"نحن نأسف لأن تكون الجامعات محكومة بالتكتلات الطائفية والسياسية والحزبية. ولذلك، بتنا نعيش الغربة في واقعنا؛ الغربة من خلال جهل بعضنا للبعض الآخر، والغربة من خلال عدم تواصلنا مع الآخر.
حاضر سماحة العلامة السيّد علي فضل الله في كلية العلوم، في الجامعة اللبنانية ـ الحدث، عن دور الشباب في تعزيز العيش المشترك، بدعوة من مجلس طلاب الفرع فيها ومعهد اقرأ للعلوم الإسلاميّة. وقد حضر الندوة مدير كلية العلوم في الفرع الأول، الدكتور علي كنج، والمدير العام لجمعية المبرات، الدكتور محمّد باقر فضل الله، وفضيلة الشيخ فؤاد خريس، ومسؤول الجامعات في التعبئة التربوية، حيدر شميساني، وعدد من الأساتذة الجامعيين، وممثلون عن القوى الطلابية في الجامعة، وحشدٌ من الطلاب. وقدّمت المحاضرة نورا شقير.
بداية، النشيد الوطني اللبناني، ثم تم عرض فيلم وثائقي عن سماحة المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله(رض). بعدها، ألقى العلامة السيد علي فضل الله محاضرة، ومما جاء فيها: "نلتقي في رحاب هذا الصَّرح العلمي، حيث الحديث هو حديث العلم الَّذي يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة البعيدة عن أية حسابات ذاتية أو اعتبارات خاصة. ونحن دائماً بحاجة إلى استهداء العلم للنظر في قضايا أساسية، منها دور الشباب في تعزيز العيش المشترك".
وأضاف: "إننا نرى أهميَّة كبيرة في هذا الموضوع، نظراً إلى دور الشباب المطلوب دائماً في صناعة التغيير في وطنه، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بوطن لا يراد له الاستقرار، ويراد له البقاء محكوماً إلى الانقسام الطائفي والمذهبي والسياسي؟!".
وتابع: "نحن نأسف لأن نتحدّث في لبنان عن ضرورة تعزيز العيش المشترك، بعد أربعين سنة عاش فيها اللبنانيون ويلات الحرب وتداعياتها، ولا يزالون يعانون نتائجها على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني والاجتماعي، فيما حديث العالم، هو حديث التنمية، وتطوير مناهج التعليم، والتعلّم، والسباق في مجالات التطور التقني والتكنولوجي، والسعي الدائم لصنع وحدة بين دوله، رغم تنوعاتها، والتناقضات فيما بينها، والتاريخ الدامي الذي أنتجته حروبها وصراعاتها، لكن يبقى قدرنا أن نفكّر في بديهية بناء وطن سيستفيد الكل منه، ويجنون من نتائج استقراره وقوته ووحدته".
ورأى سماحته أنَّ مشكلة هذا البلد في كونه لم يبنَ بعد ليكون وطناً، فهو عبارة عن تجمّع لطوائف ومذاهب قررت أن تتعايش فيما بينها، وهي بالطبع ستتصارع عندما تتضارب مصالحها، ويجد كلّ منها في هذا العالم من يقوي له موقعه، ويزيد من حضوره الداخلي.
وهذا الخلل في التعايش، لم يكن سببه دينياً أبداً، فالحرب التي حصلت في لبنان، لم تكن بسبب صراع إسلامي مسيحي بالمعنى الديني، ولا هي سنية وشيعية، حتى يأتي البعض ليقول: الدين هو المشكلة، فأخرجوه من الحياة، فأينما وجد الدين، وجدت التوترات والصراعات. إن الصراع كان دائماً سياسياً، وكان صراعاً طائفياً، وصراع دول استقوت بها الطوائف، ومهّدت لها، ليكون صراعها على أرض هذا الوطن، والطائفية ليست ديناً، إنما هي تجمع قبلي عشائري، يأخذ الدين كعنوان، ولكنه لا يتحرك على أساسه.
وأكد أن الشباب يشكّل دائماً قوة رفض لكلِّ انحراف وفساد سياسي، وهم الذين قامت على أكتافهم كل حركة خير، وكل دعوة لاحترام قيم الرسالات السماوية، وكل دعوات التغيير، مشدداً على الشباب، وخصوصاً الشباب الجامعي، أن لا أن يكتفوا بوضع اللوم على الطّبقة السياسيّة، أو الطّبقة الدينيّة، أو ضغوط الخارج، رغم أن ذلك قد يكون واقعياً في كثير من المجالات، ولكن من مسؤوليتهم أن يعملوا على دراسة الوسائل التي تعيد إنتاج اللحمة فيما بينهم، وتعزيز القواسم المشتركة، والتواصل، والحوار الهادئ والعقلاني، لمصلحة الوطن، لا لمصلحة هذه الطائفة أو تلك، كما يجري في الحوارات السياسية السائدة، وحتى في بعض اللقاءات الدينية الشكلية.
وحذّر سماحته من تنامي مظاهر التّقسيم الذي تشهده الأحياء والمناطق، حيث بات الخوف المتبادل يحكم حياة اللبنانيين، ويؤدي إلى الفرز بينهم، فبتنا نرى مناطق إسلامية، وأخرى مسيحية، وأخرى درزية وعلوية، بحيث لا يشعر أحد بالأمان إلا في ظل طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي، مشدداً على دور الطلاب الجامعيين في التصدي لهذه المظاهر.
وقال: "إننا نريد للجامعة أن تكون ساحة مفتوحة يعبّر فيها الجميع عن أفكارهم وتطلعاتهم، وساحة للحوار الحضاري حول كلّ القضايا الخلافية، فلا تجترّ الانقسامات الطائفية والمذهبية، بحيث يتقوقع طلاب كلّ طائفة ومذهب في دائرة خاصة".
وختم قائلاً: "نحن نأسف لأن تكون الجامعات محكومة بالتكتلات الطائفية والسياسية والحزبية. ولذلك، بتنا نعيش الغربة في واقعنا؛ الغربة من خلال جهل بعضنا للبعض الآخر، والغربة من خلال عدم تواصلنا مع الآخر.
ومن هنا، فإننا ندعو طلاب الجامعات إلى أن ينفتحوا على الجميع، وأن ينطلقوا خارج محيطهم الخاص، ليروا الوجه الآخر لهذا المحيط، وأن لا يختنقوا في خصوصياتهم. ولهذا، كنا ندعو إلى جامعة موحدة متنوّعة يتظلّل الجميع في فيئها، بدل أن تتحول إلى جامعات موزّعة حسب المذاهب والطوائف".