حراك طلاب الجامعة الأميركية هذا العام، لم يقتصر على مقاومة زيادة الأقساط، بل رفع أيضاً مطالب تتعلق بالشفافية والمشاركة في «حكم» الجامعة ووقف الهدر والفساد داخلها. «الأخبار» تنشر على حلقتين ملخصاً عن..
حراك طلاب الجامعة الأميركية هذا العام، لم يقتصر على مقاومة زيادة الأقساط، بل رفع أيضاً مطالب تتعلق بالشفافية والمشاركة في «حكم» الجامعة ووقف الهدر والفساد داخلها. «الأخبار» تنشر على حلقتين ملخصاً عن مجموعة من الوثائق والتقارير التي نجح ممثلو الطلاب في الحصول عليها، وهي تدعم مزاعمهم عن وجود «هدر» (بالحدّ الأدنى) يحصل عبر مصاريف الجامعة على المركز الطبي (مستشفى الجامعة الأميركية)
حسين مهدي / جريدة الأخبار
سعى محرّكو الطلاب إلى الكشف عن «مكامن الفساد» في ميزانية الجامعة الأميركية. جاء ذلك كردّ مباشر على قرار إدارة الجامعة بزيادة الأقساط لتغطية الزيادة في نفقاتها. ما توصّل إليه هؤلاء يشير إلى وجود «مسارب» مالية عبر المركز الطبي التابع للجامعة، إذ تدعم الوثائق والتقارير التي سُرّبت لـ«الأخبار» مزاعم الطلاب، وتوثّق الملايين من الدولارات «الضائعة» من أموالهم (الأقساط المجمّعة) ومستحقات الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة، عبر «تفصيل» دفاتر الشروط وعمليات الشراء من الموردين والتلزيمات والمناقصات واستعمالات الأدوية والأطعمة وغيرها.
وهذا ما يظهر بوضوح في تقرير عضو مجلس الأمناء السابق نبيل الشرتوني، وتقريري شركة KPMG الأميركية ولجنة أد هوك AHRC، علماً أن الوثائق التي تنشرها «الأخبار» تتضمن أيضاً تقرير شركة BMH الذي سبق تقرير الشرتوني والتقريرين اللاحقين.
مشروع 2020
القصة بدأت عندما احتدم النقاش داخل مجلس الأمناء حول جملة من المخالفات والارتكابات داخل مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. كان ذلك بين عامي 2009 و2011، وفي مناسبة تقويم مشروع AUBMC 2020 لتوسيع المركز الطبي، إذ جرى الحديث على نطاق واسع عن وجود هدر واختلاسات في هذا المشروع وفي إدارة المركز.
يُعَدّ نبيل الشرتوني (عضو سابق في مجلس الأمناء) من أبرز المعترضين، إذ بعث برسائل عدّة (حينها) إلى أهل الجامعة، وتحدث مرات عدة خلال الاجتماعات داخل مجلس الأمناء، عن وجود الفساد والهدر والسرقة... إلا أن اعتراضه تحوّل إلى خصومة شخصية أفضت إلى عدم التجديد لولايته في مجلس الأمناء. وتقول مصادر مطّلعة إن عملية تطيير الشرتوني ارتكزت على مخالفات موصوفة، إذ إن عدداً من الأمناء لم يعرفوا بنتيجة تصويته، والنصاب (بحسب محضر ذلك الاجتماع) لم يكن قانونياً.
في تلك الفترة، اشتد السجال حول مشروع 2020، وظهر التباين بين نائب الرئيس لشؤون البناء سامر معماري، الذي قدّر كلفة المشروع بنحو 400 مليون دولار، ورئيس المجلس فيليب خوري، الذي رأى أن المشروع يحتاج إلى نحو 200 مليون دولار إضافية لإنجازه. رفض المعماري هذا الطرح، فطرده رئيس الجامعة بيتر دورمان من دون إنذار ومن دون أي تعويض، ما اضطر معماري للجوء إلى القضاء المختص.
هذه الحادثة دفعت كليبرت مام، وهو يمثّل شركة «بكتل»، العضو الحكمي في مجلس الأمناء، إلى الاستقالة احتجاجاً. وترفض «بكتل» حتى الآن تسمية ممثل جديد لها في المجلس.
في حصيلة تلك المرحلة، خرج الشرتوني ومعماري من الجامعة، وزعما أن خروجهما جاء نتيجة اتهامهما لعدد من الأمناء والإداريين بالسعي إلى إضافة 200 مليون دولار على مشروع 2020 لتسهيل عمليات الاختلاس.
تقرير الشرتوني: الفضيحة إلى العلن
أرسل الشرتوني تقريره المؤلّف من 316 صفحة إلى المجلس (يمكن الاطلاع على هذا التقرير على موقع «الأخبار»)، ويتحدّث فيه عن فساد وهدر وسرقة في الجامعة الأميركية ومركزها الطبي، إلا أن عدداً من أعضاء المجلس والقيّمين على المركز الطبي التابع للجامعة رأوا أنّ التقرير «لا جدوى منه ولا أساس لما يتضمّنه». وعلى أثر هذا الرد أرسل الشرتوني نسخة من تقريره إلى المدعي العام لولاية نيويورك في أميركا New York Attorney General (حيث يقع مركز الجامعة الرئيسي في هذه الولاية). ونتيجة الضغوط المتزايدة من قبل عدد من أعضاء مجلس الأمناء وتسرّب ملخّص التقرير إلى الإعلام (تقرير «الأخبار» تحت عنوان «فساد الأميركيّة تحت مجهر مجلس الأمناء - العدد ١٥٦٥ الجمعة ١٨ تشرين الثاني ٢٠١١، وتقرير آخر تحت عنوان «رسالة إلى طلاب الأميركيّة: الفساد ينخر بجامعتكم» - العدد ١٧٣٤ السبت ١٦ حزيران ٢٠١٢، وردّ إدارة الجامعة - العدد ١٧٣٥ الثلاثاء ١٩ حزيران ٢٠١٢)
ولتجنّب أي تحقيق قد يباشر به المدعي العام في نيويورك، قامت إدارة الجامعة بالتواصل معه وإبلاغه بأنه سيحصل تحقيق داخلي مستقل وشفاف في الجامعة، وعلى أثر ذلك، أنجز تحقيقان مستقلان: الأول أنجزته شركة مستقلة عن الجامعة هي شركة KPMG الأميركية، وتحقيق ثان أنجزته لجنة أد هوك (AD HOC COMMITTEE REVIEW (AHRC، المنبثقة من مجلس الأمناء، وقد ترأسها أيمن أصفري أحد الأمناء، وأوكلت إلى مكتب «هوغان لوفيلز» Hogan Lovells (أحد مكاتب المحاماة في مدينة نيويورك) مهمة الاستشاري لها، ومارك كليف Mark Cliff (وهو محاسب بريطاني ومستشار في مجال الاستثمارات) لتنسيق أعمال اللجنة، وبإشراف مارك كليف، الخبير البريطاني في المحاسبة والتدقيق.
قرير KPMG: 32 مليون دولار ضائعة
أنجز الفرع الهندي في شركة KPMG تقريره في عام 2012 (يمكن الاطلاع على هذا التقرير على موقع «الأخبار»)، وهو حقق في آليات الشراء وصرف المستحقات ودفعها والتدقيق الداخلي والمالي خلال الفترة الزمنية الممتدة من تشرين الأول 2008 لغاية تشرين الأول 2011، وهي فترة تقع ضمن إدارة محمد صايغ، نائب الرئيس للشؤون الطبية، المشرف على أعمال المركز الطبي.
بحسب هذا التقرير، اشترى المركز الطبي التابع للجامعة لوازم طبية بقيمة 17 مليون دولار، أي ما نسبته 66% من مجمل اللوازم التي قام خبراء شركة KPMG بتحليلها، من مصدر واحد ودون إجراء أي مناقصة للحصول على أسعار تنافسية من شركات عدّة (كما تنص قوانين الجامعة). وخلال السنوات العشر الفائتة، اشترت إدارة المركز أيضاً لوازم طبية دون إجراء أي مناقصات، من شركة في الولايات المتحدة الأميركية، بناءً على الأسعار المدرجة في ميزانية الجامعة، وليس بناءً على السعر الأفضل في السوق. كذلك استخدم المستشفى على مدى 10 سنوات شركةInternational School Services (ISS) الأميركية المختصة باللوازم المدرسية، لتشتري عبرها أدوات طبية وتجهيزات، دون أي مناقصات أيضاً. ويستشهد تقرير شركة KPMG بشهادة أدلى بها ستيفان كيني، نائب الرئيس للشؤون المالية، في عام 2007، إذ قال «إن طريقة شراء الجامعة للسلع من هذه الشركة غير ناجحة»، ورغم ذلك ظلّت الجامعة، بناءً على توصيات مديرة قسم المشتريات حنان عيتاني رمضان، بحسب ما ورد في التقرير، تشتري من (ISS) حتى حزيران عام 2012. وقد تكبدت الجامعة هدر الملايين من الدولارات على مر السنين بسبب ذلك (لم يستطع التقرير إحصاءها). ولحظ تقرير شركة KPMG قيام موظفي المشتريات في المستشفى بالتلاعب بدفاتر الشروط وبالتلزيمات مع الموردين. وسجّل التقرير وقائع عدّة أفضت إلى منح الأفضلية لبعض الشركات على حساب شركات أخرى، إذ أعطيت الفرصة في بعض عمليات الشراء لإعادة تقديم أسعار أدنى من الأسعار التي تقدّمت بها الشركات غير المحظية. كذلك رُفضت طلبات بعض الشركات دون أي مبرر لمصلحة شركات أخرى. وأحد الأمثلة التي أعطاها التقرير تتعلق بشراء بعض المستلزمات والمعدات بسعر يتجاوز 25% من السعر الأساسي المتفق عليه مع الشركة نفسها (على سبيل المثال: القفازات الطبية التي جرى التعاقد على سعر الواحد 3.19$ تشتريه المستشفى بسعر 3.90$ من الشركة نفسها المتعاقد معها). وتحدث التقرير عن دور لعدد من الوسطاء في تسهيل عملية التواصل بين المستشفى والشركات. ورغم أنه بعد عام 2010 فُصلت مشتريات المركز الطبي عن مشتريات الجامعة، إلا أن التقرير يشير إلى أن علاقة شركة ISS الأميركية بقيت محصورة مع عيتاني، التي تسلّمت مشتريات الجامعة.
يقول التقرير إنه لم يُحتفَظ بالبيانات المتعلقة بالشركات الموردة (vendor master data) في قسم المشتريات، وهناك غياب شبه تام لأي عملية تدقيق في المركز الطبي، وعدم وجود أي نظام فعّال للتدقيق المالي أو للحصول على كافة المعلومات. ولا يوفر قسم التدقيق التغطية الكافية لعمل المركز الطبي، فلم تجر أي عملية تدقيق للفواتير أو للمشتريات خلال عام 2011، وجرى التدقيق بنحو غير كاف لعام 2009 و2010. وفي تشرين الثاني 2011، طرد مسؤول في المركز الطبي التابع للجامعة بسبب محاولة قبض رشوة، وذلك بعد أن أطلق شرتوني صفارة الإنذار في ما يتعلق بالفساد، بحسب ما جاء في التقرير.
قضية الأدوية المجانية
يشير تقرير شركة KPMG إلى أن الفساد داخل المستشفى يطاول شراء الأدوية أيضاً. فالأدوية المجانية المقدمة بدل من حسمFree of Charge (FOC) drugs لا تُدرَج في العقود الموقعة مع الموزعين، أو تُطلَب ويُدفَع ثمنها دون تسلّمها من الموزعين. وتحدث التقرير عن أنّ 15.2 مليون دولار (بنسبة 27% من مجمل الأدوية التي يجري شراؤها) صرفت من خلال هذه الطريقة. وتُعطى خُفوضات بقيمة 249666 دولاراً لـ 47 مريضاً (أي بمعدل نحو 5300 دولار خفضاً لكل مريض) دون اتباع التدابير الإدارية المعمول بها في المركز الطبي، ودون أخذ الموافقات المطلوبة. ووجدت الشركة 14 حالة خُفضت كلفة علاجها، ما سبب خسارة 703000 دولار. كذلك أُعطيت خفوضات لنحو 5284 من المرضى (لم تقدر قيمتها) على الكلفة العلاجية دون أي مبرر موثّق. كذلك نُقل عدد من المرضى من سرير الدرجة الثانية أو الثالثة إلى الدرجة الأولى دون أن يدفعوا تكلفة هذه الدرجة، وذلك دون أي مبرر موثّق، ودون اتباع التدابير الإدارية المعمول بها في المركز الطبي، ودون أخذ الموافقات المطلوبة، وقد دفع عدد من المرضى نفقة أدوية لم يتناولوها، وبعض الأدوية جرى التلاعب بترميزها (لبيعها بسعر أعلى). وتبيّن خلال جرد اللوازم الطبية والأدوية الموجودة وفواتير المرضى وجود خلل في ما لا يقل عن 42% من البيانات التي قام خبراء شركة KPMG بتحليلها.
المركز الطبي رفض ردّ الأموال الإضافية التي حُصِّلَت من المرضى الحاصلين على التغطية من الضمان أو وزارة الصحّة، وقد بررت إدارة الجامعة على لسان وليد عثمان، المدير المالي للمستشفى، حرفياً (بحسب ما ورد في التقرير): «إن المركز الطبي يواجه خسارة بسبب نظام الضمان ووزارة الصحة، ونحن بحاجة إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من العائدات إلى المستشفى لزيادة الأرباح». الجدير بالذكر أن تقرير شركة KPMG يشير إلى أن عدنان طاهر، مدير المستشفى حينها، تنصّل من انتهاكات عثمان والإداريين الآخرين المتعلقة بالمرضى، ونفى أي مسؤولية له عمّا يحصل، مشدداً على أن الشخصين الوحيدين القادرين على الموافقة على هذه العمليات هو نفسه أو محمد الصايغ. فهل هذا يعني أن الصايغ أعطى موافقة ضمنية لهذه الممارسات من دون علم طاهر؟ طبعاً، لم يجب التقرير عن هذا السؤال.
خدمة الديون الطائلة
تقبع الجامعة الأميركية في بيروت تحت الديون الطائلة، وهي تخطت، حسب التقارير المالية التي رفعتها الجامعة إلى الهيئات الحكومية الأميركية المختصة، مستوى 224 مليون دولار أميركي نهاية عام 2012، مقارنة بـ 129 مليون دولار عام 2007. وحصل ذلك نتيجة النفقات التي تتكبدها الجامعة على المباني في المركز الطبي والموظفين، وعلى المشاريع الجديدة التي تنفذها الجامعة (تحديداً مشروع AUBMC 2020 المتعلّق بتوسيع المركز الطبي)، وهذه المشاريع تضع عبئاً مباشراً على الطلاب، الذين يموّلون الجزء الأكبر منها، ويغطون فوائد دين الجامعة، وفي ظل الفساد وغياب الشفافية داخل الجامعة ومركزها الطبي، لا يعرف الطلاب كيف تصرف أموالهم وأين.
لقد رفع الطلاب أصواتهم مراراً وتكراراً من أجل الشفافية في تحركاتهم الرامية إلى تجميد الزيادة على الأقساط، إضافة إلى إيقاف مزاريب الهدر والفساد، فنخبة من الإداريين في الجامعة والمركز الطبي تزداد «أرباحهم» على حساب الطلاب والكلّيات والموظفين والأساتذة والمرضى والجامعة والمركز الطبي عموماً دون حسيب أو رقيب.
تقرير لجنة أد هوك AHRC
يشير تقرير لجنة أد هوك AHRC إلى أنه منذ تولي صايغ لمنصبه تقلّصت الخسارة السنوية للمركز الطبي (المستشفى) من 7 ملايين دولار عام 2009 إلى 1.6 مليون دولار عام 2010، وتحدّث التقرير الصادر في آذار 2012 عن أرباح مرتقبة بقيمة تصل إلى 2.2 مليون دولار لعام 2011، إلا أن التقارير المالية الرسمية لهذا العام 2011-2012 تحديداً، تشير إلى خسارة فعلية وصلت إلى 2.5 مليون دولار. ووفقاً للتقارير المالية للأعوام السابقة، فقد انخفضت الأرباح الإجمالية المجمّعة في الجامعة الأميركية في بيروت من 46 مليون دولار في عام 2007 إلى 22 مليون دولار في عام 2012، على الرغم من زيادة قدرها 127 مليون دولار في إجمالي الإيرادات في الفترة نفسها. والجدير ذكره أنّه بين عامي 2011 و2012، خسرت الجامعة 16 مليون دولار من إيرادات الاستثمار والإيرادات الأخرى. وفي عام 2012، خسرت الجامعة 27 مليون دولار من قيمة استثماراتها في سوق الأسهم، و14 مليون دولار في حسابات الذمم المدينة. وخسرت الجامعة في عام 2012 أكثر من 42 مليون دولار من قيمة أوقافها Endowments مقارنةً بمستوى عام 2008.