تساهم وسائل الإعلام في نشر المعلومات المرتبطة بالتغذية، ورفع الوعي حول السلوكيات الغذائيّة الصحيّة والوقائيّة وفي توضيح المفاهيم الخاطئة
تعدّ فقرات التوعية الغذائيّة محطّة ثابتة على معظم الشاشات المحليّة والعربيّة. افتح "فايسبوك"، تجد عشرات الروابط لمقالات عن مواضيع غذائيّة، وحول المقادير الأنسب من الطعام، للصحة والجمال والشباب. ولكن إلى أيّ مدىً يمكن المشاهد أن يثق بدقّة تلك المعلومات؟.
للإجابة على هذا السؤال، نظّمت "دائرة التغذية وعلوم الطعام" في "الجامعة الأميركية في بيروت" قبل أيام، ندوةً بعنوان: "اختصاصيّو التغذية في الإعلام: تأثير الإعلام على معتقدات وخيارات التغذية". وشارك في الندوة اختصاصيات في التغذية يظهرن في الإعلام بانتظام، هنّ كارلا حبيب مراد، ناتالي أسمر ياغي، فانيسا غصوب، وسوسن وزّان جبر، إلى جانب الأكاديمي جاد ملكي من دائرة علم الاجتماع والأنتروبولوجيا والدراسات الإعلامية، في الجامعة.
تساهم وسائل الإعلام في نشر المعلومات المرتبطة بالتغذية، ورفع الوعي حول السلوكيات الغذائيّة الصحيّة والوقائيّة وفي توضيح المفاهيم الخاطئة. في المقابل، يؤدّي توافر المعلومات بكثرة إلى ضياع المتلقّي، خصوصاً في ظلّ عدم وجود رقابة على مصداقيّة المعلومات. كانت آلية نشر المعلومات، في السابق، واضحة. ينتج الباحثون والمتخصّصون المعلومات التي تبثّها وسائل الإعلام إلى المتلقي. غير أن وفرة المعلومات، اليوم، عبر مختلف الوسائل التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، حوّلت الأمر إلى فوضى.
تشكّل وسائل الإعلام، وفق المتخصصة في التغذية ناتالي أسمر ياغي، الوسيلة الأوفر ثمناً لنشر التوعية، ولتعزيز الصحة العامة ولمواجهة المعلومات المغلوطة والحملات الدعائية لمنتجات غير صحيّة. ولكن، لا يمكن للمعلومات المنشورة في وسائل الإعلام، أن تحلّ محلّ المشورة الشخصيّة لاختصاصي في التغذية. تشير زميلتها كارلا حبيب مراد، إلى تغييرات عدّة طرأت على مقاربة الإعلام لمواضيع التغذية، خلال السنوات الأخيرة الماضية، أبرزها ارتفاع عدد البرامج المرتبطة بالتغذية، وتغيّر نوعية المواضيع المطروحة لتتناسب مع انتقال اهتمام المتلقّين من فقدان الوزن إلى نوعية حياة صحيّة، واتساع دائرة المهتمّين من نساء فحسب إلى رجال ونساء وشباب وأطفال.
يشرح مدير برنامج الدراسات الإعلامية في "الجامعة الأميركية" جاد ملكي، أنَّ وسائل الإعلام وبرامجها تساعد في نشر المعارف العلمية، والنصائح المرتبطة بالتغذية، وفي تصحيح المعلومات المغلوطة. وتساهم وسائل الإعلام في الحدّ من استخدام الأدوية غير المناسبة، وفي تجنّب الحميات الغذائية الصعبة وغير الملائمة.
في المقابل، ما زالت وسائل الإعلام تردّد المفاهيم والمفردات ذاتها "ريجيم، تخفيف وزن" وغيرها، فتظهر جهوداً ضعيفة في مواجهة الهوس المرضي بتخفيف الوزن السائد في المجتمع. وتركّز وسائل الإعلام، بشكل ضعيف، على نوعية الحياة الصحيّة، وعلى أهميّة الحركة البدنية، وعلى مخاطر الحميات الشديدة، وعلى مضاعفات العمليات الجراحيّة الخطيرة.
ترتبط نسبة خمسين في المئة من المعلومات المنشورة عن التغذية بالتسويق. وتنشر وسائل الإعلام معايير محدّدة للجمال مثل المرأة الرشيقة، المثيرة، الشابة. تعاني نسبة ثلاث أرباع من الممثلات في المسلسلات العالمية نقصاً في الوزن وتتلقّى الممثلات البدينات تعليقات سلبيّة. تروّج وسائل الإعلام لصورة محدّدة عن الجسد لا يمكن بلوغها، إذ يمكن لواحد في المئة من النساء فحسب أن يمتلكن جسداً شبيهاً بعارضات الأزياء.
تركّز وسائل الإعلام، وفق ملكي، على أهمية العمليات التجميليّة، وعلى اعتبار الجسد الأمر الأكثر قيمة في الإنسان، وضرورة أن يكون مثاليّاً بالتالي. وترتبط جميع تلك المفاهيم الجماليّة، التي تعززها وسائل الإعلام، بنظام التسويق لمنتجات معينة مثل المكمّلات والحميات الغذائية وغيرها. في المقابل، تولّد تلك المعايير، التي لا يمكن بلوغها، شعوراً بفقدان الثقة بالذات، وبقلّة الرضا الإيجابي عن الذات، وعن صورة الجسد.