27-11-2024 06:36 AM بتوقيت القدس المحتلة

ميادين العدوان على سوريا ... ما بعد النكبات

ميادين العدوان على سوريا ... ما بعد النكبات

لا شك أن تطوران مهمان ، حدثا في الآونة الاخيرة ، جعلا من الحرب التي يخوضها تحالف العدوان على سوريا بقيادة أمريكا ، تتراجع إلى المرتبة الثانية في سلم أولوياته

بقلم حسن شقير


لا شك أن تطوران مهمان ، حدثا في الآونة الاخيرة ، جعلا  من الحرب التي يخوضها تحالف العدوان على سوريا بقيادة أمريكا ، تتراجع إلى المرتبة الثانية في سلم أولوياته ، ألا وهما : الأزمة الأوكرانية الراهنة ، ومعها التطورات الميدانية المهمة جداً لصالح الدولة السورية ومعها القوى المساندة ، حيث أعادت أمريكا تجميع ما أمكن من أطراف التحالف معها ، ضمن رؤية مشتركة لإدارة المعركة فيها ، لا تحيد عن دفتر شروطها لناحيتي التسليح   ، وهوية المسلحين ..

هذه المقدمة لا تعني بأي شكل من الأشكال ، أن الاهتمام الصهيوأمريكي ، بخصوص الملف السوري قد قارب الصفرية ، أو أن باقي دول تحالف العدوان عليها ، لم تعد تكترث لما يحدث على أرضها ... ليست المسألة بهذا القدر ، إنما ذكرنا ذلك لسببين رئيسيين ، أولهما بهدف توصيف الواقع الحالي ، والثاني  - وهو الأهم - نحاول فيه سبر أغوار الميادين المستحدثة ، فيما - ربما يكون - جزءً من الخطة " ب " التي هددت بها أمريكا ، بعيد  الفشل الذريع للخطة أ بمعظم مفاصلها .

لن نكرر ما هي محطات الفشل التي أصابت تحالف العدوان في حربه على سوريا ، إنما ، وبحسب نمط التفكير المنطقي ، لا ينفك هذا التحالف - وتحديدا عند رؤوسه التفكيرية ، بعيدا عن أذنابه التنفيذية - يبحث عن ميادين جديدة لإثارة الحرب داخلها ... علّها تكون رافعة لتلك الميادين الخاسرة التي سبق خوضه للقتال فيها ....
فما هي هذه الميادين ، التي بدأ منظرو الصهاينة الإضاءة عليها ؟

العلاقة البنيوية في الجيش السوري
يعترف أعداء سوريا وحلفائها على حد سواء، بأن تماسك الجيش السوري خلال هذه الحرب التي فرضت عليه ، قد أذهلهم ، دون استثناء... بعد تلك المفاجأة - الصدمة عند الجميع ، وبعد تحويل الجيش السوري بقيادته وضباطه وعناصره ، الاستنزاف الذي أريد له الوقوع في براثنه ، إلى فرصة عظيمة لتطوير الكفاءة وتحديثها ، لتصبح في مستويات عالية جدا .. يشهد لها العدو والصديق معا ..

بعد كل ذاك الفشل في ميادين تقسيم الجيش السوري ، وشرذمته ، أطلق عاموس يادلين  (رئيس شعبة الاستخبارات السابق في الكيان الصهيوني ، ومسؤول التقدير القومي للكيان الصهيوني ، والباحث الاستراتيجي الحالي ، مدير مركز دراسات الأمن القومي )، ميدانا جديدا - قديما من ميادين الحرب على سوريا ، ليأمل منه أن يكون رافعة لميادين الفشل السابقة ... وهو ميدان العلاقة البنيوية داخل الجيش السوري ، وقد جاء ذلك في مقالة نشرها يادلين في الملحق الأسبوعي لصحيفة (the post) في 12-04-2014 ،والتي جاءت تحت عنوان ( التهديد العسكري فقط يكبح جماح الأسد ) ، حيث ذكر يادلين ، ما حرفيته " لن يتخلى الأسد عن منصبه ، إذا لم تتزعزع مكانته وسط القيادة العليا للجيش السوري ) ، وذلك في عملية تأليب يائسة لضباط الجيش السوري ضد قيادتهم ! ، وذلك كمن يلعب بأخر أوراقه  التي تثير الشفقة والسخرية والاستهزاء لدى الصغار قبل الكبار ... 

هذا الميدان الصهيوني الصبياني ،يدلل على عمق المأزق الذي وصل إليه تحالف العدوان على سوريا ، بعد يأسه من تحقيق أهدافه في الميادين الحقيقية للعدوان عليها .

العلاقة بين الجيش السوري والمقاومة
منذ اللحظة الاولى لبدء العدوان على سوريا ، وعلى من معها من أطراف الممانعة والمقاومة ، واعتبار هؤلاء أن الحرب واحدة ، والمصير واحد .. منذ ذاك الحين ، بدأت الميديا في تحالف العدوان هجوما إعلاميا شرسا ، بغية اللعب على وتر العلاقة الجامعة بين أطراف الممانعة ، والتي لم تبقي ميدانا طائفيا أو مذهبيا، أو حتى نفسيا لم تعزف على أوتاره ... فضجت الفترة السابقة بتضخيم مقصود لدور المقاومة في سوريا ، وأنها لولاها ، ولوحدها دون سواها ، لما كانت الدولة السورية تصمد يوما واحدا ، وكان الهدف من تلك الميديا في حينه ، وما زال ، أن تقلل من دور وأهمية الجيش السوري في التصدي للحرب التي فرضت عليه ، ولتثير هذه الميديا الشكوك في مدى قدراته القتالية ،فضلا عن محاولتها العزف على معزوفة عدم الاهتمام السابق به وبقدراته الدفاعية والهجومية على حد سواء ... وذلك في عملية إيحائية خبيثة لتشويه دور القيادة في سوريا في هذا المجال ، في الرأي العام السوري أولا ، والعربي ثانيا ...

