بعد كل زيارة يقوم بها مسؤول أمريكي إلى الكيان الصهيوني ، وقبيل مغادرته له ، تبدأ التسريبات تتوالى حول مقدار التباعد الحاصل في النظرتين الامريكية والصهيونية
بقلم حسن شقير
بعد كل زيارة يقوم بها مسؤول أمريكي إلى الكيان الصهيوني ، وقبيل مغادرته له ، تبدأ التسريبات تتوالى حول مقدار التباعد الحاصل في النظرتين الامريكية والصهيونية ، لناحية العديد من الملفات ، من ملف إيران النووي ابتداءً ، إلى الملف السوري ، وطريقة التعامل الأمريكي في إدارته ، مروراً بملف التفاوض الصهيوني مع السلطة الفلسطينية ، والعقبات التي استجدت حياله ، وليس أخر هذه الملفات كيفية السير بالرعاية الأمنية الأمريكية السرمدية للكيان الصهيوني ، واختلاف أليات تنفيذ ذلك معه ، في ظل عصر الأفول الأمريكي، القسري عن المنطقة .
من هذا الملف الأخير ، على ما نعتقد ، اختتمت الزيارة الاخيرة لمسؤولة الامن القومي الأمريكي ، سوزان رايس للكيان الصهيوني ، ومعه أيضاً ، ستفتح المحادثات اللاحقة في هذا الأسبوع ، لوزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل في جولته الشرق أوسطية الجديدة ، والتي تشمل إضافة إلى الكيان ، العديد من الدول العربية ، والخليجية تحديدا ... وذلك في ظل التطورات الميدانية المتسارعة في الحرب على سوريا ، وذلك لصالح محور الممانعة فيها ...
ما الذي يحدث في سوريا ؟ لقد ذكرنا مرارا ، أن محور الممانعة ، لا يقف مكتوف الأيدي حيال كل ذلك ، وأن ميدان استراتيجيته حالياً هو الميدان السوري حصراً ، وذلك لأن هذه الاستراتيجية تسير بخطى ثابتة نحو هدفها المركزي ، والذي تخطى تيئيس رعاة الإرهاب في سوريا والجوار ، إلى مرحلة متقدمة ، إلى ما بعد التيئيس ... فما هي ملامح تلك المرحلة ؟ وكيف يُتوقع نتائجها على هؤلاء ، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني ؟
كنا قد فصلنا سابقا، في مقالة " ورقتان لا ثالث لهما لحل الأزمة في سوريا " ، وذلك في حزيران من العام 2012 ، أن حل الأزمة في سوريا تنطلق من زعزعة أمن الكيان الصهيوني ، اللاهث دوماً عن أمنه المفقود ، واستغلال الفرصة في حينه ، لناحية عجزه وخوفه من الدخول في حرب جديدة ، ليس جاهزا لها ، وغير قادر عن التنبؤ بنتائجها .. لتصبح المعادلة حينها : ستاتيكو ما قبل العدوان على سوريا على الجبهات مع الكيان الصهيوني ، يقابله بتر العدوان على سوريا بكافة أشكاله ..
اليوم ، وبعد مرور تلك السنوات الثقال في العدوان على سوريا ، تشي التطورات الميدانية ، بأن الدولة السورية ومعها القوى الممانعة تسير مسرعةً في استراتيجية تجميع الأوراق من جديد ... وخصوصاً الورقة الأدسم منها ، فيما يتعلق بتضييق الخيارات أمام الكيان الصهيوني ، الممسك الحقيقي برؤوس العدوان على سوريا ...فكيف ذلك ؟
بنظرة سريعة على الجغرافيا السورية ، فإن. مسار المعركة فيها يسير ، كما توقعنا بالضبط ، انتهت معركة القصير وملحقاتها ، تأمنت دمشق بطوق الغوطتين ، وكسر حلقة الاتصال بينهما في العتيبة ، أفشلت الجبهة الجنوبية من الاردن ، انتهت جبهة القلمون ، وحمت سوريا قلبها وجزء من شرايينها الرئيسية بين وسطها وساحلها ، وأمنت المقاومة بهذه المعركة ظهرها وبيئتها الحاضنة ، إلى حد كبير ومريح ، وسقطت ما بين هذا وذاك ، أهداف العدوان في ريف اللاذقية ، واستعيد المنفذ البحري الذي سعت اليه العصابات المسلحة في الايام الاولى لتلك المعركة ، وكذا الأمر في حلب المدينة وريفها ، وتحويل الجيش السوري والقوى المساندة معه هناك التهديد في تلك البقعة إلى فرصة لاستعادة السيطرة من جديد .
ماذا تبقى في الميدان الاستراتيجي ؟ أضحت المصالحات، ونموذجي حمص القديمة وبرزة والمعظمية وبيت سحم وببيلا ، قدرا محتوما أمام ما تبقى من مناطق في الغوطتين ، والاحياء المتاخمة لدمشق ، كونها فقدت عمقها الاستراتيجي ، وكذا الحال بالنسبة لما تبقى من مدن وبلدات حمص كتلبيسة والرستن وغيرها ، فالمسألة ، مسألة وقت ليس إلاّ ..
كل هذه الاوراق الميدانية ، تساقطت أولا من يد الكيان الصهيوني ، قبل ان تتساقط من أيدي المسلحين على الأرض السورية ، والسبب في ذلك يعود ببساطة ، أن الجيش السوري ومعه القوى المساندة يندفع مسرعاً نحو الجبهات التي طالما حلم الكيان الصهيوني ، بخروجها عن سيطرة الدولة السورية ، وقد شهدنا ذلك في الغضب الصهيوني في عودة الحدود السورية -اللبنانية إلى كنف سيادة الدولة ، وكذا الأمر في جبهة الجولان ، التي تشهد مع كل حراك للجيش السوري فيها ، استنفارات صهيونية في الجهة المقابلة من الحدود ، وارتفاع وتيرة الرعاية للعصابات الارهابية في منطقة ما يُسمى بالجدار الطيب .
في هذه البقعة من الأرض السورية ، ستكون الإندفاعة السورية اللاحقة ، ضمن مسارين ، ،ستختار الدولة السورية تتاليهما ، أو الجمع بينهما ، أولهما تيئيس الكيان الصهيوني من فائدة الحزام الأمني في استراتيجيته لإستقرار حدوده مع سوريا ، وذلك ربما يتم من خلال تفعيل العمل الأمني خلف تلك المنطقة ،وذلك كردٍ مباشر على أي تطور ميداني قد تحرزه القوات السورية والقوى المساندة لها في تلك المنطقة ، أو حتى في أية بقعة جغرافية أخرى يحمل طابع النصر فيها معنى استراتيجيا في مسار الحرب على سوريا ، وكما حدث في الجبهات التي مرت معنا ،
مما سيضع الكيان الصهيوني أمام نظرية الصرف دون جني الأرباح ، مما سيفرض عليه التخلي عن تلك الجماعات ، كونها لم تحقق الاهداف التي سُخرت لأجلها .....
أما المسار الثاني ، فهو المسار الكلاسيكي في تهيئة الأرضية لحملة عسكرية طاحنة على تلك الجبهة ، يُحشر فيها الكيان الصهيوني بين سندان الدعم العلني والذي تفرض طبيعة المعركة فيها تخطي الرعاية الصحية والأمنية ، إلى الرعاية اللوجستية المباشرة ، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات استراتيجية على الكيان الصهيوني داخليا وخارجيا ، وبين مطرقة التخلي عن تلك الجماعات ، وتقديم الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني في زيف حرصه على تلك الجماعات ، مع ما يعنيه ذلك أيضاً من سقوط صهيوني وإرهابي على حد سواء في فخ التعرية في كافة الملاعب .
في محصلة الميدان ، وسط سوريا أمن ، قلبها مطمئن ، ساحلها ممسوك ، حدودها المحورية ، ذات البعد الاستراتيجي الأبعد ، في يد التحكم الممانع متضامناً ومتكافلا .... باقي الجبهات ، ستبقى ميادين تدريب عالية الجودة ، إن استمر داعمو الإرهاب ومموليه بالدفع فيه في الميدان السوري ، وهذا لن يكون بالتأكيد، لصالح الكيان الصهيوني ، فلقد خسر هذا الأخير ومن خلفه تحالف العدوان على سوريا ، معركة الميدان ، وبشكل حتمي .
ليست حال الميادين الأخرى ، بأفضل حال على الكيان الصهيوني من أحوال الميدان السوري ، وذللك في فلسطين ، وعلى مقلبيها ، سواء في الضفة الغربية ، التي تزايدت فيها الأحداث الأمنية الغامضة والمقلقة للكيان على حد سواء ، فهذا الأخير يعيش هذه الأيام حرارة ومرارة ترقب جبهة ، أمِل في يوم من الأيام أن تكون مستقرة ... أما في المقلب الغزاوي ، فالتقارير الصهيونية ، والأحداث الميدانية ، تشي يوما بعد يوم ، أن مرحلة كسر الصمت قد انطلقت فعلا، وأن استراتيجية الحصار ، بأبعاده السياسية والعسكرية والإقتصادية ، فضلا عن المعيشية ، قد كُسرت فعلا ، ودلالات المصالحة -التي نأمل تعميقها وتعميمها ضمن مشروع وطني تحريري - وتقدمها على التفاوض تؤشر على ذلك .
في الميدان اللبناني ، كسرت المقاومة عزلتها السياسية التي حاولوا إدخالها فيها ، وكسرت عزلتها الأمنية التي فُرضت عليها ، ورسخت في الميدان السياسي ، وجه لبنان المقاوم ، إن بالبيان الوزاري الحالي للحكومة الحالية من جهة ، وإن من جهة ثانية تثبيت ثابتة الوفاقية في الإنتخابات الرئاسية القادمة ، وكذا في الميدان العسكري ، مع التمسك بالثلاثية الذهبية ، التي تؤرق نوم العدو ...
خلاصة القول ، لقد تهشمت استراتيجية " استقرار الطوق الأول " والتي كنا قد كتبنا حولها ضمن مقالة " استقرار الطوق والذراع المستعصية " وذلك في 02-09 -2013 ، حيث كان رائد تلك الإستراتيجية المستشار الاستراتيجي لرئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق يتسحاق رابين ، المدعو حاييم أسا ( معاريف -09- 12- 2011 - ضمن مقالة : ها هي التوقعات في الشرق الأوسط ) ، وتهشم معها حلم تدمير الذراع المستعصية من الجهة اللبنانية ... مما سيفرض على الكيان الصهيوني - إن سادت لغة العقل لدى رؤوسه الحامية - سؤالا ً مريراً جدا ً ، لم يسبق له أن طرحه إلا ّ في لحظات الهزيمة ، ألا وهو : ماذا تريدون ؟ ساعتئذ ستنفتح التطورات في المنطقة ، وربما في العالم على منعطفات تاريخية وتأسيسية على حد سواء .
باحث وكاتب سياسي