سقوط داعش، كان بمثابة الإختبار الأول، لتدمير بنية القاعدة، بعدما سهلت دول الغرب وأوروبا وبعض دول الإقليم، دخول "الجهاديين" إلى سوريا من كل بقاع الأرض.
احمد فرحات
قاعدة الجهاد ليست على ما يرام هذه الفترة، فصراع الأمراء على أرض الشام شتت الفكر، ومزق الولاءات، وأصاب تراتبية القيادة بالعمق، حتى باتت خطابات زعيم التنظيم أيمن الظواهري، محل نقد واستهجان، ووصلت إلى حد التهكم من قبل قاعديي سوريا والعراق.
لم يغب تنظيم القاعدة عن الأحداث في سوريا والمنطقة العربية، فأرسل زعيم التنظيم الأول أسامة بن لادن (بحسب وثائق ابوت اباد) توصيات لأنصاره تطالبهم بالتغلغل داخل التظاهرات، وتحين الفرصة المناسبة لإعلان الإمارة ... وعلى هذا التوجيه سار الموالون في سوريا بعد مقتل بن لادن، فعمل أبو خالد السوري في الخفاء لتشكيل ظهير للقاعدة في أرض الشام، وكذلك فعل غيره من القيادات المعروفة والمستترة، إلى أن أعلن أبو بكر البغدادي دولة الإسلام في العراق والشام وضم جبهة النصرة اليها في نيسان / ابريل العام الماضي.
اعلان اعتبر فاتحة فتنة الجهاد وفق المسميات المتبعة، فالجندي (ابو محمد الجولاني) تمرد على قرار أميره (ابو بكر البغدادي) برفض الانضمام الى دولة العراق والشام، والأمير رفض دعوة زعيمه (ايمن الظواهري) بالانكفاء والتخلي عن فكرة الدولة، "لأن أوانها لم يحن بعد".
سقطت قاعدة العراق في مستنقع سوريا، قُتل أبرز قياداتها، وانكشفت أساليبها، وتفككت روابط الولاء بين العناصر، وبات نقض البيعة والانشقاق عن الأمير سهلاً يسيراً .. جنود تركوا النصرة وانضموا إلى الدولة وبالعكس، ودخل طرفا القاعدة في صراع مرير، قتل فيه أكثر من 4 آلاف مسلح، إضافة إلى العديد من القياديين الكبار.
فخ الظواهري ... أكلت يوم أكل الثور الأبيض
سقوط داعش، كان بمثابة الإختبار الأول، لتدمير بنية القاعدة، بعدما سهلت دول الغرب وأوروبا وبعض دول الإقليم، دخول "الجهاديين" إلى سوريا من كل بقاع الأرض، وأمّنت لهم التغطية السياسية على مدار الأزمة، حتى حان وقت تصفيتها، بيد رفاق السلاح، وأصحاب النهج الواحد، فكفر التكفير بعضه، وقتل الإرهاب نفسه.
وبالتزامن مع معارك داعش والنصرة والجماعات الأخرى، كانت الأجهزة الإستخباراتية الأميركية وحلفاؤها يعملون في الأردن على انشاء بنية عسكرية جديدة، تحت مسمى الجيش الحر، وتوالت التقارير الإعلامية والإستخباراتية العديدة التي تحدثت عن هذا الجيش، ووضعت له نقاطاً للإنطلاق من درعا.
تقارير إعلامية أميركية أشارت إلى أن جهاز الاستخبارات الأميركي عمل ومازال على تدريب وتجهيز حوالي 10 آلاف مقاتل في معسكرات بالأردن، فيما عمدت الـ CIA على تدفق منتظم للمسلحين، يصل إلى 1000 عنصر من الأردن إلى سوريا كل شهر، بعد تلقيهم علوماً عسكرية أميركية، وتدريباً على أسلحة غربية متطورة وتقليدية.
ومن درعا، التي يراد لها أن تكون خاصرة دمشق الرخوة، انطلقت أولى العلامات الأكيدة على احتدام النزال بين النصرة من جهة، والقوات التي تدربت على أياد أميركية وعربية من جهة أخرى، والهدف ضرب الجناح الرئيسي للقاعدة في أرض الشام، في معركة ستكون أشد وأشرس على مختلف الجبهات، نظراً لإنتشار الطرفين الواسع داخل المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة.
وبعد داعش، يسهل استهداف النصرة، لأن دم القاعدة بات رخيصاً على أرض الشام، والكأس الذي أراد هذا التنظيم التكفيري ان يشرب منه السوريون ، يتجرعه على يد تكفيرين تربوا رباهم بنفسه، ومن المتوقع أن تهوي رؤوس جديدة ... رؤوس قادة وجنود ومؤيدين، والظواهري الذي أخفق في وقف سيلان دم اتباعه في حرب داعش والنصرة، قد لا يستطع أيضاً أن يوقف قتل أبنائه على يد الجماعات الأخرى، وكأني بالظواهري يقول: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.
الأميركيون والأوروبيون نصبوا لتنظيم القاعدة فخاً في سوريا، وفتحوا لهم الساحة ليأتوا إليها من كل العالم، من لندن وباريس والسعودية والإمارات ومن اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها، حتى يقتل بعضهم بعض ، ولو استطاعت القاعدة أو من ينتمي إلى فكرها تحقيق انجازات ميدانية في يوم من الايام، فهي ستكون أول من سيدفع الثمن في سوريا، كما دفعت الثمن في البلدان الاخرى.
دور النصرة
مقدمات المواجهة عديدة، ابرزها اعتقال النصرة قائد ما يسمى المجلس العسكري في درعا العقيد احمد النعمة، ونشر اعترافات له، في خطوة مشابهة لإعترافات القيادي في الحر المدعو صدام الجمل والذي اعتقلته داعش بدير الزور، والذي تحدث حينها عن خطة غربية لضرب الدولة الإسلامية، فيما اللائحة تطول، وسط تغذية إعلامية لها.
وكالة الأناضول التركية، تحدثت في تقرير لها اواخر الشهر الماضي، عن بوادر شقاق بين النصرة والحر، وربطت بشكل كبير بين هذه البوادر وتلك المرتبطة بصراع داعش والحر، وسردت عدة عمليات خطف واعتقال وتصفية، أبرزها في دير الزور.
وقالت الأناضول حينها إن معطيات الخلاف بين الجيش الحر والنصرة فيما يتعلق بالتضييق على سكان المناطق التي تتواجد فيها المعارضة، وعدم الامتثال لقرارات المحاكم أو الهيئات الشرعية، مشابهة للمعطيات التي نشبت بين الحر وحلفائه مع "داعش"، والتي أدت في نهايتها إلى معارك طاحنة بين الطرفين.
ويرى متابعون أن تفجر الخلاف بين الحر والنصرة وراءه جهات اقليمية بدأت تتوجس من تمدد الجبهة على طول الحدود الاردنية، وسط معلومات تتحدث عن قيام هذه الجهات بالطلب من أحمد النعمة بتشكيل ما اسماها جبهة ثوار جنوب سوريا لقطع الطريق على النصرة ومنع سيطرتها على ريفي درعا والقنيطرة، وهو ما يثير قلق الاردن.
المعطيات الراهنة تشير الى أن سيناريو اشتعال المواجهة بين النصرة والحر سيتكرر في درعا التي ظل الاخير يحتفظ بوجود كبير فيها، خاصة بعد اقصائه عن جبهات عدة تارة على يد تنظيم داعش وطوراً من قبل الجبهتين الاسلامية والنصرة.
جميع المؤشرات تدل على وقوع انفجار كبير بين النصرة والجيش الحر، قد لا يحصل بحال أعلنت النصرة فك ارتباطها بالقاعدة، واذا اختارت الدخول في المعركة، فستكون طويلة وأثمانها باهضة، وبكلا الحالتين تكون القاعدة قد سقطت في الفخ مرتين.