لقد أثبتت الميادين العسكرية القتالية للجيش السورية ، كذب وتزوير هذه الميديا ، التي سرعان ما بدأت تبث سمومها في العلاقات المتينة بين هذا الجيش والمقاومة ، والتي تعمدت بالدم على التراب السوري ، فانطلقت في حملة تضليلية ، عشنا فصولا منها ، بعد استشهاد عدد من المقاومين في بعض الجبهات المشتركة ، ومؤخراً تجلّت في استشهاد الصحفيين الثلاثة في معلولا المحررة ، وإثارة الغبار الإعلامي حول المسؤول عن استشهادهم ..قبل أن تنجلي حقيقة ماجرى ، فضلا عن عمادة الدم التي عادت وتجلّت من جديد . 

العلاقة مع اللاجئين السوريين في لبنان
لا يمكن لأي لبناني ، أن ينسى أو يتناسى للحظة واحدة ، تلك القلوب والبيوت السورية ، التي شرّعت أبوابها لأولئك اللبنانيين الذين نزحوا عن ديارهم قسرا في العام 2006 ،أثناء العدوان الصهيوني في حينه ... فهذا أقل الوفاء بأن يعامل هؤلاء بالمثل وزيادة .. دون أي تمييز ، وتحت أي عنوان كان ... 

من بين هذه العناوين التي يجهد الصهاينة  بكافة تلاوينهم العزف على أوتارها، هو العنوان المذهبي والصبغة الطائفية لمعظم اللاجئين السوريين إلى لبنان ... وكيف أن هذه الشريحة الوازنة منهم ، " ستقلب الموازين الديموغرافية في لبنان " ، هذه العبارة الأخيرة ، هي غيض من فيض العبارات البغيضة والمحرّضة  التي أطلقها من يسمى العقيد روعي في الجيش الصهيوني ، والمسؤول عن جبهة حزب الله - لبنان في هذا الجيش ، حيث استفاض هذا الضابط الصهيوني في حديثه الطائفي التحريضي ، حول الأثر الذي تركه أولئك اللاجئين على التوازن الديموغرافي اللبناني في المدى الحالي والمنظور ... ليصل إلى استنتاج خطير ، يخلط فيه بين اللاجئين المدنيين وقوى ما يسمى بالجهاد العسكري والسلفي ، ومدى خطورة هؤلاء على الوضع الأمني في لبنان عامة ، وعلى منطقة الحدود مع فلسطين المحتلة تحديدا ! وذلك في قوله ".. لكن ما أقصده هنا تحديدا هو الجهاد المسلّح والجهاد السلفي الذي دخل إلى لبنان ، ويقوم بعمليات لم يسبق لها مثيل في هذا البلد ، فمن كان يعتقد أن سيارة مفخخة  قد تنفجر... ومن كان يتجرأ أن يفعل هذا بحزب الله " انتهى الاقتباس.

هذا الكلام ، ليس لمسؤول صهيوني سياسي ، يجهل بما حدث مؤخراً في لبنان ، إنما هو للمسؤول الاستخباراتي المعني بملف حزب الله - لبنان ! ، فهو بالتأكيد لم يكن عن جهل ، ولا عن غباء ، فهو يعلم جيدا ، وربما أكثر من أي أخر  ، من هو المسؤول عن التفجيرات ، أو عمليات إطلاق الصواريخ على لبنان ، ومكان انطلاقها من الجانب السوري من قبل تلك العصابات الإرهابية داخل سوريا ، والذين لا يمتون بصلة إلى اللاجئين السوريين من المدنيين العُزّل . 

إذا عطفنا هذا الكلام ، على كلام سابق أشرنا إليه في مقالة سابقة ، حول " سعادة موشيه يعلون عندما تتشكل مليشيات يقتل فيها الأعداء بعضهم بعضا " يمكننا أن نستنتج -ربما - أن ميدان الصهاينة الأتي ، يكمن في تحريك بعض من أدواتهم الأمنية في لبنان ، وذلك لتوجيه الإتهام إلى بعضٍ من اللاجئين  السوريين  بالمسؤولية عنها ، ذلك  ميدانُ يستحق المتابعة والتدقيق .( المقابلة الكاملة موجودة في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 14-04-2014، والتي أجراها المحلل العسكري رون بن يشاي مع مسؤولي الجبهات في الاستخبارات العسكرية ) .


نخلص إلى القول بأن الميادين المؤذية التي خاض فيها تحالف العدوان على سوريا ، لم يجني منها هذا الأخير سوى الخيبات والنكسات المتلاحقة ... فكيف بميادينٍ هي بالأساس محصّنة  وعصية على الإختراق منذ عقود ، وبعضها الأخر  عاشه أقطاب وأطراف وشعوب الممانعة تجربة حيّة في أكثر من معركة سابقة .... فإن كانت الميادين التي سبقتها جلبت على أصحابها النكسات ، فإن نظيراتها الجديدة لن يحصد أصحابها من ورائها ، سوى النكبات المؤدية حتما إلى الهلكات . 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه