ونبّه سماحته الشباب إلى أن يكونوا أحراراً، وأن لا تأسرهم شهواتهم وغرائزهم وانفعالاتهم وعصبياتهم، وأن لا يكونوا أسرى الأجواء التي تحيط بهم
أكَّد العلامة السيد علي فضل الله، أنَّ علينا أن نتعلَّم أسلوب إدارة أي حوار داخلي، بعيداً عن سياسة تسجيل النقاط على بعضنا البعض، مشيراً إلى أننا نتطلّع إلى جيل شاب يبني مستقبلاً واعداً، ويحمل الفكر الإسلامي الأصيل، المنفتح على العصر وقضاياه المتنوّعة وعلى الآخر؛ جيل يسعى إلى بناء جسور التواصل والتلاقي والانفتاح.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها سماحته في ثانوية الإمام الجواد(ع) في البقاع الأوسط، شدّد فيها على ضرورة تأكيد القواسم والقيم المشتركة مع من نختلف معهم، سواء في الدائرة الإسلامية أو في الدائرة المسيحية، واستحضار النقاط المشتركة ومواقع اللقاء، بعيداً عن الأمور الخلافية التي تزيد من تعقيد الوضع وعلاقتنا بالآخر.
ورأى سماحته أن هموم الشباب وطموحاتهم واحدة، بصرف النظر عن هوياتهم المذهبية أو الطائفية أو الثقافية، كما أن أحلامهم واحدة بوطن العدالة والمواطنة، والوطن القوي بإرادة أبنائه وعيشهم معاً، محذراً من جهات كثيرة تسعى لأن تكون هذه المرحلة هي مرحلة الفتن التي تضرب واقعنا العربي والإسلامي، وتغرقه في الانقسامات والحروب، وتجعله يعيش في الفوضى وعدم الاستقرار، وتمنعه من التطور العلمي والنهوض التنموي والاجتماعي، لتبقينا سوقاً استهلاكية لصادرات الدول الكبرى ومنتجاتها، ولكي نبقى على هامش الأمم، معتبراً أنَّ الدول المستكبرة تريد لنا أن نستمر في دوامة الحروب التي تستنزف قدراتنا المالية والاقتصادية، بينما تعمل هي على تطوير مجتمعاتها على مختلف المستويات.
ودعا الشباب من مختلف الطوائف والمكونات إلى التواصل، والانفتاح على بعضهم البعض، وعدم التعقّد أو الانغلاق، لأن التجارب في الواقع اللبناني أثبتت بأننا محكومون بالتواصل والانفتاح والتلاقي على القواسم المشتركة، مهما بلغت الانقسامات والتباين في وجهات النظر، مشدداً عليهم أن يدقّقوا بما يطرح من أفكار وسياسات في الساحة الإعلامية، وما يقدم في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما أن الهدف من بعضها سلب إرادتنا وقناعاتنا، أو تمرير وجهة نظر معينة، أو دفعنا إلى الانسياق خلف مشروع معين. ولذلك، المطلوب أن يكون لدينا الوعي والنضوج والمعرفة، لغربلة هذه الأفكار، والتمييز بين الجيد والسيئ.
ونبّه سماحته الشباب إلى أن يكونوا أحراراً، وأن لا تأسرهم شهواتهم وغرائزهم وانفعالاتهم وعصبياتهم، وأن لا يكونوا أسرى الأجواء التي تحيط بهم، معتبراً أن هذه العناصر تشكل أسلحة فاعلة في يد من لا يريدون خيراً لهم، وهي تندرج في سياق القوة الناعمة التي تستهدف شل إرادة الشباب، وحرفهم عن مسؤولياتهم واهتماماتهم بقضايا شعوبهم وأوطانهم وأمتهم، مشيراً إلى أنَّ المستقبل لا يقوم إلا بإرادة الشباب الحر والوعي والمنفتح.
وأكد أن المسؤولية تقع علينا جميعاً، بأن نبني المجتمع الواعي الذي يخطط ويدرس، والذي يملك المناعة الفكرية والسياسية الكافية، للحؤول دون السقوط في وحول الآخرين، مشدداً على الشباب ضرورة التمييز بين الالتزام بالمبادئ والتعصّب للجماعة، أو لشخصية ما، أو للطائفة أو المذهب، مشيراً إلى أن الالتزام لا يمنع من الانفتاح على الآخرين، بينما يقود التعصب إلى نبذ الآخر وإقصائه، وبالتالي إلى العنف الداخلي، بما يلحق الأضرار بالجميع.
وختم سماحته قائلاً إن المشكلة في لبنان أنَّ أغلب السياسيين ليسوا جديين في الحوار من أجل الوصول إلى الحلول، بل يريدون تسجيل النقاط ضد بعضهم البعض. ومن هنا، علينا أن نتعلّم أسلوب إدارة الحوار الداخلي والتخاطب مع بعضنا البعض، حتى نستطيع أن نصل إلى نتائج تخدم مصلحة الوطن.