهم الخطأ للناصرية. هكذا بدل أن تكون الناصرية هي قيادة مصر للأمة وفق مفاهيم التحرر والنهضة والوحدة، تتحول الناصرية إلى خضوع مصر إلى الخليج وفق مفاهيم الحكم القبائلي ومجلس التعاون الخليجي والخطر الإيراني. إنها الناصرية ضد نفسها.
الناصرية على اختلاف تعريفاتها، فإنها تلتقي في معاني النهضة والتحرر والشخصية القومية، وحسب وثائق الحزب العربي الديموقراطي الناصري: «جوهر الناصرية هو بعدها القومي ممتزجاً ببعدها التحرري وبعدها التقدمي، لا حدود بينها، ولا انفصال».
لا تستقيم حجة ناصرية السيسي، لتبرير تأييد زعماء الخليج له. ففي الخليج كل شيء خلاف الناصرية: اقتصاد ريعي لا إنتاج فيه، أمن يعتمد على القوى الاستعمارية التي سعت الناصرية إلى التحرر منها، أنظمة حكم قبائلية وصفتها الناصرية بالرجعية وسعت إلى إسقاطها، تحالفات مع قوى غربية لإسقاط أنظمة عربية. الناصرية، كانت حركة نهضة وحركة ثورة، والمفارقة أن الخليج الذي يقف اليوم مع ناصرية السيسي - كما يقول المفكر - كان يحارب عبد الناصر، ويحاكم المعارضين في حينها بتهمة نصاريتهم، ودخل في حرب معه في اليمن، فقد ساند عبد الناصر الثورة العسكرية التي قام بها ثوار الجيش بزعامة المشير عبد الله السلال في اليمن بسنة 1962 على الحكم الإمامي الملكي، وأرسل عبد الناصر نحو 70 ألف جندي مصري إلى اليمن لمقاومة النظام الملكي الذي لقي دعماً من المملكة العربية السعودية.
ماذا وراء دعم زعماء الخليج للسيسي؟ هل هي الناصرية أم هي الثورة المضادة المقنعة بالناصرية؟ كل شيء ممكن أن يكون وراء هذا الدعم إلا الناصرية، يستحيل أن تكون.
* كاتب بحريني
http://www.al-akhbar.com/node/205670
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه