بدأ موسم حرائق الأحراج باكرا في السنة الحالية، كمؤشر خطير على صيف أحمر. لن تنفع سيارات الدفاع المدني ولا الطوافات التي ضج بها الإعلام في السنوات السابقة والتي وإن كانت تعمل (قيل إنها غير صالحة ....
بدأ موسم حرائق الأحراج باكرا في السنة الحالية، كمؤشر خطير على صيف أحمر. لن تنفع سيارات الدفاع المدني ولا الطوافات التي ضج بها الإعلام في السنوات السابقة والتي وإن كانت تعمل (قيل إنها غير صالحة للخدمة)، في إخماد أي حريق سيندلع في الصيف المقبل، إذا ابقينا على السياسات نفسها في إدارة الأحراج وفي مكافحة الحرائق الفولكلوية. ويفترض في السنة الحالية، أن نتوقع وضعاً أكثر خطورة من أي سنة مضت، بسبب عوامل سلبية جديدة نسبياً.
حبيب معلوف - أنور عقل ضو / جريدة السفير
أول تلك العوامل ارتفاع إضافي في درجات حرارة الأرض كما هو متوقع من علماء المناخ. يضاف إليها سنة جفاف وقلة مياه. يضاف إليها أيضا قلة جهوزية على المستويات كافة. فسيارات الدفاع المدني التي تنتظر عادة أن تصل النيران إلى الطرق لكي تتدخل، لن تجد مصادر مياه عذبة للتزود وإطفاء النيران... وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطوافات.
كما لن تستطيع السلطات المعنية، قياساً إلى السنوات الماضية، أن تتبنى سياسات جدية لإدارة الغابات ولا لمكافحة حرائق الغابات. وقد كان عليها ان تطبق مبادئ الوقاية عبر تشحيل الأحراج من اليباس القابل للاشتعال (وهي مسؤولية مشتركة بين وزارة الزراعة والبلديات والإدارات المحلية)، لا سيما في المناطق القريبة من الطرق، والتشدد في كشف مفتعلي الحرائق ومعاقبتهم (مسؤولية النيابات العامة والقضاء ووزارتي الزراعة والداخلية) وتقوية أجهزة الرقابة من مأموري الأحراج إلى الشرطة البلدية إلى إعادة إحياء دور النواطير، إلى وحدات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي... ومراقبة الأماكن الحساسة للإبلاغ والتدخل الفوري تطبيقا للمبدأ القائل: «إذا علم عن الحريق في بدايته، سهل إطفاؤه». ذلك المبدأ الذي لا يكلف إلا توظيف مراقبين أو تكليف القوى الموجودة وتدريبها وتجهيزها بأدوات بسيطة... يوفر كثيرا في كلفة السيارات والطوافات التي الحاجة حقيقية لها.
فهل يمكن أن نتوقع في العام الحالي، بشكل استثنائي، أن يتم اتخاذ تلك الاجراءات البسيطة والضرورية وأن يتم تحديد المسؤوليات عن تطبيقها عبر تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة أو نائبه وتضم الوزارات المعنية، لا سيما الداخلية والبلديات والبيئة والزراعة والعدل، لوضع تلك الخطة المتواضعة موضع التنفيذ، استدراكا لصيف حار وموسم جفاف وحرائق لا تنتهي؟
كان الوصول إلى بعبدا ومحيطها دونه أخطار كبيرة، فالحرائق لم توقفها الطرق الرئيسية والفرعية كـ«حواجز» فاصلة بين حي وآخر، فراحت تمتد في هشيم الغابات وأشجارها، محاصرة المنازل والمؤسسات في عدد من الأحياء الداخلية في بعبدا واليرزة، بينما سرعة الرياح الخمسينية كانت كفيلة بمحاصرة المواطنين بلحظات معدودة، وحده الدخان تصدر المشهد المخيف وارتفعت منه ألسنة اللهب محدثة أصواتا ناجمة عن احتراق الجذوع والأغصان اليابسة والخضراء.
وكإجراء احترازي قطعت الطرق المؤدية إلى بعبدا بطشاي من خلال حواجز أقامتها شرطة البلديات والقوى الأمنية، وحدها سيارات الاطفاء تمر مسرعة وسط النيران والدخان، فضلا عن صهاريج المياه القادمة من مناطق مختلفة، بينما ثلاث طوافات عسكرية تفرغ كل ثلث ساعة كميات من المياه في أودية وعرة يصعب الوصول إليها بوسائل نقل عادية. عشرات المواطنين غادورا منازلهم، ومئات عناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني لا يدخرون وسيلة من أجل منع ألسنة اللهب من الوصول إلى المنازل القريبة، يؤازرهم مواطنون وعمال الورش القريبة.
وفي إحدى الفيلات على طريق الجمهور بعبدا، كان ثمة عدد من عناصر الجيش يحاولون إخماد النيران بأوعية ويغرفون المياه من بركة قائمة على شرفة ويرمونها على النار المتقدة، واضطرتهم النيران إلى الابتعاد، إلى أن وصلت سيارة إطفاء عمدت إلى رش المياه من «مدفعها» الأمامي، بينما تولى عناصر الدفاع المدني والجيش تسلم خرطوم المياه والتوغل وسط الدخان وتمكنوا من إخماد النيران ومحاصرتها، لكن الحرائق تتجدد في منطقة أخرى في رقعة جغرافية امتدت من بطشاي إلى بعبدا وأحيائها وأطراف من اليرزة والجمهور، بينما النيران وصلت إلى تخوم منطقة وادي شحرور وعدد من القرى والبلدات القريبة.
ومع استمرار الحرائق واشتدادها بدت بعبدا ومحيطها «منطقة عمليات»، الناس على الطرق وصرخات تعلو فوق ضجيج الطوافات والشاحنات تطلب المساعدة.
وأشار أحد المشرفين على ورشة قيد البناء في بعبدا - اليرزة آلان خوري إلى أن «الحرائق بدأت قرابة الثامنة صباحا، لكنها كانت بعيدة أي في المنطقة المخفضة قرب بطشاي»، ولفت إلى أنه «ما بين التاسعة والنصف والعاشرة راحت رقعة النيران تتوسع صعودا من بطشاي باتجاه بعبدا اليرزة لكن بشكل سريع نتيجة الرياح القوية». وقال خوري: «توجد سكة حديد في هذه المنطقة وهي تعتبر الحد الفاصل بين بعبدا صعودا وبطشاي حارة الست ووادي شحرور، والآن تجاوزت النيران سكة الحديد وامتدت الى منطقة بعبدا العقارية».
وأشار جو خليل إلى أن «الكل يعمل، من جيش وقوى أمن ودفاع مدني وبلديات وصليب أحمر ونحن كمواطنين وحتى ان الاخوة السوريين يساعدون»، ولفت إلى أن «الجيش وعناصر البلديات يقومون بتأمين المياه بواسطة الصهاريج لسيارات الاطفاء».
وأكد مصدر أمني أن «عشر سيارات اطفاء بينها سيارات من فوج بيروت تعمل بمؤازرة الجيش اللبناني والقوى الامنية»، ولفت إلى «وصول سيارات اطفاء الضاحية وأخرى من مناطق عدة». وأقفلت المدارس في محيط بعبدا ــ الجمهور، وعمــــدت إلى إخلاء طلابهــــا خوفا من امتداد الحرائق التي اندلعت في أحراج بطشاي.
وطمأنت ادارات المدارس الاهالي قبل إخلاء التلامذة، وحتى الواحدة بعد الظهر تمت السيطرة بشكل شبه كامل على الحريق بين بطشاي وبعبدا، بينما استمر الحريق مندلعا بين بعبدا والجمهور، علما بأن بعض الحرائق تجددت تلقائيا بعد اخمادها.
وصدر عن فوج إطفاء بيروت، البيان الآتي: «بسبب نشوب حرائق هائلة اندلعت في احراج منطقة بطشاي وتوابعها في قضاء بعبدا، وهددت حياة المواطنين وممتلكاتهم، هرعت وحدات من فوج الاطفاء الى المكان لمساندة الجيش اللبناني والدفاع المدني والاهالي. وفور وصولها كانت النيران مندلعة بقوة كبيرة في الاحراج، وقد ساعدت حرارة الطقس المرتفعة وسرعة الرياح على امتداد الحريق الى المناطق الحرجية».
بينما تابع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موضوع الحرائق منذ الصباح الباكر، وأعطى توجيهاته إلى مديريات الدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت وقوى الامن الداخلي «لتسريع وبذل اقصى جهودهم للمساعدة على اخماد الحرائق التي شبت في منطقة جبل لبنان الجنوبي في بطشاي ووادي شحرور وامتدت الى دوحة عرمون واطراف بعبدا واليرزة».
وقد اتصل الوزير المشنوق بقيادة الجيش اللبناني للتنسيق والمساعدة عبر مروحيات اخماد الحرائق، كما اتصل بالممثل المقيم للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي بعدما امتدت الحرائق الى جوار مقر بعثة الامم المتحدة في اليرزة، للاطمئنان على مقر البعثة واتخاذ التدابير السريعة لتدارك أي اخطار. ولم تسجل إصابات نتيجة الحرائق باستثناء حالات اختناق تمت معالجتها من قبل الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني.
إلى ذلك، دعا وزير البيئة محمد المشنوق المواطنين «إلى التحسّب من خطر نشوب الحرائق وسط موجة الحر التي تجتاح لبنان. وقال: إن على البلديات وأجهزة الدفاع المدني والاطفاء استنفار كل جهودهم وعلى المواطنين الابلاغ السريع عن الحرائق من اجل التدخل الفوري لاطفائها لأن أي تأخير سيؤدي الى استفحالها وتهديد البيوت والاحراج في لبنان».
حرائق متفرقة
وصدر عن قيادة الجيش - مديرية التوجيه البيان الآتي: «عملت وحدات الجيش المنتشرة عملانيا، بالاشتراك مع عناصر الدفاع المدني، على إخماد حريق شب يوم امس في خراج بلدتي كفردلاقوس ـ زغرتا، والبنية - عاليه. وقدرت المساحة المتضررة بنحو 42 دونما من الأشجار المثمرة والأعشاب اليابسة». وفي بلدة كفرجرة الجنوبية ـ قضاء جزين، اندلع حريق قضى على مساحات شاسعة من أشجار السنديان والملول. وقد عملت عناصر الدفاع المدني على إخماد الحريق قبل وصوله إلى المنازل المجاورة. كما صدر عن قيادة الجيش ــ مديرية التوجيه البيان الآتي: «عملت وحدات الجيش المنتشرة عملانيا، بالاشتراك مع عناصر الدفاع المدني، على إخماد حريق شب يوم أمس في خراج بلدتي المجدل وكفتون ـ الكورة. قدرت المساحة المتضررة بنحو 10 دونمات من الأعشاب اليابسة».
صدر عن قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه البيان الآتي: «عملت وحدات الجيش المنتشرة عملانيا بالاشتراك مع عناصر الدفاع المدني، على إخماد حريق شب في خراج بلدة مزرعة بني صعب ـ بشري. قدرت المساحة المتضررة بنحو 7 دونمات من الاشجار الحرجية والأعشاب اليابسة.
أمطار أيار
نبه المدير العام لـ«مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية» في تل عمارة الدكتور ميشال افرام، إلى تأثر لبنان بدءا من صباح اليوم برياح باردة ترافقها أمطار متفرقة، وتصبح غزيرة يومي غد وبعد غد، ليعود الطقس مستقرا بدءا من السبت المقبل، لافتا إلى احتمال تشكل السيول يومي الخميس والجمعة في مختلف المناطق اللبنانية. وطلب افرام من المزارعين عدم الري بين السادس والثامن من هذا الشهر، وعدم رش الأدوية الزراعية بل العمل على رش الأسمدة.
وأشار افرام إلى أن لبنان يشهد تقلبات سريعة في الطقس، ما بين ربيعي وصيفي حار، ومن ثم يتحول إلى بارد، متحدثا عن هطول كميات من المطر خلال شهر أيار الحالي. ولفت أفرام إلى أن درجات الحرارة العالية التي سجلت في لبنان في اليومين الأخيرين أدت إلى إعادة ظهور بعض أسراب من الجــــراد الصـــغير الذي سرعان ما سيخــــتفي بفعل تغير الطقس نحو البرودة والأمــــطار، مشدداً على أن كــــل إرشـــــادات المصلحة التي صــــدرت بنهـــــاية العام 2013 حول التصحــــر وفروق درجـــات الحـــرارة ونقـــــــص الأمــطار وشحّ المياه وتكــاثر الأمراض والحــشرات، نعيشها بتفاصيلها حالــيا».