27-11-2024 04:19 PM بتوقيت القدس المحتلة

"تدفيع الثمن"....لماذا حلب ؟

أزيز الرصاص ودوي المدافع المتناثر شمالاً وجنوباً وطولاً وعرضاً على امتداد الجغرافيا السورية لم يحجب اخبار مدينة حلب. فمهما كانت الاحداث مهمة، تتمتع الشهباء باهتمام خاص من المؤيدين والمعارضين

 

حسين ملاح

أزيز الرصاص ودوي المدافع المتناثر شمالاً وجنوباً وطولاً وعرضاً على امتداد الجغرافيا السورية لم يحجب اخبار مدينة حلب. فمهما كانت الاحداث مهمة، تتمتع الشهباء باهتمام خاص من المؤيدين والمعارضين والاطراف الاقليمية والدولية.

"حلب عطشى"

من بين الركام المنتشر في عاصمة سورية الاقتصادية، أطل خبرٌ في غاية الاهمية رغم تغييبه قصداً من قبل وسائل اعلام عربية ، ويتلخص الخبر بقيام مجموعات مسلحة بالسيطرة على مضخة سليمان الحلبي التي تغذي احياء حلب بمياه الشرب سواء الاحياء التي يتواجد فيها الجيش السوري او الجماعات المسلحة.

قطع المياه المستمر تركز اكثر عن الاحياء الخاضعة لسيطرة الوحدات العسكرية ، الامر الذي أُعتبر حالة عقاب جماعي شملت عشرات الاف المواطنين ان لم نقل مئات الالاف ، ما دفع السكان صغيرهم وكبيرهم الى الانتظار لساعات طويلة في طوابير لنيل حصة من المياه تسد رمق طفل هنا وامراة هناك وعجوز في هذا الحي ومريض في ذاك.

"عطش حلب" امتد الى الاحياء الخاضعة لسيطرة المسلحين الذين بدى انهم عاجزون عن تحويل مضخة سليمان الحلبي عن مسارها ، فشرعوا في حملة استغلال رخيصة تمثلت بقيام جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة بحملة للمتاجرة بالمياه مقابل اموال تُؤخذ غصباً من جيوب الحلبيين.

الجماعات المسلحة وعلى رأسها المتسترة تحت مسميات "اسلامية" تباهت بتعطيش المواطنين كما اكدت مصادر اعلامية معارضة ومواقع الكترونية تابعة للمسلحين ، فعلى سبيل المثال نشر "المرصد السوري لحقوق الانسان" المعارض خبراً في تاريخ 12-5-2014 يؤكد ان من قام بقطع المياه عن حلب هي ما يسمى "الغرقة المشتركة لاهل الشام" التي تضم (جبهة النصرة – الجبهة الاسلامية – لواء التوحيد) وذلك بالتنسيق مع هيئة شرعية يزعم المسلحون انها مختصة بتحكيم شرعهم!!! فكانت النتيجة آلاف العطاشى ناهيك عن انتشار الأمراض والاوبئة خاصة لدى الاطفال، وما زاد الامر سوءاً اضطرار المواطنين الى شرب مياه جوفية ملوثة هذا ان وجدت...

تجار الموت والثأر من حلب

تعطيش مواطني حلب لم يكن مفاجئاً نظراً للمنحى الدموي والسلوك اللاخلاقي التي تتبعه الجماعات المسلحة ، ففي كثير من المحطات برهنت تلك المجموعات ان المواطن السوري ما هو الا مطية لتحقيق مشاريعها ، وهي تتوسل كافة الاساليب من قتل وتشنيع وتعذيب وتهجير وحصار ، وطبعاً يأتي تعطيش حلب ضمن منحى تصاعدي ينتهجه المسلحون بمعية أطراف اقليمية ودولية متضررة من التقدم المستمر لوحدات الجيش السوري.

ولطالما خيبت حلب ظن المسلحين ورعاتهم عند بداية الاحداث السورية حيث لا يغيب عن الذاكرة "استبسال" فضائيات عربية وقيامها بحملة تفتيش مضنية عن أي خبر وان كان مختلقاً يتحدث عن حدوث تظاهرات ضد الحكومة ،وذلك من اجل القول ان الاحتجاجات وصلت الى ثاني اهم مدن سوريا التي تضم اكثر من مليوني ونصف المليون نسمة .ولكن مع مضي الاشهر وعجز المسلحين عن اختراق الجدار الشعبي للحكومة في الاوساط الحلبية ، أُتخذ قرار بغزو المدينة في صيف عام 2012 ، ومنذ ذاك الحين يسعى المسلحون للسيطرة على كامل حلب وسلخها عن قبضة الدولة المركزية ، عبر خطوات اتخذت اشكالاً متعددة:

اولاً: حصار غذائي خانق امتد لاشهر ولم ينتهِ الا بعد تأمين الجيش السوري طريق خناصر أواخر عام 2013

ثانياً: محاولة دائمة لقطع التيار الكهربائي عن حلب عبر استهداف ممنهج لمحطات توليد الكهرباء

ثالثاً: ضرب المستشفيات والمراكز الصحية ومن أهمها مشفى الكندي الذي أضحى خرباً بعد دخول المسلحين اليه

رابعاً: استهداف المدارس والجامعات والكوادر العلمية بتفجيرات انتحارية او مدافع "جهنم"

خامساً: قصف عشوائي للاماكن السكنية بغية ايقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا

سادساً: استهداف وتدمير وسرقة المصانع والمنشآت الحيوية والمعامل الصناعية

سابعاً: تدمير الابنية التراثية وآخرها فندق الكارلتون التاريخي

ثامناً: ترهيب المواطنين واخضاعهم بالقوة لاحكام الجماعات المسلحة

تاسعاً: الشروع بحملات متتالية ضد مواقع الجيش السوري على مختلف جبهات حلب (بتخطيط ودعم خارجي)

ويبدو أن الاطراف الاقليمية وتحديداً أنقرة غير بعيدة عن "حصار المياه" المفروض على حلب ، خاصة بعد افشال الجيش السوري لهجوم المسلحين على كسب بريف اللاذقية الشمالي، اضافة الى صد الهجمات الواسعة التي يشنها هؤلاء على محاور القتال الرئيسة في حلب. فاندفاعة كسب توقفت ، والجيش استعاد المبادرة وسط تقهقر المسلحين الذين ظهروا عاجزين عن تحقيق اختراق هام ، رغم الحدود التركية المفتوحة وتهريب المال والسلاح والرجال ، وسط معلومات تؤكد ان من يقود المعارك في حلب هم شيشانيون وقوقازيون ومن دول آسيا الوسطى.

قدر حلب ان تدفع اثمان من لا يرحم ويتمظهر بلباس جماعات "اسلامية" تريد ارجاع البلاد والعباد الى ظلمة تاريخية غابت منذ مئات السنين ، ولكن الامل لدى الحلبيين لن يموت، وربما تشهد مدينتهم سيناريو مشابهاً لمناطق اخرى كان للجيش السوري فيها الكلمة الطولى..