وانتهت بذلك هذه الحروب التي استمرت أكثر من قرن من الزمان على يد أكمل البشرية جمعاء وبكلمات من القرآن الكريم تلاها لسانه العذب ولغته السهلة السمحة
مقدمة:
لازال موضوع الوحدة من المواضيع أو المفاهيم القلقة الغير مستثمرة إلى الآن بطريقة قادرة على ترميم البناء الداخلي للأمة من جهة وبناء جدار سميك قادر على درء كل المخاطر المحيطة بهذه الأمة من الخارج من جهة أخرى.ولا زلنا نراوح في مكاننا بين شد وجذب على مواضيع لا أعتقد أهميتها تزيد عن أهمية الأخطار التي باتت تحيط بنا وتلاحقنا حتى قضت مضاجعنا وبات الأمن في منطقتنا من أحلامنا وآمالنا رغم أنه يفترض أن يكون من المسلمات والبديهيات في ظل ما تنعم به دولنا من رخاء إقتصادي مزعوم لم يستثمر كما يجب في تفجير الطاقات وإبراز الإبداعات خاصة تلك المتعلقة بالفكر والمعرفة.وبعد أن كان موضوع الوحدة من المواضيع المضطهدة في ظل التناحرات الطائفية القديمة,إلا أنه برز إلى الساحة كنجم لاح في الأفق ليتنفس الجميع الصعداء عله يجد صدى في عقول وقلوب الناس.
ورغم ظهوره على ساحات الفكر الإنساني وضلوع الكثيرين في موضوعاته وطرح الكثير من المبادرات والنظريات والكتب والمجلات حول هذا الموضوع إلا أنه خرج من عصر اضطهاده كفكرة ومشروع نهضوي فيما مضى إلى عصر استلابه وتفريغه من محتواه الحقيقي وتغيير مسار أهدافه التي بها تتحصن الأمة,إذ أن الأعداء المتربصون بنا كثر ويأبون لهذه المسيرة أن تستمر فاستلبوا وحدتنا الحقيقية تحت شعارات الوحدة النخبوية والغير قادرة على اختراق عقول وقلوب الجماهير.وفي هذه المناسبة العظيمة على قلوبنا جميعا لا أجد إلا قلب رسول الله صلى الله عليه وآله مأوى آمنا نتحصن به جميعا من منطلقاتنا الإنسانية الجامعة لنستلهم من مسيرته وسيرته أسس الوحدة وآثارها على تحصين البناء الداخلي والخارجي للأمة جمعاء في ظل محاولات حثيثة لاستلابنا القدس الذي يعتبر أحد المقدسات المهمة في تاريخنا وحاضرنا وما يعنيه هذا الاستلاب من انهزام حقيقي على كافة المستويات رغم الدماء التي حققت لنا انتصارات على أرض المعركة في جنوب لبنان وغزة.
مشروع الوحدة في حركة رسول الله صلى الله عليه وآله:
كثيرا ما نقع في قراءتنا لشخصية رسول الله صلى الله عليه وآله في خطأ عدم التفريق بين ممارسته كنبي وأدواره الاجتماعية الأخرى وبين دوره المحوري والهام كرئيس للدولة الإسلامية وكيفية أدائه لهذا الدور لنؤسس عليه مبادئ الفكر السياسي في المنظومة الإسلامية وندرس مقاصد هذا الحراك بكافة مصاديقه لنستطيع أيضا أن نحدد النظريات الإسلامية في كثير من المواضيع الهامة لأمتنا والعائدة على الإنسانية بالنفع والعدالة بكافة مصاديقها وهو الهدف الذي بعث لأجله الانبياء والرسل وكيف لا والدين جاء لخدمة البشرية جمعاء وتحقيق العدالة والمساواة والنهوض بعقل الإنسان ليكون قائد المسيرة تحت راية التوحيد.وأيضا لا بد لنا من قراءة الكتاب والسنة عبر نظرة تاريخية لنسأل أنفسنا ما الذي كان يريد أن يؤديه النبي من خلال الكتاب والسنة في ذلك العصر وضمن الظروف التاريخية والاجتماعية الخاصة تلك؟ومن هنا لابدية الوصول إلى المقاصد التي قام لأجلها بما قام ستكون حتمية.وهذا سيلعب دورا مهما ومحوريا في بناء فقه متكامل يعني بالشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية ويبرز النظرية الإسلامية الكلية لهذه المصاديق.
فلو سلطنا الضوء على حراك الرسول بعد بناء الخلايا الإيمانية الأولى في مكة وتوجهه إلى المدينة لبناء الدولة الإسلامية ووقفنا على المقدمات الأولى التي قام بها رسول الله والتي انطلق منها لبناء أسس الدولة الإسلامية الأولى في تاريخ البشرية لوجدناها كلها بدأت بتوحيد الكلمة تحت راية التوحيد.
*إذا ما هي أهم الخطوات التي خطاها رسول الله في مشروعه الوحدوي لبناء الدولة الإسلامية؟
1.تمهيد الطريق وإزالة العقبات:
1.1 الأوس والخزرج: (الاستقرار الداخلي – وحدة الهوية الانتماء)
في بداية الطريق كان لابد لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يمهد الطريق أمام قدومه إلى المدينة لبناء الدولة التي ستقيم العدل وترفع راية التوحيد على الأرض لذلك كان عليه مهمات صعبة جدا في ظل احتراب داخلي سياسي وعسكري في المدينة كان قائما على قدم وساق بين أكبر عشيرتين وهما الأوس والخزرج حيث كان يؤجج هذا الصراع عناصر من اليهود في ظل غياب القانون الإلهي, فاستمر الاحتراب بين العشيرتين قرابة القرن ونيف بعد ان تنامت قوة القبيلتين فخاف اليهود على مصالحهم ورغبوا في إعادة سلطتهم وهيمنتهم على المنطقة فلجؤوا إلى الحيل وبث الفتنة والفرقة بينهما,ويعتبر عدم الاستقرار الداخلي من أهم العوامل المعيقة لنشر الدعوة وبناء صرح دولتها . فحينما جاء ستة رجال من بني العفراء وهم ينتسبون إلى الخزرج يبحثون عن تحالف يزيد من قوتهم التقوا برسول الله صلى الله عليه وآله والذي استطاع بحكمته السياسية وعمقه الأخلاقي الرسالي أن يستحوذ على قلوبهم وعقولهم بعد ان تلا عليهم شيء من القرآن لامس فطرتهم فأعلنوا إسلامهم وتمت بيعة العقبة الاولى ومن ثم بيعة العقبة الثانية التي شارك فيها كل من الأوسيين والخزرجيين.
وانتهت بذلك هذه الحروب التي استمرت أكثر من قرن من الزمان على يد أكمل البشرية جمعاء وبكلمات من القرآن الكريم تلاها لسانه العذب ولغته السهلة السمحة واستطاع بذلك أن يحدث أول استقرار داخلي بين أكبر قوتين في المدينة ليؤمن نشر الرسالة ويؤمن قدومه إلى المدينة ليقيم الصروح الأولى في بناء الدولة الإسلامية.ونستفيد من ذلك أن أي قوة لا يمكنها أن تتمكن من بناء صرحها المتين لمواجهة الأعداء إلا إذا مكنت لها أرضية متساوية ومتآلفة ومتحدة تحت راية تجمع الجميع باختلاف أطيافهم وهي الخطوة الأولى في تحصين هذا البناء وتشييده.وهذا يعلمنا دور الترابط الداخلي تحت شعار واحد جامع ومانع لأي فرقة دون النظر إلى الهوية الطائفية أو العائلية أو الحزبية وهذا الحراك يبين لنا أهمية ترسيخ مفهوم وحدة الهوية الانتماء ودورهما في رص الصف الداخلي.
1.2 بناء المسجد: (دور دور العبادة في الاستقرار وبناء الدولة الآمنة القوية وترسيخ مباني الوحدة)
لقد اجتاز النبي بالمسلمين دائرة بناء الفرد,وبوصوله إلى يثرب شرع في التخطيط لتكوين الدولة التي تحكمها قوانين السماء والشريعة الإسلامية بشرعتها التي تلامس فطرة الإنسان ومنها ينطلق لبناء الحضارة الإسلامية لتشمل كل الإنسانية في مرحلة ما بعد الدولة.وكان من أولى العقبات أمام تأسيس الدولة النظام القبلي الذي كان يحكم الجزيرة آنذاك وكان ضعف المسلمين لا بد له من معالجة واقعية بعيدة كل البعد عن التنظير الغير واقعي فكان لا بد من إنشاء مركز يكون من مهامه إدارة شؤون الدولة ومركزا للسلطة المركزية فتم بناء المسجد الذي لعبا دورا مهما فيما بعد في بناء شخصية الفرد والمجتمع ككل.وبذلك تتحول فكرة المسجد إلى فكرة عالمية تشكل منطلقا دائما لترسيخ دور دور العبادة في كافة الأديان لتوعية الفرد والمجتمع والنهوض بهما وتوحيد كلمتهم على أسس تجتمع عليها الإنسانية ولا تفترق.لا أن تتحول دور العبادة إلى أمكنة تبث فيها الفتن وتثار فيها العصبيات.فهي مكانا للبناء وليس للهدم.وتوضح هذه الخطوة أهمية دور العبادة في توعية الجماهير والنهوض بها من وحل الجهل الآسن إلى نور العلم الذي يسمو بعقولهم فيزيل عنها أتربة التاريخ التي استلهمنا منها السلبيات المفرقة وقرأناها بقبليات طائفية أدت بنا إلى ما نحن عليه الآن من فرقة وتشتت.
1.3 المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: ( التخلص من النزعة القبلية واختلاف الهوية المتمثلة باختلاف الجنسية – وحدة العقيدة والمصير بين المسلميين)
ثم خطا النبي صلى الله عليه وآله خطوة أخرى لإقامة الدولة من خلال القضاء على النظام القبلي ولكنه لم يمس القبيلة بشيء أي أنه رفض القبلية واستوعب القبيلة.وأطلق عنان لسانه ليصدح في سماء المؤاخاة على أساس العقيدة والدين ومتجاوزا علقة الدم والعصبية قائلا:" تآخوا في الله أخوين أخوين".وبهذا التآخي بين المهاجرين والأنصار والصلح بين الأوس والخزرج يكون:
1.أزال الخلافات الداخلية القائمة على أساس عصبة الدم والعائلة والقبيلة وجعل الانتماء والهوية من معايير الوحدة والائتلاف وليس الاختلاف.
2. استوعب القبيلة ونزع فتيل القبيلية وأزال اختلاف الهوية والانتماء تحت شعار وحدة العقيدة و المصير بين المسلمين.
3.جعل انطلاقة الوعي الإنساني مرتبطة بدور العبادة المرتبطة براية التوحيد مما يعطي أهمية بالغة لهذه الدور لتكون دور جامعة وليست مانعة للجمع.
وبذلك يكون الرسول فتح على العالم عهدا جديدا من الحياة الإنسانية الراقية إذ زرع بذلك عنصر بقاء الأمة وفعاليتها الإيمانية لأن مشروعه مشروع الأمة وإن فرقتها الدول أي وحدة مصير الأمة هي الأساس.وبهذا نستفيد في كيفية التخلص من النزعات التي أفرزتها الهويات المنتمية إلى جنسيات مختلفة وأطرتها الحدود الجغرافية وكيف أن اختلاف الجنسية يجب أن يشكل عنصر ائتلاف[WR1] وليس عنصر اختلاف كما يحاول الكثيرين زرعه في قلوب أمة انتمت إلى رسالة التوحيد إلا أنها اختلفت تحت شعار اختلاف الجنسية والقومية والانتماء الوطني البعيد عن روح الوطن والولاء له.وبما أن الأمة في ذلك الزمان كانت متمثلة في مجتمع المدينة فإننا نستطيع أن نعي أن هذه الحركة التي قام بها رسول الله لا تعني مجتمع المدينة وإنما تعني الأمة ككل التي أراد أن يحصنها الرسول لتكون أمة وسطا وخير أمة أخرجت للناس إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وهل يوجد منكر أشد من أن يكفر بعضنا بعض ويهدر بعضهنا دم بعض وهل يوجد معروف أرقى من أن نجتمع تحت راية التوحيد لنكون كالجسد الواحد في وجه كل الأخطار المحدقة بنا وقد قالها الله صراحة:"ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"؟
1.4معاهدة المدينة: ( تجسد أسس التعايش بين الأديان واحترام الآخر ومعتقداته- الوحدة بين مختلف الاديان والطوائف تحت شعار الإنسانية الجامعة )
لكي ينتقل النبي صلى الله عليه وآله من حالة الصراع والمقاومة إلى مرحلة البناء والتطبيق للشريعة الإسلامية كان لابد من توفير أجواء الأمن والاستقرار ولو نسبيا لأن الصراع يعيق انتشار الدعوة في وسط الجماهير.وكانت هناك قوى كاليهود وهي تمثل أهل الكتاب والأديان الأخرى وقوى أخرى من المشركين وإن ضعف وجودهم بقدوم الرسول وهي تمثل العقائد الأخرى وتجمعها معها الإنسانية[WR2] فجاملهم الرسول وقابلهم بالحسنى.إضافة إلى المنافقين الذي لا بد له أن يحتويهم.خاصة في ظل وجود هذه الدولة الفتية في ظروف محيطة تشكل تهديدا حقيقيا للكيان الإسلامي فكان لا بد للرسول أن يستعد لمواجهة هذه الأخطار ولايتم له ذلك إلا بتوحيد الجبهة الداخلية واستيعاب كل أطيافها.وعل هذه الظروف كثيرة الشبه بالظروف المحيطة بالأمة العربية والإسلامية وهو ما يدعونا إلى الاقتداء برسول الله في حركته في توحيد الكلمة الداخلية ورص صفوف هذه الجبهة لمواجهة كافة الأخطار المحدقة بنا.
إضافة إلى أن حركة رسول الله في رص الصفوف كانت مقننة في معاهدة المدينة وخاطبت كل فئات المجتمع في ذلك الوقت مما أسهم إسهاما كبيرا في انتشار هذه الثقافة الوحدوية بين كافة أطياف المجتمع ولم يكن خطاب الرسول الوحدوي خطابا نخبويا خاصا بل جماهيريا عاما.ولا حظنا كيف أن لرئيس الدولة دورا محوريا هاما في تدعيم وترسيخ أسس الوحدة بين كافة أطياف المجتمع وكيف يمكنه أيضا أن يضعضع هذا البنيان ويفتت قوامه من أجل إحكام سيطرته وهيمنته على الجماهير.
وأهم ما تضمنته الصحيفة كان:[1]
1.إبراز وجود المجتمع المسلم وإشعار الفرد المسلم بقوة انتمائه إليه.(الوحدة بين المسلمين ورفض الانتماء القومي بل تعزيز الانتماء العقيدي أي صياغة مشروع الأمة)
2.الإبقاء على الوجود القبلي – مع تحجيم دوره وصلاحياته – لتخفيف العبء عن كاهل الدولة,بإشراكه في بعض النشاطات الاجتماعية والاستعانة به لحل جملة من المشكلات.(وحدة الهوية ورفض النزاع على أساس العصبية القبلية أو العائلية )
3.التأكيد على حرية العقيدة بالسماح لليهود بالبقاء على ديانتهم وممارسة طقوسهم واعتبارهم مواطنين في الدولة الإسلامية الجديدة.( الوحدة بين الاديان تحت شعار التوحيد)
4.ترسيخ دعائم الأمن في المدينة بجعلها حرما آمنا لا يجوز القتال فيه.( وحدة الدم وحرمته[WR3] )
5.إقرار سيادة الدولة والنظام الإسلامي وإرجاع قرار الفصل في الخصومات إلى القيادة الإسلامية المتمثلة في شخص رسول الله.(وحدة القيادة ليس بشحصها وإنما بأهدافها)
6.توسيع دائرة المجتمع السياسي باعتبار أن المسلمين واليهود يتعايشون في نظام سياسي واحد ويدافعون عنه.( وحدة المصير)
7.الحث على إشاعة روح التعاون بين أفراد المجتمع المسلم كي يتجاوز الأزمات التي تعترضه.(وحدة الانتماء للوطن).
ومما سبق نستطيع أن نخرج بالمعايير التالية في مشروع الوحدة:
1. بناء قاعدة جماهيرية واعية قادرة على فهم أسس الوحدة وأهدافها من خلال بث الوعي في صفوف هذه الجماهير وإبراز دور دور العبادة كمراكز تثقيفية تنويرية تعمل على تويحد الصفوف وائتلاف القلوب لا اختلافها.
2. القراءة التاريخية الواعية بهدف استلهام المقاصد التشريعية من حراك الرسول صلى الله عليه وآله ونبذ كل ما من شأنه أن يبث الاختلاف وإرجاعه إلى حرية المعتقد الديني,فمشروع الدولة في حراك الرسول كان قائما على دمج القبائل في شعب والشعوب في أمة,أي أن مشروع الدولة في النظرية الإسلامية هو مشروع بناء الامة التي لا تحدها الحدود الجغرافية وليس بناء الدولة التي تحد بحدود جغرافية مانعة وغير جامعة.فالرسول وحد القبائل بشعب والشعوب بأمة ولم يكن الانتماء لا لجنسية ولا لقومية ولا لطائفة بل كان الانتماء إلى الأمة هو الأساس في دعم وتقوية بناء الدولة الإسلامية واليوم هو الأساس لتقوية دعائم الدول الإسلامية في مواجهة الاخطار المحدقة بالأمة ككل.
3. تقنين ما تخلص له المؤتمرات في أطر دستورية تمثل مرجعية شرعية في منظمة المؤتمر الإسلامي يكون من شأنها أن تحد من ثقافة الفتنة التي يقتات عليها أعداء الأمة وتضع عقوبات صارمة على من يخالفها من العلماء والنخب.
4. دور العلماء في توضيح النظرية الإسلامية في مشروع الوحدة أي نحتاج إلى فقه الوحدة وهذا يتطلب إلى فقه الجماعة لا الأفراد.ويكون فقها جامعا للمسلمين من كافة طوائفهم الإسلامية, يستلهم تشريعاته من القرآن الكريم أولا ويلعب العقل فيه دورا بارزا في تحديد المصلحة والمفسدة التي تخص سلامة بنيان الأمة الداخلي والخارجي ويحقق مقاصد الشريعة في إقامة العدالة الاجتماعية والامن المجتمعي.وطبعا "لأن البحث العقلي يؤلف من نقاط الاشتراك والافتراق موضوعات كلية تعيد تنظيم البحث الكلامي وفق أدوات جديدة تبتعد بها عن إشكاليات الأخبار والروايات التي قد تتعرض للنقد سندا ودلالة,ذلك أن خصوصية الأخبار هي واحدة من أهم آفاتها,فهي عادة مختصة بطائفة آمنت بها وركنت إليها,دون غيرها من الطوائف,وبالتالي هي لا تشكل أكثر من سور وقائي يتحصن داخله أصحابه بقدر ما يوفر لهم من حصانة,دون أن يشكل أداة حوارية تبادلية تتصل بالآخر لتؤسس جسورا للتواصل والترابط.إنها تؤلف كيانات ومحميات عقيدية مفصولة عن بعضها بأسوار مختلفة الأشكال والأبعاد.وهذا ما ساعد على بقاء هذا التمترس السلبي قائما وحاكما على العلاقات الفكرية بين الفرق والمذاهب والأديان"[2].
5. ضرورة أن تلعب الأنظمة دورا بارزا في إدارة مشروع وحدوي يعيد لهذه الأمة قيمومتها وقيادتها وقوتها في وجه كل التحديات والأخطار التي تحيط بها وهو أمر يتطلب بذل جهد كبير من قبل علماء ونخب الأمة في وعي الجماهير للضغط باتجاه ترسيخ هذا المشروع وتطبيقه في العلاقات بين الدول بعضها ببعض والعلاقات بين المجتمعات والأفراد لتصبح هناك ثقافة باسم ثقافة الوحدة.
6. للإعلام دوره الكبير والقوي في رص الصفوف وهدم الجدر إلا أن إعلامنا اليوم في غالبه تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من غرف خاصة تمول بأموال عربية إسلامية وظيفته بناء الجدران ليس فقط بين الدول وإنما بين النفوس والأسرة الواحدة وبدل أن تنشر هذه الفضائيات ثقافة الوحدة نجدها تنشر ثقافة الإباحية الأخلاقية بكافة مصاديقها وهذا يفقد الفرد شعوره بالمسؤولية اتجاه نفسه وأمته باالتالي لا يعود هناك أي أهمية لديه في الحفاظ على وحدة مجتمعه فضلا عن وحدة أمته.لذلك أجد من الضروري أن تكون لدعاة الوحدة من الدول والعلماء والنخب منفس إعلامي يطل على الجماهير بلغة عصرية قادرة على ترسيخ ثقافة الوحدة .
وأخيرا يبقى لي تساؤلا أطرحه على الجمهور الكريم : هل تعتقدون أن بعد كل هذه المؤتمرات والندوات وكل ما نشر وكتب عن الوحدة مع احترامنا وعدم إنكارنا لمنجزات تمت على الأرض أن هذا الكم الهائل كان قادرا على بناء جدار سميك وبنيان قوي استطاع أن يقف في وجه الفتن والمحن التي عصفت وألمت بهذه الأمة ودرأت المخاطر والمؤامرات التي حاكتها لنا السياسات الصهيو- أمريكية لتبث الفتنة في صفوفنا فتمكنها من المزيد من الهيمنة؟
أم أن جدارنا مازال ركيكا هزيلا يرزح تحت وطأة الجدل الإنساني الذي أتى على كل شيء في معالم الشخصية المسلمة وأبعادها الإنسانية وأن أقل ريح فتنة تعصف بهذه الأمة كان أول من يسقط أمامها هم دعاة الوحدة ومنظريها لأنها لم تبن على أسس سليمة ومتينة ؟
الهوامش:
[1] أعلام الهداية - المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
[2] د.صائب عبد الحميد – الشهيد محمد باقر الصدر من فقه الاحكام إلى فقه النظريات ص 67 إصدار مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي- بيروت
[WR1]تكون هذه العوامل في طول بعضها البعض وليس في عرض بعضها البعض أي انها كلها تصب في طول وحدة الأمة
[WR2]إما أخ لك في الدين أو تظير لك في الخلق
[WR3]ملاحظة أن هذه الحرمة شملت كل الاطياف المشركين والمنافقين والمسلمين وأهل الكتاب