وبعد الدفع بنحو 20 ساعة، تبدأ الرسائل الإلكترونية بالتوارد إليك حول شركاء محتملين. لكن المفاجأة تكون أنّ القسم الأكبر منهم لا يتوافق مع المعايير المطلوبة في البداية
حين تصل نسبة «العنوسة» في لبنان بين الفتيات في عمر الزواج إلى ٨٥ في المئة، وفق الدراسة التي أجرتها إذاعة هولندا استناداً إلى إحصاءات مراكز الأبحاث والمعطيات الخاصة بالمنظّمات غير الحكومية، لا يمكن إلا توقّع حدوث «انفجار» اجتماعي. فليس بسيطاً أبداً أن ١٥ في المئة فقط من الفتيات اللبنانيات يجدن عريساً، والسبب مرتبط مباشرة بالرجال الذين باتوا يتأخرون في الزواج نظراً لمتطلّباته على مختلف الصعد.
فيرونيك أبو غزاله/ جريدة الحياة
لكن بدل أن يحدث هذا الانفجار الاجتماعي في الشارع للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمقبلين على الزواج، فمكانه بات الشبكة العنكبوتية التي غزتها أخيراً عشرات المواقع الإلكترونية المتخصّصة بالتزويج وإيجاد الشريك المناسب في ظلّ أزمة العنوسة وتأخر سنّ الزواج.
فبعد أن كانت هذه الظاهرة محصورة بعدد محدود جداً من الوكالات التي تمكن زيارتها فعلياً والجلوس مع القائمين عليها للتحدّث عن الزواج والمعايير المطلوبة للعريس أو العروس، بات اللبناني على موعد يومي مع مئات الإعلانات التي تظهر على معظم المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بهدف إيجاد الشريك المناسب واختبار الحبّ، كما يأتي في الشعارات المستخدمة في الإعلانات. لكن هل هذه الوكالات الافتراضية أو حتى الواقعية فعّالة حقيقة في إيجاد حلّ لمشكلة العنوسة في لبنان سواء عند الرجال أو النساء؟
المواعدة الافتراضية
يكفي الضغط على الرابط المرفق في إعلانات وكالات التـــزويج والمواعدة حتى تنتقل إلى موقع إلكتروني مصــمّم بدقّة، وفي الواجهة تبرز صور لشباب وفتيات لبنانيات أو حتّى عرب وأجانب يريدون الزواج من لبنــانيين أو لبـــنانيات. وأول ما يُطلب منك هو تسجيل الدخول و «فتح» حساب خاص بك على الموقع، وعندها تبدأ بإدخال المعلومات الخاصة بك مع اختيار المعايير التي على أساسها سيتمّ اختيار الشركاء المحتملين.
وتتضمّن هذه المعايير الطول، لون البشرة، الوزن، الجنسية، لون الشعر والعينين، المستوى التعليمي، والوضع المادي. فيما يكون هناك خانتان مخصّصتان أيضاً للطائفة ومنطقة السكن على بعض المواقع الإلكترونية بما ينسجم مع الواقع اللبناني. وعند إتمام هذه المعلومات، يحوّلك الموقع إلى صفحة الدفع حيث تكون كلفة فتح الملف ٢٠ دولاراً تُدفع عبر البطاقة الإلكترونية، على أن يكون هناك دفعات لاحقة حين يتمّ إيجاد الشريك المناسب وتحديد موعد اللقاء أو التواصل الافتراضي. وعلى رغم إعلان مواقع أنّها مجانية في البداية، لكن عند طلب رقم شخص آخر أو حسابه الإلكتروني يكون هناك تسعيرة معيّنة تتراوح بين ١٠ و٢٠ دولاراً.
وبعد الدفع بنحو 20 ساعة، تبدأ الرسائل الإلكترونية بالتوارد إليك حول شركاء محتملين. لكن المفاجأة تكون أنّ القسم الأكبر منهم لا يتوافق مع المعايير المطلوبة في البداية، وعند السؤال عن الموضوع عبر خدمة مساعدة الزبائن يكون الجواب أنّ هذا هو المتوافر حتى الآن، وسترد رسائل (إيميلات) أخرى بخصوص أي شخص جديد.
وإذا كنت تجد أياً من الأشخاص المقترحين جذّاباً أو مناسباً لمعاييرك، يمكن أن تطلب التواصل معه عبر «فايسبوك» أو الـ «واتس أب» لتحديد موعد اللقاء.
وهنا يمكن أن ينتهي دور الوكالة في حال كان الشخص مناسباً وتمّ الزواج في مرحلة لاحقة، لكنّ معظم المشتركين في هذه المواقع يؤكدون أنّ إمكانات النجاح ضئيلة بسبب احتيال أشخاص ووضع معلومات خاطئة عنهم أو إخفاء تفاصيل، كالعمر الحقيقي والحالة المادية، إضافة إلى صعوبة التفاهم منذ اللقاء الأول وشعور الشخص بأنّ الاحتمالات لا تزال كثيرة أمامه، ولا يجب أن يأسر نفسه بالشخص الأول الذي يتعرّف إليه.
وكالات التزويج «التقليدية»
في مقابل وكالات التزويج والمواعدة الإلكترونية، لا تزال الوكالات الواقعية، أي التي تمكن زيارتها فعلياً تملك بريقاً خاصاً، والثقة بها أكبر بالنسبة للراغبين في الزواج، فالخطّابة سمر مثلاً تستقبل يومياً حوالى ٥ فتيات يقصدنها لإيجاد الزوج المناسب، فيما يتردّد الرجال أكثر في زيارة الخطّابة ويفضّلون إرسال أمهاتهم أو أخواتهم لإيجاد المرأة التي تناسب الوضع المعيشي والاجتماعي الخاص بالأسرة. وتروي سمر قصص نجاح كثيرة، وكيف أنها تجمع القلوب المتباعدة وتقرّب الأحباء بعضهم من بعض.
وتعتبر سمر دورها محورياً في المجتمع اللبناني حالياً، تماماً كما القائمين على وكالات المواعدة والتزويج، فالشاب بات منشغلاً كثيراً في عمله، وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة، والهموم المعيشية تخنقهما، لذا فإنّهما لا يجدان الوقت للخروج والتعرّف إلى الآخرين. وحتّى لو فعلا ذلك، فربما لن يجدا الشريك الملائم بالسرعة القياسية التي تحقّقها الخطّابة.
وبحسب سمر، فهي لا تطلب إلا 100 دولار لتسيير المعاملات وإيجاد الشريك، وبالطبع فإنّ المبلغ لا يُسترد ولو لم تنجح عملية التزويج. كما يكون هناك مبلغ خاص بها عند عقد الزواج بين الشريكين اللذين جمعتهما.
غير أنّ الباحثة الاجتماعية نور حمادة، ترى أنّ ما تقدّمه هذه الوكالات سواء كانت افتراضية أو واقعية، ليس إلا وهم الانسجام مع الآخر وإيجاد الشريك المناسب، مستندة بذلك إلى المعايير السطحية التي يجب أن يحدّدها الشخص الذي يقصد الوكالة، فمعايير القيم والأخلاق لا يمكن أن تختصر بكلمات، كما تقول حمادة. ويصعب إنجاح زواج يستند إلى وصف طول الفتاة ولون شعرها وشكل قامتها، ما ينسحب على اختيار الفتاة للرجل أيضاً. وتحذّر حمادة من الخداع الكبير الذي يمكن أن يحصل في هذه الوكالات بهدف حض الزبائن على الزواج، من دون الأخذ في الاعتبار الاختلافات الكثيرة التي تكون موجودة بينهما، وكلّ ذلك لجني مزيد من الأموال.
هكذا تبدو وكالات التزويج خياراً فيه عثرات كثيرة، وليس بسيطاً بالقدر الذي يبدو عليه في الإعلانات. فليس صحيحاً أنّك متى تسجّلت في موقع للتعارف ستجد الحبّ الأزلي والتفهّم والدعم، لأنّ الزواج مسؤولية كبرى تتطلّب ما هو أكثر من مجرّد لقاء وتعارف وتقرّب من الآخر